علم وخبر

إيران .. ثنائية الجمهورية والاسلامية.. قراءة دستورية/وليد حدرج

المحامي الدكتور وليد حدرج:
مرت ايران في تاريخها الحديث بالعديد من المحطات المفصلية، الا ان الابرز وقد يكون الاهم هو التغيير الجذري الحاصل عام 1979 المتمثل بالثورة الاسلامية والتي غيّرت الوجه السياسي والدستوري للبلاد.
إنكب صناع الثورة منذ الايام الاولى للتغيير على صياغة نظام دستوري جديد يجمع مفاهيم القيم الدينية والابعاد التراكمية للبلاد والمحققة على مدار العصور السابقة، فكان الدستور الايراني بشكله الجديد، المعلِن انطلاق الجمهورية الاسلامية .
لم يكن دستور الثورة هو الاول في القرن العشرين، اذ انطلقت حركة دستورية بداية ذاك القرن ادت الى وضع اول دستور للبلاد عام 1906، ونص على ان الاسلام دين الدولة، مشكلاً سابقة هامة في الحقل السياسي الاجتماعي لايران .
صيغ الدستور الايراني الجديد بأسلوب ممنهج ومركب جعل من الارتباط بين جناحي الجمهورية والاسلامية امراً بالغ التعقيد ، من خلال ابتكار مؤسسات ترعى هذه الثنائية وتحميها، وهو ما اكد عليه التعديل الدستوري للعام 1989 والذي طال اجزاء مركزية من الدستور سواء لناحية السلطة التشريعية او صلاحيات المرشد او المؤسسات الضامنة .
ان تتبع النصوص المصاغة في الدستور الايراني وتعديلاته تمكننا من تلمس هذا التلازم الكبير والحتمي بين مفهومي الجمهورية من ناحية والاسلامية من ناحية ، ما جعل أي قراءة للحالة الدستورية الايرانية بعيداً عن هذا التلازم غير ذات جدوى وربما قد توصل الى نتائج خاطئة.
استطاع صناع الثورة الاسلامية اواخر سبعينيات القرن الماضي مزج افكارهم الدينية – وهم من علماء الحوزات الدينية – مع موروثات الحكم الفارسي الغارق في القدم لقرون طويلة ، وهو ما قد يفسر ما اصطلح على تسميته لاحقاً بالشرعية الشعبية الديمقراطية او السيادة الشعبية الدينية والتي لا يمكن فهمها وسبر اغوارها الا من خلال ادراك كنه التلازم المذكور آنفاً.
ان الثنائية المتلازمة بين الجمهورية والاسلامية أو بين ما هو ديني وما هو سياسي تظهر في كل مفاصل الحياة السياسية والدستورية الايرانية نصاً وممارسة، بل انها تتجلى في كافة المؤسسات على صغر حجمها او حتى تلك العملاقة ، اذ تتجلى صور هذا التلازم في التركيب الكامل والمتكامل للنظام منذ اللحظة الاولى لاستقراره بعيد سقوط الشاه كما ويظهر في ثنائيات التشكيل والممارسة لكافة المواقع والمراكز وحتى القرارات.
ان الفهم الخاص والعميق للدستور الايراني يدفعنا الى البحث عن طبيعة هذا النظام ومحاولة ايجاد التعريف او الموقع المعرَّف له ضمن منظومة الانظمة السياسية العالمية ، اذ استطاع ولو على سبيل الصياغة والنص ايجاد تناغم كامل ضمن الحالة التشريعية وتلك التنفيذية مروراً بالرقابية مستمداً من الثنائية الحاكمة مع فرادة قد تحتاج الى تحديد موضوعي من خلال دراسة موقعية مؤسسة القائد او المرشد مع ما لها وما عليها.
اوجد الدستور الايراني ومن رحم الثنائية الحاكمة مؤسسات رقابية تفردت تشكيلاً وعملاً عن مثيلاتها في العالم، كمجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور، والذي يعتبر أحد المقومات الفريدة التي يتسم بها النظام الايراني، إذ يقوم بالإشراف والرقابة على عملية سن القوانين ورفض تلك التي تتنافى مع الدستور ومبادئ الإسلام، وتمتد سلطاته لتشمل تفسير الدستور والإشراف على الانتخابات وعلى الاستفتاء العام .
ان هذه الافكار المصاغة دستورياً بعيد العام 1979 كانت نتاج المزيج والتلازم الحتمي ، والذي يعود جزء منه الى زمن الامبراطورية الصفوية حيث كان للمرجعية الدينية دور كبير في تعديل القوانين والقرارات المتعارضة مع احكام الدين .
هذه القراءة للمؤسسات الحاكمة بأبعادها الدينية والسياسية في ايران ، وللنظام المعطى الصفة الاسلامية منذ عقود وتلك الصلاحيات الواسعة لمؤسسة القيادة وللمؤسسات المرتبطة بها، طرحت اشكالية بالغة الدقة وهي انه وفي ظل خصوصية هذا النظام ، كيف يظهر التلازم الحتمي بين مفهومي الجمهورية والاسلامية في كل مفاصل الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية في ايران؟
ان الاجابة على هذه الاشكالية ومعرفة تفاصيل تساؤلاتها وادراكها بدقة الباحث الدارس الامين يمكّن حقاً من فهم ما الذي يجري داخل حدود ايران وكيف استطاعت هذه الدولة ان تستمر، لا بل ان ترتقي في ظل كل ما واجهها خلال العقود الماضية .
وللحديث تتمة …
“محكمة” – الخميس في 2025/7/3

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
مجلة محكمة
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.