أبرز الأخبارمقالات

العدالة المصوّرة لا تنعش الشهداء/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
لا يحفظ الأرشيف لا في وزارة العدل، ولا في وسائل الإعلام باختلاف تسميتها بين مرئية ومقروءة ومسموعة وإلكترونية، صورة واحدة لمحقّق عدلي لبناني وهو يقوم بتسليم وزير العدل قراره الإتهامي في القضيّة المكلّف بها.
فلا أثر على الإطلاق، لصورة واحدة للمحقّقين العدليين الكثر الذين تناوبوا على ملفّ واحد أو جملة ملفّات، فأين هي صورة القاضي جهاد الوادي مع وزير العدل القاضي خالد قبّاني لتتحدّث عن تسليمه القرار الاتهامي في قضيّة “اغتصاب سلطة سياسية وقيادة عسكرية من قبل الضابط ميشال عون وأعوانه” وما رافقها وتفرّع عنها، وقد صدر القرار الاتهامي في 4 أيّار من العام 2005 وقضى بإسقاط دعوى الحقّ العام عن عون وأعوانه؟.
وأين هي صورة القاضي مالك عبلا مع وزير العدل شارل رزق لتؤكّد أنّه كان يسلّمه قراره الاتهامي في جريمة مقتل زيّاد غندور وزيّاد قبلان في 26 نيسان 2007، وهي جريمة ثأرية عشائرية لا تمتّ إلى “أمن الدولة” بصلة لكي تحال على المجلس العدلي وترهق قضاته، ومع ذلك صدر الحكم بإنزال عقوبة الإعدام غيابياً بالجناة؟.
وأين هي صورة القاضي رشيد مزهر مع وزير العدل شارل رزق تظهرهما يحملان القرار الاتهامي في قضيّة تفجير حافلتي نقل الركّاب في محلّة عين علق، وقد أصدر المجلس العدلي حكمه فيها؟.
وأين هي صورة القاضي غسّان عويدات مع وزير العدل النقيب شكيب قرطباوي وهو يعطيه نسخة عن قراره الاتهامي في قضيّة أحداث “نهر البارد”، وقد وفّق المجلس العدلي بإنهاء النظر في الملفّات الأصلية والفرعية بأحكام متفاوتة، مع التذكير بأنّ هذا القرار الاتهامي هو الأكبر في تاريخ التحقيق العدلي، إذ بلغ عدد صفحاته 465 صفحة “فولسكاب”؟.
وأين هي صورة القاضي نبيل صاري مع وزير العدل إبراهيم نجّار وهما يتأبطان القرارين الاتهاميين في قضيّتي التفجيرين الإرهابيين اللذين وقعا في محلّتي البحصاص والتلّ في طرابلس، وأصدر المجلس العدلي حكمها فيهما في العام 2013؟.
وأين هي صورة القاضي فادي العنيسي مع وزير العدل إبراهيم نجّار خلال حفل تسليم القرار الاتهامي في قضيّة مقتل الكتائبيين نصري ماروني وسليم عاصي في مدينة زحلة، ولا تزال هذه الجريمة قيد النظر لدى المجلس العدلي؟.
وأين وأين وأين هي صور الكثيرين من المحقّقين العدليين مع وزراء العدل خلال السنوات الماضية، وخلال فترة الوجود السوري في لبنان، وبعضها مليء بالدسم السياسي، وهم يتباهون بصدور القرار الاتهامي في الدعاوى المولجين فيها؟.
فهل شاهدتم محقّقاً عدلياً ووزيراً للعدل يتصوّران مع قرار إتهامي؟ وهل يعقل أن يتصوّر كلّ قاضي تحقيق مع وزير العدل كلّما أصدر قراراً ظنّياً في جريمة مروّعة، أو يتصوّر رؤساء الهيئات الاتهامية مع وزراء العدل بُعيد إصدار قرار إتهامي؟.
إنّ ما فعله وزير العدل اللواء المتقاعد أشرف ريفي من أجل تحقيق مكسب سياسي آني، يماثل ما كان يقوم به رؤساء لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والذين كانوا عند حلول موعد تسليم تقريرهم الدوري يزورون رئيس الحكومة ووزير العدل وتُلتقط لهم الصورة التذكارية في مشهد فولكلوري، وهي صورة لا تشبه القضاء في شيء، ولا يعترف بها ميزان العدل، لأنّ الأصول تقول إنّ الكلمة الفاصلة هي لـ “القضاء الجالس”، وليس لرئيس لجنة تحقيق، ولا لرئيس نيابة عامة، ولا لمحقّق عدلي يتحرّك بإشارات سياسية، فيسرع في التحقيق أو يتباطأ فيه وكأنّه مرهون للمنفعة السياسية، وكم من قرار إتهامي بدّدته تحقيقات “القضاء الجالس”، والشواهد كثيرة في هذا المجال، سواء أمام المجلس العدلي، أو محكمة التمييز الجزائية، أو محكمة الجنايات.
إنّ القرار الاتهامي في تفجيري المسجدين في طرابلس، ليس ملكاً لوزير عدل ومستقيل أيضاً، وإنْ كان من مدينة طرابلس، لأنّ الاعتداء تمّ على أمن الدولة الداخلي، وعلى لبنان كلّه، ويتعلّق بأمن لبنان كلّه وليس بمدينة أو طائفة أو مذهب، ولا يحقّ للمحقّق العدلي القاضي آلاء الخطيب أن يبدي سلوكاً مغايراً لمن سبقه من القضاة الكبار، ولمشيئة العدالة الحقّة، وكان بإمكانه ألاّ يظهر في صورة تسليم قرار إتهامي خيطت سطوره برغبة سياسية تبدّت سطوة ريفي فيه ساطعة لتحقيق مكسب سياسي لا يدوم وسرعان ما ينتهي ويذوب، كما أنّ العدالة المصوّرة لا تطيل عمر أحد، ولا تصنع حياة ثانية لأحد، ولا تنعش الشهداء على الإطلاق.
يقال في كواليس العدلية وفي مجالس القضاة المُعْتَبرين، وهم باتوا قلّة قليلة، إنّ التفتيش القضائي توقّف عند القاضي طارق زيادة، وبعده لا أثر لهذا التفتيش، وهذا كلام صحيح صحيح..
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 10- تشرين الأوّل 2016).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!