علم وخبر

ثغرات في قانون الانتخابات البلدية/ليا ضو

ليا ضو:
على الرغم من نجاح إتمام الانتخابات البلديّة الأخيرة، لا تزال البلديّات في لبنان تعاني من عدّة مشاكل بسبب ثغراتٍ عديدة موجودة في القانون الحاليّ، أيّ المرسوم الاشتراعيّ رقم ١٨٨ لعام ١٩٧٧. ومن أبرز هذه المشاكل: الصلاحيّات المحدودة، والضعف الماديّ، والاستنسابيّة في الرقابة، والمشاكل التي تنشأ عند تشكيل المجلس البلديّ، والتي تؤثّر على سير عملها.
نستنتج إذاً، أن القانون الحاليّ لم ينجح تماماً في تمكين البلديّات من أداء دورها بفعاليّة. ويطرح نتيجة هذا الواقع سؤال جوهريّ عن ماهيّة أبرز الثغرات التي تعاني منها البلديّات، وكيفيّة تحسين أدائها.
١- أبرز المشاكل التي تواجه البلديّات
أوّلاً: عدد البلديّات
بلغ عدد البلديّات في لبنان ١٠٦٤ بلديّة، ممّا يُعَدُّ عددًا هائلاً بالنسبة لبلدٍ صغير مثل لبنان. ونلاحظ أيضاً أن الحسابات العائليّة والسياسيّة تلعب دوراً بارزاً وملحوظاً في تشكيلها، مما يؤدّي إلى إنشاء عدّة بلديّات من دون الأخذ بعين الاعتبار معايير مهمّة كمثل الكفاءة الإداريّة. وإذاك، يساهم وجود عددٍ كبيرٍ من البلديّات في ضعف قدرة الدولة على الإشراف والمراقبة بشكلٍ فعّال.
ثانياً: الصندوق البلديّ
يشكّل التمويل هو الآخر، تحديّاً كبيراً للعمل البلديّ في لبنان. فعمليّاً، يعاني العديد من البلديّات من نقصٍ في الموارد الماليّة، في حين أن البعض الآخر يتمتّع بعائداتٍ مرتفعة بسبب موقعه الجغرافيّ والنشاطات الاقتصاديّة ضمن نطاقه.
نصّ قانون البلديّات على أنّ التمويل مقسوم بين جزءٍ يقوم على العائدات الذاتيّة، وجزءٍ يأتي من خلال الصندوق البلديّ المستقلّ. إلّا أن غياب المعايير الشفّافة في توزيع هذه العائدات والتأخّر في تحويل الأموال يؤدّيان إلى نوعٍ من الاستنسابيّة في التمويل، فتعيق العدالة والفعّاليّة والشفافيّة.
ثالثاً: الغموض في توزيع الصلاحيّات
سنداًء لأحكام المواد رقم 7 و 8 و67 من قانون البلديّات، يشكّل المجلس البلديّ السلطة التقريريّة، بينما يمثّل رئيس البلديّة السلطة التنفيذيّة. ولكنّ هذه النصوص لا توضّح بدقّة حدود كلٍّ من صلاحيات تلك السلطتين، ممّا يؤدّي إلى وجود نزاعاتٍ بين أعضاء المجلس والرئيس، تعيق حسن سير العمل البلديّ.
رابعاً: آليّة الانتخاب
يقوم النظام الانتخابيّ للبلديّات المعتمَد في لبنان على مبدأ الاقتراع الأكثريّ، ولا تضمن هذه الآليّة تمثيلاً عادلاً، وخاصّةً في البلديّات المختلطة طائفيّاً أو العائليّة. كما أن غياب الكوتا النسائيّة يؤدّي إلى ضعفٍ في تمثيل النساء، بحيث إن نسبة النساء في المجالس البلديّة لا تزال منخفضة على الرغم من الجهود المبذولة في الانتخابات الأخيرة.
خامساً: استنسابيّة الرقابة
تشير الإحصاءات إلى أن نحو ٧٪ فقط من البلديّات في لبنان تخضع فعليّاً لرقابة ديوان المحاسبة، ممّا يفتح الباب أمام الهدر والفساد. ويبرز هذا الواقع غياب الآليّات الفعّالة والشفّافة في المراقبة التي تنظّمها السلطات الإداريّة.
إذاً، على الرغم من أن القانون يفرض رقابةً إداريّة وماليّة، لا يزال التنفيذ الفعليّ محدوداً.
٢- إقتراحات للإصلاح
في ضوء التحديّات التي يواجهها المجلس البلديّ، أصبح من الضرورة التفكير بإصلاحات لتحسين الأداء والشفافيّة. ولذلك، يجب تعديل قانون البلديّات لتوضيح الصلاحيّات وتوزيعها بين المجلس البلديّ والرئيس، كما يجب تطوير النظام الانتخابيّ ليُتيح تمثيلاً أوسع لجميع فئات المجتمع، بما في ذلك اعتماد مبدأ النسبيّة في بعض الحالات ونظام الكوتا للنساء. ويجب أيضاً تعزيز الرقابة على البلديّات من خلال تفعيل دور ديوان المحاسبة والهيئات الرقابيّة الأخرى، كما من خلال اعتماد الشفافيّة.
وأخيراً، يجب إعادة النظر في عدد البلديّات من خلال عمليّات دمج البلديّات الصغيرة وغير القادرة على أداء مهامها. فإذا أخذنا هذه الأمور كلّها بعين الاعتبار، ستسمح لنا بتحسين العمل البلديّ وتعزيز العدالة والاستقرار في بلدٍ يحتاج إليهما اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى.
“محكمة” – السبت في 2025/5/24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
مجلة محكمة
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.