الأخبار

النقيب كسبار في تشييع النقيب شديد في حمانا: كان مثال المحامي الملتزم برسالته وبقيَمها السامية

خاص “محكمة”:
شيّعت نقابة المحامين في بيروت، وبلدة حمانا، نقيب المحامين الأسبق ريمون شديد، في مأتم رسمي مهيب في كنيسة مار رومانوس بمشاركة وزير الدفاع موريس سليم ممثلاً الرئيس العماد ميشال عون، والمطران سمير مظلوم ممثلاً البطريرك بشارة الراعي، ونقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار، والنقيب رشيد درباس ممثلاً نقيبة المحامين في طرابلس ماري تريز القوال، وعدد كبير من النقباء وأعضاء مجلس النقابة والنائبين الان عون وملحم خلف.
وقلّد ممثّل الرئيس عون الراحل وسام الأرز من رتبة ضابط أكبر، وألقى ناضر كسبار الكلمة التالية:
“من حدشيت الواقعة على كتف الوادي المقدّس. قنوبين، انتقل أجداده إلى حمانا. ومن بلدته العزيزة حمانا، نزل إلى بيروت، وتخرّج من جامعة القديس يوسف اليسوعية بعد نيله شهادة الحقوق. وانتسب إلى نقابة المحامين، محامياً متدرجاً في مكتب المحامي العلامة فارس الزغبي، ثم محامياً في الجدول العام.
في المحاماة، كان مثال المحامي الملتزم برسالته وبقيَمها السامية. أعطاها من علمه، ورصانته واستقامته، وانكبابه على الدرس والتمحيص. فهو من رعيل ” داللوز” ” وسيري” و Semaine Juridique. ومن رعيل فابيا وصفا وطبّاع وتيان. وليس من رعيل ” الألو”.
فيا أسفي، ويا حزني، ويا لوعتي من فقدان كبارنا الذين يرحلون الواحد تلو الآخر. ويا خوفي من فقدان هذه القامات والهامات من أشجار الأرز، لتحلّ محلّها شجيرات ضعيفة لا تقوى على مواجهة ومجابهة ما نواجهه من رياح الهدر والسرقة والفساد. همّها الوحيد رسم الخطط الشيطانية بشعبوية مبتذلة.
أنيقٌ، حلو المعشر، صادق، متصالح مع نفسه، متسامح مع الآخرين. معه يأخذك سحر البيان، وغزارة المعرفة وعمق الثقافة، ودماثة الأخلاق، حافظ الود والصداقات. من قماشة أهل الخلق الرفيع في زمن سقوط القيم. أما الميزة الأساسية لديه فكانت صفة الأب المحبّ. نعم، لقد كان النقيب الحبيب، أباً صالحاً ومحباً للجميع. يتعامل معهم بمودة واحترام، وليونة وتواضع.
بالإضافة إلى هذه الصفات، كان النقيب وفياً لأصدقائه. وكنا نجتمع بشكل يومي في مكتبي في النقابة يوم كنت لا أزال عضواً في مجلس النقابة. وكان يتمتع بروح النكتة. روى لي مرّة أنّه خلال المنافسة الإنتخابية مع النقيب رمزي جريج، قال له:
– أنظر يا رمزي. أنا من حمانا وشفيعي مار رومانوس. ومار رومانوس يحمل بيده ريشة. ولن يكتب بهذه الريشة إلا إسم ريمون شديد.
وحصلت الإنتخابات. وفاز النقيب شديد. وبعد فترة توفى المحامي المرحوم ميشال رزق. وفي الكنيسة، في هذه الكنيسة، جلس النقيب شديد وقربه النقيب جريج الذي أعلن ترشحه من جديد. فنظر إلى صورة القديس رومانوس وقال له:
– نقيب .. الله يرضى عليك، قل للقديس رومانوس أن يكتب بريشته إسم رمزي جريج في المرة القادمة.
كما كان النقيب الحبيب محباً لعائلته. زوجته السيدة الفاضلة سوزان، وأولاده ومنهم الزميلين الياس وزينة. وكان يروي لي بأنه يجيد أمراً واحداً في عمل المنزل. إذ إنّه يقوم يومياً بتحضير ركوة القهوة، ويجلس مع السيدة سوزان في الصبحية، ويأخذ عدة أوراق من صحيفة ” أوريون لو جور”، وهي كذلك ثمّ يتبادلانها.
وكان النقيب جباراً في حياته، ساعده في ذلك إيمانه الكبير بالله. لم يخف من الموت، ولم يرهبه. وكان خلال فترة مرضه يتحدّى المرض ويقول بأنه سوف يقهره، ولن يجعله ينال من عزيمته. ويشهد جميع من التقاه بأن معنوياته كانت دائماً مرتفعة. فهو أصيل، أبيّ، شجاع. وهذه الصفات تجد مكانها في الفترة الصعبة التي يمر بها الإنسان. فلا يستسلم. ولا يخاف. بل يواجهها بإيمان وعزيمة وعنفوان وصلابة. وهو يرضخ للعدالة الإلهية التي كتبت عليه أن يرحل عن هذه الدنيا تاركاً وراءه زوجته الفاضلة السيدة سوزان والأولاد الأعزاء: المحاميين الزميلين الياس وزينة. والدكتورة ندى، وريما، الذين انكسر فؤادهم بغياب الحبيب.
اليوم ينطوي زمن جميل، وتاريخ عريق من العطاء والمناقبية والشجاعة. وتضم بلدة حمانا فلذة كبدها النقيب الحبيب ريمون شديد، وسط دموع وحسرة الأهل والزملاء والأصدقاء والمحبين. ألم يكن الشاعر على حق حين قال:
يا سائس الخيل قم للخيل وانحرها
                                           ما حاجة الخيل والفرسان قد ماتوا
اليوم يترجل النقيب الحبيب، ويقفل خلفه الباب على الزمن الجميل.
وإن ننسى، فلن ننسى النقيب الحبيب أيضاً المرحوم عصام كرم. أشبعه ضماً ولثماً وتقبيلاً، وقل له إنّنا اشتقنا إليه كثيراً.
أيها النقيب الحبيب،
إننا نرجو حيثما أنت. أن تلاقي عند ربك ما تمنيت أن تلاقيه على الأرض من سلام ومحبة ووئام. سوف نشتاق إلى طلبتك البهية، وإلى حكمتك ومشورتك في مختلف الميادين الوطنية والعلمية والنقابية والحياتية. رحمك الله.”
“محكمة” – الأحد في 2022/8/14

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!