“الكوتا” النسائية في مواجهة العنف السياسي والحلول القضائية والإجتماعية/ رالف طنوس
المحامي رالف حاتم طنوس*:
1- دستورية الاجراءات المؤقتة (كوتا):
إنّ أوّل ما يخطر في ذهننا عندما نسمع كلمة “الكوتا النسائية” هو أنّها تدبير مؤقّت لتخصيص نسبة تمثيل المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية وتبوئها المراكز الهامة والحساسة في المجتمع. وهو تدبير استثنائي يجب التخلي عنه في المستقبل عندما تصبح المرأة ممثلة بالطريقة التي تستحق في مراكز القرار. ولا يقصد بمركز القرار التمثيل في المجلس النيابي فقط انما تشمل ايضاً مؤسسات الدولة والادارات العامة.
للاسف لا تزال المجتمعات العربية تعاني من اشكالية استلام المرأة لمراكز حساسة فتسعى للمطالبة بما يسمى بالكوتا النسائية لضمان الحد الادنى من تمسيلها، الامر غير الموجود في المجتمعات الغربية لكون دور المرأة في الحياة السياسية امر اساسي بديهي غير قابل للنقاش، حتى انه موجود دون الحاجة الى اي مجهود او اجراء.
وفي اغلب الاحيان تحاول الجمعيات المدنية المطالبة باقرار قانون يضع الحد الادنى للكوتا على اساس 30 الى 33 بالمئة، لتشكل الثلث اي ما يعرف بالثلث المؤثر. مما يعطي لهذه الكتلة القدرة على اقتراح القوانين او تعطيلها.
وهذا ما يجب ان نطمح اليه في مجتمعنا، والذي، وان لم يضع قيود صريحة على مشاركة المرأة في الحياة السياسية الا انه لم تبادر في الوقت عينه اي جهة سياسية او حزبية الى تعزيز دور المرأة في المعترك السياسي. وذلك جلي في عدد المرشحات الاناث للانتخابات النيابية الحالية للعام 2022 بحيث ترشحت 155 مرشحة من اصل 1043 مرشحاً اي ما نسبته 15% فقط.
أليست نسبة مخزية؟ نعم وللاسف.
بالرغم من ان كل الدول العربية قد وقّعت على اتفاقية سيداو ووثيقة بيكين فلا يزال الحضور النسائي في البرلمانات العربية متدنية كل ذلك بسبب المماطلة بتطبيقهما والتحفظات والتراخي في تطبيق نظام الكوتا النسائية.
ومن المعلوم ان الدول العربية قد تأخرت كثيرا في تطبيق الكوتا النسائية وفي حال طبقنا وثيقة بيكين يفترض ان تكون نسبة المشاركة اكثر من 30% الامر الذي لم يحصل بعد.
*اما بالنسبة للنسب المئوية في بعض الدول العربية:
-19,9 % في السعودية
-20,5% في المغرب
-27,4% في مصر
– غير انه يلاحظ انه في الانتخابات العراقية الاخيرة فان فوز المرأة في الانتخابات تخطى نسبة المقاعد المحددة لهن في الكوتا والتي كانت 20% بحيث وصلت النسبة الى 26,4%.
-اما في الاردن فأصبح بالامكان الاستغناء عن الكوتا لان فوز النساء في بالانتخابات النيابية تجاوزت ايضاً نسبة الكوتا المحددة لهن.
-وفي البحرين استطاعت المرأة تبؤ منصب رئيسة مجلس النواب بعد ثلاث محاولات.
*اما بالنسبة الى لبنان، فانه يعتبر من الدول العربية المتأخرة جداً في تشريع قانون الكوتا النسائية. وقد خصصت الحكومة اللبنانية نسبة 20% للنساء في جميع المجالس المحلية في الانتخابات البلدية وذلك منذ العام 2010.
الا انه يلاحظ ان مشاركة النساء في البرلمان اللبناني لا تتعدى ال 5% ، ومنذ انتفاضت النساء في العام 1952 وحتى تاريخه لم تصل الى المجلس النيابي سوى 17 سيدة تقريباً. وهو رقم كارثي مقارنةً مع الدول العربية الاخرى، الامر الذي يدل على الاجحاف الكبير في حق المرأة اللبنانية بالرغم من ان الدراسات كافة اثبتت ان وجودها في عالم السياسة يقلل من العنف والحرب والعدوانية.
وكنا قد اشرنا الى عدد المرشحات الى الانتخابات النيابية الحالية، الا انه في الانتخابات النيابية للعام 2018 فقد ترشحت 111 امرأة واعتبر عندها اقبالاً نسائياً غير مسبوق على الحياة السياسية. الا انه في حينها لم تصل سوى 6 نساء الى البرلمان.
اما على الصعيد الوزاري، فانه في مجلس الوزراء الاخير لم تحظى المرأة سوى بوزارة واحدة وهي وزيرة دولة لشؤون التنمية الادارية، بعد ان كانت المرأة قد حصدت 6 وزارات في الحكومة السابقة منها الدفاع والعدل.
وعلى صعيد الاحزاب، يوجد اكثر من ثمانية عشر حزباً سياسياً، وغالباً لا نجد اية امرأة ترأست حزب معين الا بعد حصول طارىء مفاجىء أتاح لها ترؤس الحزب لفترة مؤقتة.
ولعل السبب في ذلك ان الكوتا النسائية تخنقها الكوتا الطائفية في لبنان. وبالرغم من تقديم مؤخراً مشروع قانون يحفظ الاثنين من قبل النائب عناية عز الدين، الا انه وللاسف قوبل، كسواه من الاقتراحات، بالرفض التام من اللجان المشتركة والمجلس النيابي، وتم التعامل معه باشحاف وتعالي.
ويتبين بان الاحزاب وبالرغم من انها لا تنفك تؤيد مشاركة المرأة في الحياة السياسية والنيابية، الا انها تتهرب في كل استحقاق عن اقرار قانون الكوتا وتفضل “توزير المرأة عوضاً عن ترشيحها كنائب في البرلمان لكونهم يستطيعون في المركز الوزاري ازاحتها والاستغناء عنها ساعة يشاؤون؛ خلافاً للمركز النيابي حيث تكون الانثى استمدت شرعيتها من الناس.
اما في ما يتعلق في المراكز الحساسة التي خصصتها بعض الدول العربية للمرأة فيلاحظ انه بالنسبة الى السلك العسكري:
-الجزائر سمحت للمرأة استلام أعلى الرتب في المؤسسة العسكرية بحيث أكثر من خمس نساء تبؤنا منصب جنرال.
-اما في مصر وبالرغم من كل الجهود والوعود لم تتمكن المرأة من الانخراط في السلك العسكري سوى في بعض المناصب الادارية الصغيرة، والدراسة الاستراتيجية الموضوعة حيز التنفيذ حتى العام 2030 حصرت المرأة في قسم الشرطة دون القوات المسلحة المصرية.
-اما في الاردن فعدم وجود بنية تحتية كافية يمثل احدى العقابات الرئيسية في انخراط المرأة في الحياة العسكرية في ظل غياب مراكز التدريب والتأهيل المخصصة للنساء بحيث تهدف الخطة الى رفع نسبة النساء في القوات المسلحة الاردنية من 1,5% الى 3%.
-اما في لبنان فتطور وضع المرأة في الجيش اللبناني منذ العام 2017 حيث شهد هذا السلك اقبال من العنصر الانثوي، وقد وصلت المرأة الى لواء الحرس الجمهوري والقوات الجوية. واكثر من ذلك انه في العام 2019 ولاول مرة فتحت الكلية الحربية للاناث.
وحتى لو تبؤت المرأة أعلى المراكز وكانت جديرة وناجحة الا ان المشكلة ليست في المرأة اللبنانية او العربية بالطبع، بل بسبب وجود ثلاث عقبات:
1-ان الدستور والقوانين غير كافية لايصال المرأة الى مراكز القرار.
2-بالاغلب ان المرأة لا تتمتع باستقلالية مادية فلا تستطيع التسويق لنفسها كالرجل.
3- العنف السياسي الممارس ضدها في مجتمعنا الشرقي المعمي بالذكورية والذي لا يتقبل البراعة الانثوية . ومثال ذلك العنف اللفظي والتعرض الشخصي في المعترك السياسي. ولعل السبب في ذلك يكمن بانتفاء الثقة بقدرة المرأة على القيادة والاشراف من جهة، والخوف من جهة اخرى من امكانية نجاحها وتفوقها على العناصر الذكورية. لذلك يسعى المجتمع الى تحجيم المرأة والتعرض لها بمختلف المواضيع الحساسة محاولاً دفعها نحو التردد والانسحاب من العمل السياسي.
للاسف، كان يقتضي ان تتمثل المرأة في مجتمعنا اللبناني كحق طبيعي وبديهي وبصورة تتناسب مع عددها. الا انه وامام ضآلة مشاركتها بسبب العنف السياسي اصبح لا بد من المطالبة ولو بكوتا عددية تحفظ للمرأة مشاركتها في المعترك السياسي. وما زالت الجمعيات المعنية تبحث عن الحلول القانونية لالزامية تطبيق الكوتا النسائية، وان كان ذلك من خلال التشريعات والقوانين الواجب اقرارها في هذا الصدد كتخصيص مثلاً مقعد للمرأة على الاقل في كل دائرة انتخابية، او حتى من خلال حث الاحزاب على ترشيح الاناث ضمن لوائحهم؛ او حتى تخصيص عدد من الوزارات للاناث في كل حكومة او مراكز ومدراء عامين ووظائف فئة أولى… الامر الذي سيرتد ايجابا ًعلى المرأة ويشعرها بالثقة ويدفعها الى المشاركة في الحياة السياسية .
قانون العنف الأسري رقم 2014/293 وتعديله:
ان العنف السياسي ليس العنف الوحيد الذي تتعرض له المرأة العربية في العموم، واللبناني بالخصوص. لذلك وحمايةً لها من كافة انواع العنف خطى المشترع خطوة اجابية في العام 2014 وأمن الحماية للمرأة من خلال اصدار قانون العنف الاسري رقم 2014/293 تاريخ 2014/5/7 المعدّل بالقانون رقم 2021/204.
ويلاحظ ان هذا القانون أعطى تعريفاً واسعا ً للعنف الاسري ليشمل في طياته انواع العنف كافة وجميع اشكالها بغيت حماية المرأة وافراد الاسرى من كل اعتداء جسدي، لفظي/معنوي، او حتى جنسي او اقتصادي.
وغني عن القول بان تعريف المادة الثانية للاسرى المشمولة بالحماية وفقاً لهذا القانون اعتبرت بالطبع ان احد الزوجين معنيان باحكامه. اي بعبارة اخرى تكون المرأة اسوةً بافراد الاسرى محمية بقانون العنف الاسري. وقد توسّع الاجتهاد ليشمل ايضاً بالحماية المرأة المطلقة (مع بعض الاجتهادات اليتيمة المخالفة).
وباقتضاب يتميز هذا القانون بانه وضع عقوبات اشد على المعنّف وأقصى من تلك المنصوص عنها في قانون العقوبات. كما نص على آلية خاصة وسريعة للملاحقة على ما سنتطرق اليه.
انما لا بد من الاشارة ايضاً الى ان هذا القانون عدّل ايضاً المادة 503 من قانون العقوبات فأصبح العنف الجنسي والعنف الاقتصادي بحد ذاتهما جرائم معاقب عليها نصاً.
وبالتالي يتبين من مقاطعة نصوص القانون المذكور ان المشترع أعطى للمرأة المعنفة الحماية من خلال الاتاحة لها مراجعة قضاء الامور المستعجلة والقضاء الجزائي لردع الاعتداء عنها.
فمن جهة اعطى القانون المذكور لقاضي الامور المستعجلة الصلاحية للنظر بطلب الحماية المقدم من المرأة. وأتاح له اتخاذ التدابير المستعجلة خلال مهلة 48 ساعة من تقديمه. كما اعطى للمرأة المعنفة امكانية تقديم استدعائها سواء في مقام المعنِف او مقامها هي المعنّفة الحقيقي او المؤقت. وذلك خلافاً لقواعد الاختصاص المنصوص عنها في قانون اصول المحاكمات المدنية. لتسهيل وصولها الى المحكمة.
كما يقدم طلب الحماية بموجب استدعاء/ امر على عريضة معفى من الرسوم والنفقات القضائية، ودون الحاجة الى الاستعانة بمحامٍ.
وقد أتاح هذا القانون لقاضي الامور المستعجلة اتخاذ تدابير مستعجلة ومؤقتة لحماية المرأة على ما جاء في المادة 14 من القانون رقم 293/2014 وتعديله ومنها: منع التعرض، اخراج الضحية من المنزل او اخراج المعنِّف من المنزل، تمكين المرأة المعنفة من اخذ ممتلكاتها من المنزل، والاهم تقرير سلفة تشمل المأكل والمشرب والملبس. وقد عاقب بالحبس و/او الغرامة كل من خالف امر الحماية.
علماً ان القانون هذا لم يتيح لقاضي الامور المستعجلة انزال العقوبة، انما فقط التدابير المستعجلة لتأمين الحماية. اما العقوبة بيتخذها المرجع الجزائي. وقبل ان نتطرق الى الشق الجزائي لا بد من الاشارة الى انه في الممارسة العملية تتضارب الاختصاصات احياناً بين قاضي الامور المستعجلة والمراجع الدينية على اختلاف انواعها لاسيما في ما خص تقرير النفقة المؤقتة، ويلاحظ ان القضاء المستعجل يتخذ قرارات جريئة في هذا الصدد ويقف على تماس مع قرارات المراجع الدينية.
ومن جهة اخرى، أتاح المشترع ايضاً للمعنّفة اتخاذ المسار الجزائي من خلال مخابرة النيابة العامة/ الضابطة العدلية التي تتخذ فوراً تدبير حماية مستعجل يستمر 48 ساعة لحين سريان الاجراءات الجزائية وصولاً الى انزال العقوبات المنصوص عنها في هذا القانون.
واخيراً اتاح القانون الراهن ايضاً لقاضي التحقيق اتخاذ التدابير الحمائية ذاتها المعطاة الى قاضي الامور المستعجلة.
2- دور القضاء في انصاف المرأة، آليات الانصاف والمساواة:
لا يخفى على احد ان المرأة نصف المجتمع اللبناني لا بل اكثره، وقد شهد لبنان طاقة انثوية فعالة في السنين الاخيرة وفي كافة المجالات ولعل ابرزها في القضاء حيث يسجل ازدياد العنصر النسائي في صفوفه.
باديء ذي بدء، لا بد من الاشارة الى ان القضاء هو حامي الحقوق والحريات، غير انه مقيد بالقوانين السارية والمرعية الاجراء مما يشكل عائقا يحول في بعض الاحيان دون توفير الحماية المطلقة للمرأة في ظل الحاجة الى عدة قوانين تشمل تنظم حقوق المرأة في مختلف المجالات الاجتماعية .
كما ان القضاء اللبناني مقيّد بالقوانين الطائفية والمذهبية التي تحدّ من صاحياته وتضيق مجالات الملاحقة والمحاسبة وتحصيل حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل لجهة الارث والحضانة والنفقة وحتى العنف الاسري. وتبرز حجة الذكورية لاخضاع المرأة لسلطة الزوج المعترف بها في المجتمعات التي تحافظ على الطابع العشائري والمجتمع الشرقي بالاجمال. وللدين حصة في تقييد مساواة المرأة بالرجل لا سيما بالنسبة للارث لدى الطوائف المحمدية، كما وان التقاليد سخّرخ جهود المرأة في المجتمع وتسعى دائما الى عدم تحفيذ دورها وتكريس جهودها. الامر المعيب والمرفوض في مجتمع طواق الى التطور والانفتاح والتقدم.
اما لجهة دور القضاء في انصاف المرأة فمما لا شك فيه انه بالرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها الجسم القضائي في الآونة الاخيرة ومحاربته للبقاء باللحم الحي، الا انه من اللافت تعامله مع قضايا العنف الاسري بجدية وحزم . وبالرغم من ان الحديث عن العنف الاسري كان بالامس القريب محظر/taboo خصوصاً في ظل المجتمع الشرقي اللبناني المحكوم بالاعتبارات الطائفية القانون وبعض النصوص القانونية التي تبيح تأديب الزوجة والتي لا تزال سارية المفعول. غير ان الترفع القضائي باتجاه المساواة بين المرأة والرجل يتجلى برفض اي تعدي على المرأة سواء جسدي او معنوي وقد ترجم ذلك بتطبيق فعال لقانون التعنيف الاسري. بحيث يسجل تحرّك الضابطة العدلية باشارة القضاء الجزائي لحماية المرأة المعنفة كما يلاحظ التعاون البناء بين القضاء والجمعيات الفاعلة بهدف تأمين مساعدة للمرأة المعنفة سواء لجهة الدعم النفسي او حتى القانوني والمادي.
ان القضاء يسعي دائماً الى انصاف المرأة وليس فقط لجهة حمايتها من التعدي الاسري تفعيلاً لدوره الحمائي، فمما لا شك فيه ان افراد المجتمع سواء كانوا ذكور ام اناث سواسية امام القضاء وذلك تطبيقاً للقانون الذي يمنع على القاضي التفريق ويفرض عليه التقيد بالمساواة. لذلك يلاحظ ان القضاء يصون حقوق المرأة لجهة قضايا العمل والصرف وسواها امام مجلس الغمل التحكيمي. وذلك تطبيقا للحقوق المكرسة لها في قانون العمل الذي في بعض جوانبه لم ينصف المرأة ولم يعاملها كالرجل بالنسبة لبعض الحقوق.
يسعى القضاء دائماً الى انصاف المرأة الا ان تداخل التشريعات الطائفية يقف عائقاً اما القضاء العدلي الذي يصبح غير مختص للنظر في الانفصال والحضانة والنفقة وتعدد الزيجات اي قضايا الاحوال الشخصية بشكل عام غير المنظمة وفقا لقانون مدني. الامر الذي يكبّل القضاء العدلي ويجعله غير مختص وظيفياً.
لذلك، وفي ظل القوانين النافذة حالياً لحماية المرأة وامام تحكم الطوائف بقضايا الاحوال الشخصية يبقى القضاء اللبناني على اهب استعداد لمساندة المرأة بهدف انصافها من خلال اعمال قواعد التفسير المنصوص عنها قانوناً لتفسير المواد القانونية غير الواضحة لصالح المرأة. كما يستفيد القضاء من اية امكانية ليتدخل بهدف اعادة التوازن في القوى بين الرجل والمرأة مثال ذلك في قضايا التنفيذ للاحكام المذهبية والروحية امام دوائر التنفيذ حيث يلاحظ التشدد في تطبيق الاحكام لصالح المرأة وعدم التهاون او التراخي في تحصيل النفقة والطبابة والمشاهدة وسواها.
لذلك، وبما ان القضاء هو الدعامة الاولى لاحقاق المساواة وانصاف المرأة لا بد اذاً من تحفيذه وتزويده بالادوات اللازمة لاداء دوره آلا وهي بنظري: تشريعات جديدة وحديثة تشكل السند القانوني للقضاء، ضابطة عدلية مؤهلة ومدربة للتنسيق معها، وتخصيص عدد قضاة يعنون بمتابعة شؤون المرأة في اللجان التشريعية، كما وتخصيص عدد من القضاة لمتابعة قضايا التعنيف الاسري.
ولعل المشروع الكثر الحاحاً وضرورةً هو محو الامية القانونية للنساء اللواتي تعشن في الارياف وتعيتهن حول الحقوق التي تحميهن ومجهن بالشجاعة لرفض العنف الاسري والمطالبة بالملاحة القضائية وعدم الخجل من المجتمع مهما كانت النتائج الاجتماعية.
3- حماية المرأة من كافة اشكال العنف (السياسي، الاقتصادي، القانوني ، المنزلي):
لا بد من لفت نظر الحاضرين أولاً الى انه بالنسبة لحماية المرأة فان دولة تونس امتازت بكونها استثناءً ملحوظاً بين الدولة العربية كافة التي جرّمت كل اشكال العنف ضد المرأة في قوانينها.
أما بالنسبة الى العنف السياسي، فانه يتسم بثلاث خصائص:
1- بكونه يستهدف المرأة بشكل صريح بسبب جنسها.
2- بكونه يقوم على التهديدات المبنية على التمييز الجنسي والعنف الجنسي.
3- يحول دون المشاركة الناشطة للمرأة في العمل السياسي او حتى العمل على ذلك.
أما بالنسبة الى العنف الاقتصادي، فهنا يستغل المجتمع الذكوري المشاقة الاقتصادية والحرمان كما الامية وسواها من العناصر التي تضعف المجتمع كوسيلة للتحكم بالآخرين، ويعتبر العنف الاسري احد اشكال العنف الاكثر تخفياً الممارس ضد المرأة في السياسة. ونلفت نظر الحاضرين بان حوالي 35% من النساء واجهنا احد اشكال العنف الاقتصادي خلال عملهن الحزبي.
أما بالنسبة للعنف القانوني، يبرز في هذا المضمار التمييز في قوانين الاحوال الشخصية خصوصاً لجهة الحضانة وحق الوصاية والولاية كما توزيع الثروة الارثية…
وصولا الى العنف المنزلي اي الاسري، هنا لا بد من احاطت الحاضرين علما انه في ظل تفشي جائحة كورونا وما تبعها من تدابير وقائية تمثلت بحظر التحول وسواها، ارتد ذلك عكسيا على حالات العنف الاسري التي وصلت الى مسامع القوى الامنية والجمعيات المختصة بحيث سجلت ارقام قياسية ناهزت 243 مليون حالة عنف اسري. وقد قابل ذلك صعوبة في تأدية المساعدة للحالات كافة في ظل النقص في صفوف عناصر الضابطة العدلية المولجة معالجة قضايا العنف الاسري.
ولعل الحل في الحالة هذه يتمثل باتجاه ارادة المعنيين الى احداث جهاز متخصص لدى الضابطة العدلية مهمته دعم المرأة المعنفة والاستماع لها وتأمين المساعدة المعنوية والمادية لها، كما ومحاربة ثقافة التعنيف والاغتصاب وتمويل المنظمات النسائية.
الحلول وكيفية حماية المرأة من كافة اشكال العنف:
1- وضوح الارادة السياسية (شرط اساسي)
2- التزام تطبيق الدستور والمواثيق الدولية.
3- محو الامية القانونية في الارياف عبراقامة المؤتمرات والمحاضرات في تلك المناطق
4- تطبيق مبادىء حقوق الانسان في النظامين التشريعي والقضائي.
5- اصدار قانون احوال شخصية مدني يحفظى المساواة بين المرأة والرجل من مختلف الطوائف.
6- قضائياً، توسيع صلاحية القضاء المدني وانشاء ما يعرف بمحكمة الاسرة؛ ومن اهم صلاحياتها اصدار قرارات الحماية ومعالجة قضايا العنف والحضانة والنفقة.
7- تعزيز التعاون بين الوزارات المعنية والجمعية والقوى الامنية للحدّ من قضايا العنف الاسري.
8- تحديث مرصد وبنك معلومات وتخزين بيانات تعمم على الاجهزة الامنية.
9- تعزيز ثقافة حقوق المرأة من خلال نشر التوعية في الندوات والمؤتمرات، كما وتدريب وتأهيل عناصر القوى الامنية والجهز القضائي والمحامين والاطباء الشرعيين كول كيفية التعامل مع قضايا التعنيف الاسري والاجراءات الفورية الواجب اتباعها لحماية المرأة وسواها.
4-ما هي آليات الحماية القانونية التي تحتاجها المرأة لضمان المساواة:
أولاً: إتفاقية سيداو، إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الصادرة قي العام 1979 في مدينة نيويورك الأميركية، والأخطر هو تحفظ لبنان على بعض بنود هذه الإتفاقية بعد أن وقّع عليها بموجب القانون 572 تاريخ 1996/7/24 متحفظاً بعدم إلتزامه البند “2” من المادة 9 المتعلّق بمنح المرأة حقّاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلّق بجنسيّة أطفالها.
وهنا نرى أن تحفظ لبنان عن هذا البند يشكّل ضربة أساسية للمساواة بين الرجل والمرأة وحرمانها من حقّها بإعطاء الجنسية، كل ذلك بحجّة الخطر الديمغرافي والطائفي والسياسي معتبراً بشكل علني أن للرجل الحق بالمسّ بهذا الخطر الوهمي أما هذا الخطر بالنسبة للمرأة هو “خطّ أحمر” حتى أنه وبعد مرور حوالي 25 سنة لم يبادر أي طرف لبناني إلى البحث بهذا التحفظ ولا حتى البدء بتطبيق بند الجنسية لكافة الجنسيات ما عدا الجنسية السورية والفلسطينية ونرى أن كل المكوّنات السياسية متفقة على هذا التحفظ.
– كما تحفظ لبنان على الفقرات ج، د، و ز من البند “1” من المادة 16 المتعلّقة بالحقوق المتساوية في الزواج، وبحقوق الوالدة في الأمور الخاصة بأطفالها، وبالولاية والوصاية على الأطفال وتبنيهم وفيما يتعلّق بإسم الأسرة.
– البند 1 من المادة “29” المتعلّق بعرض الخلافات بين الدول على محكمة العدل الدولية حول تفسير الإتفاقية أو تطبيقها.
وهنا يغلق لبنان أي باب من أبواب الطعن وإستعادة حقوق المرأة…
وبعد كل ذلك نرى أن معنى المساواة بين الرجل والمرأة في لبنان وفي معظم الدول العربية هو وهم ولم يحدث أي تغيير في أوضاع النساء رغم جهود عدد هائل من الجمعيلت العربية كون أغلبية البلدان وضعت تحفظات على بعض بنودها المتعلّقة والمرتبطة بشكل خاص بحياة النساء، وبالتالي ربحت السلطة الذكورية حسب قوانين الأحوال الشخصيّة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي آليات الحماية القانونية التي تحتاجها المرأة لضمان المساواة؟؟؟
1-الجواب واضح وسهل في حال وجدت الإرادة، الدولة المدنيّة بإلغاء النظام الطائفي الذي يمنع تطبيق مبدأ مساواة الرجل بالمرأة، من الناحية القانونية.
2-وضع التشريعات الوقائية والرادعة بشأن العنف ضد المرأة لتحقيق المساواة ضدّ المرأة.
3-تعزيز الجهود الوطنية لمكافحة العنف ضدّ المرأة بشكل أكثر فعاليّة وهنا دور الجمعيات لنشر الوعي الضروري وشرح القوانين ومتابعة كل حالة لتأمين تطبيق العقوبة اللّازمة.
* قدّم هذا البحث خلال أعمال مؤتمر”المرأة العربية والمساواة أمام القانون نحو ميثاق عربي لحقوق المرأة العربية” الذي نظّمته لجنتا المرأة في اتحاد المحامين العرب ونقابة المحامين في بيروت يومي الجمعة والسبت في 25 و26 آذار 2022 في “بيت المحامي”.
“محكمة” – السبت في 2022/3/26