مشكلات المحامي المتدرّج تتفاقم: آلاف المتخرجين يتنافسون على الروب الأسود/أحمد السيد مرتضى
أحمد السيّد مرتضى*:
بالتزامن مع إعلان نقابة المحامين في بيروت فتح باب التسجيل لدورة الانتساب لعام 2024، ينهمك كل طالب انتساب بإعداد ملفه، ما يجلب إلى الواجهة سلسلة من التحديات. إذ ليس الحصول على لقب «محام» أمراً سهلاً، ولا سيما في بلد تعاني فيه الأجهزة الإدارية من الشلل. يجد طالبوا الانتساب أنفسهم أمام أولى خطوات الدرب الوعرة المتنقلة بين مختلف الإدارات لإكمال تجميع أوراق ملفاتهم. ومن يتخطى هذه العقبة، تنتظره المهمة التي وصفها طالبو الانتساب بالأشد صعوبة، وهي العثور على مكتب محاماة يستقبلك ويقبل تسجيلك لديه لثلاث سنوات مع تقديم الرعاية والعناية اللازمة.
“البلد ما بتحمل محامين بعد، هيك قلي المحامي بس جيت بدى سجل عندو”، يقول فادي الحائز على إجازة في الحقوق، وهو يشرح الصعوبات والمعوقات التي تواجهه في محاولته شق طريقه للانتساب إلى نقابة المحامين في بيروت. يحدثنا عن أحلامه التي ضاعت وأمنياته التي تبخرت بسبب شروط الانتساب الصعبة التي فرضتها النقابة على المنتسبين الجدد، وخصوصاً تلك التي حددتها المادتان 5 و13 من قانون تنظيم مهنة المحاماة، إضافة إلى المادة 19 من النظام الداخلي للنقابة. ويكمن الجزء الأصعب في العثور على مكتب محام مستعد لأن يستقبلك ويسجل اسمك عنده لتتمكن من خوض الامتحان الخاص بالانتساب إلى النقابة. ففي بلد يمتد على مساحة تبلغ 10,452 كلم مربعاً ويضم 8 جامعات للحقوق تخرّج سنوياً آلاف الطلاب، وفي ظل جدول عام يضم 7500 محام ليس لديهم جميعاً مكاتب متاحة، يطرح فادي سؤالا مشروعاً: “كيف فينا نلاقى مكتب في خضم هذه المنافسة الشديدة؟.”
يشار إلى أن المادة 7، الفقرة 4، والمادة 22 من النظام الداخلي لنقابة المحامين في بيروت تنص على أن تكون لكل محام عامل أو متدرج غرفة مستقلة ومجهزة. وعندما استفسرنا عن الآلية المتبعة للعثور على مكتب لدى أمين سر النقابة السابق، سعد الدين الخطيب، أوضح أنه ليس من واجب النقابة توفير مكاتب للأشخاص الراغبين في الانضمام إليها. فهذا الأمر يتوقف على المجهود الشخصي لطالب الانتساب من ناحية علاقاته العائلية والاجتماعية، أو عبر تفوّقه في دراسته الجامعية بحيث تطمح المكاتب إلى تسجيله لديها.
المحامي المتدرّج ليس «أوفيس بوي»
“روح روح، تعا تعا»، هكذا يرسم رامي مسار رحلته كمحام متدرج في لبنان. ويوضح أن عمله يقتصر بشكل أساسي على إنجاز المعاملات، إذ إن التعليم محدود وجدول العمل صارم لناحية تعقب تلك المعاملات في الدوائر الرسمية، وطبعاً من دون أي أجر مادي يذكر. وحين يحاول المتدرج أن يحصل على معلومات تنفعه في تعليمه أو تساعده في فهم مهنته يجد نفسه أمام حائط مسدود يتمثل في إجابات صاحب المكتب الذي يشكو بدوره من نقص العمل ويحثه على تعليم ذاته بذاته. وإلى كل هذه التحديات، تقع على رامي أعباء مالية ونفقات إضافية في تعقب معاملات المكتب. إذ يجد نفسه في أغلب الأوقات مضطراً لتحمل تلك التكاليف بنفسه، ما يتعارض مع أحكام المادة 38 من نظام آداب مهنة المحاماة ومناقب المحامين، التي تنص على دور المحامي المدرِّج بأن يزود المتدرج بإرشادات ورعاية وتشجيع مادي ومعنوي. سمر، وهي أيضاً محامية متدرجة، تتحدث عن غياب العدالة في التدرج. ففيما تقوم بأعمال المكتب، لا يخضع العديد من زملائها لمعايير التدرج نفسها. فبعضهم يسجّل اسمه في مكتب ما ويحجز غرفة ثم يغادر لمتابعة تعليمه، والبعض الآخر يتدرج لدى أحد معارفه أو أقربائه، ما يتيح له الفرصة للبحث عن وظيفة أخرى تسهم في تطوير مهاراته القانونية أو تنفعه مادياً. وهذا ما اعتبره النظام الداخلي عملاً بالمادة 28 كوقف تدرج.
ولدى الاستفسار عن الدور الرقابي للنقابة، يقول الخطيب إن هذا الدور «لاحق وليس آنياً، أي إن الدور الأساسي والفعلي يقع على عاتق صاحب المكتب بضرورة إبلاغ مجلس النقابة في حال انقطاع المتدرج عن ممارسة تدرجه من دون عذر مقبول عملاً بأحكام المادة 27 من النظام الداخلي.”
المطلوب التشدد في امتحانات الانتساب
“منعلموا 3 سنين وبكرا بيجي بنافسنا”، تقول سمر المحامية المقيدة في الجدول العام. تصف ما تعانيه من منافسه شديدة يعانيها المحامي بسبب الأعداد الكبيرة التي تنتسب إلى النقابة كل عام. ففي سنة 2023 وحدها، نجح في امتحان الانتساب إلى جدول المتدرجين ما يقرب 475 محامياً، وهؤلاء في حال اجتيازهم امتحان الجدول العام بعد ثلاث سنوات سيمارسون عملهم وينافسون زملاء لهم في بلد لا يتحمل هذا الكم الهائل من المحامين، وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة تعانيها البلاد وتعطل القضاء وإضراب مؤسسات الدولة. يرى الخطيب أن الحل لمعالجة هذه المعضلة يكمن في التشديد على الجامعات بقبول طالبي الانتساب، والتشدّد في امتحان الانتساب لنقابة المحامين في بيروت، حفاظاً على هذه المهنة ومستواها، وكي يُبقي المحامين النخبة في هذا المجتمع.
ومع كل هذه المحن تبقى مهنة المحاماة الأسمى، وخصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي تعاني منها البلاد. إذ لا يمكن تحقيق العدالة على هذه الأرض من دون سواعد المحامين ومن دون نقابة قوية تقف إلى جانبهم وترعاهم.
9783
هو عدد طلاب وطالبات كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية، وهم موزعون على خمسة فروع جغرافية تغطي خمس محافظات لبنانية، إضافة إلى فرع الحقوق باللغة الفرنسية وفقاً لموقع الجامعة اللبنانية.
* المصدر: ملحق القوس الصادر عن جريدة الأخبار – العدد 98.
“محكمة” – السبت في 2024/1/27