تعديل المادة 9 من قانون الضمان الإجتماعي بوابة نحو إنصاف موظفي البلديات.. وحق الطبابة لكل عمال لبنان/عاطف منصور
المحامي عاطف حسن منصور:
في زمن باتت فيه الطبابة حلم الفقراء وامتياز الميسورين بعدما تحولت من حق مكتسب إلى خدمة تشترى بالعملة الصعبة، تلوح في الأفق خطوة جريئة من الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي تعيد إلى الأذهان معنى العدالة الإجتماعية، وتفتح نافذة أمل طال انتظارها لموظفي وعمال البلديات في لبنان.
لقد شكل تعديل المقطع (د) من البند (1) – الفقرة (اولا) – المادة 9 من قانون الضمان الإجتماعي محطة مفصلية في مسار تطور نظام الضمان الإجتماعي، اذ لم يأتِ كتعديل تقني فحسب، بل كإعلان تشريعي يحمل في طياته بعداً إنسانياً ووطنياً، هدفه إنصاف فئة من العاملين الذين حرموا لسنوات طويلة من أبسط مقومات الأمان الاجتماعي.
وفي هذا الإطار، وجه المدير العام للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي الدكتور محمد كركي بتاريخ 2025/10/22، الكتاب رقم 2989 الى رئيس مجلس الإدارة، حول إبداء الرأي بتعديل المقطع (د) من البند (1) من الفقرة (أولا) من المادة التاسعة من قانون الضمان الإجتماعي، وذلك إستنادا إلى كتاب وزارة العمل عدد 3/22473 تاريخ 2025/10/13 والمسجل لدى المديرية العامة برقم 2934 تاريخ 2025/10/14، في سبيل تأمين إستفادة العاملين في البلديات وإتحاداتها من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.
هذه المبادرة الإدارية تعتبر خطوة جريئة طال إنتظارها، كونها تعيد الإعتبار إلى فئة من العاملين الذين شكلوا طوال عقود العمود الفقري للخدمات العامة في المناطق اللبنانية. لا بل ترتب على هذا الحرمان نتائج إنسانية بالغة القسوة، إذ توفي بعض العاملين في البلديات من دون أن يتلقوا العناية الطبية اللازمة، في مشهد يجسد غياب العدالة الإجتماعية بأبشع صورها.
فالبلديات التي تعتبر الخلية الأولى في جسد الدولة ظلت لسنوات تدار بموظفين وعمال يقدمون خدمات يومية أساسية للمواطنين من دون أن تشملهم مظلة الضمان الصحي وكأنهم خارج دائرة الإهتمام التشريعي. ومع الإرتفاع الجنوني في كلفة الطبابة والإستشفاء، باتت الحاجة الى إدخال هؤلاء الموظفين بما فيهم العمال المياومين والمتعاقدين ضمن نظام الضمان ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل.
إن ما يقوم به الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي اليوم في سعيه الدائم إلى دراسة خطط تنفيدية جديدة تهدف إلى التطوير بخطوات نوعية كما نلحظ من وقت إلى آخر، تؤكد هذا التوجه من خلال تحضير لمشروع يفتح أبوابه أمام موظفي البلديات للإستفادة من التقديمات، وهذا يشكل خطوة شجاعة ومسؤولة لا تقتصر آثارها على فئة محددة، بل تمتد لتعيد إحياء الثقة بين المواطن والدولة، وتؤكد أن القانون حين يطبق بعدل وإنصاف يصبح أداة كرامة لا ورقة نصوص.
لكن الأمل لا يكتمل إن لم تترجم هذه الخطوة لتشمل كل عمال لبنان الذين ما زالوا خارج نظام الطبابة، سواء في المؤسسات الصغيرة أو القطاعات غير المنظمة. فالعدالة الإجتماعية لا تتجزأ، وحق الطبابة لا يقاس بالإنتماء الإداري بل بالإنتماء الإنساني.
إننا أمام لحظة فارقة، تختبر فيها إرادة الدولة وقدرة الصندوق على تحويل التشريع إلى فعل، والنص إلى حياة. فلتكن البلديات الشرارة الأولى في مشروع وطني جامع، يعيد الإعتبار الى العامل اللبناني كقيمة لا كلفة، وكشريك في بناء الوطن لا عبء على خزينته.
وفي الختام، يبقى النداء موجهاً الى ادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والى الحكومة مجتمعة أن تمضوا في هذه الخطوة حتى النهاية، فكل عامل في لبنان يستحق أن يمرض بكرامة ويشفى بكرامة، تحت سقف دولة تحميه لا تتركه.
“محكمة” – السبت في 2025/11/1



