تعليق على قرار “الشورى” بإبطال قرار رئيس مجلس الوزراء بعدم التوقيع على نشر قانون.. والقرار رقم 8 والمرسوم رقم 12835 الصادرين عن مجلس الوزراء/أمين صليبا
أ.د أمين عاطف صليبا:
قرأت قرار مجلس شورى الدولة رقم 2024/468-2025 أكثر من مرة لتضمنه حيثيات تؤكد على تأييدي المطلق لِما انتهى اليه من وضع حد نهائي لممارسة دستورية خاطئة في ما يتعلق بصلاحيات مجلس الوزراء مجتمعاً عند شغور سدة رئاسة الجمهورية، إستناداً لنص المادة 62 من الدستور التي توضع عادة لسد هذا الفراغ الإستثنائي في مهلة من المفترض أن لا تتجاوز الأسبوعين،لأن ملء هذا الفراغ يتحمله المجلس النيابي وعليه الإسراع بعملية انتخاب رئيس جديد في اقصر مهلة ممكنة. لكن وللأسف خلال العقدين الأخيرين تحول نص المادة 62 من المؤقت الى الدائم، وتعودت السلطة السياسية وفي طليعتها مجلس النواب ومجلس الوزراء، على هذه المخالفة الدستورية التي جعلت من لبنان دولة بدون رأس لعدة سنوات، وإن على فترات متقطعة! الدساتير توضع لتأمين المصلحة العليا للدولة وليس لخدمة القوى السياسية التي اعتادت على الفراغ الرئاسي.
اعتذر على هذه المقدمة، لكن من الضروري التطرق لها إذ ان القرار موضع التعليق قد وضع وإن بطريقة غير مباشرة مبدأ قانونياً – دستورياً – يحض المكونات السياسية مستقبلاً على عدم التلاعب بالمبادىء الدستورية. لأن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن والساهر على احترام الدستور (م.49) وهي صفة لم تمنح لأي سلطة سياسية اخرى في الدولة. ولهذا جاء هذا القرار ليضع الأمور في نصابها الدستوري والقانوني وليحسم وبصورة واضحة موقفه من ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، وبأنها صلاحية خاصة به – كونها تتعلق برد القوانين إنطلاقاً من دوره كحامٍ للدستور – وذلك خلافاً لِما انتهى اليه قرار المجلس الدستوري رقم 2023/6 لجهة “لا يستقيم الادلاء بكون التشريع في ظل حكومة معتبرة مستقيلة… يخالف مضمون المواد 19/ و/51/ و/56/ و/57/ من الدستور، طالما ان صلاحيات الرئاسة تمارس وكالة من قبل مجلس الوزراء”.
لن أدخل في المقارنة بين قراري المجلس الدستوري ومجلس الشورى، إذ يكفي أن يعتمد القرار على قرار سابق له (القرار رقم 189 تاريخ 1995/1/3) الذي استند يومها على مبدأ قانوني يؤكد بأنّه: ” في حال تبيّن له أن التدبير صادر بجلاء عن سلطة غير صالحة، أو مخالف بشكل فاضح لأحكام القانون، أخرجه من نظام “حصانة المقاضاة” وأنزله الى رتبة العمل الإداري الخاضع للرقابة القضائية من حيث المشروعية الداخلية أو الخارجية.” ليتكىء القرار على نظرية القرارات الادارية المنفصلة بهدف تحصين أسانيده التي أرتكز عليها لإصدار قراره، حيث ردّ دفع الدولة اللبنانية بعدم صلاحية مجلس الشورى كون القراران والمرسوم بنظرها من اعمال الحكومة!
وقد نجح القرار بإقرار مبدأ جوهري يدركه اساتذة القانون الدستوري، من خلال التأكيد على أن صلاحيات رئيس الجمهورية بالتصديق وطلب النشر، هي صلاحيات مقيّدة له، ولا يمكنه عدم التقيد كونه واجباً دستورياً مُلقى على عاتقه، فاذا كان الأمر بمثابة موجب دستوري على رئيس الدولة، فكم بالحري عندما يُمارس رئيس مجلس الوزراء هذه الصلاحية!!! ولذلك وبسياق قانوني غير مسبوق توصل الى إعتبار رفض التوقيع على مرسوم الإصدار ونشره في الجريدة الرسمية من قبل رئيس مجلس الوزراء هو عمل مخالف للدستور لأن عملية النشر هي عملية حكمية – تطال رئيس الجمهورية – تلي المصادقة، فكم بالحري وجوبيتها على من يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة، هذه الوكالة التي سبق وتحفظنا على استمراريتها لأكثر من سنة!
الحقيقة لن اتوسع في شرح حيثيات هذا القرار وهي جديرة بالشرح لمن لا يفقه جيداً الإجتهاد الإداري، لكن ما اريد قوله انه قرار مبدئي ( Arrêt de principe)، يقتضي الإقتداء به ممن يتابعون الاجتهاد الدستوري والإداري على حد سواء، وتدريسه في الدراسات العليا من اجل وضع حد لهذا التطبيق المخالف للمبادىء الدستورية والقانونية، وترك سدة الرئاسة في هذا الفراغ القاتل، بحيث تعمل السلطة السياسية على تطبيق ما هو مخالف للدستور، كما حصل مع القرارين والمرسوم موضع هذا الطعن.
تبقى لي كلمة اخيرة اوجهها لمن يخالفون هذا الرأي – محترماً رأيهم – بالقول ان مجلس شورى الدولة اعاد الحياة الى نص المادة الثانية من ق.أ.م.م التي فرضت على القضاء (العدلي والاداري) التقيد بمبدأ تسلسل قواعد القانون بحيث يحتكم الى النص الأعلى للفصل بالحق المطالب به، وهذا التقيد لا يتناقض مع ما نص عليه قانون إنشاء المجلس الدستوري 1993/250 الذي حظّر على اي جهة قضائية النظر في دستورية القوانين حتى عن طريق الدفع، إذ إنّ هذه المادة تُتيح للقاضي – غير الدستوري – تطبيق النص الدستوري كونه الأعلى في هرمية مبدأ تسلسل قواعد القانون، من دون الحق بإبطال النص القانوني المخالف للدستور، حيث تسهل الأمور امام القاضي الإداري بإبطال القرار الإداري المخالف لمبدأ المشروعية الذي ينبثق عن القانون، فكم بالحري عندما تكون المشروعية مصدرها الدستور!
ختاماً ارى- وبكل تواضع – في هذا القرار تصويباً للتخبط الحاصل في تطبيق نص المادة 62 من الدستور وتحديداً في ما يتعلق بالصلاحيات اللصيقة بشخص الرئيس الذي يُقسم وحده على حماية الدستور، كما له دور آخر من شأنه توعية الطبقة السياسية على ان فراغ سدة الرئاسة أكثر من اسبوعين هو جريمة ترتكب بحق الوطن وشعبه، كما اتمنى ان هذا القرار سيُشكّل الدافع الأساسي لإعادة النظر في نص المادة 93 من نظام مجلس الشورى – والذي هو قيد إعادة النظر به من قبل مجلس النواب – لجعل تقيد السلطة السياسية مسألة مُلزِمة للسلطة التنفيذية (رئيس جمهورية – رئيس مجلس وزراء – وزراء) تحت طائلة فرض الغرامات الإكراهية بحقّهم الشخصي كما هي الحال في فرنسا، لكي لا تبقى قرارات مجلس الشورى حبراً على ورق من دون تنفيذ سنوات وسنوات، حيث هناك الكثير ممن اعطاهم مجلس الشورى حقهم، قد غادروا هذه الدنيا ولم ينالوا ما كرّسه لهم مجلس الشورى من حقوق، لأن الطبقة السياسية لا تُنصف إلاّ اتباعها.
كفى استهتاراً بدور مجلس الشورى كحامٍ للحقوق والحريات،وترك قراراته دون تنفيذ من قبل السلطة السياسية لأن القانون لا يفرض عليها التنفيذ بل يفرضه على الموظف فقط!!
“محكمة” – الثلاثاء في 2025/8/26



