دوْرُ الصحافةِ في تحقيقِ الأمنِ الإجتماعي/صباح علاوي
الدكتور صباح علّاوي:
ليست الصّحافةُ حرفةً كسائرِ الحِرَفِ. هي أكثرُ من مهنةٍ، وهي ليست صناعةً. هي طبيعةٌ من طبائعِ الموهبةِ. هي شيءٌ بين الفنِّ والعبادةِ.
إنَّ رائحةَ حبرِ المطبعةِ كما يقولُ “هنري ويكهام ستين” هي أزكى في أنفِ الصحافي من العطورِ النادرةِ. وإنَّ منظرَ قصاصاتِ التجاربِ و”البروفات” يكفي لينفي الصحافيّون أنّهم كالعبيدِ في العصورِ القديمةِ.
وعليه ، فإنَّ الصحافي الذي يكون بلا مبدأ كالشجرةِ الجرداء لها هيكلٌ مُحطّمٌ، دونَ ظلٍّ محدودٍ. وتاريخُ الصّحافةِ اللّبنانيّةِ مليءٌ بالتّضحياتِ المصبوغةِ بألوانِ الحرّيّةِ الحمراءِ، وذكراهُم كشهداءٍ يُعطينا الأملَ نحوَ تحقيقِ الأُسسِ السّليمةِ لبناءِ مجتمعٍ نظيفٍ بمحوريّةِ العقلِ والقلبِ.
وهذا ما يدعون إليه اصحاب الأقلام الحرّة ، وهو المطالبة دوماً بإرساءِ قواعد الصَّحافةِ البيضاءِ والإعلامِ النّقي والأنباءِ المُجديَةِ والّتي تنعكسُ أمنًا إجتماعيًا يطالُ الوطنَ برُمّتِهِ.
وبالمقابلِ، فإنّنا نطالبُ دائمًا وأبدًا في إبعادِ الصّحافةِ الصّفراء عن مواقعِ الكلمةِ كي لا نقعَ في غياهبِ الجّهلِ والبغيضةِ المقيتةِ.
وقد قال “جفرسون” المقولةَ المشهورةَ:”عندي أن أعيشَ في بلادٍ فيها صحافةٌ وليس فيها قانونٌ، أفضلُ من أن أعيشَ في بلادٍ فيها قانونٌ وليس فيها صحافةٌ”.
إنّ الصّحفيَّ الجديرَ بهذه الصّفةِ يأخذُ على عاتقِهِ تبعةَ كلِّ كتاباتِهِ حتى ولو لم تكنْ مُوقَعةً منه. لتتبلورَ من خلالِ كتاباتِهِ العناوينُ الفُضلى لبناءِ وطنٍ سليمٍ ومُعافى.
فيبتعدُ الصّحافِيُّ عن القذفِ والإتّهاماتِ الّتي لا دليلَ عليها والّتي تُعَدُّ من أشنعِ أخطاءِ الصَّنعةِ. وهو بالتّالي لا يقبلُ الّا المهمّات الّي تتّفقُ مع كرامةِ المهنةِ لكي تصبحَ صفتُهُ الشّخصيةُ لصيقةً بصفتِهِ الإنسانيّةِ.
وأنا بصفتي كمواطنٍ عراقيّ الأصلِ ومن أمٍّ لبنانيةٍ وقد حصلتُ على الجنسيّةِ اللّبنانيّةِ بمرسومٍ مُوَقّعٍ من رئيسِ البلادِ حفظَهُ اللهُ ورعاه، أُطالبُ بتعزيزِ الصّحافةِ البيضاء الّتي تُشيّدُ عليها دعائمَ الحضارةِ والعمرانِ ، وأدعو إلى محاسبةِ منتحلي صفةِ الصّحافةِ الّذين ينكبّون بوجوهٍ صفراء على دسِّ السُّمَّ في محرابِ الإعلامِ. وبكلّ الاحترام نناشد الرؤساء الثلاثة وضعَ حدٍّ لكلِّ من تُسوّلُ له نفسُهُ العبثَ بمقوّمات الصّحافةِ النّقيّةِ .
ومن بابِ الإنصافِ، فإنّ هناك صحفييّن مشهودٌ لهم بالكفاءةِ والكلمةِ الطّيّبةِ ، منهم من قضى نحبَهُ ومنهم من ينتظرْ وما بدّلوا تبديلاً …
وعلى سبيلِ المثالِ ليس إلّا أُنَوِّهُ بالأحياءِ منهم أطالَ الله في أعمارهم كالنّقيبِ عوني الكعكي والأستاذ صلاح سلام والأستاذ بسّام عفيفي والأستاذ رفيق خوري والأستاذ خير الله خير الله والأستاذ سركيس نعوم والأستاذ عادل مالك وغيرِهم الكثيرين من أصحابِ الأقلامِ البيضاء وعذرًا لمن لم أذكرْ أسماءهم وهم للصّحافةِ عنوان وللكلمةِ الطّيّبةِ عنوانٌ ..
وأختمُ بالقولِ كما قالَ “فولتير”: “الصّحافةُ آلةٌ يستحيلُ كسرُها، وستعملُ على هدمِ العالمِ القديمِ ليتسنّى لها أن تُنشئَ عالمًا جديدًا”.
وختامًا، الصّحافةُ جليسُ العالِمِ، وأستاذُ المُريدُ، والموعدُ الذي يتلاقى فيه المفيدُ والمستفيدُ.
رحمَ اللهُ إبراهيمَ اليازجيِّ وأطالَ اللهُ في عمرِ الصّحافةِ اللّبنانيّةِ لا سيّما الورقيّةِ منها كي تبقى بوقًا للسّلامِ والمحبّةِ، وصوتَ الأمّةِ الصّارخِ ، وسيفَ الحقِّ القاطعِ ، ملاذَ المظلومِ، ولجامَ الظّالمِ ، تهزُّ عروشَ القياصرةِ ، وتدكُّ معالمَ المستبدّين.
رحمَ اللهُ من أدركَ هذه المعاني ، وأطالَ بعمرِ من جعلها عنوانًا للتّفاني ..
“محكمة” – السبت في 2019/6/15