مقالات

قرارات دستورية تدلل على النظام المأزوم وغياب الحوكمة/جاد طعمه

المحامي الدكتور جاد طعمه:
لم ينه قرارا المجلس الدستوري اللغط الدستوري، بل زادا الأمور غموضاً، فقد أعلنا ابطال نفاذ قانوني الإيجارات غير السكنية وتنظيم رواتب التعليم الخاص ليس لتعارض أحكامهما مع مضمون الدستور، بل لأن الحكومة السابقة برئاسة السيد نجيب ميقاتي نشرتهما قبل انقضاء المهلة الدستورية (المادة 57).
قراران ركنا الى الشكليات كشفا النقاب عن عجز مزدوج: فبعد اقرار مجلس النواب القانونين نهاية العام 2023، قرر رئيس الحكومة الامتناع عن نشر القانونين، ثمّ أعادهما الى البرلمان، ثمّ نشرهما فجأة في نيسان الماضي دون توقيع رئاسي وأحال البلاد بتصرفاته هذه نحو معضلة دستورية وقانونية تتعلق بمسألتي “النشر والإلغاء” في ظل أزمة إقتصادية واجتماعية كان لا ينقصها الدخول في مثل هذه المتاهة.
أمّا المجلس الدستوري فخرج بنصف حلّ بدلاً من الحل الكامل، فرغم صحة قرار الإبطال لأسباب تتعلق بالإجراءات، إلا أنه كان حرياً به استعمال صلاحيته بتفسير الدستور لمنع استمرار الالتباس والغموض في النصوص إلا أنه فضّل اقتراح خيارين للحلّ، الأول يتمثل بإعادة نشر القانونين بعد تاريخ 28 نيسان ما سيفتح المجال أمام تقديم طعون دستورية جديدة أمامه، والحل الثاني تمثّل بانتظار القرار النهائي لمجلس شورى الدولة وهو ما قد يستغرق سنوات.
المجلس الدستوري كان يستطيع إبداء الحسم في مسألة “آلية احتساب مهلة الشهر” أثناء الشغور الرئاسي (وهي اشكالية تتكرر منذ العام 2014)، لكنه فضل لأسباب غير مفهومة ترك الساحة للإجتهادات السياسية علماً أنّه من صلب مهامه قطع الطريق على التأويلات، لأنّ قراراته تصبح بمثابة رأي دستوري ملزم للجان النيابية عند مناقشتها أي مشروع او اقتراح قانون.
القراران يؤكدان مرّة جديدة أن الطبقة السياسية في لبنان لا تُشرّع لخدمة الناس، بل لخدمة أزماتها والمجلس الدستوري اكتفى بأن يكون في هذين القرارين شاهداً على العجز السياسي في ادارة البلاد. ولعله سيكون علينا انتظار أزمات دستورية جديدة كي نرأب الصدع ونفسّر الدستور في بلد باتت تستهويه مسائل الشغور في المناصب الدستورية؟
من الجدير أن يلتفت الجميع الى حقيقة أن الدستور ليس وثيقة للتعطيل وأن السياسة ليست مهزلة يُعاد إنتاجها، وتصرف رئيس الحكومة بتأثيراته الاجتماعية يفتح المجال لمحاسبته عن خطئه الجسيم الذي تسبب بهذه الأزمة الدستورية والقانونية أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
“محكمة” – الخميس في 2025/5/22

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
مجلة محكمة
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.