مفهوم التعويض الذي يتقاضاه المحامي وعدم خضوعه لضريبة الدخل/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
في قرار مهم صادر عن مجلس شورى الدولة، الهيئة المؤلفة من الرئيس البرت سرحان والمستشارين يوسف الجميل وميراي داود، اعتبر المجلس ان التعليمات المطعون فيها قابلة للطعن، وان هذه التعليمات التي اعتبرت ان التعويض الذي يتقاضاه المحامي وفقاً للمادة 69 من قانون تنظيم مهنة المحاماة من الايرادات الخاضعة للتكليف بضريبة الباب الاول، تتعارض مع المفهوم الصحيح للربح الخاضع لضريبة الباب الاول ومع الاحكام القانونية الواردة في قانون ضريبة الدخل.
وقضى المجلس بإبطال التعليمات موضوع الطعن،
ومما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2013/1/8:
في الشكل:
بما ان التعليمات رقم 1169/ ص 2 تاريخ 2011/11/20 ، نشرت في الجريدة الرسمية العدد 57 تاريخ 2011/12/8 ، فتكون المراجعة المقدمة بشأنها بتاريخ 2012/2/8 واردة ضمن مهلة الشهرين القانوني وهي مستوفية سائر شروطها الشكلية، مما يقتضي قبولها شكلا.
في الأساس:
بما ان المستدعية تطلب ابطال التعليمات المطعون فيها لمخالفتها المبادىء والاسس التي ترعى مفهوم التعويض والرح الخاضع للضريبة، وهي تدلي بأن التعويض المنصوص عليه في المادة 69 من قانون تنظيم مهنة المحاماة يختلف عن الاتعاب المستحقة للمحامي، اذ هو لا يشكل ايراداً وربحاً خاضعاً للضريبة وذلك اسوة بتعويض نهاية الخدمة الذي يتقاضاه المستخدم او الاجير، وان هذا التعويض مستثنى من الضريبة سنداً لاحكام البند التاسع من المادة 47، وبأن مديرية الضريبة على القيمة المضافة اعتبرت التعويض المذكور بمثابة تعويضات العطل والضرر التي لا تدخل في اساس فرض الضريبة.
وبما ان الفقرة الاخيرة من المادة 69 من قانون تنظيم مهنة المحاماة تنص على ما يأتي:
“عند انهاء وكالة بأتعاب سنوية من قبل الموكل دون سبب مشروع، او عند عجز الوكيل الثابت الدائم عن العمل، او عند تقاعده او وفاته، يترتب على الموكل تعويضاً للوكيل او لورثته قدره شهراً واحداً عن كل سنة توكيل على اساس آخر اتعاب او تعويضات سنوية تقاضاها.
يعد عشرين سنة توكيل، للوكيل السنوي البالغ من العمر ستين عاما ان يطلب اعفاءه من الوكالة، وعلى الموكل في هذه الحال دفع التعويض المبين في البند السابق.
وبما ان المسألة القانونية تدور حول طبيعة التعويض الذي يتقاضاه المحامي من موكله، عند انهاء الوكالة المحددة بأتعاب سنوية لاي من الاسباب المبينة في متن المادة 69 المذكورة، وفي ما اذا كان يمكن اعتبار التعويض المذكور ربحاً او ايراداً خاضعاً لضريبة الباب الاول.
وبما ان المادة 2 من المرسوم الاشتراعي رقم 144 تاريخ 1959/6/12 المتعلق بضريبة الدخل تنص على ما يلي:
“تتناول الضريبة ارباح المهن والمؤسسات التجارية والصناعة والحرفية وارباح المهن الحرة وربح كل عمل يدر ريعاً غير خاضع لضريبة اخرى على الدخل.
ولا يستثنى من الضريبة اي دخل الا بنص صريح في القانون”.
وبما ان البند (د) من المادة 4 من ذات المرسوم الاشتراعي ينص على انه:
“يعد من جملة المكلفين بهذه الضريبة:
1- كل شخص حقيقي او معنوي حصل على ربح من عمل يدر ريعاً غير خاضع لضريبة اخرى على الدخل”.
وبما ان هدف قانون ضريبة الدخل هو اخضاع جميع الارباح الناشئة عن التجارة
والصناعة والمهن الحرة وغيرها بمعناها الواسع مع استثناء التصرفات الشخصية بالاملاك الخاصة، للضريبة على الدخل بحيث لا يستثنى منها دخل الا بنص صريح في القانون.
وبما انه يشترط لتطبيق النصوص القانونية المذكورة ان يكون الدخل ناتجا عن عمل خاص او شخصي من شأنه ان يتكرر وفي هذا المجال يقتضي وجود نية في تحقيق الربح. وقد اعتبر الاجتهاد في هذا السياق، ان الدخل الذي تتوجب عليه الضريبة هو الربح المفترض فيه الدورية.
وبما ان الدولة تدلي بأن التعويض المنصوص عليه في المادة 69، هو جزء من الاتعاب المهنية التي يتقاضاها المحامي بصفته صاحب مهنة حرة، والتي تخضع لتكليف بضريبة الباب الاول.
وبما انه خلافاً لادلاءات الدولة في هذا المجال، فان الاتعاب المهنية موضوع التكليف بضريبة الباب الاول، هي مبالغ تتوافر فيها صفة الدورية وتنشأ عن ممارسة المحامي مهنته بصورة معتادة ومتكررة وتخضع للتكليف بضريبة الباب الاول، في حين ان التعويض المترتب له بمقتضى احكام المادة 69 المذكورة لا يتوجب الا بضورة استثنائية عند انهاء الوكالة بسبب تحقق احدى الحالات المحددة في متن هذه المادة، كالعجز والوفاة والتقاعد وبلوغ عدد من سنوات الخدمة، وهي حالات عادة ما تنص عليها قوانين العمل وقانون الموظفين كأسباب لانهاء خدمة الموظف او الاجير واستحقاقه المعاش التقاعدي او تعويض نهاية الخدمة.
بما ان التعويض المنصوص عليه في المادة 69،لا يترتب الا للوكيل السنوي، اي عن الوكالة المحددة بأتعاب سنوية، وفق ما جاء حرفياً في متن الفقرة الاخيرة من هذه المادة “عند انهاء كل وكالة بأتعاب سنوية” و”بعد عشرين سنة توكيل، للوكيل السنوي”. مما يفيد بأن المشترع ربط الحق بالتعويض بوجود علاقة مستمرة بين الوكيل والموكل لا تنحصر بالاشهر او بتحقيق غرض معين، على غرار العلاقة التي تربط العامل برب العمل، علما ان هذا النوع من التوكيل يصادف وجوده في الشركات المغفلة وشركات الاموال والشركات المحددة المسؤولية التي يبلغ راسمالها مليون ل.ل. وما فوق والتي الزمها القانون (المادة 62 من قانون تنظيم مهنة المحاماة) بأن توكل محامياً دائماً من المحامين العاملين المقيدين في جدول النقابة بأتعاب سنوية.
وبما انه تبعا لما تقدم، وبالنظر الى الاسباب التي املت دفع التعويض المنصوص عليه في المادة 69 الى الوكيل-انهاء الوكالة دون سبب مشروع او عند عجز الوكيل او تقاعده او وفاته، او بلوغ خدماته اكثر من عشرين عاماً-وللشروط التي اوجبها القانون في الوكالة، وكالة بأتعاب سنوية، وبالنظر ايضاً لطابع هذا التعويض الاستنثائي وغير المتكرر، لا يمكن بالتالي اعتبار التعويض المذكور ايراداً خاضعاً لضريبة الباب الاول، بل هو اقرب بطبيعته تلك وبظروف استحقاقه الى تعويض نهاية الخدمة الذي يدفع للاجير عند انتهاء خدماته وفقاً للقوانين والانظمة النافذة والذي اعفاه القانون صراحة من ضريبة الباب الاول (البند 4 من المادة من قانون ضريبة الدخل) ومن ضريبة الباب الثاني (البند 9 من المادة 47 من القانون عينه).
وبما انه لا يصح التوقف عند عبارة “تعويض الصرف” الواردة في البند التاسع من المادة 47 من قانون ضريبة الدخل، وفي البند الرابع من المادة 7 من القانون ذاته للقول بوجوب حصر الاعفاء من الضريبة بالحالة التي يصرف فيها العامل، لانه يتوجب على القاضي الضريبي ان يتقيد بالنصوص القانونية الواضحة التي تتعلق بالاعفاء من الضرائب او الرسوم، بمعنى ان التفسير الحرفي او الحصري للاعفاء يقتضي الا يؤدي الى تعطيل تطبيق النصوص القانونية على الحالات التي يشملها الاعفاء الضريبي، طالما انه لا يوجد تعارض بين التطبيق الحرفي والتفسير الحرفي للنص، لانه حتى عندما يعمد القاضي الى تطبيق النص حرفيا يكون قد فسره.
بنفس المعنى: قرار رقم 527/ 2007-2008 تاريخ 2008/4/10 شركة اوتي في (ش.م.فرنسية) الدولة-وزارة المالية.
وبما ان ما يؤكد هذا المنحى في التفسير، لجهة عدم اعتبار تعويض المادة 69 من قانون تنظيم مهنة المحاماة بدلا عن خدمة او خدمات قدمها المحامي الوكيل وعدم خضوعه لضريبة الباب الاول-دخل وللضريبة على القيمة المضافة سندا لاحكام المادة 2 من القانون رقم 2001/379 افادت مديرية الضريبة على القيمة المضافة في كتابها رقم 5516 وتاريخ 2011/6/10 بان التعويض المنصوص عليه في المادة 69 من قانون تنظيم المهنة المحاماة معفى من الضريبة على اعتبار انه بمثابة تعويضات العطل والضرر التي لا تدخل في اساس فرض الضريبة عند احتسابها وفقا للبند د. من المادة 17 من المرسوم رقم 2002/7308.
وبما ان ورد في التعليمات المطعون فيها، حول اعتبار التعويض الذي يتقاضاه المحامي وفقا للمادة 69 من قانون تنظيم مهنة المحاماة من الايرادات الخاضعة للتكليف بضريبة الباب الاول، يتعارض مع المفهوم الصحيح للربح الخاضع لضريبة الباب الاول مع الاحكام القانونية الواردة في هذا الخصوص في قانون ضريبة الدخل، الامر الذي يقتضي معه الحكم بابطالها.
وبما انه لم يعد من حاجة لبحث سائر ما ادلي به.
وبما انه يقتضي رد الاسباب والمطالب الزائدة او المخالفة.
لذلك
يقرر المجاس بالاجماع:
1- اخراج لائحة الدولة المؤرخة في 2012/9/13
2- ضم الملاحظات المقدمة من الدولة الى الملف.
3- رد الفع بعدم قابلية التعليمات رقم 1169/ ص 2 تاريخ 2011/11/20 للطعن.
4- قبول المراجعة شكلاً.
5- قبولها اساساً وابطال التعليمات موضوع الطعن.
6- تضمين المستدعي بوجهها رسوم ونفقات المحاكمة.
قرار اصدر وافهم علنا بتاريخ الثامن من كانون الثاني سنة 2013.
“محكمة” – السبت في 2018/10/27