أبحاث ودراسات

التعاون الإقتصادي في ظل السياسات الإقتصادية المعاصرة “مسارات وتحديات”/كلير فخر الدين

إعداد د. كلير فخر الدين:
ترتبط حياة كل مواطن ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد، سواء خطط لذلك أم لا، سواء قصــد تطبيق مبادئ ونظريات اقتصادية أم أخذ قرارات عفوية، فكل ذلك يرتبط بشكل أو بآخر بعلم الاقتصاد.
فاتخاذ الفرد قراراً بشراء أو بيع سيارة، وقيام آخر باستئجار عقار أو منزل بهدف الاستثمار أو السكن، يندرج في إطار العملية الاقتصادية، فكيف يتحقق ذلك على مستوى المؤسسات الخاصة أو العامة؟
فالمعادلة واضحة كلما اتسعت حركة التبادل والاستثمار كلما بات التبادل التجاري بحاجة إلى خبراء في علم الإدارة والاقتصاد لتحديد مسار نشاط هذه المؤسسات، بهدف التصويب نحو الأفضل وحرصاً على حسن سير العمل الإداري لتحقيق المكاسب الاقتصادية المبتغاة داخل المؤسسات.
على المستوى الأكاديمي، إن إدراج المواد الاقتصادية في مناهج كلية الحقوق والعلوم السياسية وإدارة الأعمال وغيرها من الاختصاصات، إنما يدل على أهمية أن يتعلم الطلاب مبادئ ومفاهيم الاقتصاد، وأبعاد السياسات الاقتصادية المعاصرة ، فكيف لباحث أو لرجل السياسة أو القانون أو القائد الإداري ألا يدرك أن ثمة ترابطاً بين السياسة والقانون والإدارة وعلم الاقتصاد.
تدور هذه الدراسة حول إشكالية محورها “في ظل التحديات الداخلية والدولية، ما هي قدرة السياسات الاقتصادية المعاصرة في تحقيق التقدم الاقتصادي على المستويين الداخلي والدولي”.
وينبثق عن هذه الإشكالية مجموعة تساؤلات:
1- ما هو واقع التكامل الاقتصادي الإقليمي والدولي؟
2- ما هو دور المؤسسات الاقتصادية الإقليمية والدولية في التخفيف من وطأة الأزمات الاقتصادية والمالية؟
ننطلق في هذه الدراسة من فرضية محورها أن مشاريع التكامل الاقتصادي الإقليمي والدولي الفاعلة في ظل وجود المؤسسات الاقتصادية الإقليمية والدولية يساهم بشكل مؤثر في التخفيف من وطأة الأزمات الاقتصادية والتحديات العالمية التي تضرب العالم بشكل عام والدول النامية بشكل خاص.
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق ما يلي:
1- إظهار أبرز القضايا المؤثرة في الاقتصاد المحلي والدولي.
2- تقييم مشاريع التكامل الاقتصادي على المستويين الإقليمي والدولي ودورها في مواجهة التحديات المستجدة على الساحة الدولية.
3- تقييم دور المؤسسات الاقتصادية الإقليمية والدولية وإظهار مدى قدرتها على تحقيق النمو ومنع انهيار الدول النامية اقتصادياً ومالياً.
المنهج المتبع:
آثرنا اعتماد المنهج الاستنباطي، وهو منهج من مناهج البحث التي استفاد منها علم الاقتصاد، ويتم من خلاله تشكيل النظرية الاقتصادية وذلك من خلال وضع المقدمات، واستخلاص التعميمات منها.
لقد حاولنا تحليل المشكلة الاقتصادية وإظهار خصائصها وبيّنا أبرز النظريات الاقتصادية ثم انتقلنا إلى الساحة الدولية لنبين دور التكتلات والمؤسسات الاقتصادية في مقاربة الأوضاع الاقتصادية وكيفية تقديم الحلول المالية والاقتصادية للدول بحسب حاجتها.
أما أبرز ما تضمن هذا المقرر من موضوعات تتلخص بالتالي:
الفصل الأول: مقاربة بين العلاقات الإقتصادية الداخلية والدولية
المبحث الأول: أثر تغير أسس سعر الصرف النقدي والإقتصادي على الإستقرار
المبحث الثاني: مكامن قوة التكامل الإقتصادي الإقليمي والدولي
الفصل الثاني: مسار بناء تكتل إقتصادي عربي
المبحث الأول: المؤسسات الإقتصادية الإقليمية والدولية
المبحث الثاني: التكامل الإقتصادي العربي، بين المقومات والمعوقات
الخاتمة: وتتضمن مجموعة استنتاجات واقتراحات.  
الفصل الأول
مقاربة بين العلاقات الإقتصادية الداخلية والدولية
تبرز قواسم مشتركة بين العلاقات الإقتصادية الدولية وبين العلاقات الإقتصادية الداخلية لجهة تبادل السلع والخدمات وحركات رؤوس الأموال والأشخاص، لتحقيق دوران إقتصادي إيجابي سواء داخلياً أو خارجياً.
فالعملية الإقتصادية لا يمكن أن تحقق أهدافها المرجوة دون استثمارات تستند على القوانين المرعية الاجراء في داخل الدول، وعلى مبادئ القانون الدولي العام التي تتلخص في الاتفاقيات والمؤسسات والمنظمات الدولية المرتكزة على أطر دولية واضحة.
في مقابل هذا التماثل والقواسم المشتركة بين العلاقات الإقتصادية الدولية والعلاقات الإقتصادية الداخلية، يبرز تمايز على عدة اتجاهات.
وأبرز هذه التباينات تتلخص بالتالي:
– عدم تشابه الأسواق الداخلية مع الأسواق الدولية:
لا تتشابه الأسواق المحلية مع الأسواق الدولية، بمعنى أن ثمة عوامل تتحكم بقرار المستهلك والمنتج على المستوى الداخلي قد لا تتكيف أو تتماثل مع ما يحصل على المستوى الدولي التي تحكمه مجموعة عوامل أبرزها المنافسة الكاملة(1).
– عدم تشابه الإجراءات والقرارات المتبعة:
إن عملية التبادل التجاري والاستثمارات الداخلية تحكمها أطر قانونية داخلية وفقاً لدستور الدولة وقوانينها وقراراتها. فلكل دولة محددات قانونية تختلف من دولة إلى أخرى.
فتسوية الخلافات على المستوى الداخلي تتولاها المحاكم الداخلية وفقاً للقوانين المرعية الاجراء، بينما على الصعيد الدولي يصبح كل طرف من أطراف التبادل من بيئة داخلية مختلفة وهذا يجعل التبادل الخارجي ذا طبيعة مختلفة عن التبادل الداخلي.
– الاختلاف في الوحدات النقدية:
من مظاهر سيادة الدولة عملتها الوطنية، فالتبادل الإقتصادي داخل أي دولة مرتبط بشكل أساسي بعملة الدولة على المستوى الداخلي، بينما نرى استخدام عملات مختلفة في التجارة الخارجية.
وفي وقتنا الحاضر، فإن معظم العمليات الإقتصادية الدولية يتم تنفيذها بالدولار الأميركي أو باليورو الأوروبي.
– الاختلاف في النظم المصرفية:
تطبق كل دولة نظامها المصرفي الخاص بها وتفرضه على المودعين المنتجين والمستهلكين وتحدد الأطر لعمليات الإيداع والسحب ومنح الائتمان، بينما نرى أن إجراءات مصرفية مشددة تحكم القروض والتسليفات في تمويل التجارة الخارجية(2).
في سبيل إيضاح المقاربة ما بين العلاقات الإقتصادية الداخلية وتلك الدولية، وجب تقسيم الفصل الأول إلى مبحثين نتناول في المبحث الأول منه أثر تغير أسس سعر الصرف النقدي والإقتصادي على الإستقرار، أما المبحث الثاني فخصّص للحديث عن المؤسسات الإقتصادية الإقليمية والدولية.
المبحث الأول: أثر تغير أسس سعر الصرف النقدي والإقتصادي على الإستقرار
تبرز عدة قضايا إقتصادية ترسم إطار العلاقات الإقتصادية الدولية وتترك تداعيات على عدة مستويات داخلية وخارجية إثر التغيّرات التي تطرأ على سعر الصرف في بلدٍ ما.
أولاً: سعر الصرف وتأثيراته الإقتصادية:
يمكن تعريف الصرف الأجنبي على أنه مبادلة عملة وطنية بعملة أجنبية، فهو ما يدفع من وحدات من العملة الوطنية للحصول على وحدة واحدة من العملة الأجنبية.
وتتعدد عمليات الصرف، وأبرزها:
1- عمليات الصرف اليدوي وعمليات الصرف المسحوب:
إن عملية الصرف اليدوي هي العملية التي تقوم على تسليم شخص إلى آخر وحدات من النقد الأجنبي يداً بيد مقابل النقود الوطنية.
أما عمليات الصرف المسحوب فتتمثل بأوراق مسحوبة على الخارج تعطي لحاملها الحق في تحويلها في الخارج إلى نقود أجنبية سواء كانت أوراقاً مالية (كالأسهم والسندات) أو أوراقاً تجارية (الكمبيالات والشيكات والحوالات البرقية)، وهذه العملية تسمى بالصرف المسحوب(3).
2- الصرف العاجل والصرف الآجل:
قد تتخذ عمليات الصرف صورة بيع وشراء العملات والأوراق الأجنبية مقابل التسليم في الحال، وهي ما تسمى بعمليات الصرف العاجلة. ويطلق على المعاملات أو العمليات التي يتم فيها البيع والشراء مقابل التسليم في المستقبل بعمليات الصرف الآجلة. ويكون سعر الصرف الأجنبي بالنسبة لتلك المعاملات على أساس السعر الآجل.
إن الهدف من عمليات الصرف الآجلة حفظ أرباح وحقوق المستثمرون وأطراف التبادل التجاري على المستوى الخارجي لجهة المخاطر الكبيرة التي قد يتعرضون لها نتيجة لتقلّب أسعار الصرف، وفي بعض الأوقات تتم عملية الشراء وفقاً لسعر الصرف المحدد.
3- عمليات المراجحة أو الموازنة:
إن اختلاف أسعار الصرف في أسواق مختلفة يؤدي إلى تحقيق أرباح بسبب انخفاضه في سوق معينة وارتفاعه في سوق أخرى.
فعلى سبيل المثال: إذا كان الحصول على عملة أجنبية معينة في سوق أدنى من سوق آخر، فالتاجر الذي يريد (اليورو – أو الدولار – أو الإسترليني) سيعمد إلى شراء العملة المطلوبة من السوق الأدنى وبالتالي سيزيد الطلب عليها في هذا السوق فيميل سعره إلى الارتفاع أما في الأسواق التي فيها ارتفاع سيزيد المعروض من العملات وهذا ما يعمل على خفض سعره. وهذا ما يؤدي في النهاية إلى أن يميل السعر في السوقين إلى التعادل.
ثانياً: علاقة سعر الصرف بالعرض والطلب:
يتأثر سعر الصرف بالعرض والطلب، وثمّة عوامل عديدة تؤثر على العرض والطلب نوجزها بالتالي:
يتشابه الطلب والعرض على سعر الصرف بالطلب والعرض على السلع.
يعني الطلب استعداد الفرد لشراء سلعة معينة رغبة في إشباع حاجته لهذه السلعة خلال فترة زمنية محددة، وفي ظل ظروف معينة وعند ثمن معين(4).
ويكون الطلب فردياً عندما يرتبط بطلب شخص على سلعة ما. وقد يكون الطلب عائلياً، وهو ما ينفق على السلع والخدمات لإشباع حاجات العائلة بأكملها.
مما تقدم يتبين أن ثمة شرطين أساسيين لوجود الطلب وهما:
– الرغبة في الشراء (وهي مرتبطة بالحاجات الإنسانية).
– القدرة على الشراء (وهي مرتبطة بتوفر النقود/القوة الشرائية).
فلا بد أن يتوفر الاثنان معاً (الرغبة + القدرة) حتى يتحقق الطلب، فوجود واحد منهما فقط لا يعني وجود طلب.
أ- قانون الطلب:
ينص قانون الطلب على وجود علاقة غير متشابهة بين كل من سعر السلعة والكميات المطلوبة منها (التي يرغب المستهلك في شرائها) مع الأخذ بعين الاعتبار ثبات جميع العوامل الأخرى المؤثرة في الطلب.
• المستهلكون يتصرفون بشكل مختلف تجاه أسعار السلعة:
– عندما ينخفض سعر السلعة (-)، فهم يشترون كميات أكبر (+).
– عندما يرتفع سعر السلعة (+)، فهم يشترون كميات أقل (-).
• ولذلك توصف هذه العلاقة بين سعر السلعة والكمية المطلوبة منها بأنها علاقة عكسية (سلبية)، وهذا هو جوهر قانون الطلب. وعليه يمكن صياغة قانون الطلب على النحو التالي:
• العلاقة بين سعر السلعة والكمية المطلوبة منها هي علاقة عكسية.
• لتفسير قانون الطلب بصورة أكثر وضوحاً سنظهر ذلك من خلال الرسم التالي الذي يبين منحنى الطلب(5).

منحى الطلب من أعلى اليسار إلى أسفل اليمين (هندسياً: سالب الميل) وكل نقطة على المنحنى تمثل زوج من الأسعار والكميات تختلف من نقطة لأخرى.
يمكن حصر العوامل التي تحدد الطلب في التالي:
– سعر السلعة (أو الخدمة).
– أسعار السلع الأخرى (السلع البديلة/السلع المكملة).
– الدخل المتاح.
– عدد المستهلكين.
– توقعات المستهلكين.
– أذواق المستهلكين.
وفي ما يلي شرح يبين كيف تؤثر هذه العوامل في تحديد الكميات المطلوبة من السلع والخدمات:


ب- قانون العرض:
ينص قانون العرض Law of Supply، على وجود علاقة متجانسة (إيجابية) بين الكميات المعروضة من سلعة (أو خدمة) معينة وسعرها على فرض ثبات جميع العوامل الأخرى المؤثرة في العرض.
فالمنتجون يتصرفون على النحو التالي تجاه أسعار السلعة:
– عندما يرتفع سعر السلعة (+)، فهم يعرضون كميات أكبر (+).
– عندما ينخفض سعر السلعة (-)، فهم يعرضون كميات أقل (-).
ولذلك توصف هذه العلاقة بين سعر السلعة والكمية المعروضة منها بأنها علاقة موجبة، وهذا هو جوهر قانون العرض.
ويتحدد منحنى العرض Supply Curve بالرسم البياني التالي(6):

إن منحنى العرض يتجه من أسفل من جهة اليسار إلى اليمين عكس منحنى الطلب الذي يتجه من أعلى إلى أسفل.
تتلخص العوامل المحددة للعرض Determinates of Supply، في التالي:
يمكن حصر العوامل التي تحدد العرض في التالي(7):
– سعر السلعة (أو الخدمة).
– عدد المنتجين (عدد البائعين).
– الفن الإنتاجي أو التقنية المستعملة (كثيف العمل/كثيف رأس المال).
– تكاليف الإنتاج أو أسعار عناصر الإنتاج (المدخلات).
– الضرائب الحكومية.
– الإعانات الحكومية.
وفي ما يلي شرح يبين كيف تؤثر هذه العوامل في تحديد الكميات المطلوبة من السلع والخدمات:

وتبرز أيضاً عوامل أخرى إلى جانب العرض والطلب تؤثر على سعر الصرف، كالاستيراد والتصدير، فكلما كانت الصادرات أقوى من الواردات كلما شهدت العملة المحلية طلباً أكبر والعكس صحيح فعندما تستورد الدولة أكثر مما تصدر سيؤدي ذلك إلى انخفاض الميزان التجاري، وأيضاً ميزان المدفوعات ومن ثم انخفاض القيمة السوقية للعملة؛ كذلك يؤثر عامل التضخم على تحديد سعر الصرف، فكلما ارتفع حجم التضخم كلما تحولت رغبة المتعاملين نحو شراء العملات الأجنبية على حساب نظيرتها المحلية وذلك للحفاظ على قيمة ما يملكون.
إلى جانب العوامل السابقة، تساهم المضاربات في التأثير على سعر الصرف، فحين تكون سلطة الدولة وقوتها ضعيفة أمام قوى المضاربات سواء الخارجية منها التي تقوم بها البنوك والدول، أو الداخلية التي تقوم بها الكيانات الإقتصادية ذات المصالح الشخصية أو ذات التبعيات الأجنبية، حينها تتحول عملة هذه الدولة إلى فريسة سهلة للمضاربين لتحقيق مكاسب كبيرة عن طريق سحب وضخ العملات الأجنبية في السوق بشكل يخدم مصالحهم.
المبحث الثاني: مكامن قوة التكامل الإقتصادي الإقليمي والدولي
ساهمت التطورات المتسارعة بعد الحرب العالمية الثانية، على كافة الصعد وخاصة الإقتصادية منها، إلى السعي لتكريس فكرة التكامل الإقتصادي. وباتت التكتلات الإقتصادية السمة البارزة في العلاقات الإقتصادية الدولية في عصرنا الحالي، ويعتبر التكامل الإقتصادي مساراً إرادياً توافقياً بين أطرافه غايته إلغاء التمايز بين الوحدات الإقتصادية. بمعنى آخر إن مفهوم التكامل هو بمثابة تقارب تدريجي بين دول ذات أنظمة متجانسة يهدف إلى تسهيل عملية التنمية وتخفيف التبعية وصولاً إلى إلغائها(8).
أولاً: إيجابيات التكامل الإقتصادي:
تبرز عدة إيجابيات للتكامل الإقتصادي على عدة مستويات ومجالات، قد تتعدى الإطار الإقتصادي إلى ما هو سياسي واجتماعي، ويمكن إيجاز هذه الإيجابيات بالتالي:
1- في تطوير الأسواق:
تعاني معظم الدول النامية من عدم اتساع أسواقها الداخلية، فالتكامل الإقتصادي يسمح بقيام الصناعات الكبيرة وهذا يعطي دافعاً كبيراً لتشغيل اليد العاملة وتخصصها وتطوير الإنتاج.
2- توفير المواد الأولية:
تتمتع كل دولة بوجود نسبة معينة من المواد الأولية وبأنواع مختلفة منها، لذلك يعمل التكامل الإقتصادي على حصول كل طرف بالتكامل على حاجته من الصناعات التي ترتكز على أنواع معينة من المواد الأولية.
3- تحفيز التعاون الأمني والعسكري:
يسمح التكامل الإقتصادي بين الدول الصغرى والدول الكبرى على تخطي المكاسب الإقتصادية إلى ما هو أبعد من ذلك. فالدول الصغرى قد تطلب مساعدة ودعم الدول الكبرى في حال الاعتداءات الأمنية والعسكرية. وترى الدول الكبرى في الدول الصغرى عمقاً استراتيجياً خاصة إذا كان موقع تلك الدول وجغرافيتها السياسية تشكل حافزاً للدول الكبرى لتحقيق أمنها القومي(9).
ثانياً: درجات التكامل الإقتصادي:
تتدرج مسيرة التكامل الإقتصادي من إجراءات تؤخذ في مراحل أولية تقوم على فكرة تخفيف القيود وصولاً إلى إلغائها، وأبرز هذه المراحل:
1- إجراءات التجارة التفضيلية:
وهي إجراءات تتخذها دول معينة لتخفيف القيود التي تعرقل تبادل المنتجات فيما بينها. ويصار في معظم الأحيان إلى تخفيض الرسوم الجمركية المتبادلة بين الطرفين دون إلغاء هذه الرسوم(10).
2- منطقة التجارة الحرة:
تحرر المبادلات بين الدول الأطراف بإلغاء التعريفة الجمركية والقيود الكمية على تدفق السلع فيما بينها، وفي نفس الوقت تحتفظ كل دولة عضو بحقها في فرض ما تراه مناسباً من قيود على باقي دول العالم خارج منطقة التجارة الحرة.
3- الاتحاد الجمركي:
هي مرحلة أكثر تقدماً من منطقة التجارة الحرة حيث يتم من خلاله إلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية فيما بين الدول الأعضاء في الاتحاد. كما تلتزم الدول الأعضاء بتعريفة جمركية موحدة اتجاه العالم الخارجي.
4- السوق المشتركة:
تشمل السوق المشتركة إلى جانب الخصائص اللازم توفيرها في الاتحاد الجمركي تحرير انتقال عناصر الإنتاج (العمل – رأس المال) داخل السوق من أية حواجز أو قيود.
5- الاتحاد الإقتصادي:
تعد هذه المرحلة أكثر تقدماً في السوق المشتركة، وتتضمن ما يمكن تسميته بتكامل السياسات، حيث تسعى كل الدول الأعضاء مجتمعة إلى اكتمال اتباع سياسات مالية وضريبية ونقدية وتجارية وإنتاجية، بل واجتماعية موحدة، تهدف إلى تحقيق التنمية والاستقرار الإقتصادي فيما بين الدول الأعضاء.
6- مرحلة الاندماج الكامل:
تعتبر هذه المرحلة من أعلى درجات التكامل حيث يتم توحيد السياسات الإقتصادية كافة وإيجاد سلطة إقليمية عليا، ويتم الاتفاق على عملة موحدة للتداول عبر دول المنطقة المتكاملة.
ثالثاً: أبرز التكتلات الإقتصادية:
لطالما كان هناك ارتباطاً وثيقاً بين الاقتصاد والسياسة، ولهذا سعت الدول الكبرى إلى قيام تكتلات في ما بينها أو بين دول ذات إمكانيات متواضعة ولكنها بالمقابل تملك مواداً أولية أو وسائل للإنتاج أو موقعاً استراتيجياً خدمة لمصالحها الاستراتيجية(11).
أما أبرز التكتلات الإقتصادية في العالم فهي:
1- الاتحاد الأوروبي:
تعتبر السوق الأوروبية المشتركة من أهم التكتلات الإقتصادية. لقد تمت عملية التكامل والاندماج على مراحل ومنطلقات إقتصادية، حيث تحققت الخطوة الحاسمة في العام 1985. وحملت معاهدة ماستريخت لعام 1991 طموحات كبرى حيث اقترحت سياسة خارجية واحدة ووافقت على أمن ودفاع مشترك ووضعت الاتحاد الأوروبي إطاراً أساسياً.
وقد حددت اتفاقية ماستريخت مراحل تحقيق الوحدة النقدية حيث بدأت المرحلة الأولى في تموز 1991، وانصبت على تنسيق السياسات المالية والإقتصادية بين الدول الأعضاء وتدعيم النظام النقدي الأوروبي.
وفي 1 كانون الثاني من العام 1994، بدأت المرحلة الثانية من الوحدة النقدية بإنشاء هيئة النقد الأوروبي، وكانت المرحلة الثالثة في 31 كانون الأول عام 1996 وهي مرحلة التزام الدول الأعضاء بمعدلات التي حددتها اتفاقية ماستريخت لدخول الوحدة حيز التنفيذ.
وبعد أن أعلن المجلس الأوروبي، البدء باعتماد العملة الموحدة “الأورو” في 1 كانون الثاني 1999، بدأت الخلافات الداخلية الأوروبية تظهر إلى أن خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من كل التباينات يمثل الاتحاد الأوروبي نموذجاً مهماً للتكتلات الإقتصادية في العالم، ويضم حوالي 28 دولة، ويستورد الاتحاد الأوروبي السلع والخدمات من أكثر من 100 دولة، مما يجعله أكبر سوق استيراد في العالم. ويعتبر أحد أكبر المصدرين في العالم، ويتم التداول بعملة اليورو بين 19 دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد.
2- دول تجمع بريكس “Brics”:
بريكس هو اختصار لاقتصادات (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا) مجتمعة، وبدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006 وعقدت أول مؤتمر قمة لها عام 2009، وكان أعضاؤها هم الدول ذات الاقتصاد الصاعد وهي البرازيل وروسيا والهند والصين تحت اسم “بريك” أولاً ثم انضمت جنوب افريقيا إلى المنظمة عام 2010 ليصبح اسمها بريكس(12).
شكّل هذا التكتل مجموعة من المؤسسات والأنظمة، فأنشأت بنكاً جديداً موقعه شنغهاي الصينية سمي بنك التنمية الجديد “New Development Bank (NDB)” وصندوقاً أطلق عليه “صندوق بريكس” “Brix Fund” ليكونا بديلين عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتم إنشاؤها لدعم النمو والتنمية على المستوى الدولي(13).
3- آسيان Asean:
هي رابطة جنوب شرق آسيا، وتضم عشر دول من جنوب شرق آسيا للدفاع عن القومية الآسيوية والتعاون الحكومي الدولي.
تأسست آسيان من اندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند، وتوسعت عضوية المنظمة لتشمل بروناي وكمبوديا ولاوس وميانمار وفيتنام.
تأسست الآسيان عام 1967، إلا أن الرابطة بقيت محدودة الفعالية حتى عام 1976، حينها حصلت عدة لقاءات واجتماعات تشاورية لتفعيل عمل هذا التكتل، وأبرز ما نصت عليه هذه الاجتماعات:
– حل المنازعات سلمياً، وعدم اللجوء إلى استعمال القوة بين دول الرابطة.
– احترام استقلال كل دولة عضو وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة.
– توفير الأمن القومي للرابطة على أساس التعاون العسكري.
– عدم الاستعانة بقوات عسكرية خارجية في حالة حدوث صراعات في الإقليم.
لقد حدد اعلان بانكوك لعام 1976 أهداف رابطة آسيان بالآتي:
‌أ- تسريع النمو الإقتصادي والتقدم الاجتماعي والتنمية الثقافية في جنوب شرق آسيا بعمل مشترك يقوم على روح التعاون والتكافؤ، والمشاركة من أجل تعزيز قواعد مجتمع مزدهر يسوده السلام.
‌ب- تعزيز التقدم الاجتماعي وتحسين مستوى المعيشة لأعضائها وتشجيع التعاون المتبادل في البحث والتدريب في المجالات الإقتصادية والاجتماعية.
‌ج- العمل على نحو أكثر فاعلية في ما بين دول الرابطة في استعمال أنشطتها الزراعية والصناعية وتوسيع تجارتها بما في ذلك دراسة شؤون التجارة السلعية الدولية وتحسين النقل والاتصالات.
‌د- تعزيز الدراسات حول جنوب شرق آسيا.
‌ه- إقامة علاقات وثيقة ونافعة مع المؤسسات الدولية والإقليمية ذات الأهداف المماثلة.
‌و- إشاعة السلام والاستقرار السياسي والإقتصادي الإقليميين في مواجهة القوى الكبرى، وتجنب الصراع فيما بينهما مع مراعاة احترام مبادئ العدل وسيادة القانون في العلاقات بين دول الإقليم.
ما يمكننا استنتاجه في دور آسيان ما يلي:
على الرغم من أن الترتيبات العسكرية كانت إحدى الخيارات المتاحة للآسيان في التصدي للتحديات الأمنية التقليدية، فقد أدركت الرابطة أن هذا النهج غير مثمر لأن أغلب أعضاء الرابطة آنذاك كانت لديهم قوات عسكرية صغيرة للغاية وغير فعالة. فضلاً عن ذلك، فقد كانت أغلب دول الآسيان آنذاك، مشغولة في التعامل مع الاضطرابات الداخلية والمصاعب الإقتصادية.
ومن ثم، فإن تقديم المساعدة العسكرية للرابطة، سواء بشكل فردي أم جماعي، لم يكن حلاً قابلاً للتطبيق.
بعد انتهاء الحرب الباردة، ظهرت متغيرات جديدة أدت بدورها إلى خلق تحديات أمنية غير تقليدية كان على الآسيان التعامل معها. إذ بدأت العديد من القوى الإقليمية بالسعي لفرض نفوذها في منطقة الآسيان مثل (اليابان والصين)، لا سيما بعد انسحاب القوات العسكرية الأميركية والسوفياتية من تلك المنطقة. وهنا أدرك قادة الآسيان، أن هذه التطورات سوف تترك تداعيات على تماسك الرابطة وأهدافها لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
لذلك، وضع قادة الآسيان استراتيجيات فعالة للعمل من أجل تحقيق الأمن الإقليمي، ومن ثم تم إنشاء المنتدى الإقليمي لآسيا والمحيط الهادئ، وكان الغرض منه إجراء حوارات أمنية ومنع القوى الكبرى – دبلوماسياً – من القيام بمزيد من الأعمال العدائية التي قد تعرض الأمن الإقليمي للخطر(15).
نرى وبوضوح أن دور الرابطة تلخص في إنشاء آليات مختلفة للتعاون، واعتماد أطراً معينة للعمل في القطاعات المختلفة لدول الرابطة. إذ تطور الإدراك الأمني لدول الرابطة، وتم تبني التعاون الثنائي في مواجهة التحديات الأمنية التقليدية في أثناء حقبة الحرب الباردة. أما بعد انتهاء الحرب الباردة، فقد شهدت الرابطة تحولاً كبيراً فيما يخص تحقيق الأمن الإقليمي، إذ فرضت هذه الحقبة على أعضاء الرابطة التعامل مع أنواع جديدة من التحديات الأمنية، تمثلت بالتهديدات الأمنية غير التقليدية. هذه التهديدات تطلبت استراتيجيات تعاونية جماعية لأنها عابرة للحدود بطبيعتها. ولمواجهة هذه التحديات، بدأ أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا العمل على تعزيز التعاون الأمني الإقليمي متعدد الأطراف، وفي مختلف المجالات.
لا تزال المنطقة تواجه تحديات وتهديدات ناشئة، ولكي تكون قادرة على الوقوف في مواجهة هذه التهديدات للأمن الإقليمي، تحتاج الدول الأعضاء في الآسيان إلى الحفاظ على العمل المشترك والتعاون الإقليمي والدولي. إذ إنهم بحاجة إلى الالتزام بالشراكة العملية مع المجتمع الدولي وفقاً للخصائص والاحتياجات الإقليمية المحلية، وكمجموعة، يحتاجون إلى توحيد جهودهم كدول أعضاء في تكتل إقليمي.
الفصل الثاني: مسار بناء تكتل إقتصادي عربي:
برزت عدة مساعي عربية نحو إقامة تكتل إقتصادي عربي ناجح؛ فهل نجحوا في تحقيق ذلك؟
سجلت محاولات عديدة وعلى مستويات مختلفة من بينها المستوى الإقتصادي الذي كان في مقدمة المحاولات والمساعي لتحقيق فكرة التكامل العربي؛ وأخذت هذه المحاولات عدة أشكال كالاتفاقيات والتنظيمات ومؤسسات العمل العربي المشترك.
ففي العام 1953 وقّعت اتفاقية تسهيل التبادل التجاري، ثم أعقبها إقرار اتفاقية الوحدة الإقتصادية ودخولها حيز التنفيذ في 1964/4/30؛ ثم قرار إنشاء السوق العربية المشتركة في 1964/8/14.
واعتمدت كل هذه الاتفاقيات على تحرير التجارة كمنطلق للتكامل العربي، لكنها لم تعطَ الأهمية الموازية لتطوير الأساس المادي للتبادل حتى جاءت اتفاقية تيسير وتنمية التبادل بين الدول العربية في عام 1981 بمبادرة من المجلس الإقتصادي والاجتماعي العربي لتكون أول اتفاقية تضع التبادل التجاري في إطاره السليم كمدخل من مداخل التكامل الإنمائي.
أما ظاهرة التجمعات الإقتصادية العربية فقد بدأت عام 1981 عندما تأسس مجلس التعاون الخليجي والذي يضم الدول التالية: المملكة العربية السعودية، الامارات العربية المتحدة، الكويت، قطر، البحرين وعُمان(16).
ثم أعقبه تأسيس مجلس التعاون العربي الذي يضم الدول التالية: مصر، العراق، الأردن واليمن.
وفي عام 1989 تأسس اتحاد المغرب العربي الذي يضم الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا وموريتانيا.
المبحث الأول: المؤسسات الإقتصادية الإقليمية والدولية:
آثرنا اختيار صندوق النقد العربي كنموذج للمؤسسات الإقتصادية الإقليمية، بالمقابل أشرنا إلى أهداف وآلية عمل كل من صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية كنماذج عن المؤسسات الإقتصادية الدولية.
أولاً: صندوق النقد العربي؛ نموذج مالي إقليمي:
في ظل أوضاع إقتصادية معقدة على المستوى الدولي، اجتمع في بغداد، محافظو البنوك المركزية في الأقطار العربية في 22 شباط 1975، ليقرروا إنشاء صندوق النقد العربي. وفي خلال شهر كانون الثاني 1976 أقرت اتفاقية صندوق النقد العربي، ووقعت في الرباط في نيسان عام 1976(17).
لقد بدأ الصندوق نشاطه بعد اكتمال متطلبات التصديق من قبل جميع الدول العربية في نيسان 1977.
أ- أهداف الصندوق:
إن أبرز ما نصت عليه الاتفاقية من أهداف للصندوق:
– تصحيح الاختلاف في موازين مدفوعات الدول الأعضاء.
– استقرار أسعار الصرف بين العملات العربية، وتحقيق قابليتها للتحويل فيما بينها، والعمل على إزالة القيود على المدفوعات الجارية بين الدول الأعضاء.
– إرساء السياسات وأساليب التعاون النقدي العربي، بما يحقق المزيد من خطى التكامل الإقتصادي العربي، ودفع عجلة التنمية الإقتصادية في الدول الأعضاء.
– إبداء المشورة فيما يتصل بالسياسات الاستثمارية الخارجية للموارد النقدية للدول الأعضاء، على النحو الذي يؤمن المحافظة على القيمة الحقيقية لهذه الموارد، ويؤدي إلى تنميتها حيثما يطلب منه ذلك.
– تطوير الأسواق المالية العربية.
– دراسة سبل توسيع استعمال الدينار العربي الحسابي، وتهيئة الظروف المؤدية إلى إنشاء عملة عربية موحدة.
– تنسيق مواقف الدول الأعضاء في مواجهة المشكلات النقدية والإقتصادية الدولية، بما يحقق مصالحها المشتركة، وبما يسهم في الوقت ذاته في حل المشكلات النقدية العالمية.
– تسوية المدفوعات الجارية بين الدول الأعضاء بما يعزز حركة المبادلات التجارية.
– تقديم معونات وخدمات فنية في المجالات النقدية والمالية للدول الأعضاء التي تعقد اتفاقيات إقتصادية تستهدف الوصول إلى اتحاد نقدي بينها، كمرحلة من مراحل تحقيق أهداف الصندوق.
– تعاون الدول الأعضاء فيما بينها، وفيما بينها وبين الصندوق باعتبار أن هذا التعاون بدوره يمثل وسيلة من وسائل تحقيق أهداف الصندوق، فأشارت إلى أن على كل دولة أن تعمل بصفة خاصة على:
– الإقلال من القيود على المدفوعات الجارية بين الدول الأعضاء، وكذلك القيود على انتقال رؤوس الأموال وعوائدها فيما بينها، مع استهداف إزالة القيود المذكورة.
– العمل على تحقيق القدر الضروري من التنسيق بين السياسات الإقتصادية ولا سيما المالية والنقدية منها بما يخدم التكامل الإقتصادي(18).
مما تقدم يتبين لنا، أن أهداف الصندوق تنقسم وتتمحور حول عدة مجالات؛ المجال العربي والمجال الدولي، والمجال التنظيمي.
تتمثل أهداف الصندوق في المجال العربي في أهداف تخصصية تخدم هدفاً عاماً، فالهدف العام هو دعم التكامل الإقتصادي العربي وتعجيل مسيرة التنمية الإقتصادية في الدول العربية.
أما الأهداف التخصصية فتتمثل في تصحيح الاختلال في موازين المدفوعات، وفي الاسهام بتعجيل إنجاز مهام التكامل المالي والتكامل النقدي والتكامل التجاري بين الدول العربية.
أما أهداف الصندوق في المجال التنظيمي فتتمثل في إيجاد هيئة عربية تعنى بإنجاز الأهداف المناطة بالصندوق.
ب- محتوى التقرير السنوي لصندوق النقد العربي 2022:
أظهر التقرير السنوي لصندوق النقد العربي 2022 خطورة وتداعيات جائحة كورونا وأزمة التضخم التي رافقت انتشار الجائحة على الاقتصاد العالمي، فارتفاع الأسعار لها تأثيرات واسعة النطاق على العالم بأسره، خاصة الأسر الفقيرة التي يشكل الغذاء والوقود نسبة أكبر من إنفاقها(19).
ويشير التقرير إلى مخاطر إقتصادية أخرى تتمثل في أزمة الغذاء، وأن 44 مليون شخص في 38 دولة في جميع أنحاء العالم يعانون من الجوع وربما يتضاعف هذا العدد في ظل التطورات الراهنة التي أدت إلى ارتفاع أسعار الأغذية الأساسية بنسبة تصل إلى 30 في المائة، مما يفاقم عدد الفقراء في الدول النامية وأصحاب الدخل المنخفض.
وفي ما خص لبنان، فقد بلغ معدل التضخم 215.2 بالمائة خلال الخمسة أشهر الأولى من عام 2022.
ويركز تقرير الصندوق على مجموعة عوامل داخلية وخارجية أدت وستؤدي إلى مزيد من تفاقم أزمة التضخم في لبنان، وأبرزها:
– على المستوى الداخلي:
– إن رفع الدعم عن المواد الأساسية (المحروقات، الأدوية، أدوات ومستلزمات طبية) أثَّر على سعر الصرف، مما أدى إلى زيادة إضافية في أسعار السلع والخدمات كافة. كما كان لرفع الدعم عن المحروقات تأثير سلبي على المواطنين حيث ارتفعت الأسعار بشكل كبير في ظل غياب أي رقابة فعالة، مما سمح لاحتكار معظم السلع الأساسية.
– إن زيادة العملة المتداولة بالليرة اللبنانية لتغطية سحب الودائع بالعملات الأجنبية وتمويل نفقات الدولة في غياب تدفق العملات الأجنبية أدت بدورها إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية وبالتالي ارتفاع سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار.
– أما على المستوى الخارجي:
ثمّة عوامل عديدة أثرت وستؤثر على نسب التضخم، أقله في العامين المقبلين، أهمها:
– تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، بحيث فرض تأمين سيولة كبيرة لحماية الأُسر والشركات من الآثار الإقتصادية للجائحة، وهذه الإجراءات أدت إلى زيادة الطلب العالمي الذي بدوره أدى إلى حدوث تضخم عالمي.
– صدمة العرض؛ والتي أثمرت إلى ارتفاع أسعار النفط عالمياً ليصل إلى /120/ دولاراً أميركياً للبرميل.
– ارتفاع غير مسبوق لأسعار السلع الغذائية وخاصة القمح مع ما يؤثر سلباً على الأمن الغذائي.
مما تقدم من تحليلات أوردها صندوق النقد العربي بحسب تقريره 2022، فإن الأزمة المالية والإقتصادية في لبنان لا يمكن أن تنحل بفرض مزيداً من الضرائب سواء أكانت مباشرة أو غير مباشرة خاصة في ظل غياب الأطر التنظيمية والمؤسسات الرقابية الفعالة، لأنها ستؤدي إلى زيادة نسبة من هم دون خط الفقر في لبنان(20).
ثانياً: صندوق النقد الدولي:
تركت الأزمة الإقتصادية التي شهدها العالم في ثلاثينات القرن العشرين تداعيات سلبية على كافة الصعد. فبدأ البحث بعد الحرب العالمية الثانية لضرورة إيجاد تنظيم نقدي دولي يهدف إلى تسهيل التبادل التجاري ويشرف على الجهود المبذولة لثبات أسعار الصرف الدولية حفاظاً على الاستقرار في حركة التبادل الدولي.
طرحت كل من بريطانيا والولايات المتحدة مشروعاً نقدياً في العام 1943 لتحقيق تلك الأهداف الإقتصادية، وفي ما بعد نُشر بيان مشترك من خبراء الدولتين يقضي بإنشاء صندوق للنقد الدولي ووضع الأسس الأولى لمؤتمر رسمي عقد في “بريتون وودز” في ولاية “نيوهامبشر” في الولايات المتحدة الأميركية في تموز عام 1944.
ونتج عن هذا المؤتمر توقيع الدول الأربع والأربعين المشتركة فيه اتفاقيتين:
– الأولى نصت على إنشاء صندوق النقد الدولي International Monetary Fund.
– والثانية قضت بإنشاء البنك الدولي للتعمير والإنماء International Bank for Reconstruction and Development.
أ- أهداف صندوق النقد الدولي:
تتعدد أهداف الصندوق التي ترمي إلى تحقيق التعاون في الاقتصاد الدولي بغية تنظيم وتوجيه الشؤون النقدية الدولية.
وتتلخص هذه الأهداف بالتالي:
– تنمية التعاون الدولي في المجالات النقدية والمالية لتبادل الآراء وتقديم الاستشارات اللازمة لحل الأزمات النقدية الدولية.
– تقديم قروض إلى الدول الأعضاء للتغلب على أزماتهم الإقتصادية ولكن ضمن أطر وضمانات معينة للمحافظة على استمرارية وجود الصندوق من جهة ولتصحيح الخلل التي قد يلحق ببعض الدول الأعضاء في موازين مدفوعاتهم.
– السعي لتنشيط التجارة الدولية من خلال تطوير الموارد الإنتاجية لدى البلدان الأعضاء، وتأمين حرية تبادل العملات بين الدول.
– تهيئة الوسائل اللازمة للوصول إلى ضبط أحوال الرواج في العالم والحؤول دون حدوث انكماش وكساد في إحدى المناطق أو الدول، وذلك بزيادة الاحتياطات الدولية ووضعها في متناول من يحتاج إليها، وبإعادة النظر في معدلات أسعار الصرف من وقت إلى آخر.
بعد انهيار نظام بريتون وودز في سبعينات القرن العشرين، وفي ما بعد أخذ صندوق النقد الدولي يوسع نطاق مشروطيته لتشمل تحرير علاقات العمل، وتحرير التجارة والقطاع المالي، وخصخصة الأصول المملوكة للدولة، وإعادة هيكلة النظم الضريبية، بمعنى أن سياسة صندوق النقد الدولي باتت منذ تلك الحقبة تحمل بعداً سياسياً واجتماعياً.
لقد شهد العقد الأخير تشدد شروط صندوق النقد الدولي تجاه الدول العربية، وخاصة منذ العام 2011، وأبرز تلك الشروط ضرورة تخفيض النفقات الحكومية، وتوسيع القاعدة الضريبية مع فرض ضرائب جديدة لا سيما غير المباشرة منها، وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف مع تبني معدلات فائدة أعلى، وتحرير التجارة من خلال إزالة الحواجز غير الجمركية، وتحرير قوانين الملكية، وإلغاء قيود علاقات العمل كما القيود المالية، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة(21).
وبغية تحقيق الأهداف السابقة يقدم الصندوق أنواعاً مختلفة من القروض، يمكن إيجازها وفقاً للتالي:
• قرض الاستعداد الائتماني: وهو عبارة عن قرض لدعم دولة معينة، وتكون مدته سنة إلى سنة ونصف، ويخصص لمعالجة المشكلات قصيرة الأجل لموازين المدفوعات.
• قرض نافذة التمويل الممدد: وهو قرض يعطى للدولة المعنية، وتكون مدة القرض من ثلاث إلى أربع سنوات وذلك لمعالجة المشكلات البنيوية، ويصاحبه عادة وضع برنامج تنموي لمعالجة هذه المشكلات.
• قرض التسهيل التمويلي التعويضي: وهو قرض يعطى لأجل قصير لمعالجة مشكلة قصيرة. كما يوجد قروض تقدم للدول في الحالات الطارئة(22).
ب- الحالة اللبنانية:
بحسب البنك الدولي، فإن الأزمة المالية والإقتصادية في لبنان تسبب فيها “التعامل السياسي غير الملائم والمتعمد” من قبل السلطات اللبنانية.
لقد بلغ معدل التضخم في لبنان 281% بين حزيران 2019 وحزيران 2021 وبات أكثر من 80% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، ووصلت نسبة ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى 500 بالمئة.
لقد بدأت المحادثات بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي في أيار 2020.
إن تدخل صندوق النقد الدولي لتقديم المساعدة اللازمة لحل الأزمة المالية يعتبر بمثابة مقدمة لحل الأزمة وإن كان بشكل جزئي. إلا أن ذلك لا يكون دون مشروطية معينة مفروضة من صندوق النقد الدولي.
وأعرب الجانب اللبناني التزامه بالكامل بمواصلة التعاون مع صندوق النقد الدولي. وتوصل الطرفان إلى اتفاق على مستوى الموظفين في نيسان 2022، ونفذت الحكومة اللبنانية القليل من مطالب صندوق النقد الدولي من الاتفاقية، والتي تضم 5 ركائز أساسية يجب تنفيذها قبل وضع اللمسات الأخيرة على برنامج الإنقاذ.
هذه الركائز تشمل إعادة هيكلة القطاع المالي المتعثر في لبنان، وتنفيذ الإصلاحات المالية، وإعادة الهيكلة المقترحة للدين العام الخارجي، ووضع تدابير قوية لمكافحة الفساد وغسيل الأموال.
استكمل وفد صندوق النقد الدولي جولاته على المسؤولين اللبنانيين للاطلاع على الإجراءات التي تعهد لبنان القيام بها بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه سابقاً على مستوى الخبراء وسط امتعاض خارجي معلن من تأخر السلطات اللبنانية في تنفيذ التدابير الضرورية للجم الانهيار وتأدية التزاماتها الإصلاحية.
وبقي صندوق النقد الدولي يحث الدولة اللبنانية على الاستعجال في إقرار القوانين الإصلاحية اللازمة، وتحديداً قوانين الكابيتال كونترول، والسرية المصرفية، وإعادة هيكلة المصارف، وموازنة عام 2022 وإنهائها.
كما ناقش صندوق النقد الدولي مع الجانب اللبناني مسألة الأمن الغذائي نظراً لحاجة لبنان لرعاية خاصة لتحقيق الأمن الغذائي، مشيراً إلى أنه حصل على تطمينات بأن صندوق النقد سيتشاور مع البنك الدولي حتى يستفيد لبنان من الثلاثين مليار دولار التي رصدها لدعم المشاريع التي تتعلق بالأمن الغذائي في العالم وخصوصاً للدول الأكثر حاجة.
بقيت الإصلاحات الشاملة المطلوبة من الجانب اللبناني غير منجزة باستثناء قانون الموازنة وبعض الإصلاحات الأخرى، وهذا ما يؤخر حصول لبنان على الدعم المالي من قبل صندوق النقد الدولي مع ما يستتبع ذلك من تأخر دعم دول أخرى ذات قدرات إقتصادية للبنان.
ج- محتوى التقرير السنوي لصندوق النقد الدولي 2022:
تحت عنوان أزمة فوق أزمة، صدر التقرير السنوي لصندوق النقد الدولي لعام 2022، وكشف التقرير عن تحديات إقتصادية عديدة، بدءاً من جائحة كورونا إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. وترافق ذلك مع تصاعد التوترات الجغرافية – السياسية والاجتماعية مع زيادة الفقر وعدم المساواة، وارتفاع التضخم بصورة حادة في كثير من البلدان نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والسلع الأولية.
وبحسب إفادة المدير العام للصندوق كريستالينا غورغييفا في هذا التقرير، فإن البلدان الأعضاء في الصندوق وافقت على توزيع تاريخي لمخصصات حقوق السحب الخاصة التي بلغت /650/ مليار دولار بهدف تعزيز احتياطيات البلدان الأعضاء، مما يساعد على توفير دعم السيولة المطلوبة للبلدان على مستوى العالم(23).
ووافقت البلدان الأعضاء في الصندوق على إطلاق “الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة” والذي يوفر التمويل طويل الأجل بتكلفة محدودة لمساعدة البلدان الأكثر ضعفاً لمواجهة التحديات والجوائح المستقبلية(24).
ثالثاً: البنك الدولي:
انبثق هذا البنك من مؤتمر الأمم المتحدة النقدي والمالي، الذي عقد في مدينة “بريتون وودز” في ولاية “نيوهامبشير” في الولايات المتحدة الأميركية عام 1944.
إن مجموعة البنك الدولي هي مجموعة مؤلفة من خمس منظمات عالمية، مسؤولة عن تمويل البلدان بغرض التطوير وتقليل إنفاقه، بالإضافة إلى تشجيع وحماية الاستثمار العالمي. وتتكون مجموعة البنك الدولي من:
– البنك الدولي للإنشاء والتعمير.
– مؤسسة التنمية الدولية.
– مؤسسة التمويل الدولي.
– هيئة ضمان الاستثمار المتعدد الأطراف.
– المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار(25).
أ- آلية عمل مجموعة البنك الدولي:
يقدم البنك الدولي للإنشاء والتعمير قروضاً للتنمية إلى الدول النامية المتوسطة الدخل، ومن أهدافه مساعدة الدول الأعضاء التي تأثرت بظروف الحرب على إصلاح ما تسببت في تدميره أو إتلافه، وكذلك مساعدة الأعضاء بصفة عامة على استغلال مواردهم الإنتاجية أحسن استغلال.
يقدم هذا البنك قروضاً إنتاجية عن طريق تمويل كافة أشكال الهياكل الأساسية الإنتاجية، كالطرق والسكك الحديدية والاتصالات السلكية واللاسلكية ومرافق الموانئ والكهرباء ومصادر الطاقة. وتشترك مع هذا البنك المؤسسة الدولية للتنمية في التمويل والمشورة بشأن السياسات والمساعدة الفنية إلى حكومات البلدان النامية.
وينصب تركيز المؤسسة الدولية للتنمية على بلدان العالم الأشد فقراً، أما البنك الدولي للإنشاء والتعمير فيساعد البلدان متوسطة الدخل والبلدان الأفقر المتمتعة بالأهلية الائتمانية. وتركز مؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار على تدعيم القطاع الخاص في البلدان النامية. ومن خلال هذه المؤسسات، تقدم مجموعة البنك الدولي التمويل والمساعدة الفنية والتأمين ضد المخاطر السياسية وتسوية المنازعات للشركات الخاصة، ومن ضمنها المؤسسات المالية.
وفي مطلع العام 2021، أعلنت وزارة المالية اللبنانية، أن البنك الدولي وافق على منح لبنان قرضاً بقيمة /246/ مليون دولار لدعم شبكة الأمان الاجتماعي. وبموجب الاتفاقية التي وقعت بين الجانب اللبناني والبنك الدولي تم تخصيص القرض لتمويل دفعات نقدية شهرية للأفراد بدلاً من البطاقات التموينية، وتوسيع قاعدة الفقراء المستفيدين.
ب- برامج التثبيت والتكيف الهيكلي:
يعنى صندوق النقد الدولي بالأزمات الإقتصادية قصيرة الأجل، بينما يعنى البنك الدولي بالأزمات الإقتصادية متوسطة وطويلة الأجل، وثمّة تنسيق بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في ما يتعلق بشروط القروض والتسهيلات المقدمة منهما للبلاد النامية(26).
وبالنسبة للمؤسستين (البنك والصندوق) يعتبران الأزمات المالية والإقتصادية والركود الإقتصادي تعود إلى أخطاء السياسات الإقتصادية الكلية الداخلية التي ارتكبتها هذه البلاد، وليس إلى عوامل خارجية.
ركّزت برامج التثبت الإقتصادي المتعلقة بالصندوق وبرامج التكيف الهيكلي المتعلقة بالبنك، على تقديم بعض الاقتراحات للدول المتعثرة لتجاوز العجز في موازنتها. فيحث صندوق النقد الدولي الدول المتعثرة على ما يلي:
– ضرورة خفض النفقات ذات الطابع الاجتماعي.
– التنبه إلى سياسة التوظيف وربط هذه السياسة بموضوع الحاجة والعرض والطلب.
– فرض بعض الضرائب وخاصة الضرائب غير المباشرة التي تؤمن مداخيل للدولة لتغطية نفقاتها الأساسية.
– زيادة أسعار مواد الطاقة، فضلاً عن زيادة أسعار الخدمات العامة للحكومة.
– تحرير التجارة الخارجية وإلغاء الرقابة على الصرف وتسهيل دخول وخروج النقد الأجنبي.
– تنمية أسواق رأس المال وتحرير التعامل فيها.
– زيادة أسعار الفائدة المدينة والدائنة التي تؤدي إلى زيادة الادخار المحلي وإلى ترشيد استخدام رأس المال بزيادة كلفة الاقتراض.
أما اقتراحات البنك الدولي فتتمحور حول ما يلي:
– تحرير الأسعار أي إبعاد الدولة عن التدخل في آليات العرض والطلب.
– نقل الملكية العامة إلى القطاع الخاص: يعتبر البنك أن سياسة الخصخصة مكون أساسي من مكونات الإصلاح الإقتصادي.
– حرية التجارة والتحول نحو التصدير.
ويسجل على برامج التثبيت والتكييف الهيكلي بعض السلبيات أبرزها(27):
– تدهور أحوال الفقراء ومحدودي الدخل: وهم القسم الأكبر من الدول النامية فعبء النهوض والإصلاح يكبدهم معاناة كبيرة وهنا تكمن الإشكالية الكبرى فكيف يمكن تحقيق أي تنمية بشرية أو إقتصادية دون الاهتمام بمستوى معيشة هذه الطبقة.
– عدم القدرة على إشباع الحاجات الأساسية: يحصل ذلك بسبب مسألة الأسعار وانخفاض المخصصات المرصودة في الموازنة للنفقات ذات الطابع الاجتماعي.
– تزايد معدلات البطالة: تزداد معدلات البطالة بسبب اقتراحات وتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليين في حين أن ترشيد عملية التوظيف وتقليصها وربطها بالعرض والطلب دائماً يكون على حساب الجانب الإنساني، فواقع الحال في تلك الدول تدني الاستثمارات الخاصة في معظم القطاعات الإنتاجية مع ما يعني ذلك من توظيفات في حدها الأدنى، فكيف إذا ترافق ذلك مع قرارات حكومية لمنع توظيفات جديدة أو للاستغناء عن توظيفات موجودة.
ج- محتوى تقرير البنك الدولي 2022:
تحت عنوان مساعدة البلدان على التكيف مع عالم متغير، صدر التقرير السنوي لعام 2022 للبنك الدولي.
أكد التقرير على وجود تحديات عديدة تعيق التقدم والنمو وتحول دون تحقيق الأهداف الإنمائية، لأنها ساهمت في ارتفاع نسبة الفقر المدقع على الصعيد العالمي لأول مرة منذ أكثر من عقدين.
قدمت مجموعة البنك الدولي 150 مليار دولار لمواجهة جائحة كورونا، واستمرت المجموعة بتقديم 170 مليار دولار على مدار 15 شهراً لمواجهة أزمة الغذاء وأيضاً الحرب في أوكرانيا وآثارها غير المباشرة(28).
ومنذ بداية الجائحة حتى السنة المالية 2022 قدمت مجموعة البنك الدولي أكثر من 14 مليار دولار لمساعدة أكثر من 100 بلد على التصدي للآثار الصحية لجائحة كورونا وتوفير اللقاحات لشعوبها.
قدم البنك الدولي للإنشاء والتعمير 33.1 مليار دولار لمساعدة أكثر من 45 بلداً متوسط الدخل، وقدمت المؤسسة الدولية للتنمية 37.7 مليار دولار بشكل مِنَح وقروض ميسرة لأكثر من 70 بلداً، بهدف دعم قدرة النظام الغذائي على الصمود والاستجابة لحالات الطوارئ في بوركينا فاسو والكاميرون ومالي وموريتانيا والنيجر وتوغو. ولعبت مؤسسة التمويل الدولية دوراً محورياً في مساندة القطاع الخاص بدعم مالي بلغ 32.8 مليار دولار في السنة المالية 2022. ففي مجال تمويل التجارة ودعم منشآت الأعمال العاملة في مجالي الاستيراد والتصدير، بلغت ارتباطات مؤسسة التمويل الدولية 9.7 مليارات دولار.
كذلك أصدرت الوكالة الدولية لضمان الاستثمار ضمانات بقيمة 4.9 مليار دولار لدعم البلدان في مسيرة الانماء، وخاصة في مجال تأمين الطاقة الكهربائية بحيث يستفيد من ذلك أكثر من 15 مليون شخص.
ويتبين مما تقدم حجم الدعم المالي للعديد من الدول والقطاعات في ظل التحديات التي عصفت وتعصف بدول العالم بشكل عام والدول النامية بشكل خاص، إلا أنه مهما كان حجم الأرقام يقع الحل المالي والإقتصادي على عاتق الدولة لجهة تحقيق أكبر قدر من الشفافية والحوكمة وترشيد الإنفاق والحفاظ على المال العام ومنع الهدر والمحسوبيات والتوظيف العشوائي، فما قيمة المساعدات المالية إذا خصصت في غير مكانها(29).
رابعاً: بين منظمة الجات ومنظمة التجارة العالمية:
سعت عدة دول، وخاصة الدول الصناعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية إلى طرح أفكار لإنشاء مؤسسة يكون لها دور مكمل لدور صندوق النقد والبنك الدوليين.
وأثمرت تلك الجهود منذ أربعينات القرن العشرين إلى نشأة منظمة الغات خلال عام 1947.
إن أبرز الأهداف التي وجدت هذه المؤسسة من أجلها هي، رفع الحواجز الجمركية التي تحول دون انسياب التجارة الدولية ووضع القواعد التي تعمل على تنميتها خاصة بين الدول الأعضاء الموقعة على الاتفاقية. ولتحقيق تلك الأهداف كان لا بد من تخفيض التعريفة الجمركية والحد من القيود الكمية للواردات مع مراعاة عدم التفرقة أو التمييز بين الدول بالإضافة إلى العمل على التحكيم في ما قد ينشأ من منازعات تجارية بين الدول الأعضاء.
إن نظام “الغات” لم يأخذ مصالح الدول النامية بعين الاعتبار كأولوية لهدفه لأن كثير من الدول النامية في منتصف القرن العشرين كانت لا تزال تحت السيطرة الاستعمارية. ولكن في ما بعد وبسبب تضافر جهود دولية حصلت عدة إصلاحات منذ العام 1965 تضمنت التزام الدول الأعضاء في الغات بعدم وضع العراقيل في وجه صادرات البلدان النامية.
تعتبر جولة الأوروغواي (1993-1986) أهم جولات المفاوضات في تاريخ “الغات” حيث أدت إلى إنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995 لتحل محل “الغات” في تنظيم التجارة العالمية.
وثمة فروقات أساسية بين اتفاقية “الغات” ومنظمة التجارة العالمية يمكن إيجازها بالتالي:
– اتفاقية الغات هي بمثابة اتفاقية مؤقتة لا تأخذ الصفة الرسمية لمنظمة دولية تحكمها الأسس والقوانين ولها مجموعة من الآليات المباشرة والأجهزة التابعة لها سواء إدارية أو سياسية. وأنها غير ملزمة للأعضاء بتطبيق جميع القرارات والاتفاقيات الناشئة والصادرة عنها.
– إن التزامات منظمة التجارة العالمية هي تامة وملزمة لجميع الأعضاء.
– كانت اتفاقية الغات مختصة بتجارة السلع بينما شملت المنظمة التجارة العالمية والخدمات وحقوق الملكية الفكرية(30).
أ- جولات المفاوضات منذ الغات
إن أبرز الجولات التفاوضية منذ إنشاء الغات إلى إنشاء منظمة التجارة العالمية تتلخص بالجدول التالي():

ب- أهداف ونشاطات منظمة التجارة العالمية:
تتركز أهداف منظمة التجارة العالمية في عدة نقاط تسعى جميعها إلى تنظيم حركة التجارة بكافة أشكالها وتنوع أساليبها ويمكن لنا تلخيص تلك الأهداف والنشاطات في النقاط التالية:
• حرية انسياب وتدفق التجارة وذلك بإلغاء جميع القيود التجارية مع الحفاظ على مبدأ تكافؤ الفرص.
• التفاوض على تخفيض أو إزالة العقبات التي تعترض التجارة مثل الرسوم الجمركية على الواردات والاتفاق على القواعد التي تحكم سير التجارة الدولية مثل مكافحة الإغراق والإعانات ومعايير المنتجات.
• إدارة ومراقبة تطبيق قواعد منظمة التجارة العالمية المتفق عليها من أجل التجارة في السلع والخدمات والتجارة ذات الصلة بالملكية الفكرية.
• رصد واستعراض السياسات التجارية للدول الأعضاء فضلاً عن ضمان الشفافية في الاتفاقات التجارية الإقليمية والثنائية.
• تسوية المنازعات بين الأعضاء فيما يتعلق بتفسير وتطبيق الاتفاقات.
• بناء القدرات لتطوير الموظفين الحكوميين في الدول الأعضاء في مسائل التجارة الدولية.
• المساعدة في عملية انضمام دول جديدة من بين 30 دولة تسعى للانضمام وموضوعة ضمن الدول المراقبة لحين استيفاء جميع الشروط والآليات المتعلقة بالانضمام.
• إجراء البحوث الإقتصادية وجمع ونشر البيانات التجارية في دعم الأنشطة الرئيسية.
• الالتزام بالشفافية في تسيير الأنشطة.
• العمل على تشجيع وتنمية رفاهية الشعوب والحد من الفقر وتعزيز السلام والاستقرار.
• إلغاء الممارسات غير العادلة مثل دعم الصادرات والمنتجات(31).
وما زالت الدولة اللبنانية غير منضمة إلى اتفاقية التجارة العالمية، وتبرز منذ عدة سنوات طروحات واجتماعات لا ترقى إلى المستوى الجدي لانضمامه إلى منظمة التجارة العالمية، في وقت يعاني لبنان من أزمة إقتصادية ومالية خانقة وباتت قطاعاته الإقتصادية أحوج ما يكون إلى تنسيق وتعاون دولي أفضل.
ج- تقييم منظمة التجارة العالمية للواقع الإقتصادي:
تتوقع منظمة التجارة العالمية تباطؤاً حاداً في التجارة العالمية خلال عام 2023 في ظل موجة الاضطرابات الإقتصادية والجيوسياسية الدولية، كما تقدر نمو حجم التجارة السلعية بنسبة 3.5 بالمئة في عام 2022، بينما تتوقع نمواً بنسبة 1 بالمئة لعام 2023، وهو يمثل تراجعاً واضحاً عن الأعوام السابقة.
ولكن ثمّة مخاوف من قبل المنظمة أن يكون هناك تراجعات مخيفة تلغي النسب والتقديرات السابقة بسبب خطورة التحديات التي تعصف بالعالم. هذا ما أكد عليه الخبير الإقتصادي في منظمة التجارة العالمية كولمان في أن “هناك الكثير من الشكوك المحيطة بالتقديرات، وذلك ببساطة بسبب طبيعة النزاع (في أوكرانيا) وكذلك بسبب التحديات التي تواجه السياسة النقدية والسياسة المالية”.
وتتوقع المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي اوكونجو ابويالا حدوث ركود عالمي، واعتبرت أن اللجوء التجارية سيفاقم الضغوط التضخمية، ما سيؤدي في النهاية إلى تباطؤ النمو الإقتصادي وانخفاض مستويات المعيشة.
كذلك من المتوقع أن يضعف الطلب على الواردات في أنحاء العالم مع تباطؤ النمو بسبب عوامل مختلفة في الاقتصادات الكبرى.
أشارت منظمة التجارة العالمية إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وأثرها على القارة الأوروبية لجهة ارتفاع أسعار الطاقة مما سيؤدي إلى انخفاض إنفاق الأُسر وزيادة التكاليف في قطاع التصنيع.
وسيكون لتشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة الأميركية تداعيات على الإنفاق الذي يتأثر بأسعار الفائدة في قطاعات الإسكان والسيارات والاستثمار في رأس المال.
أما الصين فإنها تواجه تفشي موجات جديدة لجائحة كوروا مما أثّر وسيؤثر على عملية الإنتاج ويضعف الطلب الخارجي.
ويبيّن تقرير منظمة التجارة العالمية، على التأثير السلبي لارتفاع فواتير استيراد الوقود والأغذية والأسمدة على الأمن الغذائي في الدول النامية().
المبحث الثاني: التكامل الإقتصادي العربي بين المقومات والمعوقات:
تبرز مجموعة مقومات لتحفيز التكامل الإقتصادي العربي، بالمقابل ثمّة معوقات تحول دون تحقيق النجاح المرتجى.
أولاً: مقومات التكامل الإقتصادي العربي:
يتميز العالم العربي بمجموعة عوامل إيجابية نذكر أبرزها:
أ- تنوّع الموارد الطبيعية وتعددها:
يملك العالم العربي موارد إقتصادية عديدة ومتنوعة في كافة القطاعات الإنتاجية. فتتعدد وتتنوع المحاصيل الزراعية والثروات المعدنية ومصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والحرارة، كذلك يملك العالم العربي منسوباً كبيراً من المياه، إلا أنَّه ثمة أزمات بين بعض الدول العربية على هذه المصادر الأمر الذي حثَّ المنظمات الإقليمية والدولية إلى طرح موضوع الأمن المائي في العديد من المؤتمرات والندوات على المستويين الإقليمي والدولي(32).
ب- الإقليمية:
يتمتع العالم العربي بهيكل نسيجي وشعبي وثقافي، بحيث تشكل الثقافة العربية البنية الفوقية للمجتمع. إنها نتيجة لوحدة اللغة، ومفاعيل الحضارة الإسلامية، والانشداد إلى التاريخ المشترك المرتبط بإنجازات عربية معترف بها عالمياً. وتجلّى هذا التقارب بإنشاء هيكل تنظيمي – مؤسساتي يتمثل في جامعة الدول العربية.
ج- الموقع الجغرافي:
تتسم الوضعية الإقليمية للعالم العربي بالأهمية، نظراً لموقعه الاستراتيجي بين القارات الثلاث، آسيا، أوروبا وأفريقيا، بالإضافة إلى الثروات النفطية التي تختزن فيه.
تبلغ مساحة العالم العربي حوالي 13943488 كلم2 موزعة بين قارتي (أفريقيا 72.06% من جملة مساحة العالم العربي) وآسيا (27.94% من جملة مساحة الأراضي العربي).
وتطل الأراضي العربية على بحرين هامين للملاحة البحرية العالمية، هما البحر المتوسط والبحر الأحمر، إضافة إلى الخليج العربي، الذي تُعدّ منطقته من أهم مناطق العالم المنتجة والمصدرة للنفط.
ويتميز العالم العربي بموقعه الجغرافي المتوسطي بين أسواق التصريف الرئيسية للبترول في العالم، والتي تتمثل في أسواق اليابان، وغرب أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، مما أدى إلى تعاظم أهمية المنطقة العربية وتزايد ثقلها الإقتصادي والسياسي في عالمنا المعاصر.
ثانياً: العقبات أمام التكامل الإقتصادي العربي:
ثمّة بروز عدة عقبات تحول دون تحقيق التكامل الإقتصادي العربي:
– غياب التصور الشامل، الذي يحدد الأهداف والوسائل والبرامج الزمنية للتنفيذ بصورة واضحة.
– تقديم الاتفاقيات الثنائية على الاتفاقيات متعددة الأطراف، مما أدى إلى إضعاف جدوى الاتفاقيات المتعددة الأطراف وأهدافها(33).
– عدم الاستقرار الإقتصادي في عدد كبير من الأقطار العربية، فغياب رؤية إقتصادية وسياسية استثمارية، وغياب القوانين الموحدة يكرس فوضى إقتصادية ويؤدي إلى تضارب في التنسيق الاستثماري.
– حالات التضخم حيث شهدت العديد من دول العالم العربي، وخلال فترات متعددة، حالات من التضخم ترك تداعيات خطيرة على قيمة العملة الوطنية واضطرابات كبيرة في أسعار الصرف.
– تبعية الاقتصاد العربي للاقتصاد العالمي.
– غياب الإرادة السياسية وتزايد سياسة المحاور العربية والأزمات السياسية في ظل متغيرات دولية عديدة على كافة الصعد.
كذلك تبرز تحديات إقليمية تؤثر على بناء تكتل إقتصادي عربي، نذكر منها:
أ- مشروع الشرق الأوسط الجديد:
يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أبرز من دعا إلى قيام مشروع إقليمي سياسي وإقتصادي يجمع “الكيان الإسرائيلي” مع الدول العربية. فهو طرح منذ عام 1991 فكرة التكامل بين ثلاثة عناصر متوفرة في الشرق الأوسط وهي: وفرة موارد المياه التركية، وسعة السوق الاستهلاكية المصرية، ومقدرة التكنولوجيا الإسرائيلية.
ب- مشروع الشرق الأوسط الكبير:
طرح هذا المشروع بعد أحداث 11 أيلول 2001 من قبل صنّاع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، وتضم المنطقة الجغرافية للشرق الأوسط الكبير كلاً من العالم العربي، الكيان الإسرائيل، تركيا، آسيا الوسطى، القوقاز، ومنطقة شبه القارة الهندية. وتمثل هذه المنطقة بالنسبة للاستراتيجية الأميركية أكبر مستودع للطاقة في العالم.
إن الهدف من طرح هذا المشروع هو تقديم المصلحة الأميركية – الإسرائيلية على حساب المصالح العربية الإقتصادية والسياسية.
ج- المشروع الأورو – متوسطي:
إن الاهتمام الأوروبي بمنطقة حوض البحر المتوسط يعود إلى حقبات زمنية سابقة، ومن ثم أعيد طرح فكرة المتوسط كفضاء جغرافي وتاريخي وحضاري وإقتصادي في منتصف القرن العشرين.
وتتسع فكرة المتوسطية لجميع الدول المطلة على البحر المتوسط وخاصة الدول العربية، التي تطل على شواطئه الجنوبية إلى جانب الدول الأوروبية التي تطل على شواطئه الشمالية.
يحاول مشروع الشراكة الأورو – متوسطي تجاوز الهوية العربية، فهو لم يراعِ ترابط المصالح السياسية والتاريخية والأمنية والاستراتيجية والإقتصادية بين معظم الدول العربية، وبالتالي يشكل تجزئة النظام الإقليمي العربي في العلاقات الأوروبية – العربية تحدٍ لأي تكتل إقتصادي عربي.
وما يزيد في التأثير السلبي على مسار بناء أي تكتل عربي في مشروع الشراكة الأورو – متوسطي، هو تهميش دور جامعة الدول العربية واعتبارها طرف مراقب في أي لقاء أو تشاور أو اتفاق مع الجانب الأوروبي، في مقابل ذلك يُمثَّل الاتحاد الأوروبي في مشروع الشراكة بالمفوضية الأوروبية العليا.
وتلعب الخلافات الداخلية العربية والتباعد في الاستراتيجيات الإقتصادية والسياسية دوراً سلبياً لأي طرح أو مشروع للتكتل الإقتصادي(34).
في مقابل ذلك، يتعزز دور المشاريع والطروحات الخارجية على حساب المصالح العربية.
الخاتمة:
أظهرنا من خلال الدراسة الترابط الوثيق بين علم الاقتصاد والعلوم الأخرى، وأن ثمّة مدارس إقتصادية متعددة وجدت على الساحة الدولية، ولكل منها مبادئ واستراتيجيات لتقديم حلول للمشاكل الإقتصادية، إلا أن واقع الحال يظهر أن العالم بمعظمه يسير في إطار نهج الليبرالية الإقتصادية بحسب ما نصت عليه مبادئ الرأسمالية، مع فوارق تختلف لناحية التطبيق بين دولة وأخرى، فدول طبقت مبادئ المدرسة التدخلية وأخرى فضلت عدم تدخل الدولة في الشؤون الإقتصادية، وتركت تحقيق التوازن في السوق لقانوني العرض والطلب.
وفي إطار الرد على إشكالية الدراسة الأساسية تبين لنا أن السياسات الإقتصادية المعاصرة لعبت دوراً إيجابياً في التخفيف من حدّة الأزمات الإقتصادية والمالية وإن كان في إطار نسبي، وبنسب متفاوتة بين دولة وأخرى وذلك يعود إلى عوامل عديدة، بعضها يتمثل في الجهود المبذولة على المستوى الداخلي وبعضها الآخر يتمثل في التحديات الخارجية والمعوقات التي تضرب مناطق جغرافية دون غيرها.
كذلك تبين لنا صوابية فرضية الدراسة التي انطلقنا منها لجهة التأكيد على قدرة مشاريع التكامل الإقتصادي الإقليمي والدولي في التخفيف من وطأة الأزمات الإقتصادية والمالية، وإن لهذه المؤسسات دوراً إيجابياً في ذلك.
انطلاقاً من ذلك استنتجنا ما يلي:
‌أ- إن إطار الاستثمارات داخل الدولة تتحدد وفقاً للقوانين الداخلية بينما يتحدد التبادل الدولي وفقاً للأطر والاتفاقيات الدولية.
‌ب- تبرز تباينات عديدة بين العلاقات الإقتصادية الداخلية والدولية، وخاصة في الوحدات النقدية والنظم المصرفية.
‌ج- ثمّة قضايا إقتصادية تترك تداعيات كبيرة على مستوى العلاقات الإقتصادية الدولية، أبرزها سعر الصرف ومدى تأثره بالعرض والطلب.
‌د- يسجل لمشاريع التكامل الإقتصادي الإقليمي والدولي إيجابيات تتمثل في تطوير الأسواق إلى تحفيز التعاون الأمني والعسكري.
‌ه- يتمتع العالم العربي بمجموعة مقومات قد تساهم في تطوير التكامل الإقتصادي العربي على الرغم من التحديات الداخلية والخارجية.
‌و- ساهمت المؤسسات الإقتصادية الإقليمية والدولية في دعم دول العالم بشكل عام والدول النامية بشكل خاص لتخطي العديد من الأزمات والتحديات التي زادت منذ انتشار جائحة كورونا، وإن الرهان على بقاء تلك المؤسسات وتطويرها هو أفضل من عدم وجود تلك المؤسسات أو زوالها.
مما تقدم لا بد من تقديم التوصيات التالية:
‌أ- يقع على عاتق صنّاع القرار وخاصة داخل الدول النامية حُسن إدارة وتنظيم وتنسيق الجهود لترشيد الإنفاق العام ومنع هدر المال العام للنهوض بالمجتمع نحو الأفضل.
‌ب- التأسيس على المقومات الإيجابية بين الدول العربية لتحقيق التكامل الإقتصادي.
‌ج- حل النزاعات العربية – العربية بالطرق السلمية للاستفادة من القدرات الإقتصادية لمواجهة التحديات الكبيرة.
في نهاية الدراسة نطرح تساؤلاً علّه يفتح آفاقاً جديدة نحو مقاربة ومعالجة إشكالية جديدة، محورها “تأثير الفساد السياسي والإقتصادي في الحد من دور التكتلات والمؤسسات الدولية.
هوامش ومصادر:
(1) محمد شكري، السوق الداخلي، منشورات الجمل، بيروت، 1997، ص 45.
(2) NGUYEN QUOC, DAILLIER PATRIK, PELLET Alain, Droit International Public, Ed. LGDJ, Paris, 1999, p: 1150-1152.
(3) أحمد جمال الدين موسى، النقود الإلكترونية وتأثيرها على دور المصارف المركزية في إدارة السياسة النقدية، جامعة المنصورة، كلية الحقوق، العدد 29، نيسان 2001.
(4) صالح السلطان، الأسعار والطلب والعرض، جريدة العرب الإقتصادية الدولية، 17 حزيران 2019.
(5) NGUYEN QUOC, DAILLIER PATRIK, PELLET Alain, Droit International Public, Ibid, p: 1153-1154.
(6) مصطفى الشامية، المبادئ الإقتصادية، بحث أكاديمي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، صيدا الفرع الخامس، 2021، ص 30.
(7) كامل علاوي كاظم الفتلاوي، حسن لطيف الزبيدي، الإقتصاد الجزئي (النظريات والسياسات)،دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان، 2010، ص 56.
(8) حامد عبيد حداد، التكامل الاقتصادي والتنسيق الصناعي العربي دراسة تحليلية، “مجلة كلية الآداب”، العدد 99.
(9) السعيد بوشول، واقع التكامل الاقتصادي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وآفاقه، رسالة ماجستير في علوم التسيير، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، الجزائر، كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية، قسم علوم التسيير، 2009، ص 89.
(10) التجارة الخارجية والتكامل الإقتصادي الإقليمي جسر التنمية، المعهد العربي للتخطيط بالكويت، العدد 81، 2009، ص 5-6.
(11) التجارة الخارجية والتكامل الإقتصادي الإقليمي جسر التنمية، مرجع سابق، ص 8-12.
 (12) نوار جليل هاشم، أميركا والقوى الصاعدة السياسية الأميركية تجاه دول بريكس في النظام العالمي، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 2010، ص 145.
(13) نوار جليل هاشم، أميركا والقوى الصاعدة السياسية الأميركية تجاه دول بريكس في النظام العالمي، مرجع سابق، ص 90.
(14) Hal Hill and Jayant Menon, Asean Economic Integration: Features, Fulfillments Failures and Future, Asean Development Bank, No. 69, 2010, p: 15.
(15) مصطفى الشامية، دراسات في العلاقات الدولية والأمن الدولي، بيروت، مكتبة بدران الحقوقية، 2018، ص 65-75.
(16) أرنست فولف، صندوق النقد الدولي (قوة عظمى في الساحة العالمية)، ترجمة عدنان عباس علي، المجلس الوطني للثقافة بالكويت، سلسلة عالم المعرفة، 2016، ص 35.
(17) أرنست فولف، صندوق النقد الدولي (قوة عظمى في الساحة العالمية)، مرجع سابق، ص 75.
(18) Arab Monetary Fund Publications: Main Reports, Report 2022, p: 30, amf.org.ae.
(19) Arab Monetary Fund, Ibid, p: 30-35.
(20) حمزة محمود الزبيدي، إدارة الإئتمان المصرفي والتحليل الإئتماني، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، البحرين، 2008، ص 145.
(21) International Monetary Fund, Articles of agreement of the International Monetary Fund (1994), Washington D.C. International Monetary Fund, 2011.
(22) إدوار عيد، الأسناد التجارية، الجزء 1، مبادئ عامة – سند السحب – السند لأمر، دار المنشورات الحقوقية، صادر، بيروت، 2000، ص 28.
(23) التقرير السنوي لصندوق النقد الدولي 2022، www.imf.org.
(24) World Bank, Annual Report, 2022, worldbank.org.
(25) سالم توفيق النجفي، سياسات التثبيت الإقتصادي والتكييف الهيكلي وأثرها في التكامل الإقتصادي العربي، بيت الحكمة، بغداد، دون تاريخ نشر، ص 120.
(26) ناصر عبيد الناصر، سياسات الإصلاح الإقتصادي وبرامج التثبيت والتكيف الهيكلي (حالة مصر العربية)، إتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001، ص 67.
(27) World Bank, World Bank, Annual Report, 2022, worldbank.org.
(28) World Bank, Annual Report, 2022, worldbank.org.
(29) World Trade Organization, WTO Annual Report 2022, www.wto.org.
(30) زكريا فوّاز، الغات في ضوء تطور الفكر والوقائع الإقتصادية، مجلة إتجاه، العدد التاسع، السنة الثانية، نيسان – ¬أيار، 1998، بيروت، ص 46.
(31) عادل عبد السلام، الدول العربية من الغات إلى منظمة التجارة العالمية، وزارة الخارجية، جمهورية مصر العربية، القاهرة، تشرين الأول 1995، ص 57.
(32) World Trade Organization, Ibid, p: 40-49.
(33) كلير فخر الدين، برنامج نوافذ، قناة العالم الإخبارية، 30/6/2022.
(34) علي توفيق الصادق، التكامل الإقتصادي العربي، الشركة العربية المتحدة للتسويق والتوريدات، القاهرة، 2006، ص 36.
(35) مصطفى الشامية، دراسات في العلاقات الدولية والأمن الدولي، مرجع سابق، ص 80-95.

“محكمة” – الخميس في 2023/3/9

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!