مقالات

لوقف رحلة إذلال المحامين إلى سجن رومية وإعادة المحاكمات إلى عدلية بعبدا/خالد مكّة

المحامي خالد محمّد مكة:
إنّ المحاماة هي مهنة الحرّية، والكرامة، والكفاح في مختلف نواحي وأوجه الحياة، وفي كل زمان ومكان، وهي تشكل الدعامة الأساسيّة لتحقيق العدل ورفع المظلومية عن الغير.
فالمحامي يعيش ويمارس مهنته حراً، دون أن يكون عبداً وذليلاً لأحد.
وقد قال ملك فرنسا لويس الرابع عشر “بالمحاماة ” قوله الشهير:
“لو لم أكن ملكاً لفرنسا لوددت أن أكون محامياً”.
إنّ رسالة المحامي تكمن في ممارسة حقّ الدفاع والمحافظة على حقوق الغير والتي تتطلّب أن يمارس المحامي رسالته محترماً وحرّاً.
إلّا أنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من الذي يدافع عن المحامي ويرفع المظلومية عنه ويجنّبه الاهانة والعذاب بكلّ ما للكلمة من معنى والتي تلحق به؟
نعم رحلة العذاب والإذلال التي يتعرّض لها المحامي في سجن رومية؛ والتي تبدأ من موقف السيّارات المحاذي لسجن رومية مرورًا بكافة العوائق ونقاط التفتيش من مدخل سجن رومية الخارجي لحين الوصول إلى قاعة المحكمة، وكأنّه يسير في درب الآلام أو درب الجلجلة.
أيها السادة نقيباً وأعضاء مجلس نقابة المحامين في بيروت، لعلّه في ما لو قصد أحدكم سجن رومية لحضور جلسة محاكمة جنائية أو حتى لاستكشاف ما يعانيه المحامون لحضور هذه الجلسات، لكنتُ بكلّ تأكيد لست بحاجة لكتابة هذه الأسطر لشرح معاناتنا؛ لكون الواقعة والمعاينة الحسية كافية بحد ذاتها لبيان الواقع المرير؛ لدرجة أنّ الكلام يقف عاجزاً عن إيجاد التعابير اللغوية الصائبة لوصف هذا الواقع المرير، لكن بشرط أن تتم هذه الزيارة الى سجن رومية للوصول الى قاعة المحاكمات دون التعريف عن الصفة والدخول كمحامين عاديين بصدد حضور جلسة وستعاينون وتشاهدون ما يدهشكم!
وإنّ كل محامي يمتهن الإدعاء أو الدفاع في القضايا الجنائيّة يعرف ما أعنيه بهذا الكتاب؛
• ما هي معاناة المحامي في محاكمات رومية الجنائية؟
بداية لا بدّ من الاشارة الى أن المحاكمات الجنائية تتم في محكمة سجن رومية فقط لجلسات المحاكمة لجنايات جبل لبنان دون سواها من محاكم الجنايات في كافة المحافظات في لبنان من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب.
وهذا أمر بحد ذاته كاف للتذرّع بأيّ ذريعة واهية للقول إنّ متطلّبات المحاكمات الجنائية تتطلّب إجراء المحاكمات في سجن رومية.
مع الاخذ بعين الاعتبار، بأنه لا يمكن التذرّع أيضًا بواقعة سوق الموقوفين من السجون وأماكن التوقيف المنتشرة في كافة أقباع الأراضي اللبنانية الى سجن رومية لتأمين محاكمات سجن رومية.
أضف الى ذلك، فإنّ سوق السجناء لكافة محاكم الجنايات في كافة المحافظات على الاراضي اللبنانية تتمّ بشكل طبيعي دون أي عقبات وتجري المحاكمات وفق الأحوال القانونية.
• درب الآلام والعذاب للوصول الى قاعة المحاكمات في سجن رومية:
يتوجّه المحامي الى سجن رومية. يركن سيارته في أحد المواقف المحاذية للسجن الذي يبعد حوالي الخمسماية متر عن مدخل الحاجز الأول لسجن رومية الاساسي؛ ومن بعده يتطلب المرور بأكثر من نقطة تفتيش للوصول سيراً على الأقدام لقاعة محكمة الجنايات.
من يقصد سجن رومية في فصل الصيف يحترق من حرارة الشمس؛ ويتصبّب عرقاً.
ومن يقصد سجن رومية في فصل الشتاء يتبلّل بالمياه بسبب المطر.
كيف تصل إلى قاعة المحاكمة؟
يدخل المحامي الى سجن رومية وكأنّه يدخل في زواريب وبين قواطع حديديّة مع كافة الوافدين الى سجن رومية سيرًا على الاقدام بعد انتظار يتخطّى أول محطة لتسجيل الاسماء والمعلومات (وهنا حسب حظّ المحامي إذا كان يوجد ازدحام أم لا)، من بعدها يصل الى المحطة الثانية وهي التفتيش الحسي والدقيق.
نعم تفتيش المحامي تفتيشاً حسيًّا دقيقًا؛ ومن بعدها تبدأ لائحة الممنوعات:
1- ممنوع أن يكون مع المحامي هاتف خليوي؛ فبمجرد دخوله الى سجن رومية ينقطع عن العالم وعن مكتبه وعائلته.
2- ممنوع أن يكون مع المحامي مفتاح الكتروني للسيارة ؛ أو حتى أي مفاتيح خاصة به بمكتبه أو منزله.
3- ممنوع أن يكون بحوزة المحامي ساعة يد، مع الإشارة إلى أنّه لا يوجد ساعة في قاعة المحكمة، يعني يتوقف الوقت والزمن عند المحامي بمجرّد دخوله الى محكمة سجن رومية.
4- ممنوع أن يكون مع المحامي أكثر من بطاقة، وهي بطاقة المحاماة فقط دون بطاقة الهوية، أو حتى اي بطاقة اخرى صحية، أو بطاقة ائتمان بحيث يقول له العنصر القائم بالتفتيش إنّ الاوامر فقط بطاقة واحدة وهي بطاقة المحاماة.
5- ممنوع أن يكون مع المحامي أي دواء، فيما لو كان يتطلّب وضعه الصحي أن يتناول دواء في وقت معين، سيما وأن المحاكمات في رومية تستغرق ساعات.
6- ممنوع أن يكون مع المحامية أي حلى والقطع الذهبية.
7- ممنوع ان يكون مع المحامي طوابع أميرية.
باختصار يدخل المحامي فقط مع بطاقة نقابة المحامين وملف مرتديًا ملابسه دون أي من اللواحق والإكسسوارات. بحوزته روب المحاماة وملف القضيّة وقلم فقط لا غير.
بعد التفتيش الدقيق والحسي الملموس للمحامي والمحامية بشكل غير مقبول، تبدأ متطلبات العنصر القائم بالتفتيش عما إذا وجد اي شيء مما تقدم مع المحامي ليعيده الى السيارة لوضعه فيها ثم العودة مجدداً؛ غير آبه بما إذا كان الطقس حاراً أو ممطرًا؛ سيما وأنّ التنقلات تتمّ سيراً على الأقدام.
بعد الانتهاء من التفتيش الحسي، يبدأ سؤال العنصر عن الاوراق التي بحوزة المحامي ويفتح الملف ويفتش بالاوراق، قائلًا: ممنوع يكون معك أي أوراق لا علاقة لها بالملف، ممنوع يكون معك أي صور ولو خاصة بالقضيّة، حتى ولو كانت لأطراف الدعوى، ولو كانت من ضمن الدعوى”.
بعد أن تنتهي هذه المعاناة وهذه المذّلة يسمح للمحامي بإكمال مشوار العذاب؛ يخرج من مكان التفتيش ليصل الى أول الممشى في سجن رومية ويبدأ المشي سيراً على الأقدام مع أغراضه سواء كان الطقس ماطرًا عاصفًا رياح قوية أو حتّى كان الطقس حارًا يمضي سيرًا على الأقدام لأكثر من الكيلومتر الواحد ليصل الى قاعة المحكمة؛ وقد يصل متبلّلًا من المطر، وأوراقه متبعثرة من الهواء العاصف، أو يصل متبلّلًا من التعرّق بسبب شدّة الحرّ والشمس الساطعة.
ويصل المحامي الى مدخل قاعة المحكمة بنقطة تفتيش ثانية، تفتيش مجدّدًا حسّي ودقيق مع التثبّت من الهوية وتسجيل الأسماء مجدّداً.
ومن بعدها يسمح للمحامي بالدخول الى قاعة المحكمة. وهنا الأمر يختلف بين محام وآخر؛ فالحظ يلعب دوره في ما خصّ المدة التي يستغرقها بالانتظار بالداخل إلى أن يأتي دور جلسته، أو حتى الانتظار لتأمين سوق الموقوفين من السجون الاخرى وأماكن التوقيف، الى سجن رومية.
يدخل المحامي قاعة المحكمة- لا ساعة معه لمعرفة الوقت ؛ ولا هاتف لإمكانيّة التواصل مع مكتبه وحتى عائلته؛ ينقطع عن العالم الخارجي- على غرار القول السائد:”الدخول الى محكمة سجن رومية مفقود والخارج منه مولود”.
أيّها السادة،
إنّ معاناة المحامي لا تحتمل ولا تطاق ولا يتقبلها أي منطق سليم وتتعارض مع رسالة المحاماة.
صحيح أنّ القاضي يعاني أيضًا من انتقاله الى سجن رومية، وحتى رجل الأمن المكلف بحمايته، وكذلك الموظفين في قلم المحكمة إلّا أنّ معاناتهم تكمن في الإنتقال الى قاعة المحكمة بالسجن مع الملفات، إلّا أنهم لا يعانون ما يعانيه المحامي من إهانة وتفتيش ومذلّة للوصول الى قاعة المحكمة.
السؤال الذي يطرح نفسه،
لماذا المحاكمات الجنائية في سجن رومية لمحاكم جنايات جبل لبنان فقط دون سواها من المحاكم الجنائيّة بكافة المحافظات في لبنان من أقسى الشمال إلى أقسى الجنوب؟
ما الغاية؟، ما السبب؟ وما الدافع؟ وما هي الفائدة؟
إنّ التذرع بعدم إمكانيّة تأمين سوق الموقوفين من سجن رومية الى محكمة جبل لبنان في بعبدا؛ فهذا السبب واه؛ لأنه يصار الى سوق الموقوفين من سجن رومية الى سائر محاكم الجنايات في كافة المحافظات اللبنانيّة!
إنّ القول بأنّ المحاكمات في سجن رومية تسهّل إجراءات المحاكمة كون الموقوفين موضوع المحاكمات موجودين في سجن رومية؛ فهذا القول غير سليم أيضًا لأنّ العدد الكبير من الموقوفين موضوع المحاكمات هم نزلاء السجون الأخرى الموجودة على الأراضي اللبنانية وأماكن التوقيف المتعدّدة ؛ والذي يتم سوقهم منها الى محكمة سجن رومية! وبالتالي من يؤمن سوقه من سجن الى سجن يمكنه أن يؤمن سوقه من السجن الى قاعة المحكمة!
أما القول بأن متطلبات جائحة كورونا تستدعي نقل المحاكمات من محاكم جنايات جبل لبنان الى محكمة سجن رومية المركزي فهذا عذر أقبح من ذنب!
أنا المحامي هنا أقولها بالفم الملآن إن القاضي أيضًا وموظف المحكمة وكاتب الضبط يعانون أيضًا من انتقال المحاكمات الى سجن رومية؛ ويتمنون أن تعود الأمور الى طبيعتها؛ وعودة المحاكمات في محاكم قصر عدل بعبدا.
إننا بموجب هذا الكتاب نطلق صرخة وهي وقف رحلة العذاب والإذلال والإهانة التي يتعرض لها المحامي.
نعم لوقف المحاكمات الجنائية في سجن رومية المركزي.
نعم لأن يطلق مجلس نقابة المحامين في بيروت صرخة ويقف بجانب المحامي حماية له ولكرامته؛ وبالتالي إصدار القرار بالامتناع عن حضور جلسات المحاكمة في رومية المركزي، على أن تعاود الجلسات على أقواس محكمة جنايات جبل لبنان.
لذلك؛
حضرة النقيب وأعضاء مجلس النقابة المحترمين، أتقدم بهذا الكتاب لجانبكم باسمي وبكل تأكيد بإسم جميع المحامين، طالبًا وضعه قيد المناقشة، آملًا منكم إتخاذ القرار بوقف رحلة العذاب والإذلال والإهانة التي يتعرض لها المحامي بالامتناع عن حضور جلسات المحاكمة في رومية المركزي، على أن تعاود الجلسات على أقواس محكمة جنايات جبل لبنان.
آملًا منكم حسن التعاون والتجاوب.
“محكمة” – الإثنين في 2021/12/27

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!