خاص”محكمة”: كتاب مفتوح إلى نادي قضاة لبنان/ جاد طعمه
المحامي جاد طعمه:
ممّا لا شكّ فيه أنّنا نعيش في خضمّ مرحلة من الزمن، تسعى فيه السلطة السياسية الفاسدة والمفسدة ومن خلفها الجهات المحسوبة عليها، ممارسة كافة الطقوس المتاحة لإجهاض كلّ التحرّكات التي تخرج الوطن من عنق الزجاجة، عبر مكرمات تارة وتهديدات تارة أخرى، بطشاً حيناً وفبركات أحياناً، ولن تنته محاولات السلطة في محاولة تقويض تحرّكات الثوّار، كي لا نقول الأحرار، ويصبح كلّ مرتهن وتابع، صاحب نظريات في بيان مدى تمتّعه بالحرّية وبأنّه سيّد نفسه يمارس قناعاته يومياً بعيداً عن أيّ مصالح أو إملاءات أو ضغوط.
بالأمس جرى تهديدكم بتدبير قطع الرواتب عنكم، واليوم يجري التهويل على بعض المحامين من رافعي الصوت بملاحقات أمام سلطتكم القضائية التي تنادون بضرورة إستقلاليتها، وسط تفاهمات مريبة وواضحة المعالم لكبح حملة مناهضة الفساد المستشري بتوافق قيل بالإعلام أنّه قد تمّ بين جهات سياسية – قضائية وأمنية، ولعلّني أضيف إلى الإتفاق هيئات مهنية سيطرت عليها الأحزاب فأفسدت أداءها المهني والوطني بالكامل.
ليس أسهل من أن يستلّ كلّ واحد منا قلمه ليبدأ التجريح بالآخر، كمن يهشّم نفسه بنفسه، ومشكلة الثوّار في بلادنا تكمن في أمرين: الأوّل إنعدام رحابة الصدر لتقبّل أيّ نقد ولو كان بناء، والثاني رغبة كلّ ثائر بأن يكون القائد الأعلى الأوحد، فترانا نتباعد من دون طائل وننقسم على ذاتنا، حتّى يصبح الحراك الواحد حراكات متعدّدة، وتضعف شوكة المنتفضين بدلاً من أن تقوى الشوكة بالتعاضد والتضافر بين من يعانون من المصائب الواحدة .. لكن أيّ حراك مستجد لا بدّ من أن يمرّ بمراحل متعدّدة تكسبه النضج والوعي، وكلّ تجربة تساهم في معرفة معادن الناس واكتشاف صدق النوايا لديهم هي تجربة مفيدة.
يمكننا أن نراوح مكاننا ونستمرّ في مرحلة توصيف الواقع إلى ما لا نهاية، فنشعر بالخجل والغضب من تجاذبات واستتباع ومهاترات وولاءات تبعد حالنا عن المعايير الموضوعية ما يضعف الثقة بالمنتفضين على واقع الحال، وممّا يؤدّي إلى إجهاض محاولات الإصلاح. ونستطرد أكثر في التقييم النظري، وهو صحيح، فنعلن أنّ ثمّة فئة تحتكر الفساد في البلاد وكأنّها تملك وكالة حصرية لإدارته، ونضيف أنّ السكوت يعني وجود “طيف قضاء” لأنّ القضاء والحالة هذه سيبقى عاجزاً عن المحاسبة ومبرّراً للإرتكابات ومتوهّماً نصرته للحقيقة، لكنّه واقعاً يعتبر شاهد زور، لأنّ القضاء يجب أن يكون حازماً وحاسماً في إحقاق الحقّ وفي نصرة المظلوم لحماية الأموال الخاصة والعامة.
الأمل كلّ الأمل، في ألاّ نعتذر بعد فترة من الزمن من الشعب اللبناني عن سبب إضافي، وهو أنّنا لم نقف سدّاً منيعاً بوجه اتساع رقعة الفساد وتمدّد الفاسدين، وأوحينا بسلوكنا بأنّ السلطة الفاسدة والمفسدة تمكّنت من التوصّل لمبتغاها معتمدة مبدأ “الإحتواء الطويل للأزمات” لكي تتململ الناس دون إغفال مبدأ “فرّق تسد” الفعّال دوماً.
الدعوة اليوم، هي دعوة قديمة جديدة، مع فارق كونها علنية إلى وضع رؤى مشتركة بين أبناء المجتمع الواحد، فمن دون التشبيك المجتمعي لن تقوم قائمة أحد، ويجب أن يتعاون جميع أبناء هذا الوطن لما فيه مصلحة المجتمع كلّ من موقعه، ولا بدّ من إيجاد آلية ضغط جديدة على السلطة الفاسدة والمفسدة لكي يعلم القاسي والداني أنّ رياح التغيير قادمة لا محالة بعد أن افتقدت السلطة الفاسدة والمفسدة لأدنى درجات حمرة الخجل.
“محكمة” – الخميس في 2019/7/25