مقالات

بين النيابة الاستئنافية والنيابة المالية تكامل لا تضارب في الصلاحيات/شربل عرب

المحامي شربل كميل عرب:
في خضمّ الواقع الاقتصادي والمالي الدقيق الذي يمرّ به لبنان، برزت الحاجة إلى توضيح الحدود الفاصلة بين صلاحيات النيابة العامة الاستئنافية والنيابة العامة المالية، خصوصًا في الملفات التي تتقاطع فيها الجريمة الجزائية مع الجريمة المالية والمصرفية. فالتداخل بين هذين الاختصاصين يفرض قراءة قانونية دقيقة بعيدًا عن الشعبوية والخلط الإعلامي
فالنيابة العامة الاستئنافية هي المرجع القضائي العادي المنصوص عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية، تمثّل المجتمع وتحرك الدعوى العامة بحق كل من يخالف القوانين الجزائية ضمن نطاق محافظتها.
وهي تمارس صلاحياتها عبر المحامين العامين وقضاة التحقيق، في كل ما يتصل بجرائم الاحتيال، التزوير، إساءة الأمانة، الاختلاس، خرق القوانين المصرفية والمالية التي تشكل جرمًا جزائيًا عامًا.
وقد أثبتت النيابات العامة الاستئنافية، في أكثر من ملف مالي ومصرفي، حزمها في تطبيق القانون دون خضوع للضغوط أو المزايدات الإعلامية، محافظةً على هيبة القضاء وموضوعيته، ومؤكدة أن العدالة لا تُمارس تحت الأضواء، بل في صمت المكاتب القضائية التي تحتكم فقط إلى نصوص القانون وضمير القاضي.
أمّا النيابة العامة المالية، فقد خُصّت بصلاحيات استثنائية بموجب المادتين 19 و20 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، اللتين أنشأتا النيابة العامة المالية وحدّدتا نطاق عملها في الجرائم التي تمسّ المال العام أو تؤدي إلى الإضرار به.
ومن بين هذه الجرائم:
• التهرّب الضريبي وما ينتج عنه من خسارة في إيرادات الدولة.
• الجرائم الجمركية ومخالفات قوانين النقد والتسليف.
• التحويلات المالية غير المشروعة ومصادر الأموال النقدية التي قد تُستعمل لتبييض الأموال أو تهريبها.
وقد برز دور النيابة العامة المالية، بقيادة النائب العام المالي رغم حصول معركة سياسية في تعيينه لكن أثبت انه الرجل المناسب في المكان المناسب، في متابعة حركة الأموال النقدية وتقصّي مصادرها وفق الضوابط القانونية، بما يتناغم مع المعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهو ما يعكس كفاءة مهنية عالية ورؤية قضائية حازمة في حماية الاقتصاد الوطني.
إنّ العلاقة بين النيابة العامة الاستئنافية والنيابة العامة المالية هي علاقة تكامل لا تنازع. فالأولى تمارس الاختصاص العام في كل الجرائم الجزائية، والثانية تمارس اختصاصًا نوعيًا في الجرائم المالية والضريبية والجمركية التي تمسّ المال العام مباشرة.
وعليه، لا يجوز الخلط بين المرجعين، لأنّ تداخل الصلاحيات لا يعني ازدواجية، بل توزيعًا وظيفيًا دقيقًا يضمن فعالية الملاحقة القضائية من دون تضارب أو تعطيل.
إنّنا في الخاتمة، نؤكد أن لبنان اليوم بحاجة إلى قضاء يوازن بين حزم النيابة العامة الاستئنافية في تطبيق القانون، وحكمة النيابة العامة المالية في حماية المال العام، في إطار من التعاون المؤسسي والاحترام المتبادل.
فالعدالة ليست استعراضًا، بل ممارسة مسؤولة ومجردة، وعندما يلتزم القضاة بحدود صلاحياتهم ويؤدّون مهامهم بضمير، يتحقق الأمن القانوني والاقتصادي في آنٍ واحد.
“محكمة” – الخميس في 2025/10/30

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
مجلة محكمة
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.