مفهوم ترك المأجور من منظار حكم قضائي لاستئناف بيروت/ناضر كسبار
المحامي ناضر كسبار:
اعتبرت محكمة استئناف بيروت المؤلّفة من الرئيس بشير بيلاني والمستشارين برنار شويري ومادي مطران أنّ اغفال ذكر خلاصة الوقائع والدفوع وأسباب الدفاع المقدّمة من الخصوم يؤدّي إلى غموض الحكم الابتدائي وجهالة موضوعه ويقضي إلى بطلان الحكم على أن تتصدّى محكمة الاستئناف للأساس بعد ذلك.
كما اعتبرت المحكمة أنّ التردّد بشكل طارىء لزيارة الأهل لا يعتبر من قبيل الإشغال الجدّي الذي يدلّ على الحاجة إلى المأجور وهو يتعارض مع المبرّرات والأسباب التي فرضت إعطاء الحقّ في التمديد القانوني.
وقضت المحكمة بإسقاط حقّ المستأجر بالتمديد القانوني.
وممّا جاء في القرار الصادر بتاريخ 1999/4/27:
ثانياً:في الأساس:
حيث إنّ الحكم الابتدائي المستأنف قضى باسقاط حق المستأنف المستأجر السيد جورج في التمديد القانوني سندا لاحكام الفقرة “و” من المادة 10 من القانون رقم 92/160 المعدل، لعلة ترك المأجور لاسباب غير امنية مدة سنة بدون انقطاع، كما قضى الحكم المذكور برد طلب اسقاط حق والدة المستأنف السيدة جانيت في التمديد القانوني، لعدم توفر شروط الفقرة “و” من المادة المشار اليها اعلاه بحقها.
وحيث إنّ المستأنف المستأجر السيد جورج يطعن بالحكم الابتدائي المستأنف طالبا ابطاله بسبب مخالفته احكام البندين التاسع والعاشر من المادة 537 من ق.أ.م.م. كما يطلب فسخ الحكم المذكور لجهة القضاء باسقاط حقه في التمديد القانوني لعدم توفر شروط الفقرة “و” من المادة 10 من القانون رقم 92/160 المعدل بحقه.
وحيث إنّ المستأنف السيد جورج يدلي ضمن اطار طلبه الرامي الى الابطال بأن الحكم المطعون فيه اكتفى ببيان تواريخ تقديم اللوائح الابتدائية، وايراد طلب كل من الفريقين رد ما جاء في لوائح خضمه، دون الاتيان ولو بصورة موجزة على ذكر اية دفوع او اقوال اوردها اي من الطرفين.
وحيث إنّ المادة 537 من ق.أ.م.م. اوجبت في البند التاسع منها ان يتضمن الحكم خلاصة ما قدمه الخصوم من طلبات واسباب لها ومن اسباب دفاع او دفوع، كما فرضت في البند العاشر منها ان يشتمل الحكم على خلاصة ما استند اليه الخصوم من الادلة والحجج القانونية، ثم نصت على انه “تعد البيانات الواردة في الارقام 2و6و9و12 المدرجة سابقا الزامية تحت طائلة بطلان الحكم”.
وحيث إنّه يستفاد مما تقدم انه يجب ان يتضمن الحكم، تحت طائلة البطلان، خلاصة ما قدمه الخصوم من طلبات ودفوع واسباب دفاع.
وحيث إنّه يتبيّن من مراجعة الحكم الابتدائي المطعون فيه ان الحكم المذكور اكتفى بايراد طلبات الفريقين، دون ذكر وقائع القضية وبيان خلاصة الدفوع واسباب الدفاع المقدمة من كل من الطرفين.
وحيث إنّ اغفال ذكر خلاصة الوقائع والدفوع واسباب الدفاع المقدمة من الخصوم يؤدي الى غموض الحكم الابتدائي المطعون فيه وجهالة موضوعه، ويفضي الى بطلان الحكم المشار اليه بالنسبة لفريقي الاستئناف الحاضر، وذلك سندا للمادة 537 من ق.أ.م.م.
(يراجع في هذا الصدد:ادوار عيد، موسوعة اصول المحاكمات والاثبات والتنفيذ، الجزء الرابع ص 282و283و284).
وحيث إنّ المادة 664 من ق.أ.م.م. نصت على انه “اذا استؤنف حكم نهائي يقضي برد الدعوى لسبب لا يتعلق بالموضوع، فعلى محكمة الاستئناف اذا فسخت هذا الحكم ان تنظرفي الموضوع.
وتطبق القاعدة ذاتها في حالة فسخ الحكم المتعلق بالموضوع بسبب بطلان اجراءات المحاكمة او الحكم”.
وحيث إنّه عملا بالفقرة الثانية من المادة المذكورة اعلاه، فأن سلطة هذه المحكمة لا تقف عند حد ابطال الحكم المستأنف بالنسبة لفريقي المرحلة الاستئنافية، بل تتجاوزه الى التصدي للقضية في الاساس بالنسبة لهذين الفريقين.
وحيث إنّ الجهة المستأنف عليها (المدعية) طلبت بداية اسقاط حق المستأنف (المدعى عليه) السيد جورج في التمديد القانوني، سندا لاحكام الفقرة “و” من المادة 10 من القانون رقم 92/160 المعدّل.
وحيث إنّ المستأنف المدعى عليه بداية السيد جورج ادلى بأنه عاد الى المأجور وسكن فيه اعتبارا من سنة 1991، وانه يقضي عطلة نهاية الاسبوع فقط في منزل تملكه زوجته في منطقة ادونيس، وان شروط الفقرة “و” من المادة 10 من القانون رقم 92/160 المعدل غير متوفرة في النزاع الحاضر.
وحيث إنّه بمقتضى الفقرة “و” من المادة 10 من القانون المنوه عنه اعلاه، “يسقط حق المستأجر بالتمديد، ويحكم عليه او على من يحل محله قانونا بالاخلاء…اذا ترك المأجور لاسباب غير امنية مدة سنة بدون انقطاع اعتبارا من تاريخ نفاذ هذا القانون ورغم استمراره في دفع الايجار.
وحيث إنّ الترك هو من الوقائع المادية التي يجوز اثباتها بالبينة الشخصية وبالقرائن القضائية سندا لاحكام المادتين 257و302 من ق.أ.م.م.
وحيث إنّه يتبين من الاوراق المبرزة في الملف ان زوجة المستأنف المدعى عليه بداية السيد جورج تملك شقة في البناء القائم على العقار رقم /1136/ منطقة ذوق مصبح العقارية، وقد ادلت هذه الاخيرة خلال استماعها من قبل القاضي الابتدائي بأن الشقة المذكورة مجهزة بشكل كامل.
وحيث ان الانتقادات الموجهة لتقرير الخبير السيد فارس الكك المعين من قبل قاضي الامور المستعجلة في بيروت بسبب قيام هذا الاخير بمهمته دون دعوة المستأنف (المدعى عليه) السيد جورج ووالدته (المدعى عليها) السيدة جانيت، هي مستوجبة الرد والاهمال باعتبار انه اذا كانت القاعدة الاساسية توجب اجراء الخبرة بمعرفة وحضور الخصوم، الا ان المشترع اقر استثناء لهذه القاعدة تبرره العجلة وفوائد عنصر المفاجأة، اذ اجاز لقاضي الامور المستعجلة بمقتضى المادة 336 من ق.أ.م.م. تعيين خبير للقيام بمعاينة فنية، بموجب قرار يتخذه في ذيل العريضة المقدمة اليه بدون دعوة الخصم، ودون لزوم للتقيد بمبدأ الوجاهية.
وحيث إنّه يتبيّن من تقرير الخبير المنظم بتاريخ 1995/3/29 ومن الافادات الواردة فيه، لاسيما افادة شقيق الزوجة بالذات الذي بادر عند سؤاله الى تأكيد حضور المستأنف المدعى الى منزل زوجته في ادونيس عند الساعة السابعة مساء، ان المستأنف المدعى عليه بداية السيد جورج ترك المأجور موضوع النزاع منذ العام 1986، وانتقل للسكن مع عائلته في الذوق-ادونيس، وانه يحضر من وقت الى آخر الى المأجور المذكور ولزيارة والدته (المدعى عليها) المقيمة فيه لوحدها.
وحيث إنّ الافادتين الصادرتين عن مؤسسة كهرباء لبنان تظهران ان عداد الاشتراك العائد للمأجور موضوع الدعوى سجل مقطوعية ضئيلة خلال الاعوام 1995،1994،1993،1992،1991، وبالمقارنة مع مقطوعية الكهرباء التي سجلها عداد الاشتراك العائد لشقة زوجة المستأنف (المدعى عليه) الكائنة في ادونيس، مما يؤكد النتيجة التي توصل اليها الخبير في تقريره المشار اليه اعلاه.
وحيث إنّ ترك المستأنف (المدعى عليه) السيد جورج للمأجور موضوع النزاع لاكثر من سنة بعد تاريخ نفاذ القانون رقم 92/160.
وحيث إنّ ترك المستأنف (المدعى عليه) السيد جورج للمأجور موضوع النزاع لاكثر من سنة بعد تاريخ نفاذ القانون رقم 92/160 يشكل قرينة قانونية على نية التخلي عنه، ولا ينال من هذه النية او ينفيها قيام المستأنف بالتردد على المأجور بصورة متقطعة لزيارة والدته، ذلك ان التردد بشكل طارىء لزيارة الاهل لا يعتبر من قبيل الاشغال الجدي الذي يدل على الحاجة الى المأجور، وهويتعارض بالتالي مع المبررات والاسباب التي فرضت اعطاء الحق في التمديد القانوني، وحيث ان ترك المستأنف المدعى عليه بداية السيد جورج للمأجور موضوع الدعوى بعد تاريخ نفاذ القانون رقم 160/92 لم يكن ناتجا عن سبب امني.
وحيث إنّه، تأسيساً على ما تقدّم، تكون شروط تطبيق الفقرة “و” من المادة 10 من القانون رقم 92/160 المعدل متوفرة بحق المستأنف (المدعى عليه) السيد جورج، مما يوجب الزامه بإخلاء المأجور موضوع النزاع تبعا لسقوط حقّه في التمديد القانوني سندا لاحكام الفقرة “و” من المادة المشار إليها أعلاه.
وحيث إنّه لم يعد من داع لبحث سائر ما ادلي به، اما لعدم الجدوى واما باعتباره قد لقي فيما سبق تبيانه جواباً ضمنياً.
“محكمة” – الأحد في 2018/05/13