تحريك الملفات الجزائية القديمة بين حفظ الذاكرة ومنع سقوط العدالة/عاطف منصور
المحامي عاطف حسن منصور:
أتت هذه المقالة على خلفية القرار الذي اتخذه وزير العدل عادل نصار بتعيين محققين عدليين لتحريك عدد من الملفات الجزائية العائدة لاغتيالات وجرائم كبرى حصلت في لبنان خلال العقود الماضية، في خطوةٍ أعادت إلى الواجهة ملفات ظن أنها طويت مع مرور الزمن، وأيقظت من سباتها أوراقاً كادت تصبح من الأرشيف القضائي.
فالقرار وإن بدا للبعض رمزياً أو متأخراً يحمل في جوهره بعداً قانونياً بالغ الأهمية، إذ إن تحريك هذه الملفات لا يرمي بالضرورة إلى إعادة فتح تحقيقات فعلية أو محاكمات جديدة، بل إلى قطع مرور الزمن الجزائي الذي قد يؤدي إلى سقوط الدعوى العامة بفعل مضي السنوات، خصوصاً في الجرائم التي لم تختتم فيها المحاكمات أو لم تصدر فيها قرارات مبرمة.
بحسب قانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، تسقط الدعوى العامة بعد مرور مهل محددة تختلف باختلاف طبيعة الجرم، غير أن أي إجراء قضائي أو تحقيق رسمي يعاد فتحه كفيل بأن يوقف سريان هذه المدة ويبقي الملف حياً قانوناً، ولو بقي واقعياً في حالة ركود.
من هنا، يمكن قراءة هذا القرار كخطوة للحفاظ على الذاكرة القضائية أكثر مما هو تحريكٌ للآلة القضائية نفسها. فلبنان الذي عرف على إمتداد تاريخه الحديث سلسلة من الإغتيالات السياسية والجرائم الغامضة، لا يستطيع أن يسلم بأن تمر تلك الأحداث من دون أثر قانوني أو بصمة عدلية تحفظ حق الضحايا وكرامة العدالة.
إن تحريك الملفات، ولو بعد مرور عشرات السنين يعيد الإعتبار إلى مبدأ أساسي في العدالة، وهو أن الجريمة لا تموت بالزمن ما دامت النية في كشف الحقيقة قائمة، وأن الدولة ولو متأخرة تبقى مسؤولة عن صون هذا الحق المعنوي، كي لا تسقط الذاكرة قبل أن يقال إن العدالة سقطت.
“محكمة” – الخميس في 2025/10/9



