لتعديل نظام دراسة القانون بكلّية الحقوق لتصبح كلّية متعدّدة الإختصاصات القانونية/ريان شحادة
المحامية ريان حاتم شحادة:
إقتراح تعديل قانون الدراسة في كلية الحقوق الصادر في لبنان والمراسيم المنظمة لها في ما يتعلق بالمرسوم رقم 17223تاريخ 1964/8/21 (لمعاهد والجامعات الخاصة في لبنان ) والمرسوم الخاص بدراسة الحقوق في الجامعة اللبنانية رقم 2643 تاريخ 1965/9/21 وما تعلق به من أي تعديل ,, وما تعلق بممارسة مهنة المحاماة وفي تعيين القضاة.
كما إيجاد قانون جديد لتجديد طريقة الدراسة والإنتماء لكلية الحقوق لتصبح كلية لعدة إختصاصات قانونية تنبثق عنها، فكلية الحقوق المرجع الأساسي لأي تخصص قانوني ينبثق عنها بميزان العدل والمساواة بين جميع من ينتمي إليها.
أ – في الأسباب الموجبة لتعديل أو إيجاد قانون جديد.
1- أن لا يتخرج المرء من كلية الحقوق ليكون محامياً فقط أو يعمل في وظائف تتطلب الشهادة الحقوقية، بل أن نكون أمام تخصصات قانونية متعددة.
2- وضع الشروط المتوافقة مع الدراسة القانوينة المتخصصة في كل جانب من جوانب القوانين التي تدّرس في كلية الحقوق وفي كيفية الإنتساب إليها بما يتيح المجال لاختيار التخصص لدى كل منتسب بما يتوافق مع ميوله القانوني .
3- أن يكون الإختيار لتخصص قانوني ما ؛ هو الذي يحدّد توجّه الشخص لدراسة القانون عموماً واختيار التخصص القانوني في كلية الحقوق لدراسة القانون الذي يرغب بتعلمه، ونرى ذلك في الكليات المختلفة منها، العلمية إلى النظرية، من كلية الطلب أو الهندسة أو الآداب أم غيرها من الدراسات الجامعية وجميعها تنتهج نهج التخصص داخل التوجه الجامعي الواحد.
4- أن يتوجه تلميذ كلية الحقوق الى الخيار في اختيار تخصصه القانوني إبتداءً منذ دخوله إلى كلية الحقوق منذ السنة الأولى أو الثانية لدراسة شاملة للقوانين ليعلم ميوله القانونية. وهو أمر يجب أن يقرر خلال المرحلة الجامعية لأجل الإنصاف في الإتجاه الذي يرغبه في البدء، وليس ان يختار بعد التخرج .
لأنّ النظام القديم وما نعمل على طلب تعديله أو إقرار قانون جديد بشأنه تجعل من خريج الحقوق شخصاً لا يعرف ما ينتهجه من تخصّص وعمل لأنّ الحقوق بالنسبة إليه موسوعة لا يستطيع حصرها فيضيع في غياهيب القوانين المتعددة.
وما نشدد به على قبول هذا الإقتراح هو أننا نجد أنفسنا اليوم أمام هذا الكم الهائل من المحامين غير المتخصصين في مجال معيّن أو التوجّه إلى القضاء من باب كلية الحقوق والمفاضلة بينها وبين المحاماة.
وما نواجهه ونراه وما نسمعه من تفرقة بين تلامذة القانون والمفاضلة بينهم بالرغم من أن جميعهم من حملة شهادة الحقوق!
مثال على ذلك ما نسمعه من مقولة من هو الأفضل؟ القاضي أفضل، أم المحامي، أم الدبلوماسي، أم الموظف العامل في القطاع العام وجميعهم من حملة شهادة القانون. إن المفاضلة بينهم أمر غير صحيح، ذلك أنّ لكلّ منهم خصوصياته وأهميته، فالمسألة تتعلّق بالميول الذاتية لكلّ شخص أو الخيار فيما يرغب الطالب المنتسب لكلية الحقوق .
فبعض تلامذة القانون لديهم مهارات فكرية في تحليل ودراسة ملف يحمل في طياته نزاعاً بين الناس ويعكف على دراسته لوضع ملفه موضع الربح والفوز في قضيته، وفي ذلك حس إنساني في الدفاع عن المظلومين أو مساعدة الناس في الحصول على حقوقهم وهم من النوع الذي لا يحب القيود الوظيفية مهما كانت.
أما البعض الآخر، فلديهم مقدرات فكرية في إصدار القرار بين الأخصام وتحمّل مسؤولية الحكم بين المتخاصمين ويرى في نفسه المقدرة على أخذ القرار.
وهناك نوع من المنتسبين إلى كلّية الحقوق لأجل أن يكتسب مهارات قانونية ومعرفية في مختلف القوانين ثمّ يتخصّص في توجّه قانوني ما ليعمل من خلاله في وظائف يرغب في أن يتقدّم إليها من كتابة العدل أو في السلك الدبلوماسي أو في إدارات الدولة وسواها.
ب-وما نتوجه إليه ضمن هذه الدراسة، هو كسر النمط الفكري في الذهنية النمطية القديمة في المنظار اللاعدلي في النظر إلى جناحي العدالة وهما المحامي والقاضي القادمان من رحم كلية الحقوق، وكل منهما من خلال موقعه يعمل ليحقق العدالة بما يتناسب مع ملفه بميزان العدل. إنما جرت المفاضلة بينهما على أساس أن كل واحد منهما يحمل شهادة الحقوق ولكن من يدخل إلى القضاء إستطاع أن يجتاز إمتحاناً لم يستطع إليه آخرون، إنما حقيقة الأمر أن حامل شهادة الحقوق قد لا يريد أن يدخل إلى الجسم القضائي وأن ميوله في مكان آخر ويجد نفسه أمام مقارنة غير سوية ويحتاج إلى أن يرفع هذا الصراع غير العادل في المفاضلة.
وفي الإقتراح الذي آمل أن يلقى تجاوباً وقبولاً لدى الجهات المعنية هو الحل لهذه المفاضلة بين الخريجين من نفس الكلية الحقوقية، وذلك من خلال الإختيار والخيار الذاتي والتوجه النفسي في ما يحبه الطالب وهو ما يرفع هذه المفاضلة ويضع الأمور في نصابها الصحيح لأنّ التوجّه إلى التخصّص منذ الدراسة الجامعية يرفع الفوارق بين الخرجيين على اعتبار أن لكل منهم تخصصه الذي توجه إليه في كلية الحقوق.
ولأسباب معينة وفقاً للنظام الحالي القديم بعد أربع سنوات من الدراسة وعلى سبيل المثال، قد لا يصار إلى امتهانه المحاماة أو قبوله في معهد القضاء، وهو ما كان يدرس لأجله في كلية الحقوق، فيتوجّه إلى الوظيفة الحقوقية بالإدارة العامة في الدولة.
إن خريج كلية الحقوق بعد سنوات من الضياع في البحث عن الذات في توجهه إلى ما يحب إمتهانه هل هو مهنة المحاماة؟ وهل هو الجانب المدني منها أم الجانب الجزائي أم هل يريد أن يصبح قاضياً؟ فتنساب السنون من بين يدي الخريج الحقوقي القانوني ليكون ما يريده وهو أمر قد لا يحدث! وكان بإمكانه أن يكون كذلك إن إستشعر ذلك باكراً خلال سنواته الأولى في كلية الحقوق.
ولتفادي الفشل أو سوء الإختيار في المستقبل والوقوع في متاهات العمل وعدم إيجاد الذات ولكل ما سبق من قول في المقدمة أعلاه أقترح ما يلي:
أن المنتسب لكلية الحقوق عليه أن يقرر من خلال دراسته الجامعية أن يتجه لما يشعر بقدرته وميوله إليه كما في غيرها من الكليات في أن يدرس سنوات محددة لا تتجاوز السنتين بشكل عام عن القانون بشكل شمولي، ثمّ يتجه إلى إحدى الإختصاصات القانونية وفقاً لميوله ورغباته في دراسة علم القانون المدني أم دراسة علم القانون الجزائي والتخصص فيه. وخلاصة القول، تتوزّع التخصّصات القانوينة بحسب كل جزئية مما ذكرنا بالتخصص الذي يريده المنتسب لكلية الحقوق فتنبثق كليات حقوقية متفرعة متعددة وفقاً لما أشرت إليه آنفاً، يتوجّهّ إليها منذ دراسته ليخرج إلى الحياة العملية مباشرة إلى ما درسه تحديداً ويعمل وينجح به إن شاء الله؛
فبعد السنتين يدرس ما يرغبه أو يشعر أنه يميل إليه من علم وقانون محدد لمدة ثلاث سنوات إضافية وتزيد أو تنقص بحسب ما يتفق عليه عند إقرار مشروع القانون الحالي ليكرس قانوناً يطبق في الدراسة الجامعية. ونقيس على ذلك:
1- كلية الطب يدخل إليها كل من يريد دراسة الطب لمدة محددة من السنوات ومن بعدها يتخصص في مجال طب خاص ومحدد، كالعيون أو القلب، أو الأنف والاذن والحنجرة..
2- كلية الهندسة تدرس فيها الهندسة على مختلف تفرعاتها وبشكل تخصصي بأن يتوجه كل طالب بحسب رغبته او ميوله لدراسة إحدى التخصصات الهندسية المتاحة مباشرة ومنها فيصبح مهندسًا مدنيًا أو كهربائيًا…
إنّ طرفي العدالة على مستوى واحد من الدراسة ويختلف التخصص والتوجه، ولا يمكن المفاضلة بينهما لأنهما ليسا من نفس التخصص في الجامعة، بل هما قادمان من فروع متعددة تخرجا منها من الكلية القانونية الشاملة. وعند ذلك لا مجال للقول إنّ القاضي خريج الكلية القانونية التي تعنى بدراسة منهج الحكم يستطيع أن ينجح في ما إذا أراد أن يكون محامياً، لأنّ مجال دراسته مختلف في كلية القانون التي تعنى بمنهج المرافعة والمدافعة في عدة علوم قانونية.
إنّ موضوع المفاضلة قديم العهد بقدم وجود مهنة المحاماة والقضاء، والمسار الواحد الذي ينطلقان منه هو دراسة القانون، فكلاهما درس القانون وتفرّعاته الواسعة ونهجه واكتسب علماً يعلو به شأناً وشرفاً فلا فضل ولا علو لشخص على آخر طالما كان منهاج علمهما واحداً. إنّما الإختيار في التوجه العلمي القانوني هو المختلف بين من أراد أن يحمل هموم الناس في حقيبته، ومن أراد أن يوازن الحق بين الخصوم ليحمّل ضميره أخذ القرار بحكم يرجح كفة أحد المتخاصمين ليجعل من دارسي القانون على نفس المسافة العلمية .
لذلك فليكن الإختيار هو الحد الفاصل بينهما منذ المرحلة الدراسية في توجه طالبي العلم في الكلية القانونية إلى دراسة ما يجيدونه داخلهم من توجه قانوني .
ونقترح في سبيل تحديد هذا التوجه لدى تلميذ الحقوق أو(القانون) هي ميوله التي يظهرها إمتحان كلية الحقوق في سنته الأولى أو الثانية للسنتين التحضيريتين كما أحببت أن أسميها وفيها يظهر ما يبرع به من توجه قانوني ليتوجه إلى إحدى التخصصات المتعددة فيدخل دراسة القانون المدني من برع فيه، ومن برع بالقانون الجزائي يتجه إلى التخصص فيه ليمتهن بعدها المحاماة، ومن شعر أن لديه المقدرة على إصدار الأحكام من خلال موازنته بين طرفي نزاع وعلم كيفية أن يعطي لكل ذي حق حقه وعلم طريقة إصدار الأحكام ليكون حكماً أو قاضياً في القضايا المدنية أو الجزائية، ومن برع في علم المرافعة أو من لديه مقدرة على التعامل مع الناس ضمن وظيفة، أو ان يبرع في كتابة العدل أو في الدبلوماسية وسواها.
لذلك، يجب تعديل أو إقرار قانون حديث يلحظ التخصص في كلية الحقوق(القانون) وينتهج نهج بقية الكليات المذكورة أعلاه وهو ما يجب إتباعه مع طلاب كلية الحقوق نظراً لتشعبها في موادها المتعددة وتخصصاتها الكثيرة التي لن يستطيع الإلمام بها جميعها. فيترك للمتخرج أن يخصص نفسه بإحداها لأنّه بخلاف ذلك دراسته غير وافية فيضيع في بحر القانون الواسع ولا يتخذ لنفسه تخصّصاً في موضوع معيّن، فلا يلم بأي موضوع بشكل معمق للإسف .
وهذا ما يجب معالجته منذ المرحلة الثانوية وتوجهه لدخول كلية القانون مع التخصص الحقوقي القانوني ليتمكّن من دراسة ما يرغب من مختلف الميادين القانونية المدنية والجزائية والإقتصادية والقانونية المالية أو الدولية، والقضائية.
إذن ، فليختر كلّ من لديه الميول لتوجّه معيّن ويشعر في صميم ذاته بقدرته على التفوّق والنجاح ويكرّس نفسه للدخول إلى أيّ فرع من الفروع المذكورة آنفاً.
ولتطبيق عملي، أقترح أن تعتمد الدراسة الشكل الآتي:
1- أن يدرس كلّ طالب يدخل إلى كلّية الحقوق الأسس الجامعية للقانون العام التي تدرس لمدّة سنة أو سنتين على سبيل المثال، وعلى ضوئها يتبيّن مدى نجاح شخص في مادة ما وميوله القانونية في أيّ اتجاه حقوقي مالي أم مدني أم جزائي، أو قدرته على أخذ القرار والإستنباط ليدخل معترك الاختصاص المناسب وفقاً لمنهجية جديدة يجب اعتمادها في التعليم الجامعي.
2- تعديل دراسة الحقوق وأُسسها وموادها بحيث يحضّر الطالب ليدخل إلى معترك تخصّصي متفرع عن الاختصاص العام الذي اجتازه فيختار المناسب وفقاً لميوله الشخصية في التوجّه إلى فرع معيّن من فروع القانون، وبهذا النهج الجديد والمستحدث يتمّ إعداد جيل جديد من القانونيين المتخصّصين في مجالهم لجعل الأداء أكثر تميّزاً وإنتاجاً. فالتخصّص في موضوع قانوني ما يخلق فرصاً جديدة للعمل المتقن ولنواة جديدة من القانونيين المتخصصيين في مجالهم والبراعة فيه، مع إتاحة الفرص أمام الخرّيجين لكي يلعبوا دوراً كبيراً في المجتمع وأن يكونوا في تنافس عام في مختلف المجالات التي تخصّصوا بها.
كما أنّ التخصّص بالعلوم القانونية ومتفرّعاتها القانونية يخفّف عن الطالب المتخرّج وفقاً للنظام القديم إن جاز التعبير، من أن يكون مشتّتاً في ما لو كان لديه علم القانون بكافة تفرّعاته ويعمل عليها دون تخصّص، وبمعنى آخر تأتي الأعمال القانونية غير مستوفاة لحقّها في البحث لعدم التخصّص المهني في قانون محدّد ما في مجال معيّن.
فالعديد من الدول تعتمد نظام المحامي المتخصص، كما في الدول المتقدمة ومنها كندا التي لديها محامي الحوادث (حوادث السيارات وهو محامي متخصص في هذا الميدان وغيره من المحامين يهتمون في مواكبة هذا النوع من الملفات).
وهناك المحامي المتخصص في المجال العقاري، والمحامي االجزائي المتخصّص بالقضايا الجرمية، ومحامو شركات..
ومن خلال هذا التخصص، الإفساح في المجال أمام كلّ الخريجين لدخول معترك الحياة بكلّ ثقة فيصبح الخريج قاضياً وفقاً لتخرجه من كلية الحقوق فرع القضاء وتفرّعاتها، وأن يكون محامياً وفقاً لتخرّجه من كلّية المحاماة وتفرّعاتها.
وبالتالي، إتاحة الفرص أمام الخريجين ليعملوا بشكل متوازن ودون حصر الأعمال القانونية في أيّ مكتب، بل مع كلّ المكاتب وكل واحد في إطار تخصّصه.
3- خلق فرص عمل متعددة وعلى كافة الصعد بدايةً منذ التدريس الجامعي إلى مسألة الخريجين المتخصصيين وضمن عدالة إجتماعية والتي إنْ أقمناها صلح المجتمع.
فلماذا لا يعتمد منذ البدء هذا النظام التوجيهي وأن يفسح في المجال لكلّ خرّيج أن يتخرج وفقاً لخياره وميوله في ما يحبه ويشعر بالإنتماء إليه فيستطيع خلال السنوات التحضيرية (سنتين مثلاً) أن يلمّ بعلم القانون عموماً وأن يتجه بتخصّصه إلى مادة نجح فيها من القانون أو وجد نفسه ملماً أكثر من غيره بما تحتويه؟ ولمنع المفاضلة بين خريج وآخر، ويكون جميع الخريجين من فروع القانون على قدم المساواة من التميّز والجدارة ولا يعلو أي خريج على غيره نسبة إلى أنّه خريج كلية القانون واختصاصاتها.
إنّ المساواة والإختيار الذي حدده الخريج هو ما يمثّل مقدرته في نجاحه أم عدم نجاحه في الاختصاص المختار منه شخصياً.
وفي الختام، نرجو أن يصار إلى تعديل أو تحديث القانون الذي ينظم الدراسة في كلية القانون، واعتماد النظام التوجيهي لكلية الحقوق وتغيير اسمها بحيث تصبح كلية الحقوق وتخصصاتها وتفرعاتها القانونية، إضافة إلى وضع المنهجية التي تنظم التخصصات والمواد التي تدرس فيها وما يستتبعها من أمور متعلّقة بها.
أرجو أن ينال هذا المقترح الموافقة المطلوبة من قبل اللجان القانونية المختصة في مجلس النواب ودراسته ووضعه موضع التنفيذ في كيفية صياغته على شكل مواد لتعديل المراسيم والقانون القديم ولصياغته بالمنهجية الجديدة لوضع المواد الملائمة المتوافقة مع الإقتراح المقدم بكافة تطلعاته وخصوصياته ليكون قانون تقدمي يوائم المتغيرات التي تطرأ على المجتمع.
“محكمة” – الاثنين في 2025/11/3



