قضاة محاكم السير قضاة بمهام أخرى وينتصرون للناس/علي الموسوي
علي الموسوي:
إستبقت “محكمة” يوم الجمعة الواقع فيه 27 تشرين الثاني 2020، كلّ وسائل الإعلام والوكالات بنشرها خبراً عن قرار قضاة محاكم السير في بيروت بوقف تنفيذ محاضر مخالفات السير المنظّمة بحقّ المحامين الذين تعنّت وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال العميد المتقاعد محمّد فهمي في التعاطي معهم بكثير من الإجحاف والكيدية السياسية وقرّر عدم استثنائهم من قرار “المفرد” و”المجوز” أسوة بقطاعات ونقابات أخرى لديها أعمالها اليومية الضرورية.
وما ان انتشر خبر“محكمة”، حتّى فقد بعض المستفيدين من خيرات غرامات محاضر السير صوابهم، وبدأوا بإطلاق الكلام على قضاة محاكم السير للنيل من سمعتهم وكرامتهم، مستغلّين عدم قدرة هؤلاء على الردّ إلتزاماً بموجب التحفّظ القضائي.
وأعلن قضاة محاكم السير في بيروت وبالفمّ الملآن ومن دون وجل أو خوف من أحد، أنّهم قرّروا وقف تنفيذ محاضر المخالفات المتعلّقة بقرار “المفرد” و”المجوز” تحديداً والمحرّرة قبل الساعة الخامسة من مساء كلّ يوم طوال فترة الإقفال التام المتخذّ للتخفيف من انتشار فيروس “كورونا”، إنطلاقاً من سببين إثنين:
أوّلهما، أنّ المجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية ويحضره رئيس مجلس الوزراء ووزراء وقادة عسكريون وأمنيون، إستثنى المحامين من قرار الإقفال التام وسار فهمي بعكسه نكاية بالمحامين وكرهاً برسالتهم في الدفاع عن الحرّيات العامة وحقوق الإنسان،
وثانيهما، أنّ المحامين مكلّفون بحكم عملهم بتقديم طلبات إخلاءات سبيل لموكّليهم وهذا ما يلزمهم بالحضور إلى المحاكم وقصور العدل وإنْ لم يقدّموها يبقى هؤلاء قيد التوقيف في النظارات والسجون، مع ما يعنيه ذلك من تفاقم ظاهرة الإكتظاظ في السجون، وقد فرّ 69 منهم من نظارة قصر عدل بعبدا يوم السبت الواقع فيه 21 تشرين الثاني 2020 ليدخل هذا الخرق الأمني في سجّل عهد العميد المتقاعد فهمي والضبّاط التابعين لوزارته.
وبخلاف ما نشر في الإعلام ممن لا يعرفون العدلية، فإنّ قضاة محاكم السير لا يداومون فقط يومين في الأسبوع في محاكمهم المنتشرة في بيروت وفي كلّ المحافظات، فهم لديهم محاكم أخرى مسؤولون عنها بالأصالة أو بالإنتداب، كما أنّ لديهم الكثير من الإنتاجية اليومية وليسوا بحاجة إلى من يدلّهم إلى واجبهم في إحقاق الحقّ.
ففي بيروت مثلاً، هم قضاة منفردون جزائيون يعقدون جلساتهم بين يومين وثلاثة أيّام على ما تعنيه هذه المسؤولية من استجواب وسماع شهود ومرافعات، تماماً مثل محاكم الجنايات باختلاف التوصيف القانوني للملفّ بين جنائي أو جنحي والأصول المتبعة بين الطرفين بناء على قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي حدّد عمل القاضي المنفرد بـ 57 مادة بين المادتين 150 و207 أ.م.ج.
كما أنّ قضاة محاكم السير هم أيضاً قضاة في محكمة المخالفات، والسيرُ جزءٌ منها، ومنهم من هو مسؤول عن محكمة تنفيذ عقود السيّارات، ومنهم من هو منتدب محامياً عاماً استئنافياً في محافظة أخرى ويداوم هناك أيضاً، ومنهم من هو منتدب مستشاراً في محكمة الاستئناف التي تعقد جلسات وتصدر أحكاماً وقرارات بما هي مولجة به، ممّا يعني أنّ تشويه الحقيقة بأنّ قضاة محاكم السير يدامون يومين فقط، غير صحيح وغير صالح للإستهلاك على الإطلاق، ولا يمرّ على أهل العدلية، وهو يأتي في سياق التشويه المتعمّد للحقائق وبإيعاز سياسي وأمني واستكمالاً لحفلة تهشيم القضاء والإستقواء عليه إعلامياً مع استغلال فاضح لالتزام القضاة بموجب التحفّظ.
فلدى قضاة محاكم السير كما يوصفون في جزء بسيط من لوحة أعمالهم في قصور العدل، وبحكم توزيع المهام بعد صدور مرسوم أيّ تشكيلات قضائية، وظائف ومهام أخرى وملفّات أخرى تحتاج هي الأخرى إلى تدقيق وإصدار أحكام فيها.
ولئلاّ يكون الكلام عمومياً، فلا بدّ من إعطاء نماذج تثبت وتؤكّد بأنّ قضاة محاكم السير يعملون كثيراً، وتحكي سجّلاتهم المشرّعة أمام الجميع من محامين ومتقاضين وهيئة التفتيش القضتئي ومجلس القضاء الأعلى عن إنتاجيتهم.
تقي الدين
فالقاضي باسم تقي الدين قاض منفرد جزائي ناظر في دعاوى الجنح المتعلّقة بالحقّ الشخصي، ويرأس محكمة المخالفات على أنواعها بما فيها محكمة السير، ويداوم ثلاثة أيّام في الأسبوع في قصر عدل بيروت تتوزّع بين أيّام الثلاثاء والخميس والجمعة، ولا ينتهي عمله في العدلية، بل يحمل مثل كثيرين من القضاة، ملفّاته لمتابعتها في منزله ودرسها وتجهيزها وكتابة الأحكام والردّ على الدفوع الشكلية في حال إثارتها.
عيسى الخوري
والقاضي جويل عيسى الخوري ترأس بدورها محكمة المخالفات على أنواعها بما فيها محكمة السير، وترأس محكمة تنفيذ عقود السيّارات، وهي مستشارة بالإنتداب في الغرفة الخامسة لمحكمة استئناف بيروت الناظرة في دعاوى الإيجارات، ومنتدبة محامياً عاماً استئنافياً في البقاع، وتداوم بين قصري عدل بيروت وزحلة، وتتلقّى اتصالات الضابطة العدلية في منزلها مع ما يعنيه هذا الأمر من ضغط معنوي ونفسي، وبالتالي فالمسؤوليات لديها كثيرة وعديدة.
محيو
والقاضي نبال محيو قاض منفرد جزائي تنظر في دعاوى الجنح المتصلة بالحقّ الشخصي، وترأس محكمة السير أيضاً، وتحتاج بدورها إلى استكمال عملها في منزلها، وإلاّ كيف تصدر الأحكام في الملفّات المعروضة عليها والمحالة إليها؟
كما أنّ ما يقدّمه قضاة محاكم السير من معاملة راقية وإنسانية لكلّ الناس ومن دون استثناء ومن دون تمييز بين هذا وذاك، وبين فقير وثري، هو مثالي بامتياز وفق قول الناس أنفسهم، ويمكن للوزير فهمي إذا أتاح له وقته خلال تصريف الأعمال بمفهومها الضيّق، الحضور إلى العدلية وسماع الناس بأذنيه مباشرة ومن دون وشوشات المخبرين.
ويعمد قضاة محاكم السير إلى تخفيض قيمة محاضر مخالفات السير بما لا يضرّ بالقانون وبما يتيحه من هامش للتحرّك، مع أنّ لديهم استنسابية في اتخاذ القرار المناسب وتعود لهم الكلمة الفاصلة في تحديد تخفيض هذه القيمة، وليس المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وليس وزير الداخلية سواء أكان فهمي أو غيره من الأسماء والشخصيات السياسية.
ويضطرّ هؤلاء القضاة في بعض الأحيان إلى وقف تنفيذ هذه المحاضر عندما يكون “آكل الظبط” عالقاً في شباك فقر مدقع لا يملك قوت يومه ولا ثمن ربطة خبز يعود بها إلى صغاره المكبّلين بالجوع الكافر نتيجة تصرّفات الدولة وسياساتها “الحكيمة والرشيدة” في الإفلاس والانهيار الإقتصادي، وحكْماً وزير الداخلية والبلديات باختلاف اسمه سواء أكان العميد المتقاعد محمّد فهمي أو فلان، مسؤول بدوره عن عجز الدولة نتيجة وجوده في الحكومة ومجلس الوزراء الذي يتخذّ قراراته بالإجماع، ونادراً ما يحصل تصويت في الملفّات المختلف عليها سياسياً والتي لا تكون تهمّ الناس بقدر ما تهمّ السياسيين أنفسهم!
“كورونا”
وفي زمن تفشّي جائحة “كورونا” وما يحمله من مخاطر وإمكانية الإصابة، لم يتوقّف قضاة محاكم السير عن التردّد إلى مكاتبهم ومحاكمهم وبالشكل اليومي المنتظم بينهم من أجل تسيير العمل، وقد أصيب موظّفون في محكمة السير في بيروت بهذا الفيروس.
إنّ الإنزعاج السياسي والأمني من قضاة محاكم السير يعود إلى وقوفهم إلى جانب الناس، وقيامهم بتخفيض قيمة محاضر المخالفات المنظّمة في بعض الأحيان بكثير من اللؤم والإستقواء والإستعراض من أجل جني المال، باعتبار أنّ منظّمي هذه المحاضر يستفيدون مالياً منها، فجزء من غرامات مخالفات السير يذهب إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ويغذّي صندوقها المالي.
وفي سياق تشويه سمعة قضاة محاكم السير، وإشعارهم بالإذلال كردّ على قرارهم بوقف تنفيذ محاضر مخالفات السير المنظّمة بحقّ المحامين، ذكر الإعلام أنّهم “أرسلوا كتاباً إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي يطالبون فيه بإيداعهم جميع المحاضر المنظّمة بحقّ المحامين”، وهذا غير صحيح على الإطلاق.
وبحسب معلومات “محكمة”، فإنّ قضاة محكمة السير في بيروت لم يرسلوا كتاباً، وليسوا في الأصل، بحاجة إلى القيام بهذا التصرّف والإجراء، وإذا كانت المديرية المذكورة تملك هذا الكتاب فلتنشره وتظهره للإعلام ومن دون حذف أو تحريف أو مونتاج كما حصل في الفيديو الناقص والمجتزأ الذي يصوّر الإشكال بين المحامي افرام الحلبي وعناصرها كما صار معروفاً ومنتشراً بين الناس وفي مختلف وسائل التواصل الإجتماعي والإعلام.
“محكمة” – السبت في 2020/11/28