مؤتمر صحافي إحتفالي بحكم القاضي رلى صفير في قضيّة عمّال “سبينيس”: مخالفات أصحاب العمل عرضة لملاحقة جزائية
بعد الصدى الكبير الذي لقيه الحكم الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي في بيروت رلى صفير في قضيّة عمّال “سبينيس”(Spinneys) كونه سابقة في خلاصته وعادلاً ومميّزاً لجهة تأكيده أنّ ترهيب صاحب العمل للعامل معنوياً ومنعه من ممارسة حقوقه النقابية لم يعد وارداً، وهو ما تفرّدت “محكمة” بنشره والإضاءة عليه، عقدت “المفكّرة القانونية”، وحزب “مواطنون ومواطنات في دولة” و”المرصد اللبناني لحقوق العمّال والموظّفين” بالشراكة الكاملة مع نقابيي “سبينيس” في لبنان سمير طوق وميلاد بركات وإيلي أبي حنا ومخيبر حبشي (أصدقاء عمّال سبينيس)، مؤتمراً صحافياً إحتفالياً في مقرّ المفكّرة في محلّة بدارو، وصف حكم صفير بـ”الرائد” و”التاريخي” و”السابقة الفريدة” مع توجيه تحيّة كبيرة للقاضي رلى صفير على حكمها الطليعي.
بداية تحدّث المحامي كريم نمور فوصف الحكم الصادر عن القاضي صفير بأنّه “الحكم التاريخي، وسابقة فريدة من نوعها في القضاء اللبناني”، مشيراً إلى أنّ الحكم اعتبر أنّ “قمع الحرية النقابية يشكّل جرماً جزائياً”.
وعرض مدير “المفكّرة القانونية” وكيل النقابة المحامي نزار صاغية لحيثيات القضية والحكم، ومما قال: “احتاج الأمر إلى ستّ سنوات كي يسجّل نقابيو “سبينيس” انتصاراً ثميناً جدّاً، تمثّل هذا الانتصار بالحكم الرائد الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي في بيروت رلى صفير بتاريخ 2018/12/20 والذي انتهى بإدانة المدير التنفيذي للشركة مايكل رايت والشركة جزائياً على أساس المادة 329 من قانون العقوبات التي تعاقب كلّ فعل من شأنه أن يعوّق اللبناني عن ممارسة حقوقه المدنية بالحبس من شهر حتّى سنة إذا اقترف بالتهديد والشدّة وبأيّ وسيلة أخرى من وسائل الإكراه المادي أو المعنوي. وقد جاء هذا الحكم ليكلّل سنوات من الاجراءات القضائية”.
وأضاف: “أثناء الدعوى، تمكّن النقابيون المصروفون من الشركة من توثيق رواية معاناتهم في محضر قضائي رسمي. رووا ما تعرّضوا له من تدابير تمييزية وإذلال في شروط العمل (نقلهم إلى فروع بعيدة، تغيير طبيعة عملهم، تكليفهم بأعمال مذلّة ومجهدة)، وقد وصل بعضها إلى حدّ الاعتداء الجسدي، كلّ ذلك على خلفية تأسيسهم نقابة عمّالية للدفاع عن حقوقهم. رووا كيف تجبّرت واستكبرت إدارة الشركة بوجههم، كيف وضعتهم ووضعت زملاء كثيرين لهم أمام معادلة: “الاستقالة من النقابة، أو الصرف من العمل”. رووا كيف أرغم العشرات من زملائهم على الاستقالة من النقابة بموجب نموذج كتاب واحد أعدّته الشركة وأرغمتهم جميعاً على توقيعه، وكيف تمّ تفريغ النقابة من أعضائها بفعل الضغوط المذكورة، بحيث أصبح مجلس النقابة مكوّناً فقط من ثلاثة أشخاص صرفوا كلّهم من العمل. شهاداتهم الموثّقة في سجّلات المحكمة باتت مستنداً رسمياً يوثّق قضائياً إحدى أهمّ المعارك النقابية في لبنان”.
وتابع صاغية: “في مواجهتهم، حضر مدير محلات “سبينيس” مايكل رايت الذي استطاع حتّى الآن أن يفلت من أيّ محاسبة. تحالفاته السياسية مع أحزاب وظّفت وربّما توظّف أتباعها في محلاته ضمنت له حتّى تلك اللحظة الأمان. ومن المفيد أن نتذكّر أنّ وزارة العمل في وقتها (أي في العام 2012) امتنعت عن اتخاذ أيّ تدبير حمائي للعمّال والأجراء رغم لجوئهم المتكرّر إليها، وتصرّفت وكأنّها لا ترى ولا تسمع ما يجري في شركة “سبينيس”. وقد أقرّ رايت أنّه لم يحترم مرسوم زيادة الأجور لأنّه مضرّ بالاقتصاد اللبناني، وأقرّ بأنّه رفض التحاور مع النقابة وأنّه رفض الاعتراف بها لأنّها تخفي مشروعاً سياسياً. وشكّلت المواجهة بحدّ ذاتها لحظة مهمّة، ما دامت كانت المرّة الأولى التي توجّه فيها أسئلة إليه من جهاز رسمي بحضور النقابيين ضحاياه أنفسهم”.
ورأى صاغية أنّ “المهمّ في هذه القضية والحكم الصادر فيها، ليس فقط ما أتاحته من مسرح لرواية المعاناة أو للمواجهة، ولكن هي تكتسي أهمية فائقة من زوايا ثلاث أخرى:
الأولى، موضوع الدعوى ومآلها. فالدعوى ليست دعوى عمّالية عادية يطالب فيها أجير بتعويضات على خلفية الاعتداء على حقوقه. بل هي دعوى جزائية سعى الأجير من خلالها إلى تحريك الحقّ العام في مواجهة صاحب العمل، معتبراً أنّ الانتهاك الذي تعرّض له لا يشكّل اعتداء عليه ينتهي بتعويضات وحسب، بل اعتداء على المجتمع برمّته يجدر أن ينتهي بعقوبة جزائية. ولهذه الغاية، استند المدعون إلى المادة 329 المذكورة أعلاه والتي طبّقت للمرّة الأولى في القضايا العمّالية. وعليه، وبفعل هذا الحكم، باتت مخالفات أصحاب العمل عرضة لملاحقة جزائية كلّما منعت العمّال من ممارسة حقّ مدني أساسي (الحرّية النقابية أحدها، ولكن ليست الوحيدة). ومن هذه الوجهة، يرتدي الحكم أهمية مضاعفة في الزمن الحاضر: ففيما يزيد بفعل الأزمة الاقتصادية اللاتوازن الواقعي بين أصحاب العمل والعمّال، يصبح من الملحّ أكثر أن يتدخّل القانون والقضاء لإعادة بعض التوازن لهذه العلاقات.
الثانية، أنّ القاضية الناظرة في هذه القضيّة رلى صفير عكست من خلال حكمها تصوّراً لوظيفتها القضائية، قوامها حماية الحقوق والحرّيات، بحيث فتح تفسير المادة 329 من قانون العقوبات باباً واسعاً لتفعيل عدد كبير من الحقوق المدنية ولحماية العمّال وسائر المواطنين ضدّ أيّ تجبّر أو إكراه يمنعهم من ممارسة حقّ أساسي. ولا بدّ من التذكير بأنّ قضاة عدّة كانوا انتصروا سابقاً لقضيّة “سبينيس” منهم القاضية زلفا الحسن التي كانت اتخذت تدابير حماية، والقاضي نديم زوين الذي ردّ طلبات بتعطيل انتخابات النقابة وأيضاً محكمة التمييز (برئاسة القاضي غسّان فوّاز) التي كانت قضت بتعويضات هامة في إحدى القضايا العمّالية (مخيبر حبشي) بعدما تثبّتت من تعرّض جسيم لحقوقه.ونأمل أن تأخذ محاكم المطبوعات هذه الوقائع الجديدة في الاعتبار وصولاً إلى ردّ جميع دعاوى القدح والذمّ التي قدّمت ضدّ الذين دافعوا عن العمّال والأجراء وفي مقدّمتهم(الوزير الأسبق) شربل نحاس و(الصحافي) محمّد زبيب، على اعتبار أنّهم كانوا يقومون بواجب وطني بالدفاع عن حرّية دستورية وبفضح جرم جزائي كان يرتكب ضدّ عمّال كثيرين على مرأى ومسمع وزارة العمل التي قرّرت هي أن تغلق عينيها وتصمّ أذنيها. من هذه الوجهة، أبرزت هيئات قضائية عدة تمايزها الهام بالنسبة إلى إدارات الدولة، فتحية للرئيسة صفير ولجميع القضاة الذين ناصروا الحرية النقابية في هذه القضية. على أمل أن يشكّل هذا الحكم مساهمة في تطوير القضاء اللبناني ليكون حقيقة على موعد مع آمال اللبنانيين في تحقيق مزيد من المساواة والحرية”.
وألقى أحد مؤسّسي النقابة سمير طوق كلمة باسم نقابيي “سبينيس” قال فيها: “بعد انتظار طويل قارب ستّ سنوات ونيّف وطول معاناة واجهنا خلالها أقسى الظروف وأصعب الأوقات وأبشع المؤامرات، وصلت العدالة ولو متأخّرة، بأبهى صورة، صورة القضاء الشريف النزيه العادل الذي ينصف الإنسان ويرفع عنه الظلم والتعسف”.
واعتبر أنّ “الحكم الصادر عن القاضية صفير هو إنجاز كبير للقضاء اللبناني، وسابقة يبنى عليها وينتظرها 2000 موظّف وموظّفة وغالبية اللبنانيين”، مضيفاً: “ما قبل الحكم ليس كما بعده، إنّه منطلق يوازي في مضمونه الاتفاقات والمعاهدات الدولية حول العمل وحقوق العمّال وحرّية العمل النقابي”.
وأهدى طوق هذا الحكم “إلى جميع العاملين والعاملات في لبنان عموماً والى عمّال “سبينيس” خصوصاً”، ودعاهم إلى “الخروج من الخوف والخضوع، والعمل للدفاع عن حقوقهم وتفعيل نقابتهم بالانتساب إليها والنضال من خلالها للوصول إلى ظروف عمل أفضل ولعيش حر كريم”.
وعرض الأمين العام لحركة “مواطنون ومواطنات في دولة” الوزير السابق شربل نحاس “عناصر الوصول إلى هذا الإنجاز، وهي: نضال وثبات النقابيين المؤسّسين لنقابة “سبينيس”، إذ يشكّلون ظاهرة استثنائية لعمل نقابي فعلي، كما أنّ الفضل يعود إلى المثابرة الاستثنائية لما قام به المحاميان نزار صاغية وكريم نمور، إضافة إلى تضحيات الكثيرين الذين اضطهدوا وفقدوا عملهم لأنّهم ناصروا ليس مطلباً شخصياً، بل دفاعاً عن المجتمع”.
“محكمة” – الخميس في 2019/1/10