بيار الضاهر يخسر ردّ القاضي ميشلين مخوّل بدعوى “القوّات”ويُغرّم .. والأخيرة تتنحّى/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
أصدرت الغرفة الاستئنافية الثانية عشرة في بيروت المؤلّفة من القضاة رجا خوري رئيساً، وميشيل طربيه ومريام شمس الدين مستشارتين، في 8 شباط 2016، قراراً لا يقبل الطعن بحكم القانون، في طلب ردّ القاضية ميشلين مخوّل والمقدّم من بيار الضاهر وشركة”المؤسّسة اللبنانية للإرسال انترناسيونال ش.م.ل.”(LBCI)، وشركة LBC overseas ltd، وكيلهم المحامي نعوم فرح.
وقضى القرار بردّ الطلب المذكور لعدم قانونيته، ولعدم صحّة الأسباب التي أسند إليها، وألزم الجهة طالبة الردّ بأن تدفع مبلغ ثلاثة ملايين ليرة لبنانية كتعويض للقاضية مخوّل، ومبلغ مماثل كتعويض لـ”القوّات اللبنانية” التي تخاصمها في الدعوى الجزائية موضوع طلب الردّ، ومبلغ خمسماية ألف ليرة كغرامة يستوفى منها لصالح الخزينة، فضلاً عن تضمين الجهة طالبة الردّ، النفقات.
دعوى “القوّات” على الضاهر
وكانت القاضية مخوّل تنظر في الدعوى المقدّمة من”القوّات اللبنانية” ضدّ الضاهر وآخرين بموضوع استعادة تلفزيون LBC/LBCI في جلسة علنية في 7 تشرين الأوّل 2015، ومخصّصة لاستجواب الضاهر الذي أعلن وكيله أنّه يريد ردّ القاضية مخوّل ما لم تستجب لطلبه الرامي إلى الاستماع أولّاً إلى رئيس “القوّات” سمير جعجع، فما كان من مخوّل إلاّ أن ضمّت طلبه إلى الأساس والبدء باستجواب الأظناء، فانسحب الضاهر ووكيله من الجلسة التي استمرّت بشكلها الاعتيادي.
إستشعار عن بُعْد!
وجاء قرار محكمة الاستئناف “باسم الشعب اللبناني” وفي 14 صفحة “فولسكاب”، وتضمّن في الحيثيات أنّ الجهة طالبة الردّ “إستشعرت أثناء جلسة 7/10/2015 بشكّ حيال حياد القاضية المذكورة وبميل من قبلها لمراعاة مصالح المدعية “القوّات اللبنانية” على حساب مصالحها وحقوقها في الدفاع لدى إدارتها للدعوى من خلال ضمّها طلبها الرامي إلى دعوة سمير جعجع للاستجواب إلى الأساس، وإصرارها على المضي في الاستجواب المقرّر لأحد أطراف الدعوى بيار الضاهر ورئيف البستاني قبل النظر في دعوة جعجع، ومن خلال إرجائها الجلسة للمرافعة بعد أن كانت استمرّت في استجواب البستاني رغم انسحاب الضاهر ووكيله، ورغم عدم حصول أيّ تدقيق، وأي تفنيد للأدلّة والمستندات”.
وطلبت القاضية مخوّل ردّ طلب ردّها لعدم قانونيته ولعدم صحّته والحكم على الجهة طالبة الردّ بالتعويض الملائم. كما طلبت “القوّات اللبنانية” ردّ طلب الردّ لعدم وجود أيّ سبب يبرّره، ولكون قرار القاضية مخوّل جاء خلال جلسة 7/10/2015 متماشياً مع أحكام القانون، وإلزام الضاهر بأقصى غرامة وبمبلغ ثلاثماية مليون ليرة كعطل وضرر. وأيضاً طلبت شركة”باك ليمتد Pac ltd”( قيد التصفية) ردّ طلب الردّ لعدم وجود ما يبرّره ولكونه استعمل على سبيل المماطلة والتأخير في المحاكمة.
تفسير المودّة المقصودة قانوناً
وأضافت المحكمة أنّه يقتضي الإشارة إلى أنّه يشترط في المودّة المقصودة بموجب المادة 120 بند 7 أصول محاكمات مدنية، أن تكون شخصية تجاه أحد أفرقاء الدعوى، وأن تكون على درجة من الشدّة والتأثير على إرادة القاضي، بشكل يبدو معه جليّاً أنّ هذا الأخير يغدو في وضع لا يستطيع فيه الاحتفاظ بحرّيّته واستقلاله وحياده للحكم بين الخصوم، بحيث يصبح ميّالاً لصالح الفريق الذي يكنّ له المودّة الشخصية، ومنحازاً ضدّ الفريق الآخر، كما يشترط في أسباب الدلالة على درجة الشدّة والتأثير المشار إليها، أن تدلّ عليها بشكل أكيد وواضح إلى حدّ كبير يثير الشكّ في حياد القاضي وعدم استطاعته الحكم بغير ميل، فهذه الدلالة الأكيدة والواضحة المشترط توافرها بخصوص الأسباب التي يبنى عليها الادعاء على القاضي بمودّته أو بعداوته لأحد الخصوم، لا تعني سوى أن يكون ما هو مدعى به تجاه هذا القاضي ثابتاً بشكل أكيد، واضح، وشديد.
لا مودّة ولا محاباة
وحيث أنّه لم يتبيّن من أوراق ومعطيات الملفّ، أنّ القاضية المشكو منها، بما قامت به من إجراءات وتدابير وقرارات عزتها لها الجهة طالبة الردّ، كما من طريقة تسييرها وإدارتها لملفّ الدعوى المقامة أمامها أنّها تتضمّن أيّة مؤشّرات وأيّة أدلّة تثبت بشكل أكيد، واضح، وشديد، أنّ ما قامت به القاضية المحكى عنها كان دافعه مودّتها ومحاباتها للجهة المدعية في تلك الدعوى وتحيّزها ضدّ الجهة طالبة الردّ، خصوصاً وأنّه لم يثبت على الإطلاق أنّ القاضية المنوّه بها كانت على علاقة شخصية مع أيّ من الفريقين المتخاصمين أدّت إلى التأثير عليها بشكل أو بآخر.
فمع عدم توافر الإثبات الأكيد والواضح والجازم الآنف ذكره، على وجود المودّة والمحاباة والتحيّز المنسوبين إلى القاضي المطلوب ردّها، يبقى الادعاء بنشوء الإحساس والاستشعار الذي أدلت الجهة طالبة الردّ بأنّها شعرت به، مجرّد تصوّر واعتقاد لديها، أو اجتهاد شخصي من قبلها، لا يمكن بناء الادعاء عليها، ذلك أنّ ادعاء أمام القضاء لا يبنى على الاستشعار والتصوّر أو الاعتقاد، وإنّما فقط على الإثبات.
مخوّل إلتزمت دورها القضائي القانوني
وأكّدت المحكمة أنّ الإجراءات التي قامت بها القاضية مخوّل متوافقة مع “أحكام القانون ومع السلطة الاستنسابية التي يمنحها لها القانون لدى تطبيق أحكامه، خصوصاً وأنّ القانون العام، قانون أصول المحاكمات المدنية، الذي تذرّعت به الجهة طالبة الردّ، يمنح القاضي في المادة 492 منه سلطة مطلقة في إدارة جلسات المحاكمة وإجراءاتها وضبطها”.
وشدّدت المحكمة على أنّ التدابير التي طبّقتها القاضية مخول إنْ بضمّ طلب سماع شاهد إلى الأساس، أو بإرجائها الدعوى للمرافعة، إلاّ التزاماً من قبلها بدورها القضائي القانوني، وتقيّداً منها بما يسمح لها به القانون، وبما يمنحه لها من سلطة لإدارة إجراءات الملفّ في سبيل حسن سير العدالة، وليس في هذا التطبيق ما يثبت توافر المودّة والمحاباة بين القاضي المطلوب ردّها وبين خصم الدهة طالبة الردّ بأيّ شكل من الأشكال وفقاً للمفهوم القانوني للمودّة المقصودة في المادة 120 بند 7 أصول محاكمات مدنية.
ورأت المحكمة أنّ إدلاءات الضاهر ووكيله ليست من عداد أسباب الردّ المعدّدة حصراً في المادة 120 أصول محاكمات مدنية، وإنّما هي قد تشكّل أسباباً للطعن بالقرار الذي اعتبرته الجهة طالبة الردّ ضاراً بمصالحها في حال توافر شروطه وذلك أمام المرجع القضائي المختص وفقاً لأصول الطعن بالقرارات المنصوص عليها قانوناً، والتي ليس من بينها طلب ردّ القاضي.
وخلصت المحكمة في قرارها غير القابل لأيّ طعن بحكم القانون، إلى ردّ طلب الضاهر بردّ مخوّل وتغريمه مبلغ ثلاثة ملايين ليرة لها، ومثلها لـ”القوّات اللبنانية”، فضلاً عن خمسماية ألف ليرة للخزينة.
قرار مخوّل بالتنحّي
واتخذت القاضية مخوّل قراراً مؤرّخاً في 15 شباط 2016، بالتنحّي عن النظر في هذه الدعوى على الرغم من أنّ القرار الاستئنافي المشار إليه آنفاً “جاء ليؤكّد حقيقة هي في الأصل بادية وواضحة، ولا لبس فيها، لجهة حياد المحكمة وهدفها الوحيد، لا بل واجبها القانوني، في إحقاق الحقّ وتوزيع العدالة، وبالتالي السير بالإجراءات كما ينصّ عليها القانون للوصول إلى هذا المبتغى”.
وأضافت مخوّل أنّه انطلاقاً من موقعها الحريص دوماً على صيانة مقتضيات اليمين التي أدّتها عند توليها مهامها القضائية، ترى المحكمة موجباً يوجه إلى احترام ما يتبدّى، ربّما، من رغبة لدى أحد طرفي النواع الدائر أمامها، والتي لا تجد في الأساس مبرّراً قانونياً وواقعياً لها، في أن يأتي توزيع العدالة، في هذه الدعوى، عن طريق هيئة قضائية أخرى، وانطلاقاً ممّا جرى بيانه، وعملاً بمقتضيات الحياد والتجرّد والمناقبية القضائية التي تسير هيئة المحكمة في أدائها لرسالتها، وحرصاً منها على طمأنينة فريقي النزاع أمامها، على حدّ سواء، وتأكيداً على أن الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة باسم الشعب اللبناني، هي انعكاس للقسم الذي يوجب الالتزام الدائم بتصرّفات القاضي الصادق والشريف، فإنّها وسنداً لأحكام المادة 122 من قانون أصول المحاكمات المدنية، وفي ضوء كلّ ما تقدّم، تجد نفسها في موقع الاستشعار بالحرج، وتعرض بالتالي، تنحّيها عن النظر في الدعوى الحاضرة”.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 5- آذار 2016)