مقالات

الهجرة غير الشرعية واستقلالها عن الاتجار بالبشر/زينب فحص

المحامية المتدرّجة زينب فحص:
في الآونة الأخيرة، كثرت مشاهد “مراكب الموت” المحمّلة بالمواطنين الذين فقدوا الأمل داخل بلد أنهكته الأزمات الاقتصادية والخلافات السياسية فأصبح عاجزاً عن احتضانهم وتأمين حياة شبه عادية لهم.
ونتيجة المشاكل الإجتماعية وارتفاع معدّلات البطالة والتفاوت الطبقي غير المسبوق، والكثير من الأسباب التي لا تعدّ ولا تحصى، بدأنا نشهد ازديادًا في حدّة الهجرة غير الشرعية التي صنّفها القانون كشكل من أشكال الإتجار بالبشر المعاقب عليه في قانون العقوبات اللبناني، بالإعتقال مدّة تتراوح بين الخمس سنوات كحدّ أدنى وعشر سنوات كحدّ أقصى بالإضافة إلى غرامة من مئة إلى مئتي ضعف الحدّ الأدنى للأجور.
وككلّ جريمة، لا بدّ لها أن تتألّف من “فاعل” و”ضحية”. وقد أخذ موقع الضحية في الهجرة غير الشرعية مكانًا مختلفًا عن باقي أشكال الإتجار بالبشر، إذ إنّ هذه الظاهرة تتولّد من عنصر الطلب الصادر عن “الضحية” خلافًا لباقي أشكال الإتجار كظاهرة التسوّل والدّعارة إلخ…. الأمر الذي لا ينفي المسؤولية الجزائية المترتّبة على الفاعل، إنّما يزيد من عبء المسؤولية الواقعة على الضحية، خاصّة أنّ أغلب حالات الضحايا فيها، أرباب أسر تجنّوا على أطفالهم ونسائهم تحت شعار البحث عن حياة أفضل.
تبعاً لذلك، بدأت تتعالى الأصوات التي تتطالب بإصدار نصوص قانونية مستقلّة تقدّم لنا بوضوح تعريفًا لعناصر الهجرة غير الشرعية وتحدّد عقوباتها وموقع الضحية فيها. وبناءً عليه تقدّم أخيرًا أمين سرّ “اللقاء الديموقراطي” النائب هادي أبو الحسن باقتراح قانون يرمي إلى تعديل المادة 586 (1) من المرسوم الإشتراعي رقم 340 الصادر في آذار سنة 1943 والمتعلّق بالإتجار بالبشر ليشمل بشكل واضح ودون أيّ التباس، تهريب الأشخاص إلى خارج البلاد.
وكان هذا الإقتراح ناتجًا عن عمليات تهريب الأشخاص التي شهدها لبنان، إذ زاد عدد المغادرين بطريقة غير شرعية منذ ما بعد “ثورة 17 تشرين” ووصل في العام 2022 إلى أربعة قوارب على متنها ما يفوق الثلاثماية شخص، لتكون الكارثة في 23 نيسان 2022، تاريخ وقوع حادثة “زورق الموت” الذي أدّى إلى وفاة أكثر من 43 شخصًا أكثرهم من النساء والأطفال.
إزاء ما تقدّم، لا بدّ لنا من تسليط الضوء على أهمّية عمل الحكومات لإيجاد حلول واقعية لهذه الآفة سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو الأمني، فزيادة معدّل اهتمام الدولة بالمناطق والقرى النائية من حيث العمل على بناء واستحداث المرافق العامة التي تساهم في تأمين فرص لليد العاملة الشابة خاصةً وأنّ هذا النمط من الهجرة يتفشّى بشكل كبير في هذه المناطق كالمناطق اللبنانية الشمالية؛ وقيام الدولة بتخصيص اعتمادات في موازاناتها السنوية لتأسيس صندوق لدعم العاطلين عن العمل للحدّ من معدّلات الهجرة ، أيضًا على الصعيد الأمني لا بدّ من إعطاء أهمّية كبيرة لضبط الحدود البحرية وأمن الشواطئ اللبنانية ومنع استغلال هذه الأخيرة كمعبر للزوارق الناقلة للمهاجرين والتي ينعدم فيها أيّ عنصر من عناصر السلامة العامة، كما تكثيف الجهود لتأهيل القوى الأمنية بحيث تتغيّر نظرة بعضهم لهم كوسيلة ردع، إلى نظرة حماية واطمئنان بوجودهم!
ويبقى المحور الأهمّ هو التعاون من أجل إقرار هكذا قانون يجرّم المتورّطين في هذه الإبادات الجماعية وقيام الجهات المعنية سواء في الدول المصدّرة أو المُسْتَقْبلة باتخاذ إجراءات صارمة من أجل منع تفاقم معدّلات هذه الهجرات.
“محكمة” – الإثنين في 2023/1/2

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!