الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية إنتصار للقضية الفلسطينية وللعدالة الدولية/سلام عبد الصمد
المحامي سلام عبد الصّمد*:
كما كان متوقّعاً، أصدرتْ محكمة العدل الدولية في لاهاي في 19 تموز/ يونيو 2024، وهي أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، رأيها الاستشاري بشأن عدم قانونية جدار الفصل العنصري، وتداعيات الاحتلال الإسرائيلي على المناطق الفلسطينية المحتلة، في ضوء ممارسات الضم الجارية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وسعي حكومة العدو لتغيير وضع القدس الشرقية، وذلك خلال الجلسة العامة التي انعقدتْ في مقرّ محكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي الهولندية.
وفي واقع الأمر، إنَّ الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تضم 193 عضواً، كان سبق لها أنْ اعتمدت في 30 كانون الأول/ديسمبر 2022، قراراً تطلبُ بموجبه من محكمة العدل الدولية إصدار رأيٍ استشاريٍّ في التبعات القانونية الناشئة عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ سنة 1967، سواء على منظومة الأمم المتحدة أو الدّول المنضمّة إليها؛ كما ومدى تأثير الممارسات الإسرائيلية في الوضع القانوني للاحتلال.
وبعد أنْ شاركتْ 49 دولة في جلسات الاستماع يومَيْ 19 و26 شباط/فبراير 2024، وأدلتْ بشهاداتها في إطار هذه القضية غير المسبوقة، وبحضور ممثّلين عن جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الأفريقي؛ قرّرت محكمة العدل الدّولية ضم آراء هذه الدول بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية إلى مجلس المحكمة.
ومن وجهة نظرِنا، فإنَّ الرأي القانوني الصادر عن محكمة العدل الدولية هو انتصار جديد للقضية الفلسطينية، كما وللعدالة الدّولية في آنٍ معاً. فضلاً عن أنّه هزيمة للكيان الإسرائيلي على صعيد السياسة الدولية.
وما يُعزّزُ من أهمية هذا الرّأي وشرعيته، هو استناد المحكمة على المادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
أما لجهة النتائج القانونية المستقاة من موقف محكمة العدل الدولية، فهو في اعتبار وجود الكيان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلّة غير مشروع، وبأنّ على هذه الأخيرة إنهاء احتلالها غير القانوني بأسرع وقت ممكن. بالإضافة إلى وجوب وقف جميع الأنشطة الاستيطانية فورا وإجلاء جميع المستوطنين. فضلا عن التزام إسرائيل بتعويض الأضرار الناجمة عن احتلالها للأراضي الفلسطينية، مع التزام جميع الدول بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناتج عن الاحتلال الإسرائيلي وعدم تقديم المساعدة في الحفاظ عليه.
ويبقى السؤال الأهم عن مدى فعالية efficacité رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري في سياق القانون الدولي، ومدى إلزاميته؟!
في الواقع، لا يُمكن لأحد تجاهل هذا الرّأي أو التقليل من أهميته، وإنْ كانت تعوزُه القوة التنفيذية force .obligatoire لما يُشكّل من ضغطٍ معنويٍّ وسياسيٍّ كبيرٍ على الكيان الإسرائيلي والدُّول الداعمة له، ويفتح الباب واسعاً أمام إجراءاتٍ قانونيةٍ وسياسيةٍ جديدة في المحافل الدولية.
À un niveau plus général, il est communément admis dans la pratique des États et la doctrine que les avis consultatifs de la CIJ, même s’ils ne sont pas formellement contraignants, ont une valeur juridique et peuvent, à bien des égards, être assimilés à des arrêts juridiquement contraignants.
ولعلَّ إحالة هذا الرأي الاستشاري إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بناءً لقرار الأمين العام للأمم المتحدّة هي أُولى ثمرات هذا الرّأي. ويبقى على الجمعية العامة إذنْ، أنْ تُقرّر كيفية المضي قُدماً في الأمر.
فرأي محكمة العدل الدولية تاريخ 19 تموز / يونيو 2024، يُؤكّدُ من دون أدنى شكّ، المبادئ الأساسية للقانون الدولي، خاصةً لناحية حقّ الشعوب في تقرير مصيرها قبل كلِّ شيء، كما وحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ويضع الاحتلال الإسرائيلي أمام مسؤولياته سواء في الأراضي المحتلة أو في المحافل الدولية.
خلاصة القول، إنَّ الرّأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وإنْ افتقر للإلزامية والقوة التنفيذية، إلا أنّه يُعدُّ خطوةً في مسارٍ طويلٍ نحو تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، وحافزاً للمجتمع الدولي كي يعمل بجدّيةٍ أكبر من أجل إنهاء الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقّه في تقرير المصير وإقامة دولته.
* دكتور في القانون الدّولي.
“محكمة” – الإثنين في 2024/7/22