مقالات

على خطى البابا فرنسيس.. أنا مسيحي من أجل إخوتي المسلمين.. نداء محبّة إلى قلوب تتوق إلى الضوء/أنطونيو الهاشم

أنطونيو الهاشم (نقيب المحامين سابقاً):
من وحي مسيرة البابا فرنسيس ولمناسبة يوم دفنته وحفاظاً على الطريق الذي رسمه مع شيخ الأزهر الشريف، أوجه هذه الكلمات الى إخوتي المسلمين.
أنا مسيحي، لا لأن اسمي سُجّل يومًا في دفاتر العماد، ولا لان هويتي تنحصر في طقس أو كتاب، بل لأنني آمنت أن النور لا يُختزل في ديانة، وأن القلب حين يُخلق نقيًا، فإنه يعرف طريقه إلى الله دون أن يُملى عليه شكل الطريق.إنني مؤمن بأن المحبة لا تُحدّ بحدود، وأن الإنسان أغلى من كل انتماء.
أنا مسيحي من أجل إخوتي المسلمين، لا لأدّعي البطولة، بل لأن المحبة الحقة تبدأ حين تمتد إلى الآخر المختلف عنك. أقولها لأن العالم اليوم يحتاج إلى صوت يعلو فوق جراح الانقسام، فوق ضجيج الكراهية، فوق أصوات أولئك الذين يتاجرون بالدين، ويزرعون في القلوب شوك الفُرقة.
أنا مسيحي من أجلكم، لا تناقض في هذا، بل نداء أخوي يسمو فوق كل اختلاف، ويعانق السماء بقلوب تتلاقى على الخير والرحمة.
أنادي بإسمي، وأرجو أن يُسمع صوتي في المساجد كما يُسمع في الكنائس، بأننا بشرٌ من طينٍ واحدٍ، وأننا إن اختلفنا في السجود، فإننا لا نختلف في الدموع، في الجوع، في الأمل، في الطفولة، ولا في الحلم بعالمٍ أقلّ وجعًا.
أنا مسيحي من أجلكم، لأنكم لستم “الآخر” في عيني، بل أنتم ذاتي في مرآة الحياة. كيف لا، وأنا أراكم تحملون أطفالكم كما نحمل أطفالنا، تبكون موتاكم كما نبكي، وتفرحون في الأعياد كما نفرح. كيف لا، ونحن جميعًا نحمل ذات القلق على وطنِ ينهار، وذات الحنين إلى سلام لم نعرفه بعد، لكنه يعيش في أعماقنا كحلم لا يموت.
لست أخاطبكم بلغة المجاملة، بل بلغة القلب. أنتم جدار ظهري في الأزمات. أنتم الدعاء في لحظة ضيق، والنخوة في ساعة شدة، والوفاء حين يخذلنا الزمن. فإن كنت مسيحيًا، فذلك لا يمنعني من أن أكون سيفًا يُشهر في وجه من يسيء إليكم، ويدًا تمتد حين يتعثّر أحدكم، وصوتًا يعلو إن سُمِع نداءُ مظلوم بينكم.
آن لنا أن نعيد للإنسانية وجهها المشرق، أن نرسمها بلا تصنيف، بلا حواجز من فكرٍ أو دينٍ أو لون. فلنكن أوطانًا لبعضنا، قلوبًا مفتوحة بلا شروط، نتشارك الخبز كما نتشارك الدعاء، ونتقاسم الهم كما نتقاسم الفرح.
أنا مسيحي لأن المسيح علّمني أن أُحب عدوي، فكيف لا أحب أخي؟ والمسلمون إخواني في الإنسانية، في الألم، في الحلم، في الدم الذي سُفك على ذات الأرض من أجل حرية ننتظرها معًا.
يا إخوتي المسلمين، تعالوا نخطّ سطرًا جديدًا في روايتنا. دعونا لا نكون مجرّد رد فعل، بل فِعلًا جديدًا، واعيًا، شجاعًا. دعونا نحيا كما أراد لنا الخالق: أن نكون شهود محبة في أرض أنهكتها الأحقاد. إن الإيمان الحقيقي لا يحتاج إلى إعلان، بل إلى ممارسة. لا إلى شعارات، بل إلى سلوك نعيشه في الشارع، في المدرسة، في العمل، في البيت، حين نُسعف الجريح دون أن نسأله: ما دينك؟ حين نحمي الكنيسة كما نحمي المسجد والعكس صحيح.
أنا مسيحي من أجلكم، لأنني أريد لأولادي أن يعيشوا في عالم لا يُسأل فيه الإنسان عن دينه قبل أن يُمنح كرامته. أريد لأبنائكم وأبنائنا أن يتعلموا معًا، أن يحبوا معًا، أن يحلموا بوطن لا يقسمهم، بل يضمّهم كما تضمّ السماء نجومها، كلٌّ له ضياؤه، وكلّهم جزء من جمال واحد.
نحن معًا، لا أمام بعض، لا فوق بعض، بل كتفًا بكتف، قلبًا لقلب، من أجل إنسانيةٍ أفضل، من أجل وطنٍ لا يُبنى إلا بأيدي الجميع.
فيا أبناء آدم، تعالوا نكون كما أراد لنا خالقنا: إخوةً في الألم، رفقاء في البناء، أصحاب قضية واحدة اسمها “الإنسان”.
والسلام.
“محكمة” – الجمعة في 2025/4/25

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!