في حضرة الدولة المتعبة… محامٍ على تخوم الوطن/أنطونيو الهاشم

انطونيو الهاشم (نقيب المحامين سابقاً):
يخرج من منزله كل صباح، حاملاً حقيبته التي حفظت ملامحها الطرقات، وسكنت فيها أوراق القضايا، والأمل، والتعب. ليس محاميًا فحسب، بل انسان يحمل على كتفيه ما لم تعد الدولة قادرة على حمله.
يعرف جيدًا أن رحلته اليومية ليست فقط إلى قصر العدل، بل إلى قلب الفوضى. يسير بين إدارات كأنها هياكل بلا روح، وموظفين أرهقتهم الأيام . يعرف الوجوه، ويعرف النظرات التي تسأله بصمت: لماذا لا تزال تقاوم؟
يلفّ بأكمامه تعب الإدارات المهترئة، يستلّ من جيب سترته أقلامًا لا تكتب إلا بشقّ النفس، ويوقّع أوراقًا تُحمل من دائرة إلى أخرى كأنها تسير في متاهة لا مخرج منها. لكنه لا يصرخ، لا يشتم، لا ينسحب. فقط يحدّق، يبتسم أحيانًا بسخرية، ويتذكّر أن المحاماة ليست فقط مهنة، بل التزام بالكرامة في زمن الانهيار.
في كل قاعة ينتظر دوره، يشهد فصول المأساة المكررة: انقطاع كهرباء، تأجيل جلسات وأوراق تُفقد بين مكتب ومكتب كأن العدالة نفسها أضاعت الطريق. لكنه لا يتعب.
هو المحامي الذي لم يُهزم، لا لأن القوانين تنصفه، بل لأنه قرّر أن يبقى واقفًا. لم يبع كرامته، ولم يشترِ اليأس. كل ورقة يتسلّمها من الدولة المترنّحة، هي شهادة صبر. كل توقيع يُنتزع من خلف زجاج مكسور، هو انتصار صغير في معركة البقاء.
هكذا يعيش المحامي في ظلّ ضياع البوصلة، لكنه لم يضيع. لم يتعب من حبّ وطنٍ يخذله، لأنه يرى في كل قضية جديدة، فرصة لاستعادة ما تسرّب من معنى الدولة، ودفقة رجاء في بحرٍ من التيه.
“محكمة” – السبت في 2025/7/5