مقالات

كسبار في حفل تأبين القاضي عبد اللطيف الحسيني: ليت الموت كان معتكفاً لكان حيّاً بيننا

النقيب ناضر كسبار*:
أهكذا، وفي أسرع من وجع النفس، يسكت الصوت العالي، ويسكن العصب الثائر، ويهدأ الذهن المتوقّد، ويقف القلب الكبير.
أهكذا تنتهي فصاحة النطق، وغزارة الفضل، وثبات الجأش، ونزاهة النفس؟ ويصبح القاضي الدكتور عبد اللطيف الحسيني نعياً، ووجعاً يتمدد في وجع ويزيد عليه؟
أهكذا، وفي لحظة يصمت الروض الغرد، وتسكن الدنيا اللاعبة، ويقبح الوجود الجميل؟
ليت الموت، كان معتكفاً كما كان القضاء العدلي، لكان الحبيب عبد اللطيف الحسيني حيّاً بيننا. 
نخسرهم يوماً بعد يوم ونحزن على فراقهم. وكما كتب لي الإعلامي الرصين جورج غانم: “كل يوم تودع رفيقاً أو عزيزاً أو زميلاً. مثل الواقف حاجباً على باب الحزن”. حزنك طويل كشجر الحور على ما قاله الماغوط.
كان القاضي عبد اللطيف الحسيني كثير الإطلاع، وافر الحرمة، كريماً ممدوحاً، متصالحاً مع نفسه ومع الآخرين. تعب كثيراً في عمله في القضاء، وتنقل في مراكز كثيرة في بيروت وبعبدا والشمال. وأعطى من علمه ووقته. وتقاعد.
في مسرحية “بترا” يصدح صوت نصري شمس الدين: “مبارح أنا ودعتهم كانوا شباب …” ويسأل: ” كيف بدقيقة الناس بيخلصوا”؟
إلا أن الجواب أتاه فوراً من السيدة فيروز: “أتاري الأحبة عا غفلة بيروحوا وما بيعطوا خبر”.
نعم. ما إن إرتاح الرئيس الحسيني من مشقات العمل حتى خطفه الموت من بيننا، وهو الذي كان يعلم ان الحياة لا تساوي شيئاً ولكن شيئاً لا يساوي الحياة كما يقول فولتير:
“La vie ne vaut rien mais rien ne vaut la vie”.
بهذه الشجاعة، وهذا التسليم لمشيئة الله، وهذا الإرتفاع عن الآن، والإستعداد للأبد، ترك الدنيا وكأنه يذكر كلاماً لجان درومسون “Qui veut la vie, accepte la mort”
نقدم مجدداً تعازينا الحارة للجسم القضائي، ولعائلته ومنهم زميلنا الأستاذ نائل ولأصدقائه ومحبيه.
ونتمنى للرئيس العزيز أن يلاقي عند ربه ما لم يلاقيه على الأرض من محبة ووئام ووفاق بين البشر. ونختم قائلين: البحارة الكبار لا يموتون. إنهم فقط لا يرجعون. رحمه الله.
ألقى نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار هذه الكلمة الرثائية في حفل تأبين القاضي الدكتور عبداللطيف الحسيني اليوم، في “بيت المحامي”.
“محكمة” – الخميس في 2023/7/6

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!