قامات

خاص “محكمة”: جلال علامة ورث كتابة العدل عن والده وزادها أناقة بسمعته الطيّبة وزفّها لنجله يوسف/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
إذا أتى الحديث على أسرة أوّل قاض من أبناء بلدة الغبيري في ساحل المتن الجنوبي في عهد الإمبراطورية العثمانية مصطفى علامة، فلا بدّ للمرء من أن يتوقّف مليّاً عند نجليه القاضي راغب مصطفى علامة، وكاتب عدل بيروت زكريا مصطفى علامة الذي تفرّع من شجرته الطيّبة ولداه الدكتور فخري علامة(1929-1996) الباقي في ذاكرة لبنان وأهالي منطقته من خلال مستشفاه الساحل الشامخة كصرح طبّي منذ العام 1983، ووريثه في كتابة العدل الأستاذ جلال علامة صاحب الأيادي البيضاء على امتداد رحابة فكره النيّر، والعامر دائماً بلطافة ودماثة في الخلق الرفيع تنمّ عن شخصية مرموقة جُبلت على حبّ المعرفة والخير.
ومع جلال علامة إزدادت كتابة العدل أَلَقاً، بسبب سمعته الطيّبة، وسيرته الحسنة، حتّى بات مقصد جميع الناس ليس في مسقط رأسه الغبيري وحسب، وإنّما في بيروت وضاحيتها الجنوبية، يقصدونه لإجراء معاملاتهم في دائرته القانونية المشيّدة على أطلال منزل ذويه في محلّة الطيّونة، وهي أضحت اليوم، دائرةً لنجله الأستاذ يوسف علامة الذي ورث منه حبّ العلم، وحبّ الناس، والتهذيب الجمّ، وكتابة العدل أيضاً.
السكن في الطيّونة
أبصر جلال علامة النور في العام 1936، في محلّة الشيّاح، وسكن مع ذويه في محلّة الطيّونة جارة حرج بيروت التاريخي حيث كان جدّه المرحوم القاضي مصطفى علامة يملك نحو سبعين بالمائة من عقاراتها تفوق مساحتها الخمسين ألف متر مربّع منذ أن قدم إليها قبل أكثر من 150 سنة، وقام بتوزيعها قبل وفاته على أولاده وبناته ومنهم المرحوم زكريا علامة الذي كان كاتباً للعدل في بيروت لغاية العام 1969.
وبحكم هذه الأراضي الشاسعة، أنشىء ملعب الطيّونة المحاذي للمنزل حيث كان جلال علامة يلتقي فيه مع أبناء الجيران ورفاق مدرسته “الفرير” القريبة في فرن الشبّاك، ومنهم شقيقه الراحل ناجي علامة، وخليل كموني وميشال سعد وسليم حدّاد، فيمارسون لعبة كرة القدم الأكثر شعبية في عقول الناس والأحبّ إلى قلوبهم، وهذا ما دفعه إلى اللعب من باب إشباع الهواية في صفوف فريق هذه المدرسة، إلى أن انتقل إلى متابعة الدراسة في مدرسة “الفرير” الكائنة في محلّة الجميزة في بيروت.
رفيقي ميشال عون
وفي كلتا هاتين المدرستين العريقتين في تنشئة الأجيال وتثقيفها، نشأت صداقة قويّة ولصيقة بين جلال علامة وميشال عون الذي انتخب في 31 تشرين الأوّل من العام 2016 رئيساً للجمهورية اللبنانية، إذ إنّهما كانا رفيقي دراسة في المراحل الإبتدائية والمتوسّطة والثانوية. وعن هذه الصداقة يقول علامة لـ”محكمة” إنّ ميشال عون كان”يأتي من منزل أهله في محلّة حارة حريك إلى مدرسة “الفرير” في فرن الشبّاك سيراً على الأقدام، ويمرّ أمام بيتي في الطيّونة القريب من المدرسة، ونترافق يومياً. كما أنّنا كنّا رفيقين في مدرسة “الفرير” في الجمّيزة لغاية صفّ البكالوريا حيث افترقنا وانتقل عون إلى المدرسة الحربية ولم أعد أراه حتّى أصبح قائداً للجيش في عهد الرئيس أمين الجميل”.
ولا ينسى علامة أن يقول إنّه “عندما حضر شقيقي المرحوم الدكتور فخري علامة إلى القصر الجمهوري لتقليده وسام الاستحقاق بمناسبة بلوغه السنّ القانونية كعميد لفرع الطبّ التابع للجامعة اللبنانية في مستشفى الساحل، تعرّف إليه العماد ميشال عون وسأله عن معرفته بي، فأجابه إنّه شقيقي فحمّله تحيّاته وسلامه إليّ، وبعد عودته إلى لبنان في شهر أيّار من العام 2005، وإقامته في محلّة الرابية في قضاء المتن الشمالي، تشرّفت بزيارته مرّات عديدة حيث كنّا نتبادل الذكريات الحميمة والدافئة التي تجمعنا منذ أيّام الدراسة المدرسية”، ويؤكّد علامة أنّ” هذا الرجل العظيم هو عنوان الوفاء والمصداقية في صداقاته مع الناس”.
دراسة الحقوق… وحبّ كتابة العدل
نال علامة إجازة في الحقوق من معهد الحقوق في جامعة القدّيس يوسف”اليسوعية” حيث تعرّف إلى أشخاص صاروا في ما بعد نوّاباً ووزراء وقضاة ومحامين كباراً، وهم كثر ولا يتسع المجال لتعدادهم كلّهم، كما أنّه درس هناك على يد أساطين في القانون طارت شهرتهم حتّى بلغت الآفاق لبنانياً وعربياً، وربّما عالمياً.
عاش جلال علامة قريباً من والده كاتب العدل زكريا علامة واكتسب الخبرة العريقة والطويلة على يديه، وهذا ما أهّله لاستلام الراية القانونية منه بعد تقاعده في العام 1969، إذ بعد ثلاث سنوات، وتحديداً في العام 1972، صدر مرسوم تعيين جلال علامة في منصب كاتب عدل الغبيري الذي أحبّه وأعطاه من عمره وراحته حتّى بلغ سنّ التقاعد، وهو لا يزال يقدّم المساعدة لولده الأستاذ يوسف علامة الذي حلّ مكانه.
تعامل مع الصدر والصلح
ويخبر جلال علامة أنّه طوال ممارسته لهذه الوظيفة القانونية، تعامل مع سماحة الإمام السيّد موسى الصدر، وسماحة الإمام الشيخ محمّد مهدي شمس الدين(1936-2001)، وسماحة الإمام الشيخ عبد الأمير قبلان، وسماحة السيّد محمّد حسين فضل الله(1935-2010) وجمعية المبرّات الخيرية، والرئيس الراحل صائب سلام(1905-2000)، والرئيس الدكتور سليم الحصّ، والرئيس الراحل تقي الدين الصلح(1908-1988).
وخلال فترة الحرب اللبنانية اللعينة كما يصفها علامة، عانى كثيراً من تردّي الأوضاع الأمنية حيث كان منزله ومكتبه في محلّة الطيّونة و”كنت حريصاً على السجّلات وأموال دائرتي، وحافظت عليهم على الرغم من كلّ ما حصل من أعمال قصف وقنص وخطف”.
عشق كرة القدم
ولكرة القدم مكانةٌ خاصة في حياة جلال علامة، وله معها حكاية عشق لا تنتهي، ولا تقتصر على ممارستها في المدرسة، وإنّما مزاولتها إدارياً أيضاً وعلى مدى ربع قرن تقريباً في نادي شباب الساحل الذي أعطاه الكثير ورفع من شأنه حتّى حمل الألقاب والكؤوس وصار زينة الأندية الرياضية في منطقة ساحل المتن الجنوبي.
“الشبيبة الطيّونة”
ففي مطلع خمسينيات القرن العشرين، ولم يكن عمر جلال علامة قد ناهز الثامنة عشرة، أسّس فريق “الشبيبة الطيّونة” بتشجيع من الأهل وتحديداً من شقيقه الدكتور فخري علامة اللاعب في منتخب لبنان المدرسي، والذي كان يحبّه كثيراً، وضمّ في صفوفه كلّاً من: حبيب كموني، خليل كموني، يوسف شاهين، صالح شاهين، إلياس الشنتيري، علي سعد، غابي بشارة، إميل شبلي، ناجي علامة، وسامي علامة.
وما لبث علامة أن انسحب تدريجياً من هذا الفريق المحلّي بسبب انكبابه على متابعة دراسة الحقوق وما تحتاجه من انتباه ودراية واهتمام وتعمّق ومثابرة، من دون أن ينقطع عن مزاولتها، إذ بقي مواظباً عليها حتّى بلغ سنّ الثلاثين عاماً، فتركها لاعباً ليحلّق بها إدارياً ناجحاً يملك رصيداً كبيراً في ذهن الرياضيين وأهل هذه اللعبة على مستوى لبنان.
ربع قرن في خدمة “الساحل”
فقد ترأس علامة نادي التضامن بيروت فترةً زمنية قصيرة لا تتعدّى الشهور الستّة، ثمّ انضمّ إلى نادي شباب الساحل بدعوة من إبن عمّته المحامي سعيد علامة بغية الإسهام في دعم فريق المنطقة مادياً ومعنوياً، وما تأخّر للحظة عن مواكبته وصرف الوقت الثمين في خدمته والإرتقاء به، وقدّم له الكثير من ذاته وروحه مذ أن شغل بدءاً من العام 1992، منصب الأمين العام لهذا النادي، أو بالأحرى لهذا “الفريق الأزرق” كما يسمّى بين جماهير كرة القدم، والذي حاز في عهده على لقب كأس لبنان للمرّة الأولى في مسيرته الرياضية، فحمله مع اللاعبين والإداريين ورفعوه عالياً، وجالوا به شوارع بيروت وضاحيتها الجنوبية وقدّموه لرئيس المجلس النيابي نبيه برّي عربون شكر ووفاء لوقوفه إلى جانب النادي، مع الإشارة إلى أنّ الرئيس الفخري للنادي هو الإمام السيّد موسى الصدر.
وليس غريباً القول إنّ وجود جلال علامة في إدارة “شباب الساحل” شكّل دعامة أساسية لاستمراره في مصاف أندية الدرجة الأولى.
تأهّل جلال علامة من السيّدة سمر حبلة، وأنجب منها ثلاثة أبناء هم: الكاتب العدل يوسف، الصيدلي مازن، والأستاذ نبيل.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 14- شباط 2017)

*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!