مقالات

ما هو النصاب الواجب توافره لجلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟/فرانسوا ضاهر

القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهـر:
هل من نصاب خاص أو موصوف واجب توافره لجلسة نتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية؟
1- لقد نصّت المادة 34 دستور على أنه ” لا يكون اجتماع المجلس قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلّفونه وتُتَخذ القرارات بغالبية الأصوات… “.
ما يعني أنّ النصاب القانوني العام لعقد أيّ جلسة لمجلس النوّاب هو الأكثرية المطلقة من الأعضاء الذين يؤلّفونه.
2- إنّ المادة 49 دستور التي تختص بآلية انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية فهي لم تنصّ صراحةً وفي حرفيتها على وجوب توافر أيّ نصاب خاص أو موصوف لانعقاد جلسة انتخابه ولا لدورات الإقتراع التي تؤدّي إلى ذلك الإنتخاب.
ما يعني أنّه يطبّق عفواً وحكماً بشأن قانونية انعقاد تلك الجلسة النصاب القانوني العام، وذلك أيّاً تكن الأكثرية (المطلقة أو الموصوفة) التي حدّدها المشرّع الدستوري لصحّة عملية الانتخاب تلك.
إذ نصّت على التالي:” يُنتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع السرّي بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي.”
بحيث إنّه بمعرض جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، يمكن أن يتمّ انتخابه بأكثرية ثلثيْ أعضاء المجلس النيابي في دورة الإقتراع الأولى، وبالأكثرية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي الدورة الأولى، ضمن جلسة الإنتخاب ذاتها.
3- وإنّ الحالة الدستورية المنصوص عنها بالمادة 49 أعلاه، هي مشابهة لحالات انعقاد جلسات مجلس النواب لغرض:
أ‌- نزع الثقة عن رئيس المجلس النيابي أو نائبه التي تتمّ بأكثرية الثلثين من مجموع أعضائه (44 دستور).
ب‌- واتهام رئيس الجمهورية بخرق الدستور وبالخيانة العظمى التي تتمّ أيضاً بغالبية ثلثيْ مجموع أعضاء المجلس النيابي (60 دستور).
ج‌- واتهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو الإخلال بالموجبات المترتّبة عليهم التي تتمّ كذلك بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس النيابي (70 دستور).
د- واقتراح تعديل الدستور بطلب من مجلس النوّاب التي تقع بأكثرية الثلثين من مجموع الأعضاء الذين يتألّف منهم المجلس قانوناً (77 دستور). وبأكثرية ثلاثة أرباع (4/3) هؤلاء الأعضاء في حال أصرّ المجلس النيابي على اقتراحه، بعد إعادة درسه ثانيةً من قبله بطلب من الحكومة.
4- أمّا النصاب الخاص أو الموصوف فلا نجده إلاّ بنصّ المادة 79 دستور، التي تتعلّق بحالة إقرار تعديل الدستور. إذ نصّت على التالي:” عندما يُطرح على المجلس مشروع يتعلّق بتعديل الدستور لا يمكنه أن يبحث فيه أو أن يصوّت عليه ما لم تلتئم أكثرية مؤلّفة من ثلثيْ الأعضاء الذين يؤلّفون المجلس قانوناً ويجب أن يكون التصويت بالغالبية نفسها.”
كما لمجلس النواب، إستناداً الى المادة ذاتها 79 دستور، أن يعيد التصويت على القانون المتعلّق بتعديل الدستور بأكثرية ثلثيْ الأصوات الذين يتألف منهم المجلس قانوناً، في حال طلب رئيس الجمهورية الى المجلس، بعد إطلاع مجلس الوزراء، إعادة مناقشة مشروع التعديل مرّة أخرى (79 دستور).
5- كما وأنّ صياغة المادة 49 دستور توحي بأن المجلس النيابي، المنعقد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، سيُتِمّ هذه العملية في جلسة وحيدة وعلى دورة اقتراع واحدة (بالأكثرية الموصوفة) أو عدّة دورات متتالية (بالأكثرية المطلقة).
بمعنى أنّ انتخابه لن يتمّ أصولاً في الدورة الأولى إلاّ إذا حاز على أكثرية ثلثيْ أعضاء مجلس النواب، وعلى الأكثرية المطلقة من هؤلاء الأعضاء في دورات الإقتراع التي ستلي الدورة الأولى.
6- كما وأنّ المشرّع الدستوري إذا كان لم ينصّ عمداً على وجوب توافر أيّ نصاب خاص أو موصوف لانعقاد جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فلأنّه رمى من خلال ذلك ألاّ يكون النصاب، بحدّ ذاته، عائقاً أو وسيلةً لتعطيل انعقاد جلسة انتخابه.
فتضحي بالتالي عرقلة عملية انتخابه ممسوكةً من الأقلية النيابية المعطّلة للنصاب. الأمر الذي نهى عنه المشرّع الدستوري، جهاراً وخطيّاً، بعدم نصّه على وجوب توافر أي نصاب خاص أو موصوف لانعقاد جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ولو كانت نيّة المشرّع الدستوري غير ذلك، لكان نصّ صراحةً على النصاب الواجب توافره. كما فعل بالنسبة للوضعية الدستورية المتعلّقة بتعديل الدستور (79 دستور).
7- كما يَعتبر المشرّع الدستوري أنّ جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو “حدث دستوري جلل” لا يمكن ولا يحقّ للنائب أن يتقاعس عن المشاركة فيه أو عن ممارسة واجبه الدستوري بمعرضه، وإن على الوجه الذي يرتأي. من هنا، لم يعد من لزوم لأن ينصّ على نصاب خاص أو موصوف محدّد لانعقاد جلسة انتخاب رئيس جديد للبلاد. إذ يُكتفى حينئذ بتحقّق النصاب القانوني العام لصحّة انعقادها.
بدليل، أنّه إذا تقاعس رئيس المجلس النيابي عن الدعوة لالتئام المجلس لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بمدّة شهر على الأقلّ وشهرين على الأكثر قبل موعد انتهاء ولاية الرئيس الدستوري الحالي (Président en exercice ou en fonction)، يعود للنواب أن يتداعوا حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس لعقد جلسة انتخاب رئيس جديد (73 دستور).
8- وإنه في حال إنفراط الجلسة المخصّصة لإنتخاب رئيس جديد، وتمّت الدعوة الى جلسة لاحقة لإنتخابه من قبل رئيس المجلس النيابي، أو بتداعي النواب أنفسهم، وفق نص المادة 73 الآنفة الذكر. فيُصار لزوماً الى إتمام العملية الإنتخابية وفق دورة إقتراع وحيدة بأكثرية الثلثين، وبالأكثرية المطلقة في دورات الإقتراع التي تليها، تبعاً لذات الآلية التي نصّت عليها المادة 49 دستور. ما دام ثابتاً أن تلك الآلية، وفق منطوقها، تتناول الجلسة المعقودة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بالذات.
9- أما الممارسات والفذلكات والتفسيرات التي أفتت بوجوب توافر نصاب الثلثين لانعقاد جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فهي لا تجد لها أيّ سند في النص الدستوري ولا في نيّة المشرّع الدستوري. بل كان سندها الوحيد هو موازين القوى السياسية والملاءمة والظروف التي أعطت للأقلية النيابية المعارضة، والمعطّلة لذلك النصاب، دوراً أو حصةً في تحديد الشخصية التي سيتمّ انتخابها لرئاسة الجمهورية.
“محكمة” – الإثنين في 2022/8/29

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!