مقالات

هرطقة دستورية متعمّدة/فرانسوا ضاهر

القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهر:
أن يُقال أن توقيع وزير المالية على مقرّرات مجلس الوزراء هو بحكم “التوقيع الثالث”، ضمن ثلاثيّة التواقيع الوجوبية على مقررات السلطة الاجرائية، أي الى جانب توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فهذا يعني أن وزير المالية هو بمثابة “الوزير فوق العادة” (ministre plénipotentiaire) أو “الوزير الممتاز” (super ministre) بين الوزراء. بحيث لا يصحّ ولا يجوز أن يصبح أي قرار صادر عن مجلس الوزراء نافذاً إلاّ بتوقيعه.
في حين أن المادة ٥٤ من الدستور تجعل مقررات مجلس الوزراء نافذة بتوقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصين، الذي يكون من بينهم وزير المال، عندما يكون للقرار طبيعة مالية أو إنعكاسات مالية على الخزينة العامة.
بحيث يحتّم الالزام الدستوري على كل هؤلاء المعنيين، إستناداً الى النص المشار إليه، أن يوقّعوا بدون مهلة أو إستئخار مقرّرات مجلس الوزراء التي يكون قد تّم إقرارها وفق آلية عمله المنصوص عنها بالفقرة ٥ من المادة ٦٥ دستور، وذلك على نحو يفيد بأنه لا يحق لأي وزير من الوزراء المختصين بمن فيهم وزير المالية أن يستأخر نفاذ تلك المقررات باستئخار توقيعه عليها أو بالإمتناع عن هذا التوقيع، تحت طائلة إقالته من قبل مجلس الوزراء المذكور عملاً بالفقرة ٢ من المادة ٦٩ دستور، أو عدم الثقة بهأ أو حجب الثقة عنه من قبل المجلس النيابي عملاً بحكم المادة ٦٨ دستور، أو إحالته الى المحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء عملاً بحكم المادة ٨٠ من الدستور معطوفة على المادة ٧٠ منه.
بحيث يصحّ الإستنتاج، إستناداً الى ما تقدّم، بأن القول القائل بأن توقيع وزير المال على مقرّرات مجلس الوزراء هو بمثابة “التوقيع الثالث” يعني عملياً أنه يُراد إنشاء “عرف دستوري” يقوم على اعتبار وزير المال بمثابة “وزير فوق العادة” أو “الوزير الممتاز”، حيث لا يصبح أي قرار لمجلس الوزراء نافذاً إلاّ بتوقيعه، الأمر الذي يشكّل هرطقة دستورية مخالفة لحكم المادة ٥٤ من الدستور، لا يصحّ لأيّ سبب أو ظرف تكريسها كعرفٍ بالتصاريح الشائعة والآراء الفضفاضة والممارسات الخاطئة.
فاقتضى الإيضاح.
“محكمة” – الاربعاء في 2025/2/5

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!