أبرز الأخبارعلم وخبر

حكم فريد للقاضي محمد شرف بقضايا السير يتجاوز البند المانع للمسؤولية لأنّه يلغي الموجب الأساسي لعقد التأمين.. وسلامة الإنسان فوق كلّ اعتبار/علي الموسوي

المحامي المتدرّج علي الموسوي:
دأبت أغلبية شركات التأمين، إنْ لم نقل كلّها، على تضمين عقود التأمين المتعلّقة بحوادث السير مع زبائنها المتعاقدين معها، بندًا مانعًا للمسؤولية يهدف في الدرجة الأولى والأخيرة إلى محاولة التخفّف، قدر المستطاع، من أثقال المسؤولية المدنية الملقاة على عاتقها لجهة التعويضات المالية التي قد تقرّر في معرض حصول حادث سير هنا أو هناك، وذلك بموازاة قبول المحاكم المختصة الناظرة في الدعاوى الناجمة عن حوادث السير، بالأمر الواقع المفروض ضمن هذا النوع من العقود مع ما تحمله من إذعان وإجحاف صريحين وواضحين قد يطالان بشكل غير مقصود، الغير أو الضحيّة الذي لا يمكن تحميله تبعات اتفاق بين شركة التأمين والمتعاقد، خصوصًا إذا ما كان التعويض المقرّر والمسموح والمتاح أقلّ بكثير من الضرر الناتج عن حادث السير.
غير أنّ القاضي المنفرد الجزائي في زحلة الناظر في قضايا السير محمّد شرف وفي حكم فريد من نوعه وقد لا يتكرّر في المدى المنظور، ولكنْ يُؤمل أن يُعمل به دائمًا، إرتأى أن يخرج عن هذا “الإجماع” وأن يخالف “الإجتهاد” الموجود، وذلك من أجل تحقيق العدالة التي تسمو على كلّ الاعتبارات، وفي سبيل الحفاظ على كرامة الإنسان عزيزة في مواجهة مصاعب الحياة، إذ لا يعقل أن تكون قيمة بوليصة التأمين محدّدة بالعملة الوطنية وبرقم مالي لم تعد له أيّة أهمّية يعتدّ بها في ظلّ الارتفاع الكبير في أسعار الطبابة والعلاج والأدوية والاستشفاء، ومقارنة بالأضرار المادية والمعنوية والنفسية التي تضرب كيان الإنسان بشكل كبير تفقده العيش بصورة طبيعية أسوة بكلّ البشر.
فالعقد في الأساس، وضع للحماية من الأضرار، ولا يمكن تعطيل هذا الموجب ببند يلغيه، أو ينسفه، أو يعرقل تنفيذه، بداعي عدم القدرة على تجاوز سقف الضمانة المالية المحدّدة في طيّات هذا العقد، ذلك أنّ الفكرة الرئيسية لقيامه هي التعاضد الإجتماعي وصون كرامة الإنسان وحفظ سلامته وصحّته وعافيته قبل أيّ شيء آخر من خلال تغطية المسؤولية المدنية المترتّبة عن الأضرار الجسدية، وبالتالي فإنّه لا يمكن أن تكون التغطية المالية زهيدة ولا تساوي ما قد يفسده الضرر ويتركه من آثار قاسية، وهذا في شكل عام، فكيف إذا كانت المصابة إمرأة وأمّ ولديها مسؤوليات جمّة تجاه عائلتها؟ وهي لبّ وصلب موضوع الحكم الممهور بتوقيع القاضي شرف الذي أطلق رسالة مدوية في حيثية واحدة كتب فيها التالي:” إنّ التعيين القانوني لثمن أقساط الضمان لا يمكن له أن يكون مصدراً لعدم العدالة في العقود، بل على العكس تماماً هو ينطلق من فكرة التعاضد الإجتماعي من أجل إصلاح الضرر الجسدي الحاصل من جرّاء حوادث السير.”
وبعدما شرح شرف الغاية المرجوة من عقد التأمين وارتباطه بالمصلحة العامة، خلص إلى تأكيد استحالة تقييد بند مسؤولية السعي إلى علاج الإنسان حتّى الشفاء إذا ما كان الأمر واردًا بحسب نوع الحادث والأضرار الخارجة منه، ودعم موقفه بالإستناد إلى قانون الموجبات والعقود الذي تحدّث بشكل صريح في المادة /139/ منه، عن أنّ “حياة الإنسان وسلامته الشخصية هما فوق كلّ اتفاق”، وبالتالي لا صحّة للبنود النافية للتبعة في حال كانت الأضرار منصبّة على الإنسان.
وفي المحصّلة، رفع شرف قيمة التعويضات المالية من سبعماية وخمسين مليون ليرة بحسب ما هي محدّدة في بوليصة التأمين إلى ثلاثة مليارات ليرة على أن تكون على عاتق شركة التأمين والمدعى عليه الذي يتحمّل ثمانين في المئة من نسبة مسؤولية وقوع حادث السير، بالإضافة إلى مبلغ ثلاثماية وأربعة وأربعين مليون ليرة لبنانية للسيّدة المتضرّرة بدل فاتورة دواء وعلاج فيزيائي، ومبلغ خمسماية مليون ليرة لبنانية كتعويض عن العطل والضرر الذي أصاب الزوج وهو محام.
“محكمة” تتفرّد بنشر هذا الحكم كاملًا لفرادته من حيث المعنى القانوني الجديد لجهة التعاطي مع البند المانع للمسؤولية من زاوية الكرامة الإنسانية التي تتفوّق على كلّ ما عداها في الحياة، والبحث القانوني الموصل إلى عدم إلغاء الموجب الأساسي لعقد التأمين، ولأهمّيته القصوى في النتيجة التي توصّل إليها:
باسم الشعب اللبناني
إن القاضي المنفرد الجزائي في زحلة الناظر في قضايا السير؛
لدى التدقيق وبعد الإطلاع على أوراق الملف كافة؛
تبيّن له الآتي:
أنّه بتاريخ 2020/01/02 إدعت النيابة العامة الإستئنافية في البقاع على المدعى عليه:
م. ح. ع.، والدته ع.، مواليد العام 1951، رقم السجل(…)، لبناني؛
ليحاكم أمام هذه المحكمة سنداً للمادة 346 من قانون السير؛
وبنتيجة المحاكمة العلنية وبعد الإطلاع على الاوراق كافةً وتلاوتها علناً تبيّن ما يلي:
أولاً: في الواقعات
أنه بتاريخ 2016/11/27 وبينما كان المدعى عليه م. ح. ع. يقود سيارته من نوع فولفو طراز V70XC لون احمر صنع العام 2001 تحمل اللوحة ذات الرقم 383597/ب ، متوجهاً من قب الياس باتجاه البقاع الغربي، ولدى وصوله قبل مفرق معمل سيكومو، حاول التجاوز عن إحدى السيارات التي كانت سائرةً أمامه، وكان المدعي ترافقه زوجته آتياً من الجهة المعاكسة على متن هوندا طراز CRV تحمل اللوحة ذات الرقم 155780/ز، فتفاجأ بالمدعى عليه وهو يحاول التجاوز عن سيارة أخرى، فانحرف إلى اليسار ومن ثم إلى أقصى اليمين، الامر الذي أدى إلى اصطدام مقدمة سيارة الفولفو بالجانب الأيسر لسيارة الهوندا، فدخلت الفسحة الترابية على جانب الطريق بحيث لم يعد سائقها يسيطر عليها، فاستدارت وارتطمت عجلاتها بحافة الإسفلت ممّا أدّى إلى انقلابها واستقرارها على سقفها بعد مسافة ثمانين متر تقريباً من مكان الإصطدام.
وقد ادى الحادث إلى إصابة المدعية ت. أ. د. بجروح بالغة ما أدى إلى دخولها إلى العناية الفائقة في مستشفى شتورا ومن ثم نقلها إلى مستشفى بحنس بتاريخ 2016/12/21 حيث مكثت حوالي خمسة أشهر، بعد أن تطورت حالتها من جراء مضاعفات الحادث، ومن ثم احتاجت إلى جلسات عديدة من العلاج النفسي والعلاج الفيزيائي والتي كانت شركة التأمين والمدعى عليه يعمدان إلى تسديد 75 بالمائة من قيمتها بالإضافة إلى فواتير الدواء.
وأنه بتاريخ 2018/04/19 أدخلت المدعية إلى مستشفى أوتيل ديو حيث خضعت لعملية جراحية في يدها ورجلها اليمنى من أجل إطالة وترميم عضلات وأوتار اليد والرجل اليمنى؛
وأنّه خلال التحقيق الاولي أفاد المدعى عليه أنه بتاريخ 2016/11/27 وحوالي الساعة الثالثة بعد الظهر، وأثناء توجهه من بلدة قب الياس بإتجاه بلدة عميق على متن سيارته الفولفو، وبوصوله عند مفرق معمل الكرتون وكانت سرعته عادية لا تتجاوز الستين كلم في الساعة توقفت سيارة رابيد أمامه فحاول تجوزها من أجل تفادي صدمها، عندها كانت سيارة المدعي الهوندا آتية من الجهة المقابلة حيث إصطدم بها على الجهة اليسرى فإنحرفت عن مسارها وتدهورت؛
وأنّه بتاريخ 2019/05/20 عاين الطبيب الشرعي ريمون خزاقة المدعى عليها، حيث تبيّن أنها تعاني من لإصابات خطيرة في الجمجمة والانسجة الدماغية وبقيت في غيبوبة مدة شهر وانها تعاني من صعوبة في النطق، والتعبير وفقدان في الذاكرة القديمة والحديثة ، وأن لديها شللاً جزئياً في الأطراف العلوية والسفلية اليمنى، مع صعوبة في المشي والوقوف، وأن هناك تشنجات في المفاصل مما أدى إلى عمليات ترميمية لتحرير المفاصل وتطويل الأوتاد وهذه الإصابات الجسدية والعصبية نهائية وغير قابلة للشفاء وينتج عنها إعاقات جسدية ونفسية دائمة، وأن هذه الإصابات تشكل عائقاً أمام ممارسة الزوجة لحياة زوجية طبيعية وكذلك تمنعها من ممارسة مهنتها السابقة كمدرّسة رقص وأنها بحاجة إلى علاجات دائمة ومستمرة لمنع حصول إشتراكات وتراجع في وظائف الأعضاء؛
وأنه في الجلسة المنعقدة بتاريخ 2021/11/11 قررت المحكمة إبلاغ الأوراق من شركة فيكتوار للتأمين؛
وأنه في جلسة المحاكمة المنعقدة بتاريخ 2023/12/07 وبعد أن كررت الجهة المدعية مآل الإدعاء ولدى استجواب المدعى عليه كرر إفادته الأولية وصرح أنه كان آتياً من قب الياس إلى عميق حين تفاجأ بسيارة رابيد تسير أمامه فحاول تجاوزها وحاول الرجوع إلى اليمين لكنه فقد السيطرة على سيارته وحصل الإصطدام بسيارة المدعي الآتية من الجهة المقابلة.
وفي الجلسة عينها تقدم المدعي الأستاذ ليان بمذكرة خطية ضمنها مستندات وتقارير طبية وطلب إدخال شركة التأمين، وعدد الاضرار النفسية والجسدية والمادية والمعنوية التي حصلت للمدعية وعائلتها، وطلب تصحيح الوصف الجرمي ليصبح 345 بدلاً من 346 المدعى به من النيابة العامة، لأنّ المدعى عليه تخطى السرعة المسموح بها بما يزيد عن الخمسين كلم في الساعة، وارتكب انتهاكاً متعمداً لأحد واجبات الحذر والسلامة، كما أدلى بصلاحية القاضي الجزائي للبت بسائر التعويضات المادية والجسدية والنفسية الناتجة عن الحادث سنداً لأحكام المادة 129 و 132 من قانون العقوبات معطوفة على المواد 134 و 136 من قانون الموجبات والعقود؛ وطلب في الختام إلزام المدعى عليه بالتضامن مع شركة التأمين بأنّ يدفعا للمدعية مبلغاً قدره مليون دولار أميركي كبدل عطل وضرر عن الأعطال الدائمة التي أصابتها والتي قدرها الطب بـ 45 بالمئة من قدراتها العامة على الصعيد النفسي والعقلي والجسدي لا سيما أنها أصيبت بشلل جزئي في أطرافها، اليمنى، كما وإلزامهما بدفع بدل العلاجات الفيزيائية الدائمة، وكلفة الدواء المتوجب أخذه مدى الحياة، وكذلك إلزامهما بتأمين بدل خادمة منزلية مدى الحياة ومدرسّة لطفلي المدعية بفعل تعطل قدرات المدعية؛ وطلب أخيراً الحكم بإلزامهما بأن يدفعا للمدعي مبلغ مليون دولار أميركي كتعويض عن الأضرار النفسية التي أصابته، نتيجة فقدانه نعمة رفقة ومعاشرة شريكة حياته، ونتيجة المعاناة والالم النفسي الناتجين عن رؤية زوجته الشابة على هذه الحال، وكذلك نتيجة اضطراره إلى ملازمة طفليه في البيت ورعايتهما، وكذلك نتيجة الخسارة المادية التي مني بها في عمله كمحام بعد أن أهمل عمله ليهتم ببيته وأطفاله ، ورعاية زوجته وتأمين العلاج لها؛
بينما طلبت وكيلة المدعى عليه الأستاذة عبدوني أن يكون هناك تقرير طبي من آخر طبيب معالج، فقررت المحكمة تكليف الجهة المدعية بإبراز تقريرين طبّيين الأول من الطبيب الذي عالجها عن الدخول إلى المستشفى، والثاني من الطبي الذي يعالجها حالياً؛
وأنه في الجلسة المنعقة بتاريخ 2024/01/11 تقدّم الأستاذ ليان بصفته الشخصية وبصفته وكيلاً عن المدعية زوجته، بمذكرة ضمنها تقرير من الطبيب المعالج الدكتور سلام كوسى، فطلبت الأستاذة عبدوني تقديم تقرير عن حالتها لحظة دخولها إلى المستشفى، كما طلبت الإستماع إلى خبير السير نبهان، فقرّرت المحكمة ضم الطلبين المذكورين للأساس والبت بهما مع الحكم النهائي؛
وقد تبين أن التقرير المذكور قد أفاد بأنّ المدعية قد أصيبت بضربة في الرأس، أدت إلى غيبوبتها لمدة شهرين وفالج على الجهة اليمنى لا يزال قائماً بنسبة خمسة وأربعين بالمئة ولضعف على هذه الجهة مع صعوبة في استعمال اليد اليمنى وصعوبة في التركيز والإنتباه مما لا يسمح لها بالقيام بالأمور الحياتية من حيث الإنتباه إلى الاولاد ، وإن هذا الوضع غير قابل للتحسن؛
وأنه في الجلسة المنعقدة بتاريخ 2024/05/16 تقدم الأستاذ ليان بمذكرة خطية بمثابة مرافعة شفهية كرر فيها أقواله ومطالبة السابقة، وتقدّم الأستاذ قنبر بمذكرة طلب من خلالها إلزام المدعي إنفاذ القرار الصادر عن المحكمة بتاريخ 2023/11/23، ولجهة إبراز تقرير طبي من الطبيب الأول المعالج وهو الدكتور إبراهيم حشيمي، كما طلب إلزام المدعى عليه بترجمة التقارير الطبية المبرزة في الملف؛ وطلب لإجراء معاينة طبية للمدعية للوقوف على مدى وعيها و إدراكها لتأمين التمثيل الصحيح وخصومة صحيحة ومن كونها صاحبة أهلية للتقاضي، كما طلب عدم الركون لتقرير الطبيب خزاقة كونه ليس من أصحاب الإختصاص ليحدد نسبة العطل ووقته، كونه طبيباً جرّاحاً ولا معرفة له في الأمور النفسية والعصبية، كما طلب إستدعاء الخبير فكتور نبهان لإستيضاحه حول تفاصيل الحادث؛
وأنه بعد التوقيع على محضر الجلسة، حضرت وكيلة المطلوب إدخالها شركة فيكتوار للتأمين وتقدمت بمذكرة أدلت فيها بأنها دفعت للجهة المدعية كفواتير إستشفاء وتكاليف علاج حوالي أربعة وعشرين ألف دولار أميركي، وأنّ قيمة بوليصة التأمين قبل الأزمة هي خمسة وسبعين ألف ليرة لبنانية، وأن المدعى عليه يطلب تعويضاً بمليوني دولار أميركي، وطلبت في الختام تكليف الجهة المدعية بإبراز تقرير طبي باللغة العربية من الطبيب الشرعي، وتقرير طبي من الطبيب النفسي باللغة العربية؛
وأنه في الجلسة المنعقدة بتاريخ 2024/05/23، أبرزت وكيلة المطلوب إدخالها مذكرة بمثابة مرافعة شفهية كررت فيها أقوالها ومطالبها السابقة، كما تقدّم وكيل المدعى عليه الأستاذ قنبر بمذكرة بمثابة مرافعة شفهية كرر فيها أقواله السابقة، وترافع الأستاذ ليان بصفته الشخصية وبصفته وكيل المدعية وكرر أقواله ومطالبه السابقة، وطلب في الختام التعويض عن العطل والضرر الذي أصاب المدعية بمبلغ مليون دولار، وبمبلغ مليون دولار كتعويض عن العطل والضرر الذي أصابه، وطلب إضافة إلى ذلك إلزام المدعى عليها وشركة التأمين بدفع بدل خادمة للمدعية؛
وترافع وكيل المدعى عليه الأستاذ قنبر مدلياً بأنّ المدعية قادرة على استعمال وسائل التواصل الإجتماعي مما يدل أنها غير فاقدة للاهلية، وبدليل أنها نظمت وكالة لزوجها بتاريخ لاحق للحادث، وذلك يدل على أنها تتمتع بكامل أهليتها، وأنه في الحالة المعاكسة يكون تمثيل من قبل وكيلها الأستاذ ليان غير قانوني، وأضاف بأن الخبير المعين من النيابة العامة لم يحسم أمر وقوع خطأ من قبل المدعى عليه؛
وترافعت بعد ذلك وكيلة المطلوب إدخالها الأستاذة صفير مدليةً بأنّه لم يثبت الخطأ على المدعى عليه بصورة كلّية، وأنّ المدعى عليه لم يكن يسير بسرعة جنونية حسب ما أدلى المدعي، وأنه بالنسبة لمسؤولية شركة التأمين فهناك بند يحدّ من هذه المسؤولية ويجعل الحدّ الأقصى سبعماية وخمسين مليون ليرة لبنانية، ومن ثم أعطي الكلام الأخير للمدعى عليه الذي كرر أقواله السابقة وأضاف أنّه لم يكن يسير بسرعة عالية لكن المدعي كان يسير بسرعة كبيرة الأمر الذي أدى إلى انحراف سيارته حوالي ثمانين متراً باتجاه شتورا؛
وأنه بتاريخ 2024/07/11، أصدرت هذه المحكمة قراراً قضى بإعادة فتح المحاكمة وتكليف الجهة المدعية ببيان كافة المبالغ المدفوعة من قبلها كفواتير إستشفائية وثمن أدوية وبدل أتعاب أطباء كما وبيان المبالغ المدفوعة من شركة التأمين، وبيان الأضرار اللاحقة به بصورة مباشرة، كما ودعوة المدعية ش. أ. د. لاستيضاحها حول بعض النقاط؛
وأنه في جلسة المحاكمة المنعقدة بتاريخ 2025/01/16، تقدّمت الجهة المدعية بواسطة وكيلها الأستاذ ليان بمذكرة إنفاذاً للقرار التمهيدي الصادر عن هذه المحكمة بتاريخ 2024/07/11، وأنه في الجلسة عينها جرى الإستماع إلى المدعية ش. أ. د.؛
وأنه في جلسة المحاكمة المنعقدة بتاريخ 2025/01/30 ترافع الأستاذ ليان عن الجهة المدعية وكرر أقواله ومطالبه السابقة، وترافع الأستاذ قنبر مكرراً أقواله السابقة، وتقدم بمذكرة بمثابة مرافعة شفهية، كذلك ترافعت الأستاذة صفير عن المطلوب إدخالها شركة فيكتوار للتأمين وتقدمت بمذكرة خطية بمثابة مرافعة شفهية، ومن ثم أعطي الكلام الأخير للمدعى عليه الذي طلب عدالة المحكمة، ومن ثم اختتمت المحاكمة أصولاً؛
ثانياً: في الأدلة:
تأيدت هذه الواقعات:
بالإدعاء العام؛
بالتحقيقات الأولية وتلك التي أجريت أمام هذه المحكمة؛
بتقرير الخبير نبهان والكشف الذي أجراه عناصر قوى الامن الداخلي؛
بتقرير الطبيب الشرعي خزاقة، وتقرير الطبيب المعالج البروفسور سلام كوسا؛
بأقوال المدعي والمدعى عليه؛
بالمحاكمة العلنية؛
وبالأوراق كافة؛
ثالثاً: في القانون
1- في الشكل
لجهة الدفع بعدم أهلية المدعية للتقاضي ولتمثيلها بمحام
حيث تدلي الجهة المدعى عليها بأنّه في حال كانت المدعية قادرة على تنظيم وكالة لزوجها الأستاذ ليان، فتكون متمتعة بكامل قواها العقلية والجسدية، وفي الحالة المعاكسة يكون تمثيل الأستاذ ليان غير صحيح لعدم صحة الوكالة وعدم تمتع المدعية بالأهلية؛
وحيث إنه يقتضي معرفة مدى صحة هذا الإدلاء؛
وحيث ان المادة 60 من قانون أصول المحاكمات المدنية نصت على ان انتفاء الأهلية للتقاضي يشكل عيباً موضوعياً يؤدي الى بطلان الإجراء القضائي اي الى بطلان اجراءات المحاكمة التي يشوبها العيب؛
وحيث إنّ المادة 61 من القانون عينه اعتبرت انه يجوز الادلاء بدفوع البطلان المبنيّة على مخالفة القواعد الموضوعية المتعلقة بالاجراءات القضائية في اية حالة كانت عليها المحاكمة، كما تقبل دفوع البطلان المشار اليها في الفقرة الأولى من هذه المادة ولو لم يرد نص صريح بشأن هذا البطلان ودون اشتراط وقوع ضرر للخصم الذي يدلي بالدفع؛
وحيث ان أهلية الوجوب او أهلية الاختصام، هي أهلية وجوب منقولة الى الخصومة القضائية، يجب ان تتوافر لدى طرفي الدعوى، اذ انها وفقاً للمادة 7 فقرة 3 أ.م.م. تعود للشخص الطبيعي وكذلك للشخص المعنوي بحيث يملك الشخص أهلية الوجوب ومن ثم أهلية الاختصام بمجرد اكتسابه الشخصية القانونية؛
وحيث ان الأهلية الاجرائية هي صلاحية الخصم للقيام بالأعمال الاجرائية في المحاكمة، بحيث يجب على المحكمة التثبت من توافر هذه الأهلية للتقاضي في جميع مراحل الدعوى(م13 أ.م.)؛
وحيث يتبيّن أنّ المدعية قامت بتنظيم وكالة تتضمن تمثيلها أمام المحاكم والمخاصمة القضائية، بتاريخ 13/شباط/2018؛
وحيث يتبيّن أيضاً من خلال المذكرة التي تقدّم بها المدعى عليه أنه أدلى أن المدرسة التي تعمل بها المدعى عليها قامت بتحويلها من التدريس في الروضة إلى تعيينها ناظرة؛
وحيث إنّ بالإستناد إلى ذلك فإنه من الثابت أن المدرسة حيث كانت المدعية تعمل، أعادت المدعية إليها بمهمة ناظرة مع ما يتطلبه ذلك من حضور ذهني وعقلي وإدراك للأمور، وقدرة على التمييز؛
وحيث فضلاً عن ذلك فإنّ المدعى عليه أبرز في لائحته الجوابية صورة للمدعية في المدرسة بتاريخ 2017/10/09 وهي تستعمل تطبيق فايسبوك؛
وحيث من الثابت بالإستناد إلى ذلك بأنّ المدعية تملك الأهلية للخصومة القضائية وبالتالي لتنظيم وكالة لمحام لتمثيلها أمام القضاء، الأمر الذي يقتضي معه ردّ ما أدلت به الجهة المدعى عليها لهذه الجهة؛
2- في الأساس
أ‌- في المسؤولية الجزائية
وحيث إنّ المحكمة إستثبتت من كيفية حصول الحادث من خلال الواقعات المعروضة أعلاه، إذ إنّه بتاريخ 2016/11/27 وبينما كان المدعى عليه م. ح. ع. يقود سيارته من نوع فولفو طراز V70XC لون احمر صنع العام 2001 تحمل اللوحة ذات الرقم 383597/ب ، متوجهاً من قب الياس باتجاه البقاع الغربي، ولدى وصوله قبل مفرق معمل سيكومو حاول التجاوز عن إحدى السيارات التي كانت سائرةً أمامه، وكان المدعي ترافقه زوجته آتياً من الجهة المعاكسة على متن هوندا طراز CRV تحمل اللوحة ذات الرقم 155780/ز، فتفاجأ بالمدعى عليه وهو يحاول التجاوز عن سيارة أخرى فانحرف إلى اليسار ومن ثمّ إلى أقصى اليمين، الامر الذي أدى إلى إصطدام مقدمة سيارة الفولفو بالجانب الأيسر للسيارة الهوندا، فدخلت الفسحة الترابية على جانب الطريق بحيث لم يعد سائقها يسيطر عليها، فاستدارت وارتطمت عجلاتها بحافة الإسفلت مما أدى إلى انقلابها واستقرارها على سقفها بعد مسافة ثمانين متر تقريباً من مكان الإصطدام، وقد ادى الحادث إلى إصابة المدعية ت. أ. د. بجروح بالغة ما أدى إلى دخولها إلى العناية الفائقة في مستشفى شتورا ومن ثم نقلها إلى مستشفى بحنس بتاريخ 2016/12/21 حيث مكثت حوالي خمسة أشهر، بعد أن تطورت حالتها من جراء مضاعفات الحادث، ومن ثم احتاجت إلى جلسات عديدة من العلاج النفسي والعلاج الفيزيائي والتي كانت شركة التأمين والمدعى عليه يعمدان إلى تسديد 75 بالمائة من قيمتها بالإضافة إلى فواتير الدواء، وأنه بتاريخ 2018/04/19 أدخلت المدعية إلى مستشفى أوتيل ديو حيث خضعت لعملية جراحية في يدها ورجلها اليمنى من أجل إطالة وترميم عضلات وأوتار اليد والرجل اليمنى؛
وحيث يتبيّن من تقرير الطبيب المعاين البروفسور س. ك. بأنّ المدعية ظلت شهرين في غيبوبة وعانت من فالج على الجهة اليمنى ولا زالت تعاني من ضعف على هذه الجهة وصعوبة باستعمال اليد اليمنى ونقص في التركيز والإنتباه؛
وحيث تنص المادة 22 من قانون السير رقم 2012/243 على أنه على السائق أن يبقى في جميع الحالات يقظاً ومسيطراً على مركبته بشكل يمكّنه من إجراء جميع العمليات والمناورات المتوجبة؛
وحيث علاوةً على ذلك وبالرجوع إلى أحكام الفقرة الثانية من المادة 27 من قانون السير، فإنه يقتضي على السائق قبل الشروع في مناورة التجاوز أن يتأكد أنه يستطيع العودة إلى المسرب الذي يسير عليه، وأن يقوم بالتجاوز دون خطر، وأن لديه مسافة ووقتاً كافيين لذلك، وأن من يتبعه من السائقين لم يباشر بعد عملية تجاوز مماثلة، وعليه تنبيه مستخدم الطريق الذي يريد التجاوز؛
وحيث إن المدعى عليه كان يسير على طريق خطرة نسبياً خاصة أنها ليست مقسّمة إلى مسربين حيث كان يقتضي به أن يكون أكثر حرصاً من المعتاد؛
وحيث عوداً إلى الوقائع الواردة في الملف، فإن المدعى عليه لم يتخذ الموجبات المفروضة عليه قانوناً، فيكون قد خالف أحكام المادة 22 من قانون السير ويكون فعله على الشكل المذكور أعلاه سبباً رئيسياً في حصول الحادث الذي أدى إلى وفاة الضحية؛
وحيث لجهة إدلاء المدعى عليه بوجوب تطبيق نص المادة 345 فقرة 2 لجهة التشديد، فإنه من الثابت أن أياً من الحالات المذكورة في هذه الفقرة يمكن تطبيقه، الأمر الذي يقتضي معه رد الإدلاء المذكور؛
وحيث بالإستناد إلى التعليل المساق أعلاه، فإنه يقتضي إدانته بالجنحة المنصوص عنها في المادة 346 من قانون السير كونه تسببّ بإيذاء إنسان نتيجة إهماله وقلّة إحترازه وعدم مراعاته القوانين والأنظمة المفروضة عليه قانوناً؛
ب‌- في المسؤولية المدنية
وحيث في الدعوى المدنية الناشئة عن دعوى الحق العام، فإن الجهة المدعية تطلب إلزام المدعى عليه والمطلوب إدخاله والمسؤول بالمال بأن يدفعوا للمتضرر المبلغ المالي المطلوب من قبلهم؛
وحيث من نحو أوّل، إنّ المحكمة، وبالنظر للمعطيات كافة المعروضة أعلاه، وبما لها من حق في التقدير ترى تحديد نسبة مسؤولية المدعى عليه عن وقوع الحادث موضوع النزاع بنسبة ثمانين بالمئة على المدعى عليه وعشرين بالمئة على المدعي، وذلك بسبب خطئهما المشترك الذي أدى إلى وقوع الحادث وما نتج عنه؛
حيثُ من الثابت وفقاً للنتيجة المنتهى إليها أعلاه فإنَّ المدّعى عليه يكون مسؤولاً بالنسبة المذكورة، وبالتالي تُلقى على عاتقه نسبة المسؤولية المدنية المذكورة الناتجة عن دعوى الحقّ العام؛
وحيثُ يقتضي بالتالي البحث في مدى توافر الشروط المفروضة قانوناً لقبول إدخال شركة فيكتوار للتأمين ش.م.ل.؛
1- لجهة إدخال شركة فيكتوار للتأمين ش.م.ل.
وحيث من جهة أولى، إن شركة فيكتوار للتأمين.ش.م.ل. أصدرت بوليصة ضمان إلزامي صالح لغاية تاريخ 2017/06/02 وبرقم VB-391013-001-N70900 (مبرزة صورتها في الملف)، وأن هذا الضمان مختص بالأضرار الجسدية، وبوليصة أخرى للأضرار المادية برقم 02VR-2016-427486-002-R70900 لصالح المركبة التي كانت بقيادة المدعى عليه ع. عند وقوع الحادث؛
وحيث إنَّ المادة 163 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، توجب دعوة المسؤول بالمال والضامن الى المحاكمة، حتى دون حاجة لطلب ادخال مقدّم من المدعي الشخصي او المدعى عليه، كما أنَّ المادة 13 من المرسوم الإشتراعي رقم 77/105 أجازت للمتضرر ولأصحاب الحقوق الإدعاء المباشر تجاه الضامن، ويمكن مداعاة الضامن لدى المحاكم الجزائية اذا كانت الدعوى الناتجة عن الحادث عالقة امامها؛
وحيث إنّه في ضوء كلّ ما تقدم وإعمالاً لمفاعيل عقد التأمين، يقتضي إدخال شركة فيكتوار للتأمين ش.م.ل. في الدعوى الحاضرة بصفة ضامن؛
2 – في التعويضات
حيث من نحوٍ أوّل إنَّ المدعي طلب بصفته الشخصية وبصفته وكيلاً عن زوجته المدعية إلزام المدعى عليه والمطلوب إدخالهم بأن يدفعوا تعويضاً عن الأضرار الناتجة عن الحادث مبلغاً وقدره مليون دولار أميركي لمصلحته، إضافةً إلى مليون دولار أميركي لمصلحة زوجته؛
وحيث إنّ شركة فيكتوار للتأمين أدلت في معرض مذكرتها وطيلة فترة المحاكمة بأنها دفعت ما يزيد عن قيمة بوليصة التأمين، وكون مسؤولية الضامن محصورة بمبلغ لا يتجاوز سقف ضمانته التعاقدية المحدد بمبلغ 750000000 ليرة لبنانية، لكون هذه المسؤولية محددة تعاقداً؛
وحيث إنه يقتضي معرفة مدى صحة هذا الإدلاء؛
وحيث إن المرسوم الإشتراعي رقم 1977/105 نص في مادته الثانية على أنه يُلزم كل مالك مركبة في لبنان أن يعقد ضماناً لدى هيئة ضمان مرخص لها بمزاولة ضمان أخطار المركبات، يغطي المسؤولية المدنية التي يمكن أن تترتب عن الأضرار الجسدية التي تسببها مركبته للغير؛
وحيث إن أحكام المرسوم 2003/9585 جاءت في الإطار عينه، إذ نصت المادة الثانية منه على أنه يلزم كل سائق مركبة بإجراء عقد ضمان يغطي المسؤولية المدنية التي يمكن أن تترتب عن الأضرار الجسدية التي تسببها مركبته للغير؛
وحيث إن أحكام المرسوم 1977/105 أولت المؤسسة الوطنية للتأمين الإلزامي تحديد نموذج عقد الضمان الإلزامي كما وتحديد أقساط الضمان التي يقتضي دفعها؛
وحيث إن عقود الضمان في الأصل إنّما تعبّر عن فكرة التضامن الإجتماعي وتنطلق من مفهوم المخاطرة؛
وحيث يفهم من منطوق المواد المذكورة أنّ عقد الضمان المذكور متعلق بالنظام العام وبمصلحة المجتمع العليا، وأنّ شكله وشروطه محددة من قبل مؤسسة حكومية أنشأها القانون لهذه الغاية؛
وحيث إن الغاية من هذا العقد وفق ما هو مذكور أعلاه هو تغطية المسؤولية المدنية المترتبة عن الاضرار الجسدية؛
وحيث إنّ هذه التغطية لا يمكن أنّ تكون تافهة أو بخسة كونها متعلقة بسلامة الإنسان وصحته؛
وحيث إنّه فضلاً عن ذلك فإنّ التعيين القانوني لثمن أقساط الضمان لا يمكن له أن يكون مصدراً لعدم العدالة في العقود، بل على العكس تماماً هو ينطلق من فكرة التعاضد الإجتماعي من أجل إصلاح الضرر الجسدي الحاصل من جراء حوادث السير؛
وحيث وبالإستناد لذلك فإن غاية العقد والفائدة المتوخاة منه ونية الفرقاء في عقدٍ يعتبر من العقود الموجهة، والمتعلقة بحقوق الغير، هي أمورٌ ترمي بمجملها إلى تغطية المسؤولية المدنية المترتبة عن الأضرار الجسدية في حوادث السير؛
وحيث إنّ تغطية هذه المسؤولية لا يمكن في أي حال من الاحوال أن يحدّ منها بند وارد في العقد أو خارجه سواء كان صريحاً أو ضمنياً كون هذا العقد متعلقاً بمصلحة عامة هي مصلحة حقوق ضحايا حوادث السير، وهم من الأغيار على هذا العقد، وليسوا طرفاً فيه؛
وحيث إن النصوص القانونية تتكامل مع بعضها البعض ويقتضي تفسيرها وفق الغاية التي وضعت من أجلها إذ إنّ نص المادة 139 من قانون الموجبات والعقود أتى واضحاً لجهة عدم صحة البنود النافية للتبعة وبنود المجازفة في حال كانت الأضرار تصيب الأشخاص إذ إنّ حياة الإنسان وسلامته الشخصية هما فوق كل اعتبار (1)؛
وحيث إنه تبعاً لذلك، فإنّ تغطية المسؤولية المدنية الناتجة عن الاضرار الجسدية لا يمكن أن تكون محدودة بالسقف المنصوص عليه في العقد خاصةً أن هذا المبلغ يعتبر غير ذي قيمة قياساً للأضرار الجسدية التي يمكن أن تحصل، أو للروح الإنسانية التي يمكن أن تزهق؛
وحيث علاوةً على ذلك، فإنّ الحكم بالتعويض عن الضرر هو حكم إعلاني وليس إنشائياً، وإن الحق بالتعويض يعود إلى تاريخ حصول الضرر لأنه نشأ عنه؛ فالحكم يحدد مبلغ التعويض الذي نشأ من الموجب الذي وُلِد بتحقق الضرر وليس بصدور الحكم؛
وحيث إنّ نشوء الحق بالتعويض هو بتاريخ وقوع الضرر واستحقاقه بتاريخ تحقق هذا الضرر، وإنّ الحكم به ليس سوى نوع من التحديد والإلزام بالتنفيذ، فلا يمكن بعد ذلك للمضمون أن يُضار من تبدل حالة العملة أو إنخفاضها، طالما أن حقه بالتعويض نشأ قبل حصول هذا التبدل وحين كان سقف التغطية يغطي الأضرار الجسدية بصورة كاملة ؛
وحيث تأسيساً على ذلك يقتضي رد إدلاء شركة فيكتوار للتأمين لهذه الجهة ؛
وحيث يقتضي تبعاً لما تقدم، تحديد الأضرار اللاحقة بكل من المدعيين في الشكوى الحاضرة ومقدار التعويض المتوجب عنها، مع الإشارة الى قواعد ثلاث:
إن القضاء الجزائي لا يختص في النظر في التعويض عن الأضرار المادية والتعطيل عن العمل والانقطاع عن الدراسة، وتفويت الفرصة… وغيرها من الأضرار المستقبلية وغير المباشرة ، إذ إن فصله في التعويضات الشخصية يأتي بنتيجة الفصل في الدعوى العامة وبعد التحقق من توافر العناصر الجرمية بحق المدعى عليه، وفي ضمن حدود التعويض عن الجرم الجزائي، وهو في الحالة الراهنة التسبب في أضرار جسدية؛
إن عقد الضمان الإلزامي يقتصر على ضمان الأضرار الجسدية التي تسببها المركبة للغير، فلا تستوي بالتالي المطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية اللاحقة بالمتضرر أو بسيارته بنتيجة الحادث، وينحصر بالتالي التعويض بالأضرار الجسدية وبتلك الناتجة عنها مباشرةً، اللاحقة بالغير وليس بالمضمون؛
إن بوليصة الضمان الصادرة عن شركة فيكتوار للتأمين ش.م.ل. تنص على التعويض عن الأضرار الجسدية والمادية اللاحقة بالغير، وبالأضرار الجسدية اللاحقة بالمضمون أو أحد أفراد عائلته، الناتجة بصورة مباشرة عن سبب طارئ خارجي وخارج عن إرادتهم؛
وحيثُ إنَّ مبلغ التعويض المستحق للمتضرر يخضع لتقدير المحكمة وفقاً لسلطتها التقديرية استناداً لكلّ المعطيات لاسيما منها سن المتوفي (مواليد عام 1949) وصفة الجهة المتضررة، وطبيعة الجرم المسبب للوفاة بوصفه جرماً غير مقصود، وبعد الإستئناس بأحكام القوانين التي ترعى أوضاعاً مشابهة؛
وحيثُ إستناداً لنصّ المادّة 132 من قانون العقوبات معطوفة على المواد 134 الى 136 ضمناً من قانون الموجبات وعقود، يقتضي الحكم للمدعي بالعطل والضرر الناشيء عن الجرم، فعملاً بالمادة 134 من قانون الموجبات والعقود “يكون العوض الذي يجب للمتضرر من جرم معادلاً للضرر الذي حل به، والضرر الأدبي يعتد به…”؛
وحيث أولاً، بالنسبة للأضرار اللاحقة بالمدعية، فإنّ التقارير الطبية المبرزة والمشار إليها أعلاه تشير إلى أنّ المدعية ظلت شهرين في غيبوبة وعانت من فالج على الجهة اليمنى ولا زالت تعاني من ضعف على هذه الجهة وصعوبة باستعمال اليد اليمنى ونقص في التركيز والإنتباه، وان هذا العطل هو نهائي وغير قابل للمعالجة؛
وحيث تفعيلاً لما تقدم، فإنه يقتضي إلزام المدعى عليه م. ع. والمقرر إدخالهما شركة فيكتوار للتأمين ش.م.ل. بأن يدفعا، بالتضامن في ما بينهما مبلغ ثلاثة مليارات ليرة لبنانية الى المدعية ش. أ. د.، على سبيل العطل والضرر اللاحق بها بنتيجة العطل الدائم الذي أصيبت به بنتيجة الحادث؛
وحيث إنّ المدعية تطلب إلزام المدعى عليه بأنّ يدفع لها ثمن الأدوية التي دفعتها بقيمة مئة وأربعة وأربعين مليون ليرة لبنانية وثمن العلاجات الفيزيائية البالغة ألفين ومئة وستين دولاراً أميركياً؛
وحيث إنه وبالنظر لكون هذه المبالغ من الأضرار المباشرة التي سبّبها الحادث، فإنّه يقتضي إلزام المدعى عليه وشركة التأمين بتسديدها للجهة المدعية؛
وحيث يقتضي رد طلب الجهة المدعية التعويض على المتضررة نتيجة فقدانها لعملها كمدرّبة باليه في الكلية الشرقية، وكذلك مصاريف الخادمة المنزلية وراتبها، لأنّ هذا الطلب يخرج بطبيعته عن اختصاص هذه المحكمة كونه ليس من الأضرار الجسدية والمباشرة الناتجة عن الحادث؛
وحيث إنّ ذلك لا يمكنه أن يحرم الجهة المدعية من حقها في مراجعة المحكمة المدنية المختصة للحصول على التعويض المذكور في حال ثبوته؛
وحيث إن المدعي المحامي ليان يطلب من جهة أخرى الحكم بإلزام المدعى عليه وشركة التأمين بأن يدفعا له مبلغ خمسماية ألف دولار أميركي كتعويض عن الأضرار النفسية والعاطفية والمادية التي أصابته من جراء الحادث؛
وحيث إنَّ المحكمة حين تحكم بالتعويض فهي لا تقدّر نسبة الألم المعنوي الذي حلّ بالشخص القريب من الضحية، بل إنَّ التعويض المالي هو من مفاعيل الموجب الناشيء عن الفعل غير المباح، فيستوجب ذلك إلباس التعويض شكل التعويض النقدي، كون الخسارة التي مُنيت بها لا يمكن تعويضها، فلا يمكن لأيّ تعويض أن يعوّض الزوج عن رؤية زوجته بصحتها كاملة فبدل أن يفرح بها عاش حالةً من الحزن والشعور بالكآبة نتيجة ألمه الخسارة التي منيت بها، وهو بحدّ ذاته من الأضرار المباشرة وفق منطوق المادة 134 وما يليها من قانون الموجبات والعقود وليست تلك المرتدة منها؛
وحيثُ في ضوء كلّ ما تقدّم، ولجهة ثبوت الأضرار المادية والمعنوية والألم النفسي والخسارة اللاحقة بالمدعي من جراء الحادث وهي أضرار ناتجة مباشرة عن الحادث، ترى المحكمة تحديد التعويض المترتّب عن هذا الضرر بمبلغ خمسماية مليون ليرة أو ما يعادلها بالدولار الأميركي وقت صيرورة هذا الحكم مبرماً، واعتبار أنَّ هذا التعويض إستحقّ مباشرة في ذمته وإلزام المدعي وشركة التأمين بأن يدفعا هذا المبلغ للمدعي؛
وحيث إنّ المحكمة وبالنظر إلى ماهية الجرم وكيفية وقوع الحادث، ترى أخيراً منح المدعى عليهما الأسباب التخفيفية سنداً للمادة 254 من قانون العقوبات؛
وحيث انه لم يعد بالتالي، بعد النتيجة التي توصلت إليها المحكمة، من ضرورة للاستفاضة في أي تحقيق أو إجراء، أو لبحث سائر الأسباب والمطالب الزائدة أو المخالفة ويقتضي ردها؛
لذلك
يحكم:
أولاً: بقبول طلب إدخال شركة فيكتوار للتأمين، ش.م.ل. سنداً للتعليل الوارد في متن هذا الحكم؛
ثانياً: بإدانة المدّعى عليه م. ع. المبيّنة هويته في مستهل هذا الحكم بالجنحة المنصوص عنها في المادّة 346 من قانون السير، وبحبسه سنداً لها مدة ستة أشهر، وبتغريمه بمبلغ عشرين مليون ليرة لبنانية، وباستبدال العقوبة برمتها تخفيفاً سنداً للمادة 254 من قانون العقوبات بالغرامة البالغة ستين مليون ليرة لبنانية وبحبسه يوماً واحداً عن كل عشرة آلاف ليرة لبنانية في حال عدم دفع الغرامة، وذلك إعمالاً لنص المادة 54 من قانون العقوبات؛
ثالثاً: بإلزام المدعى عليه وشركة فيكتوار للـتأمين بأنّ يدفعا للمدعيين بالتضامن في ما بينهما، مبلغ ثلاثة مليارات ليرة لبنانية أو ما يعادلها بالدولار الأميركي وقت صيرورة الحكم مبرماً؛
رابعاً: بإلزام المدعى عليه وشركة فيكتوار للـتأمين بأنّ يدفعا بالتضامن مبلغ ثلاثماية وأربعة وأربعين مليون ليرة لبنانية يدفع للجهة المدعية كبدل فاتورة دواء وعلاج فيزيائي؛
خامساً: بإلزام المدعى عليه وشركة فيكتوار للـتأمين بأنّ يدفعا للمدعي المحامي ليان بالتضامن مبلغ خمسماية مليون ليرة لبنانية كتعويض عن العطل والضرر الذي أصابه أو ما يعادلها بالدولار الأميركي وقت صيرورة الحكم مبرماً ؛
سادساً: بتدريك المدعى عليه النفقات كافة وردّ ما زاد وخالف؛
حكماً وجاهياً للمدعيين والمدعى عليه وشركة فيكتوار للتأمين، صدر وأفهم علناً في زحلة بتاريخ 2025/03/27.

(1)– Soit la clause limitative de réparation n’est pas prévue par un contrat type et, selon l’arrêt commenté, le droit commun des contrats s’applique. La clause est licite et efficace, sous la double limite de la preuve d’un dol ou d’une faute lourde, d’une part, de l’inexécution d’une obligation essentielle, d’autre part. A priori, ce régime préserve mieux les intérêts de la victime. Aussi importe-t-il de connaître l’origine légale ou conventionnelle de la clause. La règle est que les contrats types s’appliquent de plein droit. L’éradication de la clause limitative de réparation en cas de manquement à une obligation essentielle : «Chronopost», dix ans après. Cass. com., 30 mai 2006, pourvoi no 04-14974, à paraître au Bulletin, D. 2006, note D. Mazeaud. Revue des contrats, 01 octobre 2006 n° 4, P. 1075

“محكمة” – الثلاثاء في 2025/6/17
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)،
كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك”، و”الواتساب”، و”اكس”، و”الإنستغرام”، و”التلغرام”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر.
ويحظّر إجراء أيّ تعديل أو تحريف في النصوص وخصوصًا تلك المتعلّقة بالأحكام والقرارات القضائية، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
مجلة محكمة
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.