الصحافة الورقية في لبنان عائلية وشراكة إسمية.. فهل أزمتها حقيقة أم افتعال؟/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
فجأة صحا الصحفيون العاملون في بعض كبريات الجرائد اللبنانية اليومية على تعاميم موجّهة من أرباب العمل تتحدّث عن نيّتهم في إغلاقها واتخاذهم قرارات بالتصفية بذريعة التقهقر الإقتصادي المتفشّي، واصفين الوضع بـ “القوّة القاهرة”، وذلك في سبيل التملّص قدر المستطاع، من عبء حقوق الموظّفين، والتخفيف منها، وتجنّب المواجهة معهم أمام القضاء، وهم يدركون عبر وكلائهم القانونيين أنّ القضاء هو الوحيد المخوّل بتحديد ماهية هذه القوّة القاهرة كما يستدلّ من الاجتهاد القضائي المعمول به في مجلس العمل التحكيمي.
إستجداء أصحاب النخوة!
وذهب بعض أرباب العمل إلى تسويق فكرتهم بتكثيف حضورهم التلفزيوني سواء عبر تقارير ضمن نشرات الأخبار، أو مباشرة في إطلالات خاصة تستجدي أصحاب النخوة للتبرّع وتقديم المساعدات، وذلك في خطوة اعتبرت “حفل شحاذة بامتياز”، لأنّ توصيف الواقع مغاير تماماً، ذلك أنّهم يملكون ثروات طائلة بعدما كانوا لا يملكون إلاّ بذلة رسمية واحدة يطلبون من العامل في المصبغة الإهتمام بها غسيلاً وكوياً بسبب ضرورات المهنة والمظاهر واحتفالية الصالونات المغلقة، ولكنّهم لا يريدون أن يسخوا بما يأتيهم من المال على العاملين لديهم، وإنّما الاحتفاظ بها لأنفسهم، مع أنّ الأموال تتدفّق عليهم أسبوعياً وشهرياً وفي وضح النهار وتحت جناح الظلام، ومن غير جهة ودولة ومملكة وإمارة وحزب وتنظيم ورئيس ومتموّلين.
ولا شكّ أنّ الصحافة تجارة غير مربحة على الإطلاق بحسب المفهوم الإقتصادي، لمن يعمل فيها مُحرّراً وإنْ أعطي منصباً في إدارة التحرير والأقسام، لكنّها من دون أدنى شكّ، تحقّق ثروات طائلة لأصحابها وناشريها، وخصوصاً أولئك المحنّكين منهم الذين يعرفون كيف تؤكل الكتف ولو على حساب الكرامة الشخصية والكرامة الوطنية، بفعل انفتاحهم وارتهانهم لدول أخرى كسْباً للمال، وطمعاً بحصد المزيد من الأرباح.
الصحافة الإلكترونية تتفوّق على الورقية
وتكلّف الصحافة الورقية الكثير من المال سواء من ناحية الطباعة ومستلزماتها والجهد البشري المبذول في سبيل ظهورها بصورة لائقة ومشرّفة، مقارنةً بالصحافة الإلكترونية التي نشطت بعد التطوّر الكبير في عالم الاتصالات والتكنولوجيا، وهذا ما دفع بالأولى إلى محاولة مجاراتها عبر افتتاح صفحات إلكترونية لنفسها تعرض فيها محتوياتها كاملة ومن دون أيّ بدل مالي أو رسم اشتراك، في وقت كانت تزدهر فيه مواقع إلكترونية بهوّيّات وشخصيات مختلفة لا تقلّ شأناً وأهمّية عن الورقية في تتبع الأخبار اليومية والآنية، لا باتت تسبقها في نشرها بسبب طابع العجلة فيها وقدرتها على الظهور الفوري و”بكبسة زرّ”، وعدم تحمّل بعض الأخبار الانتظار إلى اليوم الثاني، لتخسر الصحافة الورقية صفتها كمصدر أساسي منتظر للخبر إلاّ في حالات نادرة جدّاً يكون الخبر فيها “مُلْكية خاصة” وتحوّلها إلى التحليلات ومقالات الرأي غير الملزم، للتعويض، وهذا ما أدّى بشكل عام إلى تقلّص الإقبال على شراء الصحف الورقية، علماً أنّ كلفة الصحافة الإلكترونية تكون لمرّة واحدة عند إنشاء الموقع، وتضاف إليها مصاريف مقبولة لأمور أخرى من أجل إظهار نفسها في موقع صحافي متقدّم من دون أيّة حاجة إلى كمّ كبير من المراسلين والمندوبين والمحرّرين والكتّاب والموظّفين.
الإعلانات تفضّل المواقع الإلكترونية
وباتت الإعلانات تفتّش هي الأخرى عن واجهة إعلامية سريعة تحقّق من خلالها مراميها، وفي مقدّمتها القدرة على الوصول إلى أكبر شريحة من الناس لاستقطابهم وجذبهم نحو السلع المعروضة، فوقع الخيار على المواقع الإلكترونية كخيار بديل عن الصحافة الورقية، في ظلّ رخص الأسعار المعروضة للمساحة الإعلانية، وتقديمها بصورة ملوّنة وجذّابة ومتحرّكة تسحر الألباب والأنظار، مستفيدة من الخيارات المتاحة في عالم الانترنت، في رسم الإعلان وتمظهره بطريقة باهرة، من دون أن ننسى أنّ المواقع الإلكترونية أكثر انفتاحاً على العالم كلّه، فتزدهر سوقها في غير مكان على الكرة الأرضية، بعكس الصحافة الورقية التي مهما حاولت تصدير منتوجاتها إلى الخارج وتحديداً الدول المجاورة، فإنّها لن تقوى على شدّ المتلقّي حتّى ولو تطابقت سياستها مع رأيه في شتّى مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والإقتصادية.
إفلاس كلامي وافتعال أزمة ويعرف الصغير والكبير أنّ أيّة مؤسّسة صحفية لكي تنمو وتكبر، لا بدّ لها من تمويل مالي شهري، يدفعها أشواطاً إلى الأمام، لأنّه ركيزة أساسية في أيّ عمل يراد له أن يثمر وينتج، غير أنّ افتعال وجود أزمة مالية لدى كبريات الصحف الورقية اليومية اللبنانية في ظلّ شلاّلات المال التي تتدفّق عليها من كلّ حدب وصوب، ليس سوى مؤشّر على وجود نيّة بإعلان “الإفلاس الإحتيالي” واستثماره في استقدام الرساميل الكبيرة، أو تذكير الداعمين المعروفين و”المخفيين” والمواظبين، بضرورة تكبير الحقائب المالية ومضاعفة أحجامها لكي تؤتي أكلها كلّ حين، وهذا يعني أنّها أزمة غير حقيقية، بل خالية من الصراحة والصدق الظاهر في سطور المقالات دون التنفيذ الفعلي.
الصحف اللبنانية في ميزان السجّل التجاري
وفي نظرة على السجّل التجاري لكوكبة من الصحف والمجلاّت اللبنانية، نجد أنّ ملكية معظمها تعود إلى مجموعة أشخاص بعضهم دوّن اسمه الحقيقي، وبعضهم الآخر إختبأ خلف أسماء أشخاص يعملون معه ولديه، كما أنّ هذه الأسماء من الأثرياء بغضّ النظر عن كيفية تحصيلها لهذه الأموال، وهي تدرك مليّاً أنّ الاستثمار في عالم الإعلام الورقي تحديداً ليس مربحاً، لذلك لا تعوّل عليه لزيادة أرباحها، إنّما تكتفي بالمشاركة فيه من باب “الترفيه” و”الفخفخة”، ويدخل بعضهم مساهماً تحت اسم شركة يملكها من دون أن تكون معنية بالإعلام، بل في أحيان كثيرة تكون غايتها مغايرة للإعلام، أو استخدام هذا الإعلام بوقاً لتحقيق استثمارات جديدة في عالم المال والأعمال والإقتصاد.
وهناك صحف عائلية نتيجة ولادتها على يد مؤسّسها الأب الذي هو في الأساس صحفي، وانتقالها بالوراثة الرحمية إلى الأبناء، وليس بالضرورة بواسطة وراثة الموهبة ومَلَكَة الكتابة وحبّ مهنة الصحافة والانسجام فيها إلى حدّ التوحّد والإبداع.
شركة “السفير” والعائلة
فرأسمال شركة صحيفة “السفير” ش.م.ل. على سبيل المثال وبحسب ما هو مصرّح عنه في السجّل التجاري في بيروت، يبلغ (33183090000.0000 ليرة لبنانية)، ويتنوّع نشاطها بين “إصدار واستثمار المطبوعات الصحفية والطباعة الصحفية والتجارية والنشر وتوزيع المطبوعات والإعلانات التجارية”، بينما المساهمون هم: شركة “ليفانت ميديا” ش.م.ل.(هولدنغ)( 194998 سهماً)، هنادي طلال سلمان (50 سهماً)، أحمد طلال سلمان(50 سهماً)، علي طلال سلمان (50 سهماً)، ربيعه طلال سلمان(50 سهماً)، عفاف محمود الأسعد(50 سهماً) وزوجها طلال إبراهيم سلمان (837452 سهماً)، ياسر محمود نعمة(50 سهماً)، جوزف وديع الزغبي (10 أسهم)، أسعد بدوي جعيتاني (10 أسهم)، وسيم سالم أديب عبد الواحد ( 73333 سهماً).
وبتتبع شركة “ليفانت ميديا ش.م.ل.” يتبيّن أنّ المساهمين هم: “ليفانت –هولدنغ ش.م.ل.” (90 سهماً)، رئيس مجلس الإدارة وأحد المؤسّسين جوزيف وديع الزغبي(5 أسهم)، أسعد بدوي جعيتاني(3 أسهم)، أديب إيلي سالم (سهمان)، ويبلغ رأسمالها 20000.0000 ليرة، وينحصر موضوعها في “تملّك أسهم أو حصص في شركات مغفلة، أو محدودة المسؤولية، وإقراض الشركات التي تملك فيها حصص شراكةً أو مساهمةً، وكفالتها تجاه الغير، ولها أن تقترض من المصارف، وأن تصدر سندات دين، وتملّك براءات الاختراع والاكتشافات والامتيازات والماركات المسجّلة وسواها من الحقوق المحفوظة وتأجيرها”.
ويظهر من السجّل التجاري لشركة “ليفانت – هولدنغ ش.م.ل.” أنّ رأسمالها يبلغ 30000000.0000 ليرة، وأنّ المساهمين فيها هم: NJT HOLDING SAL( 955 سهماً)، تمامة جورج خاطر أبي حبيب( 15 سهماً)، تانيا سعيد خلف(15 سهماً)، وجوليانا سعيد خلف(15 سهماً).
تويني وحمادة وامتلاك “النهار”
أمّا شركة النهار للخدمات الصحفية ش.م.م.، فيبلغ رأسمالها 5000000.0000 ليرة، ويتمحور نشاطها حول “إصدار النشرات الصحفية والإعلامية”، وتوزّع المساهمون على الشكل التالي: النهار ش.م.ل. (550 سهماً)، غسّان جبران تويني(48 سهماً)، نايلة جبران تويني(42 سهماً)، سهام بيار عسيلي(72 سهماً)، ميشيل جبران تويني(42 سهماً)، غابريللا جبران تويني(42 سهماً)، ناديا جبران تويني(42 سهماً)، مروان حمادة (100 سهم)، سامي جبران تويني( 60 سهماً).
أمّا شركة النهار للمنشورات الدولية لبنان ش.م.ل.، فيبلغ رأسمالها 10000000.0000 ليرة، وهي “تتعاطى جميع أعمال النشر والصحافة المكتوبة منها والصوتية والمرئية وسائر ما يتصل بالصحافة والطباعة والنشر والإعلان”، والمساهمون هم: النهار ش.م.ل (2150 سهماً)، ورثة ناديا تويني(100 سهم)، جوزف الخوري(650 سهماً)، مروان محمّد علي حمادة(350 سهماً)، جبران غسّان تويني(350 سهماً).
“المستقبل” وإرث الحريري
وفي ما يتعلّق بالشركة العربية المتحدة للصحافة ش.م.ل. التي تصدر جريدة “المستقبل”، فإنّ رأسمالها يبلغ 7500000000.0000 ليرة، ويتوزّع نشاطها بين “تملّك وطبع وإصدار ونشر وتوزيع الصحف والمطبوعات السياسية وغير السياسية على أنواعها، وإنشاء وتجهيز واستثمار مطابع”.
وتتضمّن قائمة المساهمين: نازك أسعد عبد الرزاق عودة (9093 سهماً)، بهاء الدين رفيق الحريري (14896 سهماً) سعد الدين رفيق الحريري (14896 سهماً)، فهد رفيق الحريري (14896 سهماً)، أيمن رفيق الحريري (14896 سهماً)، هند رفيق الحريري (7073 سهماً)، هاني محمّد حمود( 500 سهم)، محمّد نمر السمّاك(250 سهماً)، محمود رفيق أحمد عيسى النقيب (500 سهم)، داود الصايغ (250 سهماً).
“اللواء” عائلية أيضاً
وبالنسبة إلى دار اللواء للصحافة والنشر ش.م.ل.، فيبلغ رأسمالها 30000000.0000 ليرة، وتقوم بـ “جميع الأعمال المتعلّقة بالمطبوعات وامتلاكها وتحريرها وإصدارها، والقيام بجميع أعمال النشر والمساهمة في المشاريع الصحفية والطباعية والدعائية وسائر المشاريع المتعلّقة بها”، ويساهم فيها كلّ من: عبد الغني محي الدين سلام(10 أسهم)، صلاح الدين يوسف سلام(10 أسهم)، نجوى محي الدين سلام(10 أسهم)، نادين صلاح الدين سلام(990 سهماً)، نسرين صلاح الدين سلام(990 سهماً)، سيرين صلاح الدين سلام(990 سهماً).
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 7- أيّار 2016)