مقالات

السجون بين الواقع والشروع بالإصلاح/فؤاد مطر

المحامي فؤاد مطر:
تعاني السجون في لبنان كثافة أعداد السجناء والسجينات حيث تفوق القدرة الاستيعابية. فقد ارتفع معدّل الاكتظاظ بشكل متزايد وغير مسبوق ما قارب على أربعمائة بالماية /400%/. فإذا تحدثنا عن سجن رومية في جبل لبنان وهو الاكبر في الجمهورية اللبنانية والذي ينبغي ان لا يضمّ اكثر من ألفي سجين، والآن يأوي اكثر من خمسة آلاف سجين، وهناك ثمانية آلاف واربعمائة /8400/ سجين موزعين على خمسة وعشرين سجنًا من بينها أربعة للنساء، وسجن للأحداث، وسجن للقاصرات، منتشرين في أكثر من مئتي نظارة، تضم أفرادًا تمّ توقيفهم إحتياطيًا ولكن منذ فترة طويلة بدلًا من ان لا يتجاوز توقيفهم لأيّام محدودة، إلّا أنه تخطّى التوقيف السنوات فأصبح اعتباطيًا لعدم الافراج عنهم، او عدم البت بطلبات إخلاء السبيل.
إنّ نسبة الموقوفين دون محاكمة تفوق الثمانين بالماية /80%/ ويدخل في عين الاعتبار أنّ هنالك حوالي ثمانماية ألف /800,000/ من التابعية السورية قد دخلوا خلسة دون مراعاة لأحكام المعاهدات بين الدولتين، ممّا أدّى إلى ارتفاع منسوب الجرائم حتى بات هناك اكثر من الفين وخمسمائة /2500/ سوري في سجن رومية، لم يحاكم منهم سوى ثلاثمائة وخمسين /350/، وهذا ما يعكس الحالة المأسوية ونسبة القضايا التي لم يتم البت بها.
إنّ تدهور وضع السجون يتفاقم بالتزامن مع ضخامة الأزمات الاقتصادية الخانقة والمالية المنهارة نتيجة ارتفاع التضخّم وانخفاض قيمة العملة اللبنانية، مما ادى الى تعاظم المشكلات نذكر منها :
1. تردّي الأوضاع الانسانية وعدم توافر الحد الادنى لحقوق السجناء.
2. تدنّي مستوى الرعاية الصحية والتردّي في خدماتها، وافتقار للأدوية الضرورية والاساسية ، وحضور طبيب من أصل سبعة اطباء لارتباط اتعابهم بالعملة اللبنانية الهابطة.
3. ضعف الامدادات الغذائية مع ارتفاع اسعار موادها وصعوبة الدفع لمورّديها المتعاقدين، حتى بات تأمين مصروف وجبة، كل عشرة وجبات لا اكثر.
4. لم يعد بإستطاعة الصليب الاحمر المساعدة في تأمين اطباء متطوعين بشكل دائم ومتواصل، كما ان الانخفاض في العديد العسكري للحراسة واكثر من نصف الآليات للسوق خارج الخدمة، خاصة وان السجون تضم متهمين في قضايا الارهاب والمخدرات والتعامل مع العدو، وجرائم اخرى خطيرة ، ناهيك عن بطء إجراءات المحاكمة، كلها ادت الى توجيه تهديدات جدّية وإطلاق حركات تمرّد داخل السجون قد تخرج عن السيطرة ولا تحمد عقباها.
إنّ التأخير في سير المحاكمات هو انتهاك لأبسط قواعد العدالة ، ويجعل البراءة عديمة القيمة بعد مرور سنوات على التوقيف خلف القضبان، وهو عجز صارخ في الدفاع عن الحقوق الأساسية.
لا بدّ من إيجاد حلّ لمشكلات السجون وللسجناء الذين قضوا مدة عقوبتهم وهم عاجزون عن دفع الرسوم والغرامات المحكوم بها والمطلوب تسديدها للإفراج عنهم، والبحث عن إيجاد تدابير طارئة ومستدامة لتخفيف معاناة السجناء واعادة تأهيل السجون، وتحضير السجناء لاكتساب مهارات مهنية تمكّنهم من العمل عند خروجهم من السجن.
أمام هذه الظروف، آلت نقابة المحامين في بيروت على نفسها، التحرك بفعالية بهدف إعادة الاستقرار للنظام السجني، ووضع استراتيجية وآلية عمل للدفاع عن مبادئ حقوق الانسان وحرياته واقدسها حقّ الدفاع، وتأمين حقّ محاكمة عادلة تبدأ بتسريع المحاكمات.
أتى خطاب القسم لفخامة الرئيس جوزاف عون بمثابة قوة دفع لإصلاح السجون، فانطلقت جلسات محكمة الجنايات في رومية وتمّ تشكيل لجنة تضمّ رئيس محكمة الجنايات والمدعي العام التمييزي وقائد قوى الأمن الداخلي ولجنة السجون في نقابة المحامين في بيروت برئاسة الاستاذ جوزيف عيد لإزالة أيّ عقبة لحسن سير الاجراءات وبالسرعة الطموحة والمتابعة بأدق التفاصيل مع حقّ تدخّل وزير الداخلية عند الاقتضاء ولا سيّما في حال التعرض لأي عقبة قد تطرأ.
والأهمّ من كلّ ذلك، تمّ تأمين مبدأ علانية الجلسات، وابلاغ المتهمين وفق الاصول المتبعة قانونًا، وتنعقد الجلسات خلال ثلاثة أيام من كل أسبوع، أيّام الثلاثاء والاربعاء والخميس، مع مناوبة ثلاث غرف لمحكمة الجنايات وحضور دائم لأعضاء لجنة السجون في نقابة المحامين في بيروت تطوّعًا دون أدنى متابعة لملفات موكلين بها.
كما جرى تقديم تسهيلات للمحامين، إذ تستقبلهم آلية خاصة لتنقلهم إلى مكان غرفة المحكمة، وبجانبها غرفة خاصة للمحامين.
وأخيرًا، لا بدّ من أن نطالب بضرورة البت بطلبات اخلاءات السبيل تطبيقًا لأحكام قانون اصول المحاكمات الجزائية ولا سيّما المواد 108 و111 و138 إذا لزم الأمر دون إبطاء أو تردّد.
“محكمة” – الاربعاء في 2025/5/28

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
مجلة محكمة
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.