أبرز الأخبارعلم وخبر

سابقة قضائية: حكم للقاضي إميل عازار يُكرّس تجريم التقاط ونسخ وتخزين صور حسّاسة دون رضا أصحابها حتّى في غياب النشر/علي الموسوي

المحامي المتدرّج علي الموسوي:
في خطوة قضائية بارزة، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في أميون اميل عازار، بتاريخ 4 نيسان 2025، الحكم رقم 2025/1524، والذي يُعدّ أول حكم تأسيسي من نوعه في مجال التطبيقات القضائية الجزائية لأحكام القانون رقم 2018/81 المتعلّق بالمعاملات الإلكترونية وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي.
هذا الحكم يشكّل محطة مفصلية في مسار تطوّر العدالة الرقمية في لبنان، حيث كرّس مبدأ مهمًّا ألا وهو أنّ الصور الحسّاسة التي تتّصل بالحياة الحميمة للأفراد تخضع لحماية قانونية مشدّدة، وأنّ التقاطها أو نسخها أو تخزينها دون علم أصحابها أو رضاهم يُعدّ فعلًا جرميًا بحدّ ذاته، حتّى في غياب النشر العلني أو التداول الواسع.
القضية التي بُني عليها هذا الحكم جمعت بين خيانة الثقة في إطار علاقة عمل، والانتهاك المتعمّد للخصوصية عبر وسائل رقمية، والتوظيف الشخصي لمحتوى حميمي في سياق انتقامي يُراد منه الإيذاء النفسي.
فقد بدأت الوقائع حين استغلّ المدعى عليه ثقة ربّ عمله، الذي سمح له باستخدام هاتفه الخلوي لمتابعة مكالمة هاتفية مع أحد الزبائن، فتسلّل إلى ملف الصور المحفوظ على الجهاز، حيث عثر على صور شخصية وحميمة لزوجة صاحب العمل. وبدلًا من احترام الخصوصية، أقدم خفية على نقل هذه الصور إلى هاتفه باستخدام تقنية AirDrop، مدفوعًا بإعجابه بها، وبرغبته في التمتّع بجمالها بصريًا.
لاحقًا، توسّعت دائرة الانتهاك حين أقدمت زوجته، المدعى عليها، على نسخ الصور من هاتفه، ثم نشرت إحداها تُظهر المدعية في وضع غير محتشم وذي طابع إيحائي، عبر خاصية “الستوري” في تطبيق واتساب، بعد أن غطّت موضع العينين باللون الأسود وكتبت فوقه عبارة: “Guess who???”، مع تقييد المشاهدة لتقتصر على صاحبة الصورة فقط، في خطوة انتقامية مقصودة تهدف إلى إغاظتها وإيذائها نفسيًا، ردًّا على ما اعتبرته “استفزازًا” عقب طرد زوجها من العمل.
وناقش القاضي عازار في متن حكمه الأبعاد المتعدّدة للحق في الخصوصية، معتبرًا أن القانون رقم 2018/81 ، وفي إطار سعيه إلى توسيع نطاق الحماية القانونية للبيانات الشخصية الحساسة، أرسى في المادة 91 منه قاعدة عامة تقضي بحظر جمعها أو معالجتها، إلا في حالات استثنائية محددة على سبيل الحصر، من أبرزها الحصول على موافقة صريحة من الشخص المعني.
وشدّد على أن هذه الموافقة تُعدّ ضمانة أساسية لحماية الحق في الخصوصية، ولتعزيز الشفافية والمساءلة في البيئة الرقمية، باعتبارها تستند إلى مبدأ الاستقلال الذاتي للفرد وسيادته على بياناته وصورته الشخصية، أو ما يُعرف فقهيًا بـ”الحق في تقرير المصير المعلوماتي” (Informational Self-Determination)، وهو ما يمنحه حقًا مطلقًا في التحكم بهذه البيانات، بما يشمل عمليات الالتقاط والتخزين والنسخ والاستخدام.
وتوقّف القاضي عازار عند الاستثناء المنصوص عليه في المادة 85 من القانون نفسه، والذي يُشبه في مضمونه نظيره الوارد في المادة 2، الفقرة 2، البند (ج) من اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي. وتناول مفهوم “النشاطات الشخصية التي يقوم بها الفرد لحاجاته الخاصة”، مستفيضًا في شرح حدود هذا الاستثناء، بما يتماشى مع المبادئ الدولية والمعايير الحديثة لحماية البيانات، توصّلًا إلى رسم معايير واضحة تصلح لتُعتمد كقاعدة عامة في التفسير والتطبيق.
واعتبر أن هذا الاستثناء لا يُطبّق إلا ضمن شروط صارمة، أبرزها أن يكون الاستعمال مشروعًا، ضيقًا وخاصًا، وألّا يمتدّ أثره إلى الغير، أو يُسبّب لهم ضررًا، أو يمسّ بحقوقهم أو بمصالحهم المشروعة.
أما متى تجاوز هذا الاستخدام حدوده، كما في حالات المساس بخصوصية الغير أو بحرمة حياته الخاصة أو العائلية، أو بحقّه في السيطرة على صورته الجسدية وحرمته الجسدية، من خلال التقاط أو نسخ أو تخزين صور أو تسجيلات صوتية أو مرئية أو بيانات حسّاسة دون علمه أو رضاه، حتى وإن لم تُشارك مع أي طرف ثالث، فإن الاستثناء يفقد مبرّره، ويستعيد حينها مبدأ المشروعية سيادته، بوصفه القاعدة العامة الناظمة لأي معالجة قانونية للبيانات الشخصية.
وقد علّل القاضي عازار هذا التفسير بأن إبقاء الاستثناء دون ضوابط دقيقة وواضحة من شأنه أن يُحوّله إلى ثغرة تُستغل للتهرّب من المساءلة، بما يُقوّض جوهر الحماية التي أراد المشرّع تكريسها في القانون رقم 81/2018. كما حذّر من أن هذا الفراغ التفسيري قد يؤدي، في ظل الواقع التشريعي القائم، إلى إفلات أفعال خطيرة من المحاسبة القانونية، لا سيما إذا لم تقترن بجرائم تقليدية كالابتزاز أو التهديد أو التشهير.
وهو ما يُعدّ تعارضًا صريحًا مع روح هذا القانون ومبادئه ومقاصده الحمائية، لا سيما وأنه جاء لسدّ فراغٍ تشريعي طال أمده في مجال حماية البيانات الشخصية، كما ورد صراحةً في أسبابه الموجبة، التي هدفت إلى وضع “تنظيم قانوني متكامل لموضوع حماية البيانات ذات الطابع الشخصي”، لا إلى فتح الباب أمام استثناءات فضفاضة من شأنها تقويض تلك الحماية وخلق ثغرات جديدة تُفرغ القانون من غايته الأساسية.
وانطلاقًا من ذلك، خلُص القاضي عازار إلى أنه لا يجوز التذرّع بأن التقاط أو جمع أو نسخ أو تخزين صور حساسة تعود لشخص آخر يندرج ضمن الاستخدام “الخاص” أو “الشخصي”، متى تم الحصول عليها دون علم أو رضا الشخص المعني. وأكّد في حكمه أن مثل هذا التصرف يُعدّ خرقًا صريحًا لأحكام قانون حماية البيانات، حتى في حال سبق أن تمّ التصوير أو الإرسال أو النسخ بموافقة الشخص المعني، طالما أن المعالجة أو الاحتفاظ اللاحق لا يستندان إلى موافقة صريحة ومتجددة تعبّر عن إرادة حرّة.
وأشار القاضي عازار في حكمه إلى أنه حتى في إطار ممارسة الحقوق الدستورية الأساسية، ولا سيما حرية الرأي والتعبير، لا تُطلق يد الأفراد في المساس بالحقوق الشخصية للغير، بل يقتضي التوفيق بين هذه الحريات وحق الأفراد في حماية خصوصيتهم وبياناتهم. وهو مبدأ كرّسه القانون المقارن، لا سيما في الأنظمة الأوروبية والأميركية والكندية، حيث أرست محاكم عليا مثل محكمة العدل الأوروبية (CJEU)، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR)، ومحكمة البلدان الأميركية لحقوق الإنسان (IACtHR)، والمحكمة العليا الأميركية (SCOTUS)، توازنًا دقيقًا بين حرية التعبير وحق الجمهور في المعرفة من جهة، وحق الأفراد في الخصوصية من جهة أخرى، ضمن معايير صارمة تراعي مبادئ الشرعية، والضرورة، والتناسب، وتقديم المصلحة العامة على غيرها.
وقد بيّنت هذه الاجتهادات أن الحماية القانونية للخصوصية قد تضيق نسبيًا عندما تتعلّق المعالجة بشخصيات عامة أو مشهورة (public figures or celebrities)، أو تدور حول وقائع تُظهرهم في أماكن عامة، أو في سياقات تخدم نقاشًا عامًا مشروعًا أو تكشف فسادًا أو انتهاكات لحقوق الإنسان أو قضايا ذات طابع عام (matters of public interest). إلا أنها شدّدت، في المقابل، على عدم جواز المساس الكيفي بالكرامة الإنسانية، ومنعت استخدام البيانات الحساسة، وخصوصًا الصور ذات الطابع الحميم أو الخاص (intimate or private in nature)، لأغراض تنتهك كرامة الفرد أو تُسقط عنه الحماية القانونية، لا سيما إذا تمّ الحصول على هذه الصور دون علمه أو رضاه، أو في أماكن يُفترض فيها توقّع منطقي للخصوصية (reasonable expectation of privacy).
وانسجامًا مع هذه المبادئ، كرّس القانون اللبناني رقم 2018/81 مبدأ التوازن ذاته، إذ استثنى الصحافة من بعض الالتزامات المتعلقة بحقوق الأفراد في الوصول إلى بياناتهم وتصحيحها عند ممارستها نشاطها المهني، لكنه قيّد هذا الاستثناء بوجوب التقيّد بأحكام القوانين النافذة، وبالخضوع لشروط ممارسة حق الرد، وحدود التعرّض للحياة الخاصة وسمعة الأفراد، وذلك بموجب المادة 105، معطوفة على المواد 99 و100 و101 من القانون نفسه.
كما تطرّق القاضي عازار إلى مفهوم “المعالجة المهملة” (Negligent Processing Leading to Unauthorized Disclosure)، بعد أن ميّز بدقة بين عدد من المفاهيم القانونية ذات الصلة، بما يتماشى مع الطبيعة غير المادية للبيانات في البيئة الرقمية، مثل: “الوصول أو الإفصاح غير المشروع” (Unauthorized Access/Disclosure)، و”اختراق البيانات” (Data Breach)، و”الاعتداء على سرية البيانات” (Violation of Data Confidentiality)، و”الاستحواذ غير القانوني على البيانات” (Unlawful Data Acquisition)، و”إساءة استخدام البيانات” (Data Misuse).
وفي معرض معالجته لمسألة التعويض، اعتبر القاضي عازار أن مجرد حصول اعتداء على الحق في احترام الحياة الخاصة يُرتّب بذاته حقًا في التعويض، دون الحاجة إلى إثبات ضرر إضافي. وقد استند إلى المبادئ العامة في النظام القانوني اللبناني، الذي يُعد جزءًا من العائلة القانونية الجرمانو-رومانية (Civil Law System)، والتي تقوم على مبدأ التعويض الكامل والمتناسب مع الضرر (compensatory damages). وأكد أن هذا النظام، وبصرف النظر عن جسامة الفعل، لا يُجيز الحكم بتعويضات ذات طابع عقابي أو ردعي (punitive damages)، كما هو معمول به في بعض الأنظمة الأنغلوسكسونية (Common Law System)، وفي طليعتها النظام الأميركي، نظرًا لتعارضها مع المبادئ العامة والنظام العام في لبنان، حيث تُناط الوظيفة العقابية حصرًا بالعقوبات الجزائية الصادرة بموجب نصوص صريحة، ويبقى التعويض محصورًا في وظيفته الجبرية فقط.
ختامًا، يكتسب هذا الحكم أهميته من كونه يُرسّخ دور القضاء اللبناني في بناء اجتهاد تأسيسي متقدّم في مجال حماية الخصوصية الرقمية، ويُقدّم قراءة تفسيرية عصرية وشاملة لأحكام القانون رقم 2018/81، تُراعي خصوصية البيانات الحساسة وتمنح الأفراد حماية استباقية فعلية تُعلي من شأن المصلحة الوقائية، تفاديًا لأضرار أشدّ قد تمسّ الكرامة والخصوصية في الفضاء الرقمي. كما يعكس توجّهًا قضائيًا إصلاحيًا يُعزّز الثقة بالعدالة كضامن للحريات الأساسية، ويُشكّل محطة مفصلية في مسار تطوّر الحقوق الرقمية في لبنان، تُساهم في ترسيخ ثقافة قانونية وأخلاقية قائمة على الاحترام والمسؤولية. وهو بذلك يُؤسّس لاجتهاد قضائي يُمكن البناء عليه في مواجهة التحديات الأخلاقية والقانونية المتنامية في ظل الثورة الرقمية.
لذلك تنفرد “محكمة” بنشر هذا الحكم كاملاً:
باسم الشعب اللبناني
إن القاضي المنفرد الجزائي في أميون
لدى التدقيق، وبنتيجة المحاكمة العلنية، وبعد الإطلاع على الأوراق كافة، تبين أن النيابة العامة الإستئنافية في الشمال قد إدعت أمام هذه المحكمة على المدعى عليهما (ج) و(أ) سنداً للمواد 533 و 584 و 636 عقوبات.
أولاً: في الوقائع.
في الوقائع المستفادة من التحقيقات الأولية المجراة في الدعوى الراهنة، والمستندة إلى الشكوى المقدّمة أمام النيابة العامة الاستئنافية في الشمال، عرض المدعيان، بواسطة وكيلهما القانوني، أنّه، وبُعيد إقدام المدعي على طرد المدعى عليه (ج) من عمله في شركته، بدأ المدعى عليه وزوجته، المدعى عليها (أ)، يُكنّان العداء والضغينة للجهة المدعية، ولم يدّخرا وسيلة للإضرار بها.
وأضاف المدعيان أنّ المدعى عليها (أ) أقدمت على تهديد المدعية وشقيقها بالقتل، كما قامت، بقصد التشهير والنيل من كرامة المدعية، بنشر صورة غير لائقة لها عبر خاصية “الواتساب ستوري”، تظهر فيها وهي ترتدي ملابسها الداخلية. وأوضح المدعيان أنّ هذه الصورة كانت قد أرسلتها المدعية إلى زوجها المدعي في وقت سابق، إلا أنّ المدعى عليه (ج) تمكّن من سرقتها من هاتف المدعي، ثم قام بإرسالها إلى زوجته المدعى عليها (أ)، التي عمدت إلى نشرها.
وأرفق المدعيان قرصًا مدمجًا يحتوي على تسجيل لتهديد المدعى عليها للمدعية وشقيقها.
وأفاد المدعى عليه، (ج)، لدى الاستماع إليه في سياق التحقيقات المذكورة، أنّه، قبل نحو عام، وأثناء وجوده في أبو ظبي برفقة المدعي، تابع مكالمة هاتفية مع أحد الزبائن مستخدمًا الهاتف الخلوي العائد للأخير. وبعد إنهاء المكالمة، لاحظ (المدعي) أنّ (المدعى عليه) كان قد دخل إلى ملف الصور في هاتفه، حيث ظهرت عدة صور لزوجته، أي زوجة المدعي، وهي ترتدي ملابسها الداخلية. عندها، قام المدعى عليه، من دون علم المدعي، بنقل ثلاث صور منها إلى جهازه الخلوي عبر تقنية AirDrop، واحتفظ بها لنفسه، مدعيًا أنّ دافعه كان الإعجاب بشكلها، من دون أن تكون لديه أي نيّة للتشهير أو المساس بسمعة أحد.
وأضاف المدعى عليه أنّه، في بداية العام الحالي، اكتشفت زوجته (أ)، الصور الثلاث المحفوظة على هاتفه، ما أثار استياءها. وعندما استفسرت منه عن الأمر، أخبرها أنّ الصور انتقلت إلى هاتفه عن طريق الخطأ من هاتف المدعي، إلا أنّها لم تقتنع بذلك، مما أدّى إلى نشوب خلافات بينها وبين المدعية. وأوضح أنّ (أ) بدأت حينها بإرسال رسائل صوتية إلى (المدعية)، تتضمن بعض التهديدات، وقد ردّت الأخيرة بالمثل، إلى أن قامتا بحظر بعضهما البعض، فهدأت الأوضاع إلى حين منتصف شهر آب. إلا أنّه، وبعد تركه العمل مع المدعي، عادت المدعية، بحسب ما أفاد، إلى استفزاز زوجته (أ) مرارًا. وبتاريخ 2020/10/10، أقدمت الأخيرة، بدافع إغاظة المدعية، على نشر إحدى الصور عبر خاصية “ستوري” في تطبيق واتساب، محددةً أن تكون (المدعية) وحدها قادرة على مشاهدتها، وذلك من دون أي نيّة أخرى، ومن دون علمه. وقد علم بالأمر بعدما اتصل به (المدعي) وأخبره بذلك، فطلب من زوجته حذف الصورة فورًا، فأكدت له أنّها قامت بحذفها فور تأكدها من رؤيتها من قبل (المدعية).
وأفادت المدعى عليها، (أ)، في سياق التحقيقات ذاتها، أنّ الخلافات بينها وبين المدعية تعود إلى عام 2016، بسبب عدم حصول زوجها، جان، على كامل حقوقه المالية. وأضافت أنّه، في بداية عام 2020، شاهدت على هاتف زوجها ثلاث صور للمدعية وهي ترتدي ملابسها الداخلية، فقامت بنقلها إلى جهازها عبر تطبيق واتساب. وقد أثار هذا الأمر استياءها، وتسبّب في نشوب خلافات بينها وبين زوجها، لاسيما أنّ ردّه كان غامضًا حين سألته عن مصدر الصور وسبب احتفاظه بها.
وأشارت إلى أنّ ذلك دفعها إلى التواصل مع المدعية بطريقة غير لائقة، حيث أرسلت إليها رسائل صوتية ونصية، ما أدى إلى قيام الأخيرة بحظرها. وأوضحت أنّ تصرّفها هذا جاء بدافع الانفعال والغيرة على زوجها، بعدما راودها الشك بوجود علاقة بينه وبين المدعية، مؤكدة أن هدفها كان إزعاج (المدعية) ومضايقتها. وأضافت أنّ العلاقة انقطعت بينهما بعد ذلك.
وفي سياق إفادتها، أوضحت المدعى عليها أنه تبيّن لها عدم وجود علاقة بين زوجها وبين المدعية، وأنّه، في شهر حزيران من العام نفسه، طلب المدعي من زوجها ترك العمل لديه، مما أثّر سلبًا على وضعه المالي. وبعد ذلك، بدأت تلاحظ أنّ المدعية تتعمّد القيام بتصرفات استفزازية كلّما التقت بها، وكأنها تشمت بوضعهما، وقد استمر هذا الحال حتى الشهر الحالي.
وأضافت أنّه، بدافع إغاظة المدعية بسبب تصرفاتها الاستفزازية، ونتيجة لما بلغها من أنّ الأخيرة تُشهّر بها وتصفها بأنّها غير صالحة لعائلتها وتقوم بأعمال منافية للحشمة، أقدمت على نشر صورة لـــ(المدعية) وهي شبه عارية، ترتدي ملابسها الداخلية وتُخرج لسانها بطريقة موحية، وذلك عبر خاصية “الواتساب ستوري”، مع تقييد المشاهدة بحيث تكون متاحة لــ(المدعية) وحدها فقط.
وتبيّن في سياق المحاكمة أمام هذه المحكمة أنّ المدعى عليه، (ج)، حضر الجلسة المنعقدة بتاريخ 2024/2/19، ثم تغيب عن جلسة 2024/5/24، فتمّت محاكمته أصولًا.
وباستجواب المدعى عليها في تلك الجلسة، أفادت بأنّها تكرّر إفادتها الأولية، مضيفةً أنّ الوجه لم يكن ظاهرًا بالكامل في الصورة التي نشرتها عبر خاصية الحالة (الستوري) في تطبيق واتساب، وأكّدت أنّه لم يكن بالإمكان لأي شخص مشاهدتها سوى المدعية. كما أوضحت أنّها لم تُرسل هذه الصورة مباشرة إلى هذه الأخيرة، نظرًا لانقطاع التواصل بينهما منذ ما يقارب السنة، وأضافت أنّ هدفها من هذا التصرف كان مضايقة المدعية فقط.
وتبيّن أنّه، في الجلسة المنعقدة بتاريخ 2025/2/21، ترافعت عن الجهة المدعية وكيلتها القانونية، وقدّمت مرافعة خطية طالبت فيها بإلزام المدعى عليهما بدفع تعويض عن العطل والضرر بقيمة مئة ألف دولار أميركي.
كما قدّمت المدعى عليها، (أ)، مرافعتها بواسطة وكيلها القانوني، طالبةً إعلان براءتها لعدم توافر العناصر الجرمية، وإلّا، للشك، واستطرادًا، منحها الأسباب التخفيفية.
وعليه، خُتمت المحاكمة أصولًا في تلك الجلسة.
ثانياً: في الأدلة:
وقد تأيّدت هذه الوقائع بالأدلة التالية: مآل الشكوى، إدعاء النيابة العامة، التحقيقات الأولية، المحاكمة العلنية، ومجمل أوراق الملف.
ثالثاً: في القانون:
وحيث انطلاقاً من الوقائع الثابتة، تنتقل المحكمة إلى بحث الإطار القانوني المنطبق على أفعال المدعى عليهما، وتحديد مدى توافر أركان الجرائم المدعى بها في ضوء النصوص القانونية المرعية.
1: في الجرائم المدعى بها:
حيث تعالج المحكمة في ما يلي، بصورة مستقلة، كل جرم من الجرائم المدعى بها، والمنصوص عليها في المواد 584 و533 و636 من قانون العقوبات، وذلك للتحقق من توافر أركانه القانونية في ضوء الوقائع الثابتة لديها من خلال مجمل ما ورد في الملف.
غير أنها ترى من الضروري، وقبل الخوض في ذلك، التوقف عند مسألة أساسية تمهيدية تتعلق بمدى ثبوت اطلاع الغير على الصورة المشكو منها، وما إذا كانت الأفعال المنسوبة إلى المدعى عليهما قد انطوت على عنصر العلنية، باعتباره عنصرًا جوهريًا في بعض الأوصاف الجرمية موضوع الشكوى، وفي التكييف القانوني للوقائع المعروضة.
أـ في مدى ثبوت اطلاع الغير على الصورة المشكو منها وتحقق العلنية في الأفعال المنسوبة إلى المدعى عليهما؛
وحيث إن المدعى عليها أفادت بأنها نشرت الصورة محل النزاع عبر ‘الحالة’ (الستوري) في تطبيق واتساب، مع تقييد نطاق المشاهدة ليقتصر على المدعية وحدها، مضيفةً أن هذه الأخيرة تمكّنت من مشاهدة الصورة من خارج التطبيق قبل الدخول إليها، وقد أوضحت أيضًا أن المدعية كانت قد حظرتها في وقت سابق.
وحيث ترى المحكمة أن هذا التصريح، وإن تضمّن تناقضًا ظاهريًا بين واقعة وجود الحظر من جهة، وواقعة تمكّن المدعية من مشاهدة الصورة من جهة أخرى، إلا أن هذا التناقض لا يكفي بحد ذاته لإثبات عدم صحّة واقعة التقييد أو لتحقق عنصر العلنية، ما لم يُدحض بدليل مستقل وواضح يثبت عدم صحة ما ورد في إفادة المدعى عليها.
وحيث إن الجهة المدعية لم تقدّم ما يُثبت استمرار الحظر في لحظة نشر الصورة، ولا ما يفيد أن أي شخص آخر غير المدعية قد اطّلع على الصورة فعلاً، فإن المحكمة لا تجد في أقوال المدعى عليها، ولا في مجمل ما ورد في الملف، ما يُكوِّن قناعة وجدانية يقينية بتحقّق عنصر العلنية.
وعليه، فإن الاقتصار على إفادة المدعى عليها دون تقديم أي دليل إضافي لا يُشكّل في حدّ ذاته بينة كافية لإثبات اطلاع الغير على الصورة، وبالتالي العلنية في الفعل المنسوب إلى المدعى عليهما. لاسيما وأنه كان بمقدور الجهة المدعية، وبكل يُسر، أن تُبرز دليلاً يناقض هذا الادعاء، إلا أنها تقاعست عن القيام بذلك.
الأمر الذي يستوجب استبعاد هذه الواقعة من عناصر التجريم عند النظر في الأفعال المنسوبة إلى المدعى عليهما.
ب ـ بالنسبة لجرم القدح (المادة 584 من قانون العقوبات):
وحيث إن القدح، وفقًا للمادة 385 من قانون العقوبات، هو كل تعبير أو لفظ أو رسم ينطوي على تحقير لشخص، دون أن يُنسب إليه فعل معين قد يمس بشرفه أو كرامته،
وحيث إن إقدام المدعى عليها على وضع الصورة المشكو منها على “الحالة” (الستوري) في تطبيق واتساب، وفقًا لما تقدّم بيانه، وإرفاقها بعبارة “guess who???”، لا ينطوي على أي لفظة ازدراء أو تحقير، ولا يشكّل إساءة لفظية أو سبابًا مباشرًا، مما ينتفي معه توافر العناصر القانونية لجريمة القدح.
وحيث إنه، وبما أن فعل المدعى عليها لا يُشكّل “قدحًا” بالمعنى القانوني المحدد، ولا يستوفي الأركان الجرمية المنصوص عليها في المادة 554 من قانون العقوبات، فإنه لا يمكن اعتبار فعل المدعى عليهما قدحًا يشكّل جرمًا مكتمل الأركان وفقًا لأحكام هذه المادة.
ج ـ بالنسبة لجرم اقتناء مواد مخلّة بالحياء بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإعلان عنها (المادة 533 من قانون عقوبات):
وحيث إن المادة 533 من قانون العقوبات اللبناني تجرّم صنع أو تصدير أو توريد أو اقتناء مواد مخلّة بالحياء بقصد الاتجار بها أو توزيعها أو الإعلان عنها، مما يقتضي لتوافر الجرم وجود مادة مخلّة بالحياء مقرونة بنيّة التوزيع أو الاتجار أو الإعلان عنها.
حيث إن الأفعال المنسوبة إلى المدعى عليهما لا تُحقّق القصد الجرمي المنصوص عليه في هذه المادة، إذ لم يثبت أن حيازتهما أو احتفاظهما بالصور محل الشكوى كان بقصد توزيعها أو الاتجار بها. كما أن عنصر الترويج أو تسهيل وصول الغير إلى هذه الصور، سواء من خلال وسائل مباشرة أو غير مباشرة، لم يتوافر في الوقائع المعروضة، لا سيما وأنه لم يثبت أن الاطلاع على إحدى هذه الصور، وتحديدًا الصورة المنشورة عبر خاصية ‘الستوري’، قد تجاوز شخص المدعية، صاحبة الصورة، بما يدل على أن نطاق المشاهدة بقي محصورًا بها دون سواها.
وعليه، وإذ لم تتوافر العناصر الجرمية المنصوص عليها في المادة 533 من قانون العقوبات، فإنه لا يمكن اعتبار الفعل المنسوب إلى المدعى عليهما مشمولًا بأحكام هذه المادة، ولا يُمكن إسباغ الوصف الجرمي عليه وفقًا لمقتضياتها.
د ـ بالنسبة لجرم السرقة (المادة 636 من قانون العقوبات):
وحيث أُسنِد هذا الجرم إلى المدعى عليهما على خلفية إقدام المدعى عليه على نسخ صور تعود للمدعية من جهاز المدعي الخلوي، من دون علم أو موافقة الجهة المدعية، وذلك عبر إرسالها إلى جهازه الخلوي باستخدام تقنية AirDrop، وكذلك على خلفية إقدام المدعى عليها على نسخ تلك الصور من جهاز المدعى عليه وتخزينها على جهازها الخلوي، أيضًا من دون علم أو موافقة الجهة المدعية.
وحيث إن جريمة السرقة تفترض، وفقًا لمفهومها القانوني، أن يكون محلها مالًا ماديًا، أي شيئًا ملموسًا يمكن الاستيلاء عليه ماديًا. فالسرقة تقوم على فعل الأخذ، الذي يقتضي نقل الشيء المادي من حيازة شخص إلى آخر، مما يستوجب أن يكون محل الجريمة شيئًا محسوسًا له وجود مادي يمكن انتزاعه من صاحبه.
وحيث إن تحقق جريمة السرقة مشروط بكون المال منقولًا، أي قابلاً للانتقال من مكان إلى آخر، فإن فعل الأخذ، سواء تم خفية أو عنوة، يستلزم إخراج الشيء من حيازة شخص وإدخاله في حيازة جديدة. ومن ثم، فإن انتقال الحيازة الفعلية يشكل عنصرًا جوهريًا في قيام الجريمة، إذ لا يمكن تصور وقوع السرقة دون فقدان المجني عليه حيازته للشيء محل الجريمة.
وحيث إنَّ الصور الرقمية المخزّنة على الأجهزة الإلكترونية لا تُعدّ مالًا ماديًا، وإنما هي بيانات رقمية غير ملموسة، فإن مجرد نسخ صورة دون علم ورضا صاحبها لا يُشكّل “أخذًا” بالمعنى القانوني للسرقة، نظرًا لكونها تبقى بحوزة صاحبها ولا تخرج من نطاق سيطرته الفعلية. وعليه، لا يمكن اعتبار عملية نسخ الصورة جريمة سرقة وفقًا لأحكام المادة 636 من قانون العقوبات، لعدم انطباق أركان هذا الجرم عليها.
وحيثُ تجدر الإشارة إلى أن الفقه القانوني والتقني الحديث، قد تبنّى استخدام مصطلحات مثل “Stealing Data” أو “Cyber Theft / Data Theft”، للإشارة إلى الاستيلاء غير المشروع على البيانات الإلكترونية، خاصة في سياق الجرائم المعلوماتية والاعتداءات السيبرانية، وإن كان هذا الاستخدام لا يتطابق تمامًا مع التكييف الجنائي الكلاسيكي نظرًا إلى أن البيانات لا تُعد مالًا ماديًا ملموسًا يُمكن حيازته أو نقله بالمعنى التقليدي لجريمة السرقة على النحو الذي تمّت معالجته أعلاه.
وحيث إنه وبدلًا من اعتماد وصف “السرقة”، فإن القوانين الحديثة، ولا سيما تشريعات حماية البيانات ومكافحة الجرائم المعلوماتية، قد اتجهت إلى استخدام مفاهيم ومصطلحات قانونية أكثر دقّة، تتماشى مع الطبيعة غير المادية للبيانات في البيئة الرقمية. وتشمل أبرز صور الانتهاكات الحديثة لمبادئ حماية البيانات ما يلي:
ـ الوصول غير المشروع (Unauthorized Access) : ويُقصد به الدخول أو الولوج إلى نظام معلوماتي أو بيانات شخصية دون وجود سند قانوني أو دون موافقة صريحة من صاحب الحق، ويُعد من الأفعال المجرّمة في معظم التشريعات الخاصة بمكافحة الجرائم الإلكترونية.
ـ اختراق البيانات (Data Breach): وهو مصطلح يُشير إلى أي خرق أمني يؤدي، سواء عن طريق الخطأ أو بشكل غير قانوني، إلى الإتلاف أو الفقدان أو التعديل أو الإفشاء غير المصرّح به (Unauthorized Disclosure) أو الوصول غير المصرّح به إلى البيانات الشخصية المُعالجة.
ـ الاعتداء على سرية البيانات (Violation of Data Confidentiality): ويُقصد به كل فعل ينطوي على استخدام أو إفشاء أو تداول غير مشروع للبيانات الشخصية، بما يشكل خرقًا للالتزام القانوني أو المهني بالمحافظة على سريتها.
ـ الاستحواذ غير القانوني على البيانات (Unlawful Data Acquisition): ويُشير إلى كل عملية جمع أو نسخ أو استخراج أو نقل للبيانات دون إذن من صاحبها أو دون وجود مسوّغ قانوني، سواء تم ذلك من خلال وسائل تقنية (كالقرصنة) أو باستخدام طرق احتيالية أو مضللة.
ـ إساءة استخدام البيانات (Data Misuse): وهي تتعلق باستخدام البيانات الشخصية في غير الأغراض المحددة والمصرّح بها، وذلك رغم الحصول عليها بطريقة مشروعة، مما يُعد انتهاكًا لمبدأ الغرض المحدد (Purpose Limitation).
وعليه، فإن التوصيف القانوني الصحيح للأفعال التي تمسّ بالبيانات الشخصية يعتمد في التشريعات الحديثة، ولا سيما القانون اللبناني رقم 2018/81 المتعلّق بالمعاملات الإلكترونية وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي، على طبيعة الفعل المرتكب وظروفه.
وحيث بعد هذه المعالجة، يتعيّن على المحكمة أن تُجري توصيفاً قانونياً للوقائع الثابتة، وأن تُحدد التكييف السليم للأفعال، وذلك بما يتناسب مع النصوص العقابية الواجبة التطبيق.
2- في التوصيف القانوني للوقائع والتكييف الصحيح للجرائم.
حيث يتبيّن من الوقائع المبيّنة أعلاه، أن المدعي سمح للمدعى عليه، الذي كان يعمل لديه، حصراً بمتابعة مكالمة هاتفية عبر هاتفه الخلوي مع أحد الزبائن، إلا أن المدعى عليه استغل هذه الثقة وأقدم، بالغفلة من دون علم المدعي أو رضاه، على الولوج إلى ملف الصور المخزّن على الهاتف، حيث شاهد صورًا خاصة وحميمة للمدعية، زوجة المدعي، وهي في وضع غير محتشم. ثم أقدم على نسخ هذه الصور وتخزينها في جهازه الخلوي مستخدمًا تقنية AirDrop، مدفوعًا بإعجابه بالمدعية ورغبته في التمتّع بجمالها بصريًا في وقت لاحق.
ومن جهة أخرى، أقدمت المدعى عليها، وهي زوجة المدعى عليه، على نسخ هذه الصور من الجهاز الخلوي العائد إلى هذا الأخير، عبر تطبيق واتساب، وحفظها على جهازها الخلوي، ثم، في مرحلة لاحقة، نشرت إحدى هذه الصور، التي تظهر فيها المدعية في هيئة غير محتشمة، وهي تمدّ لسانها بحركة ذات طابع إيحائي، على ‘الحالة’ (الستوري) الخاصة بتطبيق واتساب، مع تقييد نطاق المشاهدة ليقتصر على المدعية وحدها، وذلك بقصد مضايقتها وإغاظتها كردّة فعل لما اعتبرته أعمالًا استفزازية قامت بها المدعية تجاهها بعد طرد زوجها من العمل لدى المدعي.
حيث إنه، سندًا لأحكام المادة 176 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ينظر القاضي المنفرد الجزائي في الوقائع الواردة في ادعاء النيابة العامة، وله أن يتعرض للظروف والوقائع التي لازمت الجريمة المدعى بها، وكان من شأنها أن تؤثر في وصفها القانوني. وإذ لا يتقيد القاضي المنفرد الجزائي بالوصف القانوني المعطى للفعل الجرمي المدعى به، فإنه يملك سلطة إعادة التكييف القانوني وفقًا للمعطيات المتوافرة في الملف القضائي، بما يضمن تحقيق العدالة في تكييف الوقائع وفقًا لمقتضيات القانون.
وحيث ان لكل شخص الحق في احترام حياته الخاصة وصورته، بما يضمن استقلاليته الذاتية وحماية خصوصياته.
وحيث كفل الدستور اللبناني في المادة 8 الحرية الشخصية، كما أكّد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) أنه: “لا يجوز تعريض أي شخص، بشكل تعسفي أو غير قانوني، للتدخل في خصوصياته أو في شؤون أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا لأي هجمات غير قانونية على شرفه أو سمعته”. وأنه يحق لكل فرد ” أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو هذه الهجمات”.كما كرّس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR)الحق في الخصوصية في المادة 12 منه. إضافةً إلى ذلك، أكّدت القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، كالقرار 167/68 والقرار 176/75 لعام 2020، والقرارات المعتمدة من قبل مجلس حقوق الإنسان، وآخرها القرار 3/55 لعام 2024، على أهمية الحفاظ على الحق في الخصوصية في العصر الرقمي، وضرورة ضمان الحماية القانونية لهذا الحق.
وحيث إن مبدأ سيادة الفرد على بياناته وصورته الشخصية، يمنحه حقًا مطلقًا في التحكم بهما، ويشمل عمليات التقاطها وتخزينها واستنساخها واستخدامها.
وحيث إنّ الهاتف الخلوي يُعتبر “نظاما معلوماتيا” بالمعنى القانوني، نظراً لاحتوائه على بيانات رقميّة تشمل الصور والملفات والحسابات والمعلومات الشخصية المخزّنة فيه، مما يجعله خاضعًا للأحكام المتعلّقة بحماية النظم المعلوماتية وأمن البيانات المنصوص عليها في القانون رقم 2018/81 المتعلّق بالمعاملات الإلكترونية وحماية البيانات ذات الطابع الشخصي.
حيث إنّ صور الأشخاص المخزّنة داخل الأجهزة الخلوية تُعدّ بيانات شخصية، نظراً لقدرتها المباشرة على تحديد هوية أصحابها، وفقاً للمادة الأولى من هذا القانون.
وحيث إن أي عملية أو مجموعة عمليات تُجرى على هذه الصور، بأي وسيلة كانت، وبأي شكل كان لوضعها تحت التصرف، بما في ذلك نسخها، أو تخزينها، أو جمعها، أو حفظها، أو استخدامها، أو نشرها، تُعد بمثابة “معالجة” بالمعنى المحدد في هذه المادة.
وحيث، سنداً للمادة للمادة 91 من القانون المذكور، المماثلة للمادة 9 من اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، فإنّ الصور التي تتعلّق بجسد الشخص أو بحالته غير المحتشمة، تُصنّف ضمن الفئات الخاصة من البيانات الشخصية، وتُعدّ في ذاتها بيانات شخصية حساسة (Sensitive Personal Data)، نظراً لما تكشفه عن الهوية الجسدية والتفاصيل المرتبطة بحياة هذا الشخص الحميمة، فضلاً عن ميوله وسلوكياته ذات الطابع الجنسي.
وحيث تزداد حساسية هذه البيانات إذا كان الشخص الظاهر فيها يقوم بحركات إيحائية، كمدّ لسانه بطريقة تحمل دلالة جنسية، كما هو الحال في الدعوى الراهنة.
وحيث إن القانون المذكور، في سياق تكريسه لحماية الخصوصية كحقٍّ أساسي في البيئة الرقمية، وسعيًا لتوسيع نطاق هذه الحماية، قد أخضع هذا النوع من البيانات لحماية خاصة ومشددة، إذ أرسى، في المادة 91 منه، قاعدة عامة تقضي بحظر جمعها أو معالجتها، إلا في حالات استثنائية محددة على سبيل الحصر. ومن أبرز هذه الحالات: الحصول على موافقة صريحة من الشخص المعني، أو أن يكون هو نفسه قد وضع هذه البيانات في متناول الجمهور، أو أن يكون جمعها أو معالجتها ضروريًا لإثبات حق أو الدفاع عنه أمام القضاء، أو لوضع تشخيص طبي أو تقديم علاج من قبل أحد أعضاء المهن الصحية، أو في حال الحصول على ترخيص قانوني بذلك.
وحيث إنّ أيًّا من هذه الاستثناءات المنصوص عليها لا يتوافر في الدعوى الراهنة، وقد ثبت إقدام المدعى عليهما على نسخ وحفظ الصور المشكو منها دون علم وموافقة الجهة المدعية.
وحيث إن هذه الموافقة تستند إلى مبدأ الاستقلال الذاتي للفرد، أو ما يُعرف بالحق في تقرير المصير المعلوماتي (Informational Self-Determination)، وتُعدّ ضمانة أساسية لحماية الخصوصية، وتمكين الأفراد من التحكم في بياناتهم الشخصية، فضلاً عن تعزيز الشفافية والمساءلة.
وحيث إن مجرد جمع أو الاحتفاظ (التخزين) بصور شخصية حساسة دون الحصول على الموافقة الصريحة من الشخص المعني بها، يشكّل تعدياً على حقه في صورته وانتهاكًا لحقّه في الخصوصية، حتى لو لم يتم تداول هذه الصورة أو عرضها للعلن.
وحيث فضلاً عما تقدم، فقد ألزم هذا القانون اقتصار جمع البيانات على ما هو ضروري لتحقيق الأغراض المشروعة المعلنة بما يعزّز حق الأفراد في التحكّم بمعلوماتهم الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، منح الأفراد حقوقًا متعلّقة بخصوصيتهم، مثل الاطّلاع على بياناتهم، وتصحيحها، وحذفها، والاعتراض على معالجتها. كما أوجب التصريح والترخيص والنشر، إلى جانب وجوب اتخاذ التدابير التقنية والإدارية اللازمة لحماية البيانات من الاختراق مثل التشفير والتحكّم في الجهات التي يمكنها الوصول إليها، مع تحديده فترة احتفاظ تتناسب مع الغرض المحدّد، وتأكيده على أهمية الرقابة والامتثال.
وحيث إن هذا القانون قد فرض عقوبات على المخالفات المرتكبة لتشمل في المادة 106 منه كل من اقدم على جمع او معالجة بيانات ذات طابع شخصي دون التقيد بالقواعد المقررة وفق احكام الفصل الثاني من بابه الخامس. وكل من اقدم، ولو بالاهمال، على افشاء معلومات ذات طابع شخصي موضوع معالجة لاشخاص غير مخولين الاطلاع عليها.
كما عاقب في المادة 110 منه الوصول أو الولوج غير المشروع، بنية الغش، الى نظام معلوماتي او المكوث فيه، وشدد العقوبة، اذا نتج عن العمل الغاء البيانات الرقمية او البرامج المعلوماتية او نسخها او تعديلها او المساس بعمل النظام المعلوماتي.
وحيث إنّه، وانطلاقًا من مبدأ احترام الحياة الخاصة، وعدم تحميل الأفراد العاديين التزامات تنظيمية تفوق طاقتهم، فقد استثنى هذا القانون في المادة 85 منه، المعالجات المتعلقة بالنشاطات الشخصية التي يقوم بها الشخص حصريًا لحاجاته الخاصة.
وحيث إن هذا الاستثناء لا يُطبَّق إلا إذا اقتصر الاستعمال على نطاق مشروع، ضيّق وخاص، وشخصي لا يمتدّ أثره إلى الغير، ولا يسبّب لهم ضررًا، أو يمسّ بحقوقهم، أو بمصالحهم المشروعة.
أما متى تعدّى هذا الاستخدام حدوده، كما في حالات المساس بخصوصية أو حرمة الحياة الخاصة أو العائلية للغير أو بالحق في السيطرة على صوره الجسدية وحرمته الجسدية، من خلال التقاط أو نسخ أو تخزين صور أو تسجيلات صوتية أو مرئية أو بيانات حسّاسة دون علم أو رضا صاحبها، حتى وإن لم يتم مشاركتها مع أي طرف آخر غير المستخدم نفسه، فإن الاستثناء يسقط بفقدان مبرره، ويستعيد حينها مبدأ المشروعية سيادته، بوصفه القاعدة العامة الناظمة لأي معالجة قانونية للبيانات الشخصية.
وحيث إن عدم تقييد هذا الاستثناء على النحو المتقدّم، وتركه دون ضوابط واضحة وموضوعية، من شأنه أن يُحوّله إلى أداةٍ للتهرّب من المساءلة، تُقوّض جوهر الحماية التي يسعى القانون رقم 81/2018 إلى تكريسها لحق الخصوصية، وتفتح الباب، في ظل واقع الإطار التشريعي اللبناني، أمام إفلات أفعال خطيرة من أي مساءلة قانونية، لا سيما عندما لا تقترن بأفعال جرمية أخرى تقليدية كالتشهير أو الابتزاز أو التهديد…
وهو ما يتعارض مع روح هذا القانون ومبادئه ومقاصده الحمائية، لا سيما وأنه قد أتى لسدّ ثغرة وفراغًا تشريعيًا طال أمده في مجال حماية البيانات الشخصية، ووفقًا لما ورد صراحةً في أسبابه الموجبة، لوضع “تنظيم قانوني متكامل لموضوع حماية البيانات ذات الطابع الشخصي”، لا ليفتح المجال أمام استثناءات غير مقيّدة من شأنها تقويض تلك الحماية، وخلق ثغرات جديدة تُفرغ القانون من غايته الأساسية.
وحيث إن هذه المحكمة، بصفتها قاضيًا للأمور المستعجلة، وفي قرارها رقم 242 بتاريخ 28/10/2024 والمنشور على موقع محكمة بعنوان: “قرار قضائي نوعي يتناول التوازن بين الأمن الشخصي والحق في الخصوصية عند استخدام كاميرات المراقبة”، على الرابط التالي: https://mahkama.net/قرار-قضائي-نوعي-يتناول-التوازن-بين-الأ/.

قرار قضائي نوعي يتناول التوازن بين الأمن الشخصي والحق في الخصوصية عند استخدام كاميرات المراقبة/سلوان صادر


قد سبق أن فسّرت هذا الاستثناء، تفسيراً ضيقاً لا يُفرّغ الأصل من مضمونه، على أنه ينطبق حصراً على المعالجات التي يقوم بها الفرد لأغراض شخصية بحتة، وفي إطار حاجاته الذاتية، والتي لا تنطوي على أي تهديد لخصوصية الغير أو تعدٍّ على نطاقهم الحياتي الخاص.
وحيث إن المحكمة في حكمها المذكور، قد طبّقت هذا الاستثناء على البيانات المرئية و/أو المسموعة الناتجة عن كاميرات المراقبة الموضوعة في المساحات الخاصة، واعتبرت أن النشاط المتعلق بها يخرج من نطاق تطبيق قواعد حماية البيانات الشخصية، طالما بقيت الكاميرات ضمن إطار الملكية الخاصة. ورفضت تطبيقه في الحالات التي تتجاوز فيها الكاميرات حدود الملكية الخاصة لصاحبها لتشمل تصوير أو تسجيل مساحات عامة، أو مساحات تعود لملكية مشتركة، أو ممتلكات خاصة عائدة للغير، معتبرة أن البيانات الناتجة عن تلك المساحات تخضع لأحكام قانون حماية البيانات الشخصية، نظرًا لما ينطوي عليه الأمر من تأثير مباشر على خصوصية الأفراد في تلك الأماكن.
وحيث إن ها التفسير ينسجم مع اجتهاد محكمة العدل الأوروبية (CJEU)، في معرض تطبيقها للاستثناء المنصوص عليه في المادة 2، الفقرة 2، البند (ج)، من اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، ولا سيما في الحكم الصادر عنها في قضية:
“Ryneš v. Úřad pro ochranu osobních údajů (C-212/13)”
المنشور على الموقع الرسمي للاتحاد الأوروبي عبر الرابط التالي:
https://eur-lex.europa.eu/legal-content/EN/TXT/?uri=CELEX%3A62013CJ0212
وعليه، فلا يُطبّق هذا الاستثناء متى تعارض مع حقوق الغير، ولا سيما عند التعامل مع بيانات حساسة مثل الصور ذات الطابع الجنسي أو الحميم، في حال تمت معالجتها أو الاحتفاظ بها دون موافقة صاحبها. فلا يجوز لأي شخص التذرّع بأن جمعه أو نسخه أو احتفاظه أو تخزينه لصور حساسة تعود لشخص آخر يُعدّ أمرًا ‘خاصًا’ أو ‘شخصيًا’. ومتى كانت الصورة قد تم الحصول عليها دون علم أو رضا الشخص المعني، فإن هذا التصرف يخرج من نطاق الاستخدام الشخصي ويُعد خرقًا لأحكام قوانين حماية البيانات. وينطبق الأمر كذلك عند الاحتفاظ بهذه البيانات أو الاستمرار في معالجتها، حتى لو كان الشخص المعني قد سبق أن أرسلها طوعًا، أو تمّ تصويرها أو التقاطها أو نسخها برضاه، طالما أن ذلك لا يستند إلى إرادته المتجددة أو موافقته الصريحة.
وحيث إنّ ما يُرتكب في الخفاء لا يكتسب مشروعيته لمجرّد أنه يُصنَّف كفعل “شخصي”. فحتى داخل الحياة الخاصة، لا يجوز التعدّي على حق الغير في احترام جسده وصورته وخصوصيته. وإن الادعاء بأن التقاط أو نسخ أو تخزين صور حساسة لشخص دون علمه، بغرض التمتّع النظري بجمال جسده، يُعدّ خرقًا واضحًا لمبادئ حماية الكرامة الإنسانية والخصوصية الجسدية، ويُشكّل في جوهره تعدّيًا على الحق في السيطرة على الصورة الجسدية، وانتهاكًا لحرمة الجسد والخصوصية، حتى في غياب النشر أو التداول.
وحيث إنه لا بدّ، في هذا السياق، من الإشارة إلى أنه، حتى في إطار ممارسة الحقوق الأساسية الدستورية، ولا سيما حرية الرأي والتعبير، فقد كرّس القانون المقارن، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة وكندا، مبدأ التوازن بين هذه الحرية بما تشمله من حق للجمهور في المعرفة من جهة، والحق في حماية البيانات الشخصية والخصوصية من جهة أخرى.
ويبرز هذا التوازن بوضوح في اجتهادات محكمة العدل الأوروبية (CJEU)، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR)، ومحكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (IACtHR)، والمحكمة العليا الأمريكية (SCOTUS)، حيث عكست تلك الاجتهادات التحديات المستمرة في تحقيق هذا التوازن، وفق معايير تضمن ممارسة حرية التعبير دون المساس غير المشروع بحقوق الأفراد في الخصوصية، مع مراعاة مبادئ الشرعية، والضرورة، والتناسب، وتقديم المصلحة العامة كأولوية.
وإنه لئن ضيّقت هذه الاجتهادات، نسبيًا، من نطاق الحماية القانونية للخصوصية، في الحالات التي تكون فيها الصورة موضوع المعالجة متعلّقة بشخصية عامة أو مشهورة (public figure / celebrity)، وترتبط بحياتها العامة أو بنشاطها المهني، أو تُظهرها في أماكن عامة، أو في سياقات تخدم نقاشًا عامًا مشروعًا، أو تساهم في كشف الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان أو غيرها من القضايا ذات الطابع العام (matters of public interest, public significance, or public concern)،
إلا أنها لم تُجز، بأي حال من الأحوال، المساس الكيفي بالكرامة الإنسانية.
ومنعت استخدام البيانات الحساسة لأغراض من شأنها انتهاك كرامة الشخص أو إسقاط الحماية المقرّرة له بموجب قوانين حماية البيانات، ولا سيما عندما تكون الصور ذات طابع حميم أو خاص (intimate or private in nature)، أو تمّ الحصول عليها دون علم الشخص المعني، أو في أماكن يُفترض فيها احترام الخصوصية (places where a reasonable expectation of privacy exists).
وانسجامًا مع ما تقدّم من مبادئ مقرّرة في القانون المقارن، يكرّس القانون اللبناني رقم 81/2018 بدوره هذا التوازن، إذ وإن كان قد استثنى الصحافة من بعض الالتزامات المتعلّقة بحقوق الأفراد في الوصول إلى بياناتهم الشخصية وتصحيحها عند ممارستها نشاطها المهني، إلا أنّ هذا الاستثناء جاء مشروطًا بالتقيّد بأحكام القوانين النافذة، ولا يُعفي من الخضوع للنصوص التي ترعى شروط ممارسة حق الردّ، وتنظّم حدود التعرّض للحياة الخاصة ولسمعة الأفراد، وذلك بموجب المادة 105، معطوفة على المواد 99 و100 و101 من القانون نفسه.
وحيث بالنسبة للأفعال المرتكبة من المدعى عليه (ج)؛
وحيث إنه لم يثبت من وقائع هذه الدعوى أن ولوج المدعى عليه إلى الصور الحساسة العائدة للمدعية، والمحفوظة في هاتف المدعي، قد تمّ بنيّة الغش، على النحو الذي تشترطه المادة 110 من القانون رقم 2018/81،
إلّا أن الثابت أن هذا الولوج حصل عرضًا أثناء قيامه بمتابعة مكالمة هاتفية مأذون بها مع أحد الزبائن، فاستغل ثقة المدعي به، وأقدم، عن قصد، وفي غفلة من الأخير، على الدخول إلى ملف الصور المخزّن على الهاتف، ونسخ تلك الصور وتخزينها على جهازه الخلوي، مستخدمًا في ذلك تقنية “AirDrop” التي تُتيح نقل البيانات مباشرة وبشكل غير ظاهر للمستخدم.
وحيث إن فعل المدعى عليه المتمثّل بنسخ تلك الصور دون علم الجهة المدعية أو رضاها، وتخزينها على جهازه الخلوي، يُشكّل معالجة غير مشروعة لبيانات شخصية، تخرج عن نطاق المعالجات التي تتم في إطار الأنشطة الشخصية البحتة التي يقوم بها الفرد حصريًا لحاجاته الخاصة. لا سيما وأن هذه الصور قد وصلت إلى المدعى عليها نتيجة تمكّنها من الاطلاع عليها ونسخها من هاتف المدعى عليه وتخزينها على هاتفها الخاص،
سواء حصل ذلك بقصد منه أو نتيجة إهماله، لعدم اتخاذه تدابير فعّالة لحماية هذا المحتوى الحساس، كتركه الجهاز من دون كلمة مرور، أو إبقائه الصور في موقع يسهل الوصول إليه ضمن تطبيق الصور أو مجلد غير مؤمّن. وهو ما يُشكّل، في جميع الأحوال، حالة من المعالجة المهملة ( Negligent processing leading to unauthorized disclosure).
وحيث إن حفظ وتخزين البيانات الحساسة، بعد نسخها دون علم الجهة المدعية أو رضاها، قد بدأ في إمارة أبو ظبي، حيث تعاقب القوانين هناك على هذا الفعل بعقوبات تشمل الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر، فضلاً عن الغرامة، وذلك عملاً بالمرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية،
وحيث إن هذا الفعل يُشكّل، وفقاً لأحكام القانون اللبناني رقم 2018/81 ، معالجة غير مشروعة لبيانات شخصية، ويُعد جنحة يُعاقب عليها بالحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، فضلاً عن الغرامة، عملاً بالمادة 106 منه،
وحيث إن هذا الجرم يندرج، بالتالي، ضمن نطاق الصلاحية الشخصية، استناداً إلى أحكام المادة 20 معطوفة على المادة 24 من قانون العقوبات اللبناني،
وحيث إن هذا الفعل يُعد من الجرائم المستمرة، وقد امتد نطاق وقوعه إلى الأراضي اللبنانية بعد حضور المدعى عليه إلى لبنان، فإنه يكون كذلك مشمولاً بالصلاحية الإقليمية، عملاً بأحكام المادة 15 من قانون العقوبات اللبناني؛
وحيث إن فعل المعالجة المهملة قد وقع أيضاً في لبنان، بصورة مستقلة، فإنه يندرج بدوره ضمن الصلاحية الإقليمية، استناداً إلى القاعدة ذاتها،
وحيث إنه، واستناداً إلى ما تقدّم، يقتضي إدانة المدعى عليه بالجنحة المنصوص عليها في المادة 106 من القانون رقم 2018/81.
وحيث بالنسبة للأفعال المرتكبة من المدعى عليها (أ)؛
وحيث إن إقدام المدعى عليها على نسخ صور المدعية الحساسة وتخزينها على جهازها الخلوي، من دون علم أو رضا الجهة المدعية، يُشكّل مخالفة صريحة لمقتضيات المادة 91 من القانون رقم 2018/81،
كما أن مشاركتها لاحقًا لإحدى هذه الصور مع المدعية تُشكّل معالجةً واستعمالًا عدائيًا وغير مشروع لبيانات شخصية حساسة، تمّ بقصد إغاظة الضحية وإيذائها نفسيًا، من خلال إحراجها، وزعزعة شعورها بالأمان، وإثارة مشاعر الغضب والذل والانزعاج، وتوليد حالة من التوتر والقلق والخشية من احتمال استغلال هذه الصور في المستقبل.
وحيث إن أفعال المدعى عليها هذه تُعدّ خرقًا صريحًا لمبادئ المعالجة المشروعة للبيانات الشخصية، كما وردت في القانون رقم 2018/81، وتستوجب الإدانة بموجب الجنحة المنصوص عليها في المادة 106 من القانون المذكور.
وفي تقدير العقوبة؛
وحيث إن الأفعال الجرمية موضوع هذه القضية تتمثل في المعالجة غير المشروعة للبيانات الشخصية، وما تنطوي عليه من انتهاك لخصوصية الأفراد،
وحيث إن المحكمة، واستنادًا إلى سلطتها التقديرية، وبعد أخذها في الاعتبار الظروف الشخصية للمدعى عليهما، وعدم ثبوت وجود سوابق قضائية بحقهما، واقتصار أفعالهما الجرمية على المدعيين دون أن تطاول أي أشخاص آخرين، فضلاً عن مبدأ التدرج في العقوبة الذي يوجب تفضيل العقوبات الأقل قسوة متى كانت كافية لتحقيق الغاية العقابية، ترى أن العقوبة السالبة للحرية، وإن كانت منصوصًا عليها في القانون، لا تُعدّ السبيل الأنسب في القضية الراهنة، بالنظر إلى أن الأفعال، رغم جسامتها من حيث أثرها المعنوي، لا تتصف بالعنف، ولا نشكّل تهديدًا مباشرًا للسلامة العامة أو النظام العام.
وعليه، تقرر المحكمة الاكتفاء بفرض غرامة مالية.
3ـ في التعويض المطلوب.
حيث إن الضرر اللاحق بالجهة المدعية نتيجة أفعال المدعى عليهما لا يقتصر على مجرد خرق لحقها في الخصوصية، بل يمتد ليطال كرامتها وسلامتها النفسية، بما يُشكّل انتهاكًا صارخًا لحرمة الحياة الخاصة.
وإذ يُعدّ احترام الحياة الخاصة من الحقوق الأساسية التي تكفلها المبادئ القانونية العامة، فإن مجرد تحقق الاعتداء على هذا الحق يُرتّب بذاته حقًا في التعويض، دونما حاجة إلى إثبات ضرر إضافي.
وحيث إن هذه الأفعال المدانة قد ألحقت بكل من أفراد الجهة المدعية أذىً معنويًا، على النحو المبيّن أعلاه، تمثّل في المسّ بحرمتهما الشخصية وزعزعة شعورهما بالأمان النفسي،
وحيث إن النظام القانوني في لبنان، شأنه شأن غالبية الدول التي تتبع النظام الجرمانو-روماني (Civil Law System)، يقوم على مبدأ التعويض الكامل والمتناسب مع الضرر، أي ما يُعرف بـــــ compensatory damages. ولا يُجيز الحكم بتعويضات تتجاوز حدود الضرر الفعلي.
وحيث إن هذا النظام، وبصرف النظر عن مدى جسامة السلوك المشكو منه، لا يُجيز أن يتخذ التعويض طابعًا عقابيًا يهدف إلى معاقبة الجاني أو ردعه، على غرار ما هو معمول به في التعويضات العقابية أو التأديبية المعروفة بــــ punitive damages، المعتمدة في الولايات المتحدة وبعض الدول التي تتبع النظام الأنغلوسكسوني (Common Law System)، ذلك أن إقرار هذا النوع من التعويضات يتعارض مع المبادئ العامة التي يقوم عليها القانون اللبناني، ويُشكّل خرقًا صريحًا لمفهوم النظام العام، باعتبار أن الوظيفة العقابية تُناط حصرًا بالعقوبة التي تُوقَّع بموجب نص جزائي صريح، وهي وحدها التي تؤدي هذا الدور، في حين يبقى التعويض محصورًا ضمن نطاقه الطبيعي، أي جبر الضرر الفعلي فقط دون تجاوزه.
وحيث إنه من المستقر في الفقه والاجتهاد أن التعويض عن الضرر المعنوي لا يُقصد به محو الألم أو المعاناة النفسية التي لحقت بالمتضرّر، بل يُعدّ تعبيرًا رمزيًا عن الاعتراف القانوني بالضرر، وجبرًا معنويًا لخاطر المتضرّر، وترسيخًا لمبدأ احترام الحقوق الشخصية غير المالية، لا سيما في حالات المسّ بالكرامة أو الخصوصية أو السلامة النفسية.
ويعبّر عن هذا المفهوم بالقول: أن الضرر المعنوي لا يمكن جبره إلا بتعويض مالي رمزي، هدفه الاعتراف بالاعتداء ومواساة الضحية.

«Le dommage moral ne peut être réparé que par une satisfaction pécuniaire symbolique, qui a pour objet de reconnaître l’atteinte et de consoler la victime.»

وحيث إن الإدانة الجزائية، بحد ذاتها، وفي ظل ظروف هذه القضية، تُشكّل عنصرًا جوهريًا من عناصر الردع، كما تُعد وسيلة من وسائل الإنصاف المعنوي للضحية، إذ تؤدي وظيفة أساسية في تأكيد عدم مشروعية الفعل المرتكب، وفي حماية الحقوق المنتهكة وصون كرامة الجهة المدعية.
وحيث إن المحكمة، إذ تأخذ في الاعتبار مجمل المبادئ المتقدّمة، ترى أن التعويض عن الضرر المعنوي ينبغي أن يبقى ضمن حدود معقولة ومتناسبة مع طبيعة الفعل المرتكب وحجم الضرر الواقع، فتُحدّده بمبلغ قدره ثلاثمئة مليون ليرة لبنانية (300,000,000 ل.ل.)، يُلزم المدعى عليهما بدفعه متضامنين لصالح الجهة المدعية.
وحيث إنه، في ضوء كل ما تقدم،
يقتضي ردّ ما زاد أو خالف، إما لتضمّنه ردًّا ضمنيًا، وإما لعدم الجدوى، بما في ذلك ما أدلي به لجهة التهديد، لبقاء هذا الإدلاء خارجًا عن نطاق الادعاء العام.
لذلك
يحكم:
أولاً: بإدانة كل من المدعى عليهما (ج) و(أ)، المبيّنة كامل هويتهما أعلاه، بالجنحة المنصوص عليها في المادة 106 من القانون رقم 2018/81، وتغريم كل منهما مبلغ ثلاثين مليون ليرة لبنانية (30,000,000 ل.ل.)، يُستبدل بالحبس بمعدل يوم واحد عن كل عشرة آلاف ليرة لبنانية في حال عدم الدفع، على أن لا تتجاوز مدة الحبس المستبدل السنة الواحدة، وذلك سندًا لأحكام المادة 54 من قانون العقوبات.
ثانياً: بإلزام المدعى عليهما المذكورَين بأن يدفعا، بالتضامن، للمدعيَين تعويضًا قدره ثلاثمئة مليون ليرة لبنانية (300,000,000 ل.ل.).
ثالثاً: بتضمينهما الرسوم والنفقات، وبردّ ما زاد أو خالف.
حكماً وجاهياً بحق الجهة المدعية والمدعى عليها (أ)، وبمثابة الوجاهي بحق المدعى عليه (ج)
صدر وأفهم علناً في أميون بتاريخ 2025/4/4.
“محكمة” – الأحد في 2025/4/13
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك”، و”الواتساب”، و”اكس”، و”الإنستغرام”، و”التلغرام”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!