أنطونيو الهاشم.. نقيبٌ بحجم الوطن/فراس كنج

المحامي فراس أسعد كنج:
في تاريخ نقابة المحامين، تمرّ أسماء كثيرة على سجلات الشرف، لكن قلّة فقط تُخلّدها الذاكرة، وتُوشم في الوجدان الجمعي كأعلامٍ لا تنحني أمام عواصف السياسة ولا رياح المصالح. من بين هؤلاء، يبرز اسم النقيب الشيخ أنطونيو الهاشم، لا كمجرّد نقيبٍ سابق، بل كقامةٍ وطنية وفكرية، وكأبٍ روحي لمهنة المحاماة وركنٍ من أركان العدالة في لبنان.
هو النقيب الذي لم يكن للكرسي يوماً زينة، بل مسؤولية، ولم يكن المنصب في نظره غاية، بل وسيلة لتحقيق العدالة ورفع راية الحق. تسلّم النقابة في أزمنة دقيقة، فجعل من دارها منبراً للكرامة، ومن المحاماة سيفًا بيد الأحرار، ودرعًا بوجه الاستبداد.
أنطونيو الهاشم لم يكن فقط رجل قانون، بل مفكراً وإنسانياً حمل القلم كما حمل الميزان، يكتب للحق، ويقارع بالكلمة كما يقارع بالحجة. في حضرته، لم تكن العدالة مجرّد نصوصٍ باردة، بل شعلة تُنير دروب المستضعفين. وفي مجالسه، كان للعلم مقام، وللقيم ميزان، وللأجيال مكان يتربّون فيه على أصول المهنة وشرفها.
لقد آمن النقيب الهاشم بأن المحامي لا يُختصر بملفٍّ أو دعوى، بل هو حامل رسالة، مدافع عن الحرّيات، صوت المقهور، ومرآة الضمير الحي. فغرس هذه القناعة في نفوس كل من تتلمذ على يديه، أو سمع خطبه، أو قرأ كلماته.
كان الأب لكل المحامين، لا فقط بحكم موقعه، بل بحكم قلبه الواسع وحكمته العميقة. أنصت لهم، دافع عنهم، واحتضن همومهم كأنها همومه. ومن على منبر النقابة، خاطب الوطن كما خاطب العدالة، مؤمناً بأن لا حرية بدون قانون، ولا قانون بدون أخلاق، ولا أخلاق بدون إنسانية.
لم يُهادن في الموقف، ولم يُساوم في المبادئ. كان حيث يجب أن يكون، لا يُغريه بريق السلطة، ولا ترهبه عتمة الترهيب. وكان صوته صدىً لضمير لبنان حين خفتت الأصوات، وصورة لهيبة القانون حين ضاعت الملامح.
وها نحن اليوم، أمام نقيبٍ نُجلّه لا لِما كان عليه فقط، بل لِما تركه فينا: من أثر، ومن قيمة، ومن التزام. إن اسم أنطونيو الهاشم سيظل محفوراً في جدران النقابة، كما هو محفور في قلوب المحامين، منارةً لكل من أراد أن يعرف ما معنى أن تكون محاميًا، نقيباً، ومفكراً.
فلنرفع القبعة لهذا الرجل الذي لم يكتفِ بعبور المهنة، بل صنع فيها تاريخاً يليق بها وبوطنه.
“محكمة” – الأحد في 2025/6/22