التطاول على القضاة ليس نزهة والقاضي مراد ينتصر لسمعته وهيبة القضاء/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
لم يعد مقبولًا على الإطلاق، التجمّع أمام العدليات وإطلاق أقذع الكلام بحقّ القضاة الشرفاء، في حال لم تعجب قراراتُهم في مطلق ملفّ جزائي أو مدني، وتحديدًا الجزائي بما يحمله بعضه من إفراط في الحساسية والهواجس، المعنيين بها من طرفي المدعين والمدعى عليهم وجمهورهم العائلي والشوراعي، فإبقاء صوت القانون حَكَمًا فاعلًا، هو السبيل الوحيد والأوّل والأخير إلى نيل الحقوق، وما عدا ذلك لا يعتدّ به ولا يمكن الإحتكام إليه.
وما دامت هنالك طرق للمراجعة والطعن والإستئناف والنقض والتمييز، ومراجع قضائية أعلى باعتبار أنّ التقاضي على درجتين، فلا بأس من الإبحار في عوالمها وبصبر وأناة ونَفَس طويل حتّى ولو كانت تستغرق في بعض المرّات أمدًا طويلًا وأكثر من المتوقّع بسبب القانون نفسه أحيانًا، لأنّ نتيجتها المستخرجة من صميم القانون منفردًا، وليس أيّ شيء آخر، تطمئن الجميع، وتريح الجميع، بينما موشّحات الغضب وسيمفونيات الإعتداء اللفظي، وتراتيل التهويل المعنوي، لا تؤدّي إلّا إلى إضافة جرم جديد لا شكّ أنّ الإنسان العاقل لا يريده، لا لنفسه ولا لسواه.
لذلك، ليس مجديًا إتهام مطلق قاض وطبعًا المقصود القاضي النزيه والكاد على ملفّاته بضمير حيّ ووجدان رسالي، بقبض مبلغ مالي، والسعي إلى تشويه سمعته والإساءة إلى كرامته ومكانته، لأنّ هذا التصرّف الشاذ ليس تجارة رابحة، إذ بمقدور المتضرّر قلب النتيجة رأسًا على عقب بمجرّد تبيان حقيقة الأمور أمام القضاء.
والقاضي فؤاد مراد من القضاة العاكفين على إحقاق الحقّ، والمؤمنين بتأمين الحقوق لأصحابها ومن دون أدنى تردّد، والرافضين لأيّة وساطة من أيّة جهة أتت، ولأيّ تدخّل من أيّ شخص أتاه، ومن الخطأ الشنيع ملاقاة موقفه في أيّ ملفّ معروض عليه بالتهجّم عليه أو التطاول على كرامته، فليس بهذه الطريقة تؤخذ الحقوق.
والقاضي فؤاد مراد ليس فاسدًا ولا مرتشيًا، ولا يمكن اتهامه بتلقّي منفعة شخصية أو استغلال مركزه في القضاء العدلي لتحقيق مكاسب مالية، بل هو وبإجماع عارفيه من قضاة ومحامين وإعلاميين وأنا واحد منهم، من المقاتلين على جبهة إرساء العدالة الحقّة التي هي منى كلّ إنسان شريف يريد وطنًا عامرًا بالمحبّة والإزدهار والإستقرار.
وفي تفاصيل ما حصل أمام قصر عدل بيروت من إفراغ كلام غير مسؤول تجاه القاضي مراد بحكم وظيفته القضائية المنتدب إليها من قاضي تحقيق في بيروت، وهي رئاسة محكمة الجنايات في بيروت، أنّ ملفّا يتعلّق بجريمة قتل وقعت في محلّة الطريق الجديدة في بيروت نتيجة إشكال تطوّر إلى اشتباك مسلّح وانتهى بمقتل طه خضر كرنبه برصاصة واحدة وأوقف على أثرها سبعة أشخاص سبق أن أخلي سبيل أحدهم، ثمّ قام المراد مع المستشارتين ميراي ملاك وفاطمة ماجد، بالموافقة على إخلاء سبيل أربعة موقوفين، وهذا ما أثار حفيظة عائلة القتيل فحضرت بكامل عدّتها من الاتهامات إلى الشارع أمام العدلية وأطلقتها جزافًا.
ومع أنّ خضر كرنبه هو والد الضحية ويفترض به أن يواظب على حضور جلسات المحاكمة أمام محكمة الجنايات إلّا أنّه دأب على التملّص من دون سبب مقنع، تارة بتقديم معذرة، وطورًا برفض التبلّغ حتّى وصل الأمر به مع مجموعة أشخاص إلى طرد المباشر القائم بالتبليغ، وهذا ما ورد على إشعار تبليغ موعد جلسة 23 تشرين الثاني 2021، علمًا أنّ الدعوى أرجئت في السابق مرارًا، وأنّ كرنبه كان عارفًا بمواعيد الجلسات السابقة كما أنّ وكيله القانوني لم يحضر بداعي معاناته من عوارض فيروس “كورونا”.
فهل هدف هذه المماطلة منع المحكمة من إجراء الإستجواب وإطالة أمد التوقيف الإحتياطي والتحكّم بمصير المحاكمة ومسارها، خصوصًا وأنّ الفيديو الموجود في ملفّ القضيّة لم يوضح من هو مطلق النار؟!
وانهال كرنبه بعبارات القدح والذم والتحقير بحقّ القاضي فؤاد مراد أمام باب العدلية، وأخفى حقيقة تهرّبه من حضور جلسات المحاكمة مدعيًا أنّ المحكمة لم تقم بواجبها بتبليغه الموعد الرسمي. ولم يكتف بتغيير الحقائق، بل اتهم القاضي مراد بقبض مبلغ عشرة آلاف دولار أميركي مقابل إخلاء سبيل كلّ واحد من المتهمين الموقوفين الأربعة ليكون المجموع أربعين ألف دولار أميركي، أيّ ما يوازي مليار ليرة لبنانية(على أساس صرف سعر الدولار 25 ألف ليرة في السوق السوداء).
وإزاء هذه الاتهامات الباطلة، لم يكن أمام القاضي مراد سوى اللجوء إلى القضاء، فقدّم شكوى جزائية أمام النيابة العامة الاستئنافية في بيروت أحالها المحامي العام القاضي زاهر حمادة إلى فصيلة طريق الشام للتحقيق فيها، كما أنّ حمادة فتح محضرًا رسميًا بما جرى لعدم جواز حصوله أوّلًا، ولعدم تكراره من أيّ شخص آخر وتجاه أيّ قاض ومهما كان نوع الملفّ والقضيّة ثانيًا.
وعرض القاضي مراد كرئيس منتدب لمحكمة الجنايات، تنحّيه عن متابعة ملفّ جريمة مقتل كرنبه.
وفيما أصدر نادي قضاة لبنان بيانًا تضامنيًا مع القاضي مراد إستنكر فيه التعرّض لشخص القاضي وسمعته، لوحظ أنّ مجلس القضاء الأعلى وهو المسؤول الأوّل والأخير عن حماية القضاة معنويًا، غاب عن المشهد ولم يصدر بيانًا مماثلًا على أمل أن يعوّض ولو متأخّرًا، فليس من العدل أن يُقذف القضاة بسيل من الإتهامات الباطلة ومفردات الهجاء، ومجلس القضاء لا يحرّك ساكنًا!
“محكمة” – السبت في 2021/11/27