محافظ بيروت وبلديتها يهملان “محطّة شارل حلو”: لماذا إنكار عقد تشغيلها مع “ميتروبوليتان سيكيورتي”؟
كتبت نسرين نصّار:
تمعن بلدية بيروت في إهمال محطّة شارل حلو للسفر والنقل البرّي تاركة إيّاها في مهبّ النسيان والتآكل التدريجي على يد عوامل الطبيعة وسقوط منطق الإدارة التي تحترم قراراتها وطمع الإنسان، من دون أن تستفيد من هذا المرفق الحيوي والهام الذي يعتبر أكبر محطّة للسفر البرّي في لبنان، بما يعود عليها بالنفع والفائدة المالية والمعنوية.
ومع أنّ بلدية بيروت السابقة قرّرت منذ سبع سنوات تجديد هذه المحطة وإلباسها حلّة راقية وحديثة وعصرية وطرحت مشروع تشغيلها وصيانتها واستثمارها في مزايدة عمومية علنية في العام 2011 رست بعد ثلاث محاولات ناجحة على شركة “ميتروبوليتان سيكيورتي. ش.م.ل.”، ممّا استوجب توقيع عقد اتفاق بالتراضي بينهما في 3 نيسان 2014، من دون أن تبادر البلدية إلى تسليم الموقع إلى الشركة بهدف المباشرة في تنفيذ الأعمال المتفق عليها، إلاّ أنّها ما لبثت أن نكثت بهذا العقد من دون وجه حقّ ومن دون أسباب موجبة وخلافاً للقانون.
وهذا ما دفع الشركة ممثّلة بوكيلها القانوني المحامي أشرف عاصم صفي الدين إلى التقدّم بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة طلبت فيها إبطال قرار المجلس البلدي المتخذّ في 5 كانون الثاني 2017، والقاضي بإعداد دفتر الشروط الإداري لتأهيل المحطّة، وتكليف شركة من أموال دافعي الضرائب تدعى “جيكوم” إعادة تحضير دراسة !!، فضلاً عن قرار الرفض الضمني الصادر عن محافظ مدينة بيروت والقاضي بالإمتناع عن تنفيذ عقد إدارة وصيانة وتشغيل المحطّة وتسليم الموقع الى شركة “ميتروبوليتان سيكيورتي. ش.م.ل.”.
وقبل استعراض ما حصل ونشر الوثائق والمستندات التي تؤكّد أحقّية شركة “ميتروبوليتان سيكيورتي. ش.م.ل.” في ما تطالب به وهي التي انتظرت ثلاث سنوات كي تستلم المحطّة من بلدية بيروت من دون جواب يذكر، لا بدّ من طرح سؤالين جوهريين وهما: لماذا لم يبادر المجلس البلدي إلى فسخ العقد مع شركة “ميتروبوليتان سيكيورتي” ما دام أنّه قرّر التراجع عمّا تعاقد عليه، مبدياً نيّة سيّئة تجاه الشركة التي فازت ثلاث مرّات بالمزايدة العلنية وتكفّلت مصاريف ونفقات كثيرة بانتظار إعادة الحياة إلى هذه المحطّة المتروكة على الرغم من إطلالتها المميّزة على الواجهة البحرية مقابل مرفأ بيروت الحيوي؟، ولماذا فوّت المجلس البلدي فرصة إحياء هذه المحطّة على يدّ الشركة التي ربحت المناقصة أصولاً والتي كانت تنوي إنارتها وفق الطرق المعتمدة عالمياً، وافتتاح سلسلة مطاعم ومقاه فيها بالإضافة إلى محلاّت للصيرفة وبيع الهدايا التذكارية وغيرها من الخدمات التي تعود عليها بالنفع؟.
وفي تفاصيل هذه القضيّة، أنّ مجلس بلدية بيروت إتخذّ في 19 تشرين الثاني 2011 قراراً حمل الرقم 1063، وقضى بالموافقة على دفتر شروط خاص معدّل لتشغيل وصيانة واستثمار محطّة شارل حلو للسفر والنقل البرّي بطريقة المزايدة العمومية.
العارض الوحيد
وبالفعل أجريت هذه المزايدة للمرّة الأولى في 7 آب 2012، وفازت بها شركة “ميتروبوليتان سيكيورتي”، لكنّ البلدية ارتأت إعادتها ثانيةً إفساحاً في المجال أمام مشاركة عدد أكبر من الشركات، فتمّ الأمر في 30 تشرين الأوّل 2012، ورست أيضاً على الشركة نفسها، وهذا ما دفع البلدية إلى تخفيض قيمة انطلاق المزايدة من مليار ليرة إلى 600 مليون ليرة لعلّ السعر الجديد يساعد على جذب شركات أخرى، ولم يتقدّم أحد باستثناء شركة “ميتروبوليتان سيكيورتي” التي ربحت المزايدة للمرّة الثالثة على التوالي، وهنا اقترحت لجنة المناقصات البلدية بموجب محضر جلستها في 13 آب 2013 “الطلب من الإدارة استدعاء العارض الوحيد شركة “ميتروبوليتان سيكيورتي” لتقديم عرض أسعار وتنظيم مشروع عقد الاتفاق بالتراضي” حيث وافق المجلس البلدي على هذه الخطوة بموجب القرار رقم 812 الصادر في 22 آب 2013 والممهور بتوقيع رئيس البلدية الدكتور المهندس بلال حمد، وأودعه محافظ بيروت في 27 آب 2013 من أجل وضعه موضع التنفيذ.
وبتاريخ 3 نيسان 2014، وقّع حمد ورئيس مجلس إدارة شركة “ميتروبوليتان سيكيورتي ش.م.ل.” السيّد جهاد العنّان عقد اتفاق بالتراضي. ومرّت الأيّام من دون أن يبادر المجلس البلدي إلى تسليم موقع المحطّة إلى الشركة لبدء أعمالها، وعلى الرغم من مراجعته مراراً بهذا الخصوص، إلاّ أنّه التزم الصمت المطبق ولم يقدّم مسوّغاً قانونياً واحداً يستند عليه لتوضيح أسباب المماطلة والتأجيل.
إلى أن فوجئت شركة “ميتروبوليتان سيكيورتي” بقرار جديد للمجلس البلدي صادر في 29 تشرين الثاني 2016، يتجاهل فيه العقد الموقّع معها، ويرمي إلى تكليف إستشاري لوضع شروط تأهيل الطابق الثاني في “محطّة شارل حلو” للتسفير والنقل البرّي، ووضع شروط لاستثمار وتشغيل هذا الموقف، وأتبعه المجلس ذاته، بقرار مماثل في 5 كانون الثاني 2017، يتعلّق بإعداد دفتر الشروط الإداري لتأهيل المحطة وتكليف شركة “جيكوم” بذلك.
إنفاذ العقد الإداري
وإزاء هذا التبدّل غير المنتظر في الموقف، سارعت شركة “ميتروبوليتان سيكيورتي” إلى تقديم مراجعة قانونية في 25 كانون الثاني 2017، طلبت فيها من محافظ بيروت القاضي زياد شبيب إنفاذ العقد الإداري الموقّع معها، وتسليمها الموقع للبدء بتنفيذ العقد، لكنّها لم تلق أذناً صاغية طول مهلة الشهرين المحدّدين قانوناً لمعرفة الجواب، وهو ما يعني قراراً ضمنياً بالرفض إستدعى اللجوء إلى مجلس شورى الدولة بمراجعة بوجه بلدية بيروت ممثّلة بالمحافظ لإبطال قرار “إعداد دفتر الشروط الإداري لتأهيل المحطّة”، وقرار الإمتناع عن تنفيذ العقد مع شركة “ميتروبوليتان سيكيورتي”.
وما فعله المجلس البلدي “يخالف بشكل فادح العقد الموقّع مع الشركة ويشكّل فسخاً، لا بل إنكاراً لوجود هكذا عقد، الأمر الذي يستوجب إبطال القرار المذكور، وبطلان كافة القرارات اللاحقة والمرتبطة به والتي تخالف العقد الموقّع بين البلدية والشركة”.
كما أنّ ما فعله المحافظ يشكّل “مخالفة فادحة للقانون وتجاوزاً لحدّ السلطة”، وهذا ما يستوجب إبطال القرار المطلوب إبطاله حتّى يصار إلى تنفيذ العقد المذكور بحرفيته وتسليم المشروع للشركة.
وطلب المحامي صفي الدين من مجلس شورى الدولة “إتخاذ القرار الفوري بوقف تنفيذ القرارات المتخذة من بلدية بيروت، والمحافظ، وخاصة القرارين تاريخ 29/11/2016 و5/1/2017 إلى حين البتّ النهائي بمراجعته القانونية، ثمّ إبطالهما، بالإضافة إلى إبطال القرار الضمني الصادر عن بلدية بيروت بشخص محافظ بلدية بيروت الرافض لتنفيذ العقد الموقع مع الشركة، وتضمين بلدية بيروت العطل والضرر والأتعاب والمصاريف وتعيين خبير لتحديدها حتّى يصار إلى إلزامها بدفع التعويضات المشروعة”.
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 25% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.
(نشر في مجلّة محكمة – العدد 19- تموز 2017).