مقالات

القضاة الخازن وحمادة ومكي وتقي الدين وماجد ومزهر وآخرون.. وجه العدالة الذي نريده في لبنان/حسين رمضان

المحامي حسين رمضان:
في زمن كثرت فيه التدخلات السياسية وتراكمت ملفات الفساد والإفلات من العقاب، يسطع اسم القاضية دورا الخازن، النائب العام المالي بالإنابة، كرمز للقضاء الجريء والنزيه، الذي لا يساوم على المال العام ولا يخضع لضغوط أصحاب النفوذ.
لقد استطاعت هذه القاضية أن تُعيد إلى النيابة العامة المالية دورها الطبيعي في المحاسبة وملاحقة المشتبه بهم في قضايا الفساد وهدر المال العام، فشكّلت بارقة أمل في جسم قضائي أثقلته سنوات طويلة من التدخلات والشلل المؤسساتي.
ما تقوم به القاضية الخازن اليوم ليس عملاً روتينيًا، بل فعل مقاومة قانونية بوجه المنظومة التي حوّلت الدولة إلى مساحة مفتوحة للنهب، والمواطن إلى ضحية دائمة لانهيارات متلاحقة.
هي لم تتردّد في اتخاذ قرارات جريئة، ولم تتوقف عند الاعتبارات السياسية أو الحمايات الطائفية، بل وضعت نصب عينيها مصلحة الدولة وحقوق الناس، وسلكت طريق العدالة دون مواربة أو مساومة.
لكن الخازن ليست وحدها. فهناك قضاة آخرون وقفوا بثبات في وجه كل محاولات تطويع القضاء وتسييسه، وأصرّوا على التمسّك باستقلاليتهم. نذكر منهم:
• القاضي زاهر حمادة، الذي يُطرح اسمه دائمًا كلما جرى الحديث عن المواقع القضائية الكبرى، لما يمثله من حضور وهيبة وخبرة، فهو صاحب شخصية صلبة، ومواقف ثابتة، ومرجعه الأوحد هو القانون. وقد أثبت، في كل مركز تولاه، أنه قيمة قضائية مضافة، لا يُحيد ولا يُساير، ويُشكّل بصلابته القانونية نموذجًا حيًّا للقاضي الذي يُجيد الإمساك بملفات الدولة الحساسة بكل احتراف ومسؤولية، ولهذا فإن مجرد طرح اسمه يثير الجدل الإيجابي حول جدوى إعادة الاعتبار لقضاة أصحاب كفاءة وجرأة مثله.
• القاضي فيصل مكي الذي يجمع بين الحزم القانوني والاتزان القضائي، في تصدٍّ دائم لكل ما يهدّد حرية القضاء وشفافيته؛
• القاضي باسم تقي الدين الذي طالما واجه الضغوط ووقف بوجه محاولات تحجيم دوره، محافظًا على مسار قانوني نزيه لا ينحرف؛
• القاضية فاطمة ماجد التي أثبتت حضورًا مميزًا في ملفات دقيقة، وأظهرت مهنية عالية جعلت منها مثالًا للمرأة القاضية القادرة على فرض هيبتها القانونية بقوة القانون لا بدعم أحد؛
• القاضي أحمد مزهر، المعروف بمواقفه الثابتة، والذي رفض التنازل عن قناعاته رغم الأثمان المهنية التي دُفعت، مؤكدًا أن القاضي لا يمكن أن يكون شاهد زور على فسادٍ مشرعن.
هؤلاء، ومعهم آخرون لا يقلّون صدقًا وكرامة، يشكّلون الخط القضائي الذي يحتاجه لبنان اليوم. فهم لا يرفعون الصوت من أجل مكاسب شخصية، بل من أجل قضاء فعلي يحمي المواطن لا الطبقة السياسية، ويحصّن الدولة لا مراكز النفوذ.
وإن كنا نرفع الصوت دعمًا لهؤلاء القضاة، فذلك لأننا نؤمن أن استقلالية القضاء تبدأ من هنا، من استقلالية القاضي في قراره، وكرامته في مواجهة الضغوط. ومن دون حماية هذه الاستقلالية، يصبح الكلام عن دولة القانون مجرّد وهم.
وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد أن أي حديث عن إصلاح قضائي جدي يجب أن يبدأ من التشكيلات القضائية. فهذه التشكيلات يجب أن تُجرى وفق معايير الإنصاف والكفاءة لا المحسوبيات، وأن تُنصف القضاة الذين أثبتوا جرأتهم ونزاهتهم، لا أن تُعاقبهم.
فصل السياسة عن التشكيلات القضائية هو الخطوة الأولى نحو استعادة استقلالية القضاء، وإرساء المحاسبة الفعلية في الدولة.
ما وصل إليه لبنان من إفلاسٍ مالي وسرقة أموال المودعين، لم يكن نتاج أزمة مفاجئة، بل نتيجة مباشرة لغياب المحاسبة، وسيطرة الطبقة السياسية على مفاصل الدولة، وعلى رأسها السلطة القضائية.
سنوات من غض النظر عن التجاوزات، وطمس الحقائق، وتسويات فوق العدالة، أوصلتنا إلى هاوية الدولة المنهوبة.
إن ما تقوم به القاضية دورا الخازن اليوم هو استعادة لدور القضاء الحقيقي، دور لا يعرف التواطؤ ولا الصمت، بل المواجهة والمساءلة. وهي بذلك، تمثّل صورة القضاء الذي نحلم به: مستقل، نظيف، شجاع، لا يتبع إلا للقانون.
من هنا، فإن دعم هذه القاضية ومن يسير على نهجها من زملائها، ليس مجرد تعبير عن احترام، بل واجب وطني لحماية ما تبقى من مؤسسات، وإعادة بناء دولة القانون على أسس سليمة. هؤلاء هم حماة العدالة، وهم أمل اللبنانيين في مرحلة الانهيار.
إليهم جميعًا، نوجّه التحية، فأنتم وجه العدالة الذي نريده للبنان .
“محكمة” – الخميس في 2025/6/26

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
مجلة محكمة
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.