أبرز الأخبارعلم وخبرميديا

البيطار يطلب ملاحقة قضاة ورفع حصانة نوّاب ووزراء وأمنيين والحبل على الجرّار!/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
لم يكن مفاجئًا الكتاب المرسل من المحقّق العدلي في قضيّة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار إلى النيابة العامة التمييزية لإجراء المقتضى القانوني المناسب بحقّ عدد من القضاة الذين عَبَرَ ملفّ مواد “نيترات الأمونيوم” والسفينة “روسوس” من تحت أيديهم ولم يحرّكوا ساكنًا تجاه هذا الخطر الداهم، علمًا أنّ من مهام قاضي الأمور المستعجلة العمل على رفع الضرر الأكيد والحتمي عند وجوده.
أمّا في الشقّ المتعلّق بإعادة تحريك طلب رفع الحصانة عن النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، واستجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب كمدعى عليه، واستدعاء مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صلبيا للإستجواب، فليس جديدًا من الناحية القانونية الصرفة، باعتبار أنّ القاضي البيطار لا يستطيع أن يتراجع عن كلّ شخص سبق لسلفه القاضي فادي صوّان أن ادعى عليه، فهو ملزم إجرائيًا بدعوته مجدّدًا بحكم الإدعاء الموجود في فترة سابقة.
على أنّ البيطار وسّع مروحة مسعاه في “إسقاط” الحصانات فشمل في طلبه الجديد النائب نهاد المشنوق ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم وقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي وضبّاطًا في مديرية مخابرات الجيش اللبناني.
قاض فرنسي يقلّد غادة عون!
وقبل هذا المشهد البيروتي الساخن، عاشت باريس أمس نهارًا مدوّيًا لا يمكن أن ينتقل إلى بيروت ولكنّه يحمل دلالات كبيرة، فقد دهمت النيابة العامة الفرنسية مكتب وزير العدل الفرنسي المحامي إيريك دوبون موريتي ومكثت نحو سبع عشرة ساعة داخله وبحضوره شخصيًا، ووجدت خزنتين رفض “السيّد الوزير” أن يفتحهما بداعي عدم وجود مفتاح، فما كان من النائب العام إلّا أن أحضر حدّادًا إفرنجيًا مثل ذلك الحدّاد الذي أحضرته النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي غادة عون إلى مقرّ شركة ميشال مكتف، وخلع باب الخزنتين، ولم يعترض أحد لا رئيس الجمهورية الفرنسية ولا رئيس الحكومة ولا أيّ سياسي آخر.
وإذ تورد “محكمة” هذا الخبر فلكي يقارن الرأي العام اللبناني بين تقدير الفرنسيين على مختلف مستوياتهم لقضائهم، وموقف اللبنانيين من الإجراءات القضائية المماثلة، مع التذكير بأنّ أصول المحاكمات هي بشكل عام موحّدة في فرنسا وفي لبنان.
ماذا فعل البيطار؟
بعدما أيقن المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار أنّ”الشبهة” حول القضاة تستوجب الملاحقة من دون الدخول في ما إذا كان هناك تقاعس أو إهمال في أداء الواجب بالشكل الصحيح، أبلغ النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات بما توصّل إليه بشأن هؤلاء القضاة الذين “ينعمون” بأصول إجرائية معيّنة للإدعاء عليهم والتحقيق معهم ومحاكمتهم خصّهم بها قانون أصول المحاكمات الجزائية في عدد من مواده بدءًا من المادة 344 وانتهاء بالمادة 354، إذ إنّه لا يمكن للقاضي طارق البيطار أن يلاحق القضاة شخصيًا مهما كان الفعل المسند إليهم، فأمر الادعاء من اختصاص النائب العام التمييزي حصرًا، كما أنّ المحاكمة في ما لو اقتضت التحقيقات لاحقًا حصولها فهي من صلاحية محكمة التمييز حصرًا وليس المجلس العدلي الذي سبق أن أحال مجلس الوزراء إليه ملفّ التفجير في مرفأ بيروت وما تسبّب به من استشهاد وجرح لبنانيين وأجانب وتدمير مرفأ بكامله ومنازل محيطة وإلحاق أضرار مادية ليس من السهولة تعويضها أيضًا.
ومحكمة التمييز مختصة حُكْمًا بمحاكمة القضاة عند اقترافهم جرائم ناشئة عن وظائفهم أو في معرضها وبمناسبتها أو في حال كانت خارج إطار الوظيفة كأن “تشتبك” قاضية بشدّ الشعر مع جارتها كما حصل سابقًا.
وما دام القاضي البيطار قد ارتأى وجود شبهة بحقّ هؤلاء القضاة بحسب معلومات “محكمة”، فقد بات بمقدور المتضرّرين تقديم شكاوى ضدّهم أيضًا على أن تكون موثّقة ومدعومة بالقرائن والإثباتات والأدلّة التي لا يرقى الشكّ إليها، لأنّه في حال عدم ثبوتها يمكن للقاضي أن يقيم دعوى افتراء ضمن الأصول القانونية المتاحة أمامه.
خلل في عمل القضاة
وإذ رفض القاضي البيطار الحديث عن أسماء زملائه القضاة أو عن عددهم، وهي متداولة في الإعلام منذ وقوع الانفجار في مرفأ بيروت في 4 آب 2020، إلّا أنّه لا شكّ أنّه وجد خللًا ما دعاه إلى لفت نظر النائب العام التمييزي للقيام بواجبه القانوني تجاههم، والأمر يعود هنا حصرًا للنائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات وإنْ كان قد تنحّى عن مهامه في ملفّ انفجار المرفأ بسبب صلة القربى والنسب التي تربطه بوزير الأشغال العامة النائب غازي زعيتر الذي هو صهره، أيّ زوج أخته.
وإذا ارتأى النائب العام التمييزي ضرورة ملاحقة القضاة تولّى بنفسه الادعاء عليهم، فاستعمال الدعوى العامة من مهامه، على أنّ هناك إجراءات ليست بسيطة في الباب الخاص بجرائم القضاة في الفصل العاشر من قانون أصول المحاكمات الجزائية للخوض فيها، إذ يتولّى الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز وحاليًا هو القاضي سهيل عبود تكليف قاض لإجراء التحقيق مع المدعى عليهم، ويتكفّل مجلس القضاء الأعلى بتعيين هيئة اتهامية مؤلّفة من ثلاثة قضاة، وقد سبق للمجلس الذي انتهت ولايته في 28 أيّار 2021 أن عيّن هيئة اتهامية قوامها القضاة ماجد مزيحم رئيسًا وناجي عيد وبيار فرنسيس مستشارين، وهي قائمة ومهامها سارية المفعول في حال وصلت الأمور إليها.
وبخطوته هذه، يكون القاضي البيطار قد صحّح ما تغاضى عنه سلفه المحقّق العدلي السابق فادي صوّان الذي أوقف ضبّاطًا ومدنيين وصوّب على الوزراء الثلاثة غازي زعيتر وعلي حسن خليل ويوسف فنيانوس وأهمل قادة عسكريين وأمنيين مثل قائد الجيش السابق جان قهوجي ومدير عام الأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم والقضاة المعنيين بملفّ السفينة “روسوس” وحمولتها.
المشنوق يعترف!
وانضمّ وزير الداخلية والبلديات النائب نهاد المشنوق إلى قائمة المطلوب رفع الحصانة عنهم بعدما كان القاضي فادي صوّان قد استبعده أيضًا، علمًا أنّ المشنوق نفسه اعترف وبلسانه تلفزيونيًا بأنّه عرف بأمر “نيترات الأمونيوم” من خلال تقرير أمني تلقاه من الجهات الأمنية المعنية، ولذا طلب البيطار في كتابه المرسل إلى المجلس النيابي بواسطة النيابة العامة التمييزية رفع الحصانة عنه وعن النائبين زعيتر ووزير المالية السابق علي حسن خليل.
قرار البيطار نهائي
وطلب رفع الحصانة ليس بالأمر السهل، إذ دونه إجراءات معيّنة، ولكنّه يعني الإصرار على الإدعاء على هؤلاء الثلاثة، أو على وجود شبهة ما تستدعي الملاحقة بحسب الأصول، وهو ما يظهره الإستجواب الإستنطاقي ما لم تؤخّره بعض الوقت دفوع شكلية بشأن الإختصاص ما إذا كان للقضاء العدلي أم للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مع التأكيد على ثابتة قانونية أنّه لا يمكن استئناف قرار البيطار إذا ما وجد ضرورة بردّ الدفوع الشكلية المثارة أمامه بشأن الإختصاص، بعكس ما هو معمول به أمام قاضي التحقيق حيث يمكن استئناف هذه الدفوع أمام الهيئة الاتهامية فتمييزها أمام محكمة التمييز كخطوة ثالثة وأخيرة، ويمكن في حال العثور على خطأ جسيم من القاضي البيطار أن يجري مداعاة الدولة بشأن المسؤولية الناجمة عن أعمال القاضي، والمقصود بالخطأ الجسيم “الذي يفترض أن لا يقع فيه قاض يهتم بواجباته الإهتمام العادي” بحسب منطوق المادة 741 من قانون أصول المحاكمات المدنية، وتنظر في هذه الدعوى الهيئة العامة لمحكمة التمييز.
ميرزا تجاوز نقابة المحامين
واستتبع البيطار كتاب رفع الحصانة بإرسال كتاب مماثل إلى نقابة المحامين في بيروت لمنحه الإذن في ملاحقة غازي زعيتر وعلي حسن خليل كونهما محاميين، علمًا أنّهما آنذاك وبحكم تعيينهما وزيرين يعلّق قيدهما حكْمًا في الجدول العام لنقابة المحامين، وعندما يعكف مجلس النقابة على درس طلب البيطار يقرّر ما إذا كان الفعل ناشئًا عن ممارسة المهنة وفي معرضها أم لا، وفي ضوء ذلك يتخذّ موقفًا بمنح الإذن أو حجبه، على أنّ الجواب واضح وهو أنّ الأفعال المنسوبة إليهما لا تتعلّق بممارسة مهنة المحاماة.
وليس بمقدور البيطار تجاوز آلية مخاطبة نقابة المحامين بشأن الملاحقة، فهذا إجراء جوهري وإلزامي وإنْ كان الجواب بشأنه واضحًا ومعروفًا.
ولا بدّ من التذكير هنا، وبحسب معلومات “محكمة”، بأنّ قاضي التحقيق الأوّل في بيروت سعيد ميرزا إفتعل عن سابق إصرار وتصميم تجاوز حصانة المحامي عند سوق وزير النفط شاهيه برسوميان إلى مكتبه في الطابق الأوّل من عدلية بيروت لاستجوابه استنطاقيًا في مآل التهمة المنسوبة إليه في ملفّ بيع الرواسب النفطية، ولم يعترض أحد بغضّ النظر عن أنّ اسم برسوميان كان معلّقًا في الجدول العام لنقابة محامي بيروت بسبب التمانع عند تعيينه وزيرًا. وعندما لوحق قضائيًا كان وزيرًا سابقًا، ولم ترفع نقابة المحامين صوتها في وجه عدم طلب إذنها لملاحقة برسوميان.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزير الأشغال العامة السابق المحامي يوسف فنيانوس، فقد وجّه القاضي البيطار كتابًا إلى نقابة المحامين في الشمال حيث هو مسجّل في جدولها العام.
ويواجه الوزراء الأربعة زعيتر والمشنوق وحسن خليل وفنيانوس “جناية القصد الإحتمالي لجريمة القتل وجنحة الإهمال والتقصير”!
صليبا والندّاف
وطلب البيطار إلى رئاسة الحكومة إعطاءه الإذن لملاحقة مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا تمهيدًا لاستجوابه بصفة مدعى عليه، علمًا أنّ القاضي صوّان كان قد ادعى عليه وكان ينوي استجوابه في 17 كانون الأوّل 2020 وإجراء مقابلة بينه وبين المدعى عليه الرائد في أمن الدولة جوزف الندّاف لكنّه عدل فجأة بداعي تقديم غازي زعيتر وعلي حسن خليل طلبًا إلى محكمة التمييز الجزائية لنقل الدعوى منه إلى قاض آخر مع أنّ تقديم هذا الإستدعاء لا يوقف السير في الدعوى على ما تقول حرفيًا الفقرة الأخيرة من المادة 340 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ما لم تقرّر محكمة التمييز ذلك، وهو أمر لم تكن هذه المحكمة قد فعلته يومذاك.
وطلب القاضي البيطار إلى وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال العميد المتقاعد محمّد فهمي، إعطاءه الإذن لملاحقة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
سلمان
وبشأن القادة العسكريين والأمنيين الآخرين، فبحسب معلومات “محكمة”، فإنّ القاضي البيطار لم يدع على رئيس الأركان السابق اللواء الركن وليد سلمان الذي كان قد وقّع في العام 2015 الكتاب المرسل من قيادة الجيش اللبناني إلى مديرية الجمارك العامة بشأن الكشف على مادة نيترات الأمونيوم الموجود في العنبر رقم 12 في مرفا بيروت، لأنّه وقّع هذا الكتاب بالنيابة عن قائده العماد جان قهوجي ولا تترتّب أيّة مسولية جزائية عليه، إنّما يتحمّلها قهوجي الذي جرى الادعاء عليه بعد تأخير ومماطلة من صوّان.
وضمّ البيطار أيضًا وجوهًا جديدة إلى لائحة المدعى عليهم، هي: مدير المخابرات السابق في الجيش اللبناني العميد كميل ضاهر، والعميدين السابقين في مخابرات الجيش غسّان غرز الدين، وجودت عويدات.
“محكمة” – الجمعة في 2021/2/7

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!