الإرهاب والقانون الدّولي وازدواجية المعايير Deux poids deux mesures / سلام عبد الصمد
المحامي الدكتور سلام عبد الصمد:
یُعتبر الإرهاب الیوم الشّغل الشّاغل للعالم والمنظمّات الدّولية والإنسانية، لما له من تأثيرٍ وتوجيهٍ على الأحداث الاجتماعية والسیاسیة والإعلامیة. فقد ارتبط الإرهاب بشكلٍ عام بالتهدید باستعمال العنف المنظّم، والتخویف به لغرض الإكراه والسيطرة. كما ارتبط (الإرهاب) بالتخریب والتدمیر. ليُصبح الإرهاب لاحقاً عاملاً خطيراً من عوامل تهدید سلامة وأمن المجتمع، إذ یُشیعُ معه التوتّر والقلق.
ومع اتّساع نطاق الإرهاب، اختلفت اتجاهاته وأهدافه، وتنوّعت كذلك أشكاله وأسالیبه ووسائله، وتبعاً لذلك، ازدادتْ وتعقّدتْ مشاكله لدرجةٍ أصبح الإرهاب من الصّعب جدّاً السیطرة علیه أو التحكُّم به.
ولعلّ دور الإعلام السلبي في بعض الأحيان، دفع ومع الأسف بعض المحلّلين والباحثين إلى توصيف الحق في مواجهة الاحتلال ومقاومته بالعمل الإرهابي. في وقتٍ يعلمُ القاصي والدّاني، أنَّ تحريرَ الأرض وردَّ أيّ اعتداءٍ عليها وعلى أهلها، هو حقٌّ مشروعٌ وأمرٌ مبرّرٌ، لكونه یتعلّقُ بالدّفاع عن النفس وبالحفاظ على سیادة الدولة. لذلك، كان لا بُدَّ من التمییز بین حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها وبين حالة الإرهاب، في ظل السّعي الحثيث لدى بعض مراكز القرار الدّولي للخلط بين المفهوميْن، و”تحريم مقاومة الاحتلال بحجة الإرهاب”، خصوصاً لناحية ما يجري في فلسطین المحتلّة منذ عشرات السنين، متبنين نظرية غوبلز الشهيرة “اكذب اكذب وسيُصدّقك الناس”(1).
وبمقاربةٍ موضوعية، يُمكن الجزمُ بأنّه لا مجالَ لأية مقارنةٍ بين الإرهاب المرفوض قانوناً وإنسانياً، بل والمجرّم محلّياً ودولياً، وبين حق الشّعوب في تقرير مصيرها والذّودِ عن الأرض والعرض؛ والذي يُعتبرُ من دون أدنى شك حقّاً مبرّراً وعملاً مشروعاً. فحقُّ الشّعوب بالنضال في مقاومة الإعتداءات والتّجاوزات، وطبعاً الاحتلال؛ لطالما حظيَ بالمشروعیّة الدّولية legitimité من منظار القانون الدّولي الإنساني، وميثاق الأمم المتّحدة؛ وحازَ على اعتراف أُممي reconnaissance لا غبار عليه بموجب دساتير الدّول، وقرارات واجتهادات المحاكم والمحافل الدولية، ليس من اليوم فحسب، بل منذ زمن. فمثلاً وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي 1776/7/4، والإعلان الفرنسي لحقوق الانسان والمواطن 1789/8/26، مروراً بإعلان حقوق وواجبات الانسان الاجتماعي 1793/6/9، وصولاً للإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948/12/10، والعهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966/12/16، تُؤكّد جميعاً على حق الشّعوب بالنضال من أجل مقاومة الاحتلال، بما لا يقبلُ أيّ شكٍ أو نقاش.
ولكن يبقى السّؤال الجوهري عن سبب عدم وجود تعريفٍ موحّدٍ للإرهاب، ونصٍّ قانونيٍّ صريحٍ يُحدّدُ شروطه definition juridique، وكأنّ الأمر متروكٌ قصداً لاستنسابية الدّول، وتحديداً تلك المؤثّرة على الساحة الدّولية.
ولأنّ هناك حاجة ماسّة لتحديد مفهوم الإرهاب وتجريمه، كان لا بُدَّ من وضع جملة معايير تؤول الى إيجاد إطارٍ قانونيٍّ واضحٍ لتصنيف الأعمال المسمّاة إرهابية، كي لا نُصنّف خطأً وافتراءً الحق بالمقاومة بالعمل الإرهابي.
فالإرهاب هو الاستخدام غیر المشروع للعنف، يهدف إلى بث الرّعب بین الناس، ویُعرّضُ حیاة الأبریاء للخطر، سواء قامت به دولة أم مجموعة أم فرد، وذلك لتحقیق مصالح غیر مشروعة. وبالتالي، فهو يختلف أخلاقياً وعضوياً عن الحق في المقاومة، المتمثّل بالدّفاع عن مصالح الشعوب المقهورة وحقّها في مواجهة الاحتلال والعدوان مهما كان نوعه أو مصدره. وعليه، فإنَّ كلّ ما يخرج عن هذا الإطار، ويستهدف قمع الشّعوب وحرمانها من الحیاة اللائقة والكريمة، هو الإرهاب بعينه.
وبالعودة إلى الصّراع العربي الإسرائيلي، وما يجري تحديداً في فلسطين المحتلّة؛ وبالرّغم من أنّ الأمم المتحدة وجمعيتها العامة، دول عدم الانحياز، جامعة الدول العربية، منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الإفريقي) والمؤتمر الإسلامي، وغيرها من الجهات الدولية والإقليمية النافذة، أكّدَتْ مراراً وتكراراً عدالة وأحقّية القضية الفلسطينية، وحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره؛ لا تزال المحكمة الجنائية الدولية la Cour Pénale Internationale ترفض تعريف الإرهاب – المنصوص عنه صراحةً في المادة 8 – على اعتباره واحداً من الجرائم الكبرى التي نصّ عليها ميثاق روما للعام 1998، بل وترفضُ ملاحقة الكيان الإسرائيلي على الجرائم التي يرتكبها بحقِّ شعبٍ أعزل. علماً أنّه لو قرأنا ديباجة هذه المحكمة، سوف نجد أنّ علّة وجودها يكمن في وضع حدٍّ فوريٍّ للفظائع التي اقترفت خلال القرن الحالي بحقّ ملايين الأطفال والنساء والرجال والتي هزّت ضمير الإنسانية بقوة، ومقاضاة مرتكبي هذه الفظائع، والتي تُشكّلُ جرائم خطيرة تُهدد السلم والأمن والرفاه في العالم، وتُثير قلق المجتمع الدولي بأسره. بل وأكثر من ذلك، نجدُ إصراراً من واضعي المحكمة الجنائية الدولية بعدم ترك هذه الجرائم من دون ملاحقة وعقاب.
إنّما يبدو وكأنّ النظرية شيء والواقع شيء آخر!
كيف لا، والقضاء الجنائي الدّولي يتحرّكُ بمعايـيـر مزدوجة – Double measures Double standards –، ويُعاقِبُ على طريقة لافونتين La Fontaine، حيث الغلبة للأقوى – La raison du plus fort est toujours la meilleure
1- كلما كبرت الكذبة سهل تصديقها.
“محكمة” – الاربعاء في 2024/1/3