الأخبارمقالات

حافظ جابر يجسّد القيم الإنسانية/عصام نعمان

الدكتور عصام نعمان:
عندما تهمُّ بولوج مدينة عاليه من مدخلها الشمالي تطالعك طلّةٌ بهية وقامة مديدة للرجل الذي يكاد تمثاله ينطق باسمه. إنّه شكيب جابر، ابن عاليه البار الذي ارتقى بسلوكيته الأخلاقية ونضاله الوطني الى مرتبة ابن الوطن برمّته.
وعلى بُعْد أمتار من التمثال الناطق يستوي بيتٌ بمنازل متعدّدة.إنّه بيت أنيس جابر، المحامي والشاعر الذي أنجب ستّة رجال وصبية. كبيرُ الرجال شكيب، المحامي والمناضل وشهيد الأمّة وتضامن شعوب آسيا وافريقيا. صغير الرجال عمراً وأطولهم باعاً في الحقوق والقانون والعمل الوطني المستقلّ هو حافظ الذي نحظى بتكريمه هذه الأمسية*.
أبو الرجال، أنيس جابر، كان أوّل محاميّ عاليه وأقدمهم في مهنة المتاعب لا الأتعاب، ولعلّه أيضاً أوّل شعرائها الأفذاذ.
في مدرسة بيته نشأ شكيب وتربّى على حبّ الوطن والتزام الوطنية والمواطنة بعيداً من العائلية والطائفية وشتّى كوابح الحرّية. آمن بالعروبة هويةً وانتماءً، وبالإشتراكية منهجاً للعدالة، وبالنضال من أجل تحرير بلاد العرب كما بلاد افريقيا المستعبدة وآسيا المستعمرة، فامتشق القلم ليخطّ أدبيات مقاومة الاستعمار، والسيف ليقاتل مجنّديه وجلاوزته الأشرار. وفي ذروة نضاله وترؤسه هيئة التضامن الافرو- آسيوي في وجه الاستعمار والهيمنة الأجنبية، وبعد خطبة عصماء ألقاها في مؤتمر محوري لحركات التحرير الوطني في بلدان افريقيا وآسيا انعقد في غانا العام 1965، قضى شكيب جابر في حادث غامض، والأرجح أنّه كان مدبّراً.
في المدرسة نفسها وإلى جانب أخيه القائد القدوة، تربّى حافظ جابر، متبعاً نهج أبيه في دراسة القانون وممارسة المحاماة وخدمة الناس والمظلومين. وما هي إلاّ سنوات قلائل بعد تخرّجه العام 1968 من كلّية الحقوق في الجامعة اللبنانية حتّى أصبح الشريك الإداري الأوّل في مكتب جابر للمحاماة ومن ثمّ أحد محامي الدولة أمام القضاء لمدّة لا تقلّ عن خمس عشر سنة، وفي هدْيه تخرّج الجيل الثالث من المحامين في مكتب جابر للمحاماة، وفي مقدّم هؤلاء نجلُه الأكبر المحامي والأستاذ الجامعي الدكتور طلال والمحامي الأستاذ عمر.
إلى ذلك، حرص الأستاذ حافظ جابر على ممارسة العمل النقابي في رحاب نقابة المحامين، فكان أن أحرز بكفاءته ونشاطه منصب رئيس المجلس التأديبي فيها وظلّ يقوم بمسؤولياته سنواتٍ عدّة، ثمّ أسندت إليه رئاسة لجنة قضايا البيئة فقام بأعبائها على أحسن وجه.
وتقديراً لكلّ هذه الجهود النقابية المجزية، ونظراً لقضائه خمسين سنة محامياً نشيطاً ومميّزاً، ولإسهامه في وضع ونشر دراسات قانونية عدّة ووضعه تشريع قانون موحّد للأحوال الشخصية والزواج المدني الاختياري، ومشاركته الفاعلة في عدد من الجمعيات والمنظّمات ذات التوجّه الاجتماعي والتنموي، ولا سيّما ما يتعلّق بفصل الدين عن الدولة وحقوق المرأة، مُنح الأستاذ حافظ جابر الميدالية النقابية الرفيعة لنقابة المحامين في بيروت.
آخر مكرمات حافظ جابر وأشقائه، قيامهم بتقديم أرض لبناء قصر جديد للعدل في مدينة عاليه وذلك تخليداً لذكرى والدهم المرحوم أنيس جابر، محامي عاليه الأوّل.
إلى جهوده وإنجازاته في دنيا المحاماة والعمل النقابي والاجتماعي والانساني، لعب الأستاذ حافظ جابر دوراً لافتاً في العمل الوطني والسياسي، فمن موقعه كمحامٍ وكناشط في الحقل العام، ومن خلال نضاله السياسي والاجتماعي التحرّري المقاوم للعائلية والعشائرية والطائفية والاقطاعية السياسية والزبائنيه والارتباطات التقليدية بالزعامات السياسية المتوارثة، خاض الإنتخابات النيابية العام 2000 في دائرة عاليه على رأس “قائمة الادارة الحرّة” في مواجهة قائمتي كلّ من الأستاذ وليد جنبلاط والأمير طلال أرسلان، ونال أكثر من سبعة آلاف صوت.
هذا هو حافظ جابر، المحامي الملتزم قضايا الدفاع عن حقوق الناس والمظلومين، والمناضل الوطني والعروبي والسياسي والاجتماعي دفاعاً عن حقوق الإنسان في كلّ مكان، ومن أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية ودفاعاً عن الأمّة في وجه الصهيونية والاستعمار.
إذ نكرّمه، نكرّم في شخصه القيم الإنسانية، والسلوكية الوطنية والعروبية، والمنهجية التقدّمية المقاومة للصهيونية وللتخلّف والفساد والانحطاط.
*ألقيت هذه الكلمة خلال تكريم المحامي حافظ جابر في دار الندوة في محلّة الحمراء في بيروت في 15 كانون الثاني 2019.
(نشر هذا المقال في النسخة الورقية من مجلّة “محكمة” – العدد 39 – آذار 2019)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!