للمكرّمين في خمسينهم.. حملتم المحاماة على أكتافكم كأمانة/أنطونيو الهاشم

أنطونيو الهاشم (نقيب المحامين سابقًا):
أيّتها القلوب النبيلة، والعقول الراجحة،
الزميلات والزملاء المكرمون يوم 2025/6/16
في حضرة خمسين عامًا من العطاء، يعجز الكلام عن الإيفاء ويقف الشعور على حافة الامتنان، يفتّش عن صيغة تليق بما أنجزتم، وما منحتم هذه المهنة من جهد وكرامة وضمير حيّ.
أيها المكرّمون، أنتم لم تمارسوا المحاماة كوظيفة عادية، بل عشتموها كرسالة. كلّ يوم من أعوامكم الخمسين كان تمرينًا على الشجاعة، وعلى قول الحقيقة في وجه الريح، وعلى الصبر الطويل في زمنٍ كان كثيرًا ما يغدر بالأوفياء.
خمسون عامًا، مرّت بلبنان كما مرّت بكم: بين الحرب والسِلم، بين الزلازل السياسية والرجاء. ومع كل ارتجاج في هذا الوطن، كنتم أنتم الثابتون. لم تخونوا مهنتكم، ولا خذلتم ضميركم. كنتم شهودًا للحق، وصوتًا لمن لا صوت له، وضميرًا حيًا في زمانٍ خفتت فيه الضمائر.
كم من قضيةٍ حملتموها، لا لأنها تدرّ ربحًا، بل لأنها تنصف مظلومًا. كم من ملف قرأتموه حتى الفجر، لا بحثًا عن ثغرة قانون، بل عن عدالة تُعيد الإنسان إلى مكانته. كم من موكّلٍ وجد فيكم سندًا، وكم من قاضٍ أصغى لحجّتكم فاهتدى إلى حكمٍ منصف، لأنكم لم تسعوا إلى إقناعه ببريق البيان، بل بصدق المرافعة.
وكم من مرة، خُيّرتم بين الكرامة والمصلحة، فاخترتم الكرامة… لأن القسم الذي أدّيتموه يوم دخلتم النقابة، لم يكن جملة عابرة بل التزامًا عميقًا ما زال يضبط إيقاع ضمائركم حتى اليوم.
أنتم من حملتم المحاماة على أكتافكم، لا كعبء بل كأمانة. أنتم من صيّرها رسالة، لا صفقة,من صانوا استقلالها، وأعلوا من شأنها، ورافقوا أجيالًا من المحامين والمحاميات في درب التكوين، ليغرسوا فيهم الأخلاق قبل القوانين، والوجدان قبل الإجراءات.
ولا بدّ أن أنحني احترامًا أمام زميلاتنا المحاميات اللواتي خضن معركة إثبات الذات في ميدان لم يكن يومًا سهلًا. لقد أضفن بعدًا جديدًا للمهنة: من الرهافة التي لا ينقصها الحزم، ومن الحنان الذي لا يُضعف العدالة، بل يمنحها وجهًا إنسانيًا.
أيها الأحبة،
أنتم لا تُكرّمون لأنكم أنجزتم سنوات، بل لأنكم صنعتم مسيرة. لأنكم تركتم في المهنة أثرًا لا يُمحى، وسيرةً تفيض احترامًا، وضميرًا ما زال حيًا رغم كلّ ما في هذا الزمن من موتٍ بطيء للقيم.
إن تكريمكم الحقيقي ليس في درعٍ أو وسام ،بل في هذا الرصيد من الثقة، من الحبّ، من الوقار، من الامتنان الذي نحمله لكم في قلوبنا، والذي لا يُشترى ولا يُمنح، بل يُنتزع بسيرة العمر.
أنتم لا تنسحبون اليوم من الساحة اليومية، وحضوركم لا يغيب. سوف تظلون مشاعل في درب من سيكملون المسيرة. أنتم مرآة لما يجب أن يكون عليه المحامي: صوتًا للحق، لا بوقًا للمصلحة.
لكم الحبّ، والتقدير، والوفاء…
ولكم وعدٌ منا أن نكمل في خطّكم، لا نحيد عنه، ولا نُفرّط بما علّمتمونا.
السّلام على المحاماة،
والسلام على كلّ من خدمها بصدق،
والسلام على الوطن الذي يستحقّ مهما جار الزمان.
“محكمة” – السبت في 2025/6/21