لو أستطيع../ أنطونيو الهاشم

أنطونيو الهاشم (نقيب المحامين سابقاً):
لو أستطيع أن أجعل العالم أفضل، لفعلت ذلك دون تردد، دون أن أنتظر تصفيقًا أو عرفانًا، فقط لأن شيئًا في داخلي لا يقبل أن يرى الألم صامتًا، أو الفقر متجذرًا، أو القسوة مبرّرة.
لو أستطيع أن أمحو الفقر، لمحوت معه شعور الحاجة الذي يهز كرامة الإنسان في صمت الليل. لجعلت الطعام وفيرًا، والمأوى حقًا، لا امتيازًا. لجعلت الأطفال ينامون وبطونهم ممتلئة، لا معدتهم تقرع أجراس الجوع. فالفقر ليس فقط نقصًا في المال، بل هو نقص في العدالة، في الحنان، في تكافؤ الفرص.
لو أستطيع أن أجعل العالم أكثر عدلًا، لرفعت الظلم عن المظلومين، وغرست في صدورهم الطمأنينة بأن الكرامة لا تباع، وأن الحقوق لا يُساوَم عليها. لجعلت القانون ميزانًا، لا سيفًا مصلةً على الضعفاء.
لو أستطيع أن أملأ القلوب حبًا، لفعلت. لجعلت المحبة لغة الأرض، لا الحرب. لجعلت الناس يرون بعضهم البعض لا من خلال الأديان أو الأعراق أو الأوطان، بل من خلال العيون التي تبكي والقلوب التي تنبض والآمال التي تتشابه. لجعلت كل يد تُمدّ بالعون تجد يدًا أخرى تمسك بها، لا تتركها في الهواء وحيدة.
لو أستطيع أن أمسح دمعة، لمسحت آلاف الدموع من وجوه النساء المنسيات، والأطفال المشردين، والشيوخ الذين يذبلون على أرصفة الانتظار. لأعدت للعالم قلبه، ذلك القلب الذي نسي أنه خُلق ليشعر، لا ليقسو.
لو أستطيع أن أوقف الحروب، لأوقفتها باسم الطفولة، باسم أرواح الأبرياء، باسم كل أم تفقد فلذة كبدها، باسم الإنسانية التي تتلوّى كلما انفجر صاروخ في سماء حلم. لجعلت البنادق تُكسر، والرايات تُرفع لا لتقسّم، بل لتوحّد.
لو أستطيع أن أزرع الأمل، لغرسته في كل زاوية من العالم. لجعلته ينبت في أزقّة الفقر، وفي مدارس لا تملك كتبًا، وفي قلوب أنهكها التعب. لجعلت كل إنسان يؤمن بأن الغد لا يزال يستحق الانتظار، وأن الحياة ليست عقابًا، بل هبة.
لو أستطيع أن أجعل العالم أفضل… سأبدأ من نفسي. سأختار الرحمة، وسأزرع الخير، وسأبني حولي واحات من إنسانية لا تُشترى، بل تُمنح.
لكنّي أعلم أنني لست وحدي. أن كل نية صادقة في قلب إنسان، هي بذرة تغيير. أن كل كلمة طيبة، كل فعل صغير، كل دفء يُمنح في لحظة ضعف، هو لبنة في بناء عالم أفضل. فالعالم لا يتغير دفعة واحدة، بل يتحول شيئًا فشيئًا، حين نؤمن أن لنا فيه دورًا، مهما كان صغيرًا.
فالقدرة العظمى ليست أن نملك قوة خارقة، بل أن نملك قلبًا لا يتعب من الحب و الاحسان.
“محكمة” – الثلاثاء في 2025/5/13