عادل الخوري القاضي العادل*/حسن الحاج
بقلم القاضي حسن الحاج(الأمين العام لرابطة قدامى القضاة، ومفوّض الحكومة شرفاً لدى مجلس شورى الدولة):
كثيراً ما تعبّر الأسماء عن صفات حاملها، وكأنّي بالأهل عندما يسمّون أولادهم منذ الولادة يستشرفون ما سيكونون عليه من صفات عندما يشتدّ ساعدهم ويصلب عودهم، ويدخلون معترك الحياة، وإنّ اسم عادل هو أدقّ صفة يمكن أن تطلق على الفقيد الغالي القاضي العادل: عادل الخوري، ويكفي ذكر هذه الصفة، القاضي العادل، لتختصر مسيرة حياة شاقة ومضنية عاشها الراحل الكبير، ولتُغني عن ذكر باقي الصفات التي تحلّى بها من الصدق في المعاملة، والأنس في المعاشرة، والتواضع في الأخلاق والإخلاص للأصدقاء والرفاق.
فإذا بكيناه اليوم نبكي فيه هذه الشمائل النادرة التي هي أغنى من المال وأغنى من المجد.
أجل أيّها السادة،
إنّ الخسارة في الموت تقاس بأعمال الإنسان وصفاته وأخلاقه لا بثروته وسلطته، وقد عرفنا الفقيد صادقاً في تعامله، أنيساً في معشره، متواضعاً في أخلاقه، محبّاً لذويه، مخلصاً لرفاقه، كبيراً بلا تكبّر، مثالاً في الوداعة والبساطة، بعيداً عن الفخفخة الكاذبة والمظاهر البرّاقة، لم تغرّه المناصب ولا استهوته الألقاب، بل كان كالحمل الوديع، لا يعرف الشرّ ولا يسعى إليه، ولا يقوى عليه، هذا هو الرجل الذي نشيّعه اليوم من دار الفناء إلى دار الخلود والبقاء، خسرنا به صديقاً وفياً وأخاً عطوفاً ونديماً عشوراً.
بالأمس القريب كنت يا رفيق الدرب الطويل ممتلئاً نشاطاً، تطفح نوراً وتفيض سروراً وترقص طرباً للحياة راضياً شكوراً، وإذ بالقدر القاسي يخطفك وأنت مكتمل نضجك ومنتهى خبرتك، فسبحانك يا ربّ السماء!.
فعلى الطائر الميمون يا روح عادل الخالدة، سيري في موكب النور إلى عرشك الأبدي، واذكرينا في نعيم البقاء مثل ذكرانا لك في أرض الفناء.
وكن يا عادل على ثقة ويقين أنّ أصحابك وخلاّنك سوف يبقون حافظين لودّك، ذاكرين لعهدك معجبين بتلك الشمائل التي تحلّيت بها تكلّل هامات الرجال.
وأمّا أنا أيّها الصديق الغالي الذي تبادلت وإيّاه الودّ والوفاء، وعشنا سوية أحلى أيّام العمر في عاصمة الشمال الأبي، طرابلس الفيحاء، فلم يبق لي إلاّ وقفة تأبين على ثراك ولهفة حزين لدى ذكراك، وليس لي إلاّ أن أردّد قول الشاعر:
فبلّغ سلامي معشراً قد بكيتهم
وما زال دمعي كلّما ذكروا يجري
ونم في ظلال الأمن والراحة التي
يفوز بها الموتى إلى آخر الدهر
وأخيراً، فإنّي باسم رابطة قدامى القضاة التي شرّفتني إذ كلّفتني بإلقاء كلمة رثاء بالفقيد الذي كان عضواً فاعلاً فيها ومثابراً في كلّ نشاطاتها، وباسمي الشخصي، أتقدّم من أرملة الفقيد المفجوعة وأولاده الأعزاء وذويه وأصدقائه ومحبّيه وما أكثرهم، بأسمى آيات العزاء سائلاً المولى عزّ وجلّ أن يلهمهم الصبر والسلوان، وأن يتغمّد الفقيد الغالي بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.
طوبى لك أيّها المحبّ الخالد، لقد أصبحت في ذمّة الله.
*ألقيت هذه الكلمة في مأتم المرحوم القاضي عادل الخوري في كنيسة مار الياس القنطاري يوم الثلاثاء الواقع فيه 28/11/2017
توفّى القاضي عادل طوبيا الخوري يوم الأحد الواقع فيه 26 تشرين الثاني 2017، عن عمر يناهز الواحد والثمانين عاماً، ووري الثرى بعد يومين، في مدفن العائلة في محلّة رأس النبع في بيروت.
ولد القاضي الخوري في محلّة المصيطبة في بيروت في 2 تشرين الثاني 1936، وتولّى مراكز مختلفة في الجسم القضائي منها: رئيس محكمة الجنايات في الشمال، رئيس محكمة الجنايات في البقاع، محامي عام تمييزي، وأحيل على التقاعد في 2 تشرين الثاني 2004. تزوّج من فاديا جوزف أيوب وأنجبا الكاتبا العدل إيلي وجاد، والمحامية كريستين الخوري زغيب، وفادي.(محكمة)
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 25 – كانون الثاني 2018- السنة الثالثة)