هل سيبطل المجلس الدستوري قانون تمويل السلسلة؟
كتب جهاد إسماعيل:
تطوّع عشرة نوّاب على تقديم مراجعة أمام المجلس الدستوري للطعن بالقانون الرامي إلى تمويل سلسلة الرتب والرواتب عبر مجموعة من الضرائب التي تصيب الفقراء والأغنياء على حدّ سواء. وبرزت مع هذه المراجعة، جملة من المواقف الموزّعة ما بين معارض ومؤيّد، فالأوّل يصفها بالخطوة الشعبوية التي لا تهدف إلاّ إلى إستمالة الشارع نحوه، والثاني يرى فيها خطوة صائبة نحو المسار السليم لا سيّما بعد أن طالت الضرائب، الطبقة الإجتماعية الفقيرة قبل سريان القانون.
لكنّ الفقراء غابوا هذه المرّة عن حيثيات المراجعة الدستورية، بذريعة انتفاء الإمكانية بالإستناد إلى الضرائب التي تطالهم، كون الدستور لا يمنع بأيّ مادة من مواده فرض ضريبة على هذه الطبقة رغم أنّ مقدّمة الدستور تؤكّد على العدالة الإجتماعية وتدعو إلى حمايتها، وهذا بخلاف الأثر المترتّب على تطبيق هذا القانون لجهة تدهور القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من المجتمع جرّاء الزيادة المحدّدة في وعاء السلع الإستهلاكية، وبالمقابل، حضرت المصارف والمهن الحرّة من ضمن خانة الأسباب الأساسية في الطعن بدستورية القانون لجهة مخالفته لأحكام المادة السابعة من الدستور التي تنصّ على أنّ “كلّ اللبنانيين سواءٌ لدى القانون وهم يتمتّعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملّون الفرائض والواجبات العامة دون فرق بينهم”، وذلك عند شمول المصارف والمهن الحرّة بالضريبة على الفوائد من الباب الثالث(دخل رؤوس الاموال المنقولة) وبضريبة الباب الأوّل من ضريبة الدخل (ضريبة الأرباح على المهن الصناعية والتجارية)، لأنّه لا يمكن فرض ضريبتين نوعيتين أو أكثر على نفس الدخل، وإنّما يعفى الدخل الذي سبق خضوعه لضريبة نوعية تطبيقاً لمبدأ عدم جواز الإزدواجية الضريبية على الدخل الواحد، أيّ إستناداً إلى المبادئ العامة في القانون الضريبي، والتي لا يمكن أن يتجاهلها المجلس الدستوري في الأصل.
وحدّد رئيس المجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان جلسة في 15 أيلول 2017، لإصدار القرار في الطعن في قانون مصادر تمويل السلسلة بعد أن أقرّ وقف تنفيذ قانون مصادر تمويل السلسلة إلى حين البتّ به، وإنّما لم تتوقّف التساؤلات عمّا إذا كان المجلس بصدد قبول الطعن أم لا، وعن أثاره على السلسلة فيما لو نظر بالفقرة التي تمسّ بالمادة 7 بشكل صريح، فالإجابة عليها تضعنا أمام احتمالات ثلاثة وهي:
- إمّا ردّ الطعن بدعوى تعطيل النصاب كما جرى في أكثر من محطّة، بسبب الميول السياسية لبعض أعضاء المجلس الدستوري والتي شرّعها قانون إنشائه، عندما قال بانتخاب نصف الأعضاء من قبل المجلس النيابي وتعيين النصف الآخر من الحكومة، وعندما كرّستها الصبغة المذهبية والسياسية في كلّ المؤسّسات، لا سيّما وأنّ غياب ثلاثة أعضاء من أصل عشرة من شأنه أن يمنع النصاب ويعطّل القرار، علاوة على أنّ الأخير يحتاج إلى أكثرية سبعة من عشرة كي يكون سارياً أو نافذاً.
– لمّا كان نصّ المادة 32 من قانون المجلس الدستوري يلزم المستدعي بتبيان النصوص المطعون بعدم دستوريتها والنقاط المخالفة للدستور، ولمّا كان نصّ المادة 37 من القانون نفسه يقول ” إذا أعلن قرار بطلان النصوص المخالفة للدستور كلّياً أو جزئياً، يعتبر النصّ الذي تقرّر بطلانه، كأنّه لم يكن، ولا يرتّب أيّ أثر قانوني”، ولمّا كانت المراجعة قد انصبّت بشكل أساسي على بند الإزدواج الضريبي المفروض على المصارف بعد تبيان موضع المخالفة الدستورية، فمن المحتمل أن يبطل المجلس فقط النصّ الذي يفرض الضريبة على المصارف، بحيث يطال الإبطال مادةً واحدةً من قانون الموارد الضريبية، لأنّ الإبطال الجزئي جائزٌ عملاً بالمادة 37، ولا ينسحب على المواد الأخرى، عندئذ يكون المجلس قد أوجد ذريعة للطبقة الحاكمة من أجل إرضاء الهيئات المصرفية والإقتصادية وبصورة قانونية، وهذا ما قد يدعونا إلى الشكّ حول الخلفيات والأدوار في المراجعة المقدّمة أمام المجلس.
– ومن المحتمل جدّاً أن يردّ المجلس الطعن، لأنّ هناك نيّة بطرح اقتراح قانون معجّل مكرّر في المجلس النيابي قبل 15 أيلول بهدف إدراج التعديلات ومعالجة الثغرات في بند الفوائد على المصارف فيما يتعلّق بالإزدواج الضريبي، موضوع الطعن، عندئذ ينتفي سبب قبول المراجعة تبعاً لانتفاء الموضوع الأساسي.
لذلك لا مجال للإبطال الكلّي للقانون، تبعاً لطبيعة وحيثيات المراجعة نفسها، وتبعاً لدور وواقع المجلس الدستوري، بسبب “ضياع الإستقلالية في زواريب السياسة” كما يتردّد في الغرف المغلقة، فهل سينضمّ المجلس مجدّداً إلى قافلة الشلل، أم أنّه سيثبت حرصه على الدستور ويعيد ثقة الناس به، عبر التصدّي للمراجعة وفق الحسابات المبدئية لا السياسية والشعبوية؟.
“محكمة” – السبت في 02/09/2017.