أبرز الأخبارعلم وخبر

“العسكرية” تحاكم العميل ذكر.. ومطالعة للقاضي الشرتوني تلهب مشاعر الحاضرين/علي الموسوي

المحامي المتدرّج علي الموسوي:
رُبّ مطالعة شفهية أذكى حرارةً وأشدّ وقعًا وأكثر مهابةً وأوجع مضمونًا من رفيقتها المكتوبة نتيجة لحظة الإدلاء بها والإندفاع لقولها.
هذا ما يمكن قوله إزاء ما قدّمه القاضي رولان الشرتوني بوصفه مفوّض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية، من مطالعة شفهية خلال محاكمة متعامل مع العدوّ الإسرائيلي خلال حربه الأخيرة على لبنان في أيلول 2024، ألهبت مشاعر الحاضرين في قاعة المحكمة والذين وجدوا أنفسهم يصفّقون بحرارة لما يسمعونه من كلمات وطنية تنمّ عن موقف مشرّف في مواجهة عميل إرتأى أن يبيع نفسه مجّانًا من دون أن يرفّ له جفن أو يتحرّك ضميره إزاء الضربات والغارات التي كان يسشتهد فيها أقارب له من لحمه ودمه وليسوا فقط مجرّد أبناء وطنه.
وما قاله القاضي الشرتوني بصوت مرتفع يوازي الحكم قيمة، وقد أراده رسالة مدوية لكلّ من تسوّل له نفسه الإنخراط في مشروع خدمة العدوّ الإسرائيلي بأنّ نهايته مهما طال أمد التخفّي والتستّر، السجن، وأنّ كلّ التبريرات والمسوّغات تسقط أمام التصميم على اقتراف فعل الخيانة.
فبعدما أنهت المحكمة العسكرية برئاسة العميد وسيم فياض وعضوية المستشارين العسكريين والمدني القاضي حسن شحرور، إستجواب العميل أحمد علي ذكر(مواليد العام 1986)، إنبرى ممثّل النيابة العامة القاضي الشرتوني لإلقاء مطالعته، فلم يكتف بإدانة المتهم المذكور والمطالبة بإنزال أشدّ العقوبات به كما تقتضي ظروف الملفّ في الحالات المشابهة كلازمة لا غنى عنها في كلّ الدعاوى الجنائية، بل طلب من هيئة المحكمة عندما تختلي بنفسها في غرفة المذاكرة للتداول وكتابة حكمها وتقرير العقوبة المناسبة، إلى وضع صور كلّ الشهداء باختلاف أسمائهم وأعمارهم والذين أعطى العميل ذكر معلومات عنهم قضت عليهم، بالإضافة إلى صور المنازل التي تهدّمت بفعل الغارات الوحشية، أمام ناظريها وقول كلمة الحقّ بما يتناسب وهول الجرائم.
وقال الشرتوني إنّه بدلًا من تضافر الجهود للصمود في وجه العدوّ كما تقتضي المواطنة الصالحة، عمد أحمد ذكر إلى بيع نفسه، فاتصل بعملاء العدوّ الإسرائيلي وقام بتزويدهم بإحداثيات وعناوين وأسماء مسؤولين في حزب الله وحركة أمل وآخرين مدنيين ومنازل وطرقات، مع علمه بأنّ العدوّ إستخدم هذه المعلومات لقصفها وقتل كلّ من يوجد فيها عمدًا ومن دون أن ينال قرشًا واحدًا، إذ استغله مشغّلوه من دون أن يدفعوا له ليرة واحدة، فكان أن باع نفسه بأرخص الأثمان في عزّ اندلاع الحرب.
وقد تلقّى ذكر خلال فترة الحرب عبر الانترنت، دروسًا من مشغّله الإسرائيلي المتخفّي باسم جون، عن كيفية إعطاء الإحداثيات عن أشخاص تربطه بهم صلات قربى وليس مجرّد معرفة عادية، ودلّ على أماكن وجودهم وعلى منازلهم، ممّا أدّى في نهاية المطاف إلى استشهادهم الواحد تلو الآخر، من دون أن ينال سوى الذلّ والهوان، إذ جعل من نفسه أضحوكة في يد الإسرائيلي الذي استفاد منه كثيرًا، ثمّ استغنى عنه ورماه ليحمل طوال العمر لقب عميل بخس.
وحاول ذكر أن يخفّف عن حاله ما جنته يداه، فزعم أنّ تماديه في التعامل كان تحت تأثير المخدّرات.
ماذا في التفاصيل؟
إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد بدأت في 23 أيلول 2024، فإنّ دورية من “فرع المعلومات” في الجنوب تمكّنت من توقيف أحمد ذكر في 11 تشرين الأوّل 2024 للتحقيق معه حول المعلومات المتوافرة بحقّه لجهة تواصله وتعامله مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية باعتبار أنّه كان منضمًّا على موقع التواصل الإجتماعي”فايسبوك” إلى مجموعتين، تطلق الأولى على نفسها اسم “أصدقاء ومحبي إسرائيل”، والثانية إسم “إسرائيل الآن” وهو ما اتضح في البدء من ذاكرتي جهازيه الخلويين اللذين ضبطا معه.
ولم يكن إنضمام ذكر إلى هاتين المجموعتين إلّا لربطه بأجهزة المخابرات الإسرائيلية والعمل معها وتزويدها بما تشاء من معلومات عن حزب الله. وما لبث أن أنشأ حسابًا “فايسبوكًا” باسم وهمي هو “زينة زينة” دخل من خلاله إلى صفحة “وحدة الإستخبارات البشرية” عبر موقعها الإلكتروني ودوّن اسمه وكامل هويته وعنوان محلّ إقامته وأعلن عن رغبته بتزويدها بمعلومات وصفها بالمهمّة عن حزب الله، وتواصل معه عبر تطبيق “ماسنجر” شخص من جهاز “الموساد” يدعى”جون”، وآخر عبر تطبيق “واتساب” يدعى “مارك” وبطبيعة الحال هما إسمان مستعاران وغير صحيحين.
وكلفّه مارك بتحديد إحداثيات مراكز حزب الله وحركة أمل ومنازل عدد من المسؤولين والعناصر فيهما في بلدته عربصاليم وجوارها فانقاد ونفّذ، ثمّ أرسل إحداثيات عن ثلاثة مواقع عسكرية تقع بالقرب من نهر حبوش وكان ذلك في عزّ احتدام الحرب الإسرائيلية ممّا يعني أنّ الاستفادة من كلّ هذه المعلومات أمر قيد التحقّق في أيّة لحظة، وأنّ استثمارها واستخدامها حتمي.
كما أرسل ذكر إلى مشغّله مارك، صور أبنية ومنازل تعرّضت للقصف الجوي في مسقط رأسه، وصور فندق يقع في بلدة الصرفند، وإحداثيات “هنكار” يستعمل للحدادة، ومبنى تعاونية زراعية، وموقع عسكري للمقاومة يقع بين دير الزهراني وعزة ورومين.
وزعم ذكر أنّ جون أوهمه بأنّه ينتمي إلى جمعية خيرية دانماركية تقدّم المساعدات للمحتاجين، وأنّ الإحداثيات التي أعطاها تعود لمراكز تسليم المخدرات التي يبيعها، وأنّ صفحة “زينة زينة” كانت موجودة لدى شرائه هاتفه الخلوي المستعمل فاحتفظ بها واستعملها للتواصل مع نساء.
وبرغم كلّ هذه الجهود، لم يتقاض ذكر أيّ مبلغ مالي من الإسرائيليين الذين استغلوه أيّما استغلال لتحقيق مآربهم العدوانية.
وأبدت وكيلة الدفاع المحامية فاديا شديد مرافعة استهلتها بالثناء على كلام القاضي الشرتوني وأكّدت “أنّ واجبنا هو الدفاع عن الوطن وأنّ واجبي كمحامية أن أقف للدفاع عن موكّلي لأنّ حقّ الدفاع مقدّس” وطلبت منحه أوسع الأسباب التخفيفية.
ثمّ تذاكرت هيئة المحكمة وأصدرت حكمًا قضى بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة مدّة ثماني سنوات بالعميل ذكر.
“محكمة” – الخميس في 2025/5/22

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
مجلة محكمة
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.