قامات

فخامة المحاماة تتجلّى في عصام كرم.. نقيب المرافعين في اللغة والظرف والقانون/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
يحمل عصام كرم ذاكرة متوقّدة. فما أنّ تطلب منه موضوعاً ما في الأدب العربي والعالمي، أو الفلسفة، أو التاريخ، أو القانون، أو الظرف، أو اللُطف، حتّى يأتيك الجواب سريعاً شافياً وافياً وكافياً ومعزّزاً بالأدلّة المادية والإثباتات الملموسة، كأنّه يفرش أمامك حديقة غنّاء ممّا في بطون المجلّدات وفي أُمّهات كتب التراث والحضارات، وباللغتين العربية والفرنسية.
يستنجد به المحامون، وبعضهم من أصحاب الأسماء اللامعة والمرافعات اللاهبة، لانتشالهم من ورطة قانونية لم يعرفوا طريق الخلاص منها والخروج من شرانقها، فيلبّيهم راضياً مرضياً، لاقتناعه بأنّ مخزون الثقافة الفائر في صميم وعيه لاّ بدّ من تعميمه وإفادة الآخرين منه، واستخدامه في المصلحة العامة وفي خدمة الإنسان.
ما قدّم يوماً لائحة أو مذكّرة لمستنطق أو محكمة، حتّى بات المحامون يتناولونها كإكسير، وأُوكسجين، لإنعاش مذكّراتهم وتدعيمها بالأفضل، ممّا غاب عن بالهم، وعن مطالعاتهم، وعن مهاراتهم في حياكة القانون بحسب رغباتهم ومصلحة موكّليهم.
وما سمع روّاد” العدلية” القديمة قرب السراي الحكومي والذي تحوّل إلى مقرّ لمجلس الإنماء والإعمار، والجديدة في بدارو، يوماً، بالمحامي الشاب، ومن ثمّ النقيب عصام كرم، يترافع بنبرته العالية، حتّى جذبهم إلى قاعة المحكمة، مأخوذين بحجّته ومنطقه وكلماته وطرائفه المسبوكة بالمغازي والعبر.
وكلّما وقف مرافعاً أو مُسْتَجوِباً أمام القضاة، سواء في محاكم الجنايات، أو التمييز، أو العسكرية، تهيّبوه وشغلوا أنفسهم بالإنصات إليه ملّياً لئلاّ يفوتهم بالدرجة الأولى، الاستئناس بمعينه القانوني، وتهيئة أجوبتهم للردّ عليه إن ترك لهم، في الشكل وفي الأساس، ما يمكنهم اللجوء إليه واستخدامه ضدّ هذا “الخصم الشريف”.
عندما ولد عصام كرم من والديه الأديب كرم ملحم شاهين كرم من مزرعة الشوف والمولود في دير القمر في العام 1903 والمتوفّى في العام 1959، وإميلي خليل الأسمر من دير القمر، في 30 آذار 1931، إبتهج أبوه بأنْ رزقه الله صبياً “فقالوا له سمِّه ملحم على إسم أبيك، فقال: إسم قديم ولا أريد أن أكون أبو ملحم، بل أريد أن أسمّيه “عصام”، وقد أهدى شيخ الخطّاطين نسيب مكارم (1889- 1971) والده مخطوطة ورد فيها”نفس عصام سوّدت عصاماً” أي جعلته سيّداً، وقد وضعها عصام في صدر مكتبه القانوني الملاصق لقصر عدل بيروت. “وعندما ولد شقيقي قيل لوالدي الآن عليك بتسميته باسم والدك أي ملحم، وهكذا لزق الإسم بملحم الذي تزوّج وسمّى كرم ليبقى إسم كرم ملحم كرم”.
ولد عصام في مستشفى الفغالي. صارت لاحقاً مدرسة في طلعة حيّ السراسقة في محلّة الأشرفية في بيروت، ومن المصادفات في حياته أنّه قدّم امتحان البكالوريا فيها، بينما ولد ملحم، وسوزان، ومهى في مستشفى رزق، وكان موقعه مكان مخفر البسطة اليوم.
قيّد كرم نفوس أولاده في مكان ولادته في دير القمر، وكان والده تزوّج من سوسان يوسف الأسمر من الدير، “ولكن، بناء على طلب آل كرم في مزرعة الشوف نقلت قيودي إلى المزرعة، وبقي ملحم في دير القمر”.
الحكمة وأساتذتها وطلابها
كان الأديب كرم ملحم كرم “حريصاً على متابعة تربيتنا على الرغم من مشاغله، فكان يعمل أكثر من 17 ساعة في اليوم الواحد، كما أنّه كان حريصاً على أن يرى دفتر علاماتنا ويحاسبنا إن كان ثمّة علامة ناقصة في هذه المادة أو تلك، مع أنّني كنت وشقيقي ملحم الأوّلَيْن دائماً في صفّينا في مدرسة الحكمة”.
يذكر عصام معاملة والده القاسية له ولشقيقه ملحم”بينما كان يداري البنتين سوزان ومهى، ولكنّه كان يحبّ الجميع ولا يفرّق بينهم، وكان يريد لنا التعمّق في المعرفة التي يجب أن تكون في باب الاتقان، وليس الإلمام، فما أنْ ننتهي من دراستنا حتّى كان يحضر لنا كتباً ويقول أكملوا معرفتكم، ولذلك كانت لدينا مدرستان، مدرسة في الحكمة، ومدرسة في البيت وكانتا متكاملتين”.
تتلمذ عصام في الحكمة على يد نخبة من أكابر الأساتذة، منهم حنّا الحدّاد، يوسف سعادة، وإبن بلدته مزرعة الشوف الأديب حسيب سعيد يوسف عبد الساتر(1912-1998)، وإبن بلدة عشقوت المربّي والأديب عبده الشمالي(1905-1989)، والأديب واللغوي والصحفي بطرس سليمان حسن البستاني(1898-1969). “وكان الحدّاد وعبد الساتر والشمالي ينطلقون في تدريس النحو من قاعدة “أصلح واذكر السبب” فكانوا يوردون بعض المغالطات والأخطاء ويطلبون تصحيحها وذكر السبب”.
أنا أسمّع ورزق يحفظ
ومن رفاقه فيها الوزير والنائب والأديب إدمون رزق “وكنت أتزاحم معه على المرتبة الأولى في اللغة العربية، وكان إدمون ذكي وذو ذاكرة قويّة، ويحضر إلى الصفّ من دون أن يكون قد درس وحفظ القصيدة، فيطلب مني الأستاذ عبده الشمالي تسميع 32 بيتاً قبله، فأسمّعها، فيحفظها إدمون ويسمّعها من بعدي كما أدّيتها غير ناقصة”.
كانت لائحة الشرف في الحكمة تضمّ دائماً بحسب صفوفها أسامي “باسم الجسر، رفيق المعلوف، عصام كرم، ملحم كرم(1932-2010)”.
الدراسة على يد العلايلي
لاحظ الوالد المتنّبه وجود ميل لدى عصام وملحم إلى العلوم الإنسانية( تاريخ، أدب، فلسلفة، لغة) أكثر من الميل إلى العلوم الفيزيائية، “ولهذا السبب طلب منا أن نتقن اللغتين العربية والفرنسية، وهما المتداولتان في منتصف أربعينات القرن العشرين، وطلب أن نبدأ بلغتنا لأنّها لغة العرب، وأن نقرأ أربعة كتب هي: القرآن الكريم ونهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب، وكليلة ودمنة، والأغاني لأبي فرج الأصفهاني، وصار يمتحننا أين صارت المدارك… إلى أن لمس تقدّماً في درس القرآن. فتولّى هو تدريسنا، ثمّ لجأ إلى الشيخ عبد الله العلايلي(1914-1996) وقال له: عليك بهما أريد منك تدريسهما القرآن.. أنت أزهري..أنا لا”.
وهكذا صار عصام وملحم يذهبان يوماً بعد يوم سيراً على الأقدام إلى منزل العلايلي في شارع بيضون والقريب من بيتهما في شارع عبد الوهّاب الإنكليزي مسافة قصيرة لا يحتاج تجاوزها إلى أكثر من ثلاث دقائق،”وصرنا نقرأ لديه الصوفية… من الحلاّج إلى أبي يزيد البسطامي، وكان العلايلي يكتب قاموسه” الرديف”، وكان يحتبي وأمامه إبريق شاي وسجائر ووعاء زجاجي فيه سكّر يملأ الاستكان نصف شاي ونصف سكّر، وكان يتكلّم معنا في كلّ شيء، في اللغة، والأدب، والبيان والعروض، والبديع، والفلسفة”.
الحقوق وترؤس إتحاد الطلاّب الجامعيين
درس عصام كرم الحقوق في جامعة القدّيس يوسف الوحيدة آنذاك لتدريس الحقوق في مطلع الخمسينات،”وهي فرع من جامعة ليون الفرنسية، والأساتذة من جامعة ليون، والإدارة للآباء اليسوعيين. وعند الإمتحانات تأتي اللجنة الفاحصة من ليون. وبوشر آنذاك تدريس الحقوق اللبنانية، وأُنشئت شهادة الحقوق اللبنانية في السنة الرابعة، وكانت المواد في تلك السنة تُدرّس باللغة العربية خلافاً للسنوات الثلاث السابقة”، فنال إجازة في الحقوق الفرنسية، والإجازة في الحقوق اللبنانية.
ووجد عصام كرم متّسعاً من الوقت لديه، فدرس العلوم السياسية أيضاً في الجامعة نفسها وانتُخب رئيساً للجنة طلاّب العلوم السياسية بعدما كان قد انتخب عضواً في لجنة طلاّب الحقوق في سنته الأولى، وكان يومذاك متفقاً مع السفير جوي ثابت وانتخبا معاً في لجنة الطلاّب، وبعد سنة صار يُنتخب هو في العلوم السياسية، وشقيقه ملحم في الحقوق، إلى أن” ترأست إتحاد الطلاّب الجامعيين وكانت الحركة الطالبية يومذاك، طالبية صرفاً غير حزبية، وغير طائفية، وغير سياسية. وعندما كانت تتشارك الأحزاب، لم تكن تقدر على أن تُطلع عضواً منها إلاّ بالتفاف الطلاّب المستقلّين حوله”.
لا مكان بيننا للطائفية
تربّى عصام كرم في بيت لا يعرف الطائفية ويستمرّ على هذا النهج حتّى اليوم. والده كتب تاريخ العرب وتاريخ الإسلام وحبّب هذا الأمر إلى عائلته،”وصرنا لا نفرّق بين المسيحية والإسلام، وبقينا موارنة منفتحين على الآخرين، لأنّنا نؤمن بأنّ لبنان لا يُبنى إلاّ بكلّ أسره الروحية”، كما أنّه لم يعرف الطائفية لا في مدرسة الحكمة، ولا في الجامعة، ويخبر أنّه “كان معي في الحكمة رفيق لي يجلس إلى جانبي لم أعرف أنّه مسلم أو مسيحي، إلى أن تخرّجت وصرت طالباً في الحقوق”، ولهذا قصّة لا يمكن القفز فوقها لأهمّيتها. “فعندما كان ينتهي الدرس عند الساعة الحادية عشرة ظهراً، كنت أنزل إلى السوق. وذات يوم دخلت إلى سوق أبي النصر فوجدت رفيقي جالساً أمام دكّان يضع لافتة تقول إنّ صاحبه يدعى محي الدين. فسلّمت عليه، وسألته ماذا تفعل هنا؟، فقال لي إنّ الدكّان لوالدي، فسألته هل أنت مسلم؟، فأجاب نعم، ولم نكن نعرف طائفة بعضنا”.
ولا تنتهي الحكاية هنا “فعندما كنّا نسكن في محلّة رأس النبع في مأجور لآل بكري، كانت تستقبلنا أمّ عمر بالمودّة والتقدير وحُسْن الضيافة”.
مدعي عام الثورة
تخرّج عصام كرم في الجامعة في العام 1958 المعروف بعام الثورة التي “لم يكن للطائفية أثر فيها. فاتصل بي كمال جنبلاط(1917-1977) طالباً أن أحضر إلى المختارة حيث تألّفت حكومة الثورة وكنت مدعي عام الثورة، وكنّا نصدر جريدة” الثائر” على الدكتيلو، وكنت أكتب إفتتاحيتها، كما أنّني كنت أكتب في” الأنباء” جريدة الحزب التقدّمي الاشتراكي الذي انتميت إليه لأسباب منها أنّني لا أؤمن بالحزب الطائفي كوني لبنانياً عربياً أميل إلى الحزب المتحرّر من الطائفية المنفتح على المدى الإنساني بالإيديولوجية المتوازنة، فوجدت غايتي في هذا الحزب الذي كان يجمع كلّ الطوائف. ثمّ إنني أميل إلى الإيديولوجية الإشتراكية، لاعتقادي بأنّ الخلاص لا يكون إلاّ عن طريق الاشتراكية العادلة المنصفة، لا اليمين المليء بالأخطاء، ولا اليسار، وخصوصاً المتطرّف منه الذي لا يقدر أنْ يوصل إلى الانفتاح الإنساني الذي تؤمّنه الاشتراكية، وأنا أؤمن بهذا الإنفتاح، كما أؤمن بالاعتدال، لأنّ مذهبي الاعتدال الحقيقي، لا الإعتدال المناسباتي المصنوع”.
لكنّ كرم ما لبث أنْ استقال من الحزب التقدّمي الاشتراكي إثر اختلافه مع كمال جنبلاط لأسباب تتعلّق بالقومية، فاستقال منه “من دون أن أستقيل من قناعاتي، فبقيت إشتراكياً في تفكيري، وعربياً في انتمائي اللبناني”.
المحامي صاحب الكلمتين
إختار كرم الحقوق مهنةً لملاءمتها مع اعتبارات عديدة هي: “أنّك تدافع عن الحقّ أو عمّا تراه حقّاً. والمحاماة مركوزة في أسانيد ثلاثة هي: النصّ، والعلم، والاجتهاد، فضلاً عن أنّها ثقافة. واقتناعاً مني بأنّ المحامي المثقّف يستطيع أن يقوم بواجبه أكثر من المحامي الذي اقتصرت ثقافته على القانون، كما أنّ المحامي هو صاحب الكلمتين: الكلمة المحكية من خلال المرافعات، والكلمة المكتوبة من خلال اللوائح والمذكّرات”.
تدرّج في مكتب صديق والده ميشال عقل(1913-1987) الذي انتخب نقيباً للمحامين في العام 1966 طوال ثلاثة أعوام، “وكان محامياً كبيراً وشاعراً ومهذّباً ونظيفاً ونزيهاً، وصداقته لوالدي جعلتني أتوّجه إليه لأسأله أين تنصحني بأن أتدرّج؟ فقال لي تتدرّج عندي. وهكذا كان، فبدأت في اليوم التالي وبقيت ثلاث سنوات ثمّ أنشأت مكتبي الخاص في العام 1961 بمحاذاة قصر عدل بيروت” في محلّة بدارو قبل أن يبدأ العمل القضائي في هذا القصر في العام 1964.
السودا أوّل محام لبناني يترافع
وتزخر جعبة كرم بالكثير من الأحاديث والذكريات واللطائف والحكايات عن قصر عدل بيروت السابق، وما كان يجري تحت شجرته الشهيرة من مجالس تضمّ نخبة السياسيين والمحامين الذين يتبارون في ما بينهم في كلّ المجالات حتّى صارت هذه الشجرة مقصد الجميع.
ويقول كرم” كانت تجمع الكثير من المحامين ومنهم إميل جرجس لحود(1899-1954)، وبهيج تقي الدين(1909-1980)، وجاك نسيب شديد(1910-1963)، وميشال عقل، وجورج غريب، وجان جلخ، وحبيب سليم أبو شهلا(1902-1957)، وجورج عقل، ويوسف حنّا السودا(1887-1969) الذي هو أستاذنا كلّنا في المرافعة ومعه بدأت المرافعات في لبنان”،وتسأله كيف حصل ذلك؟، فيجيب:” كان المحامي يدوّن مطالبه على ضبط المحاكمة، وذات يوم مثل السودا القادم من مصر، أمام محكمة الجنايات برئاسة القاضي توفيق الناطور(إبن عمّ والد القاضي عمر الناطور)، فطلب أن يترافع، فقال له القاضي الناطور: “هذا كاتب الضبط يدوّن لك مطالبك”، فكرّر السودا مطلبه بالمرافعة وقال:”بدي أترافع يمكن وقت المحكمة اليوم مش مناسب فعَيّن لي موعداً للمرافعة”، فكان أن نزل القاضي الناطور عند طلبه، ومذاك بدأت المرافعة… وكان السودا أوّل محام يترافع في تاريخ لبنان”.
ويمكن تشبيه شجرة العدلية بمدرسة تحت الشجرة التي عرفها لبنان في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ويصف كرم جلساتها بأنّها” من أرقى الجلسات في أميز صالونات أدبية وفكرية واجتماعية تسمع فيها شعراً، وسياسة، وقانوناً، ونكات”، ويبدي أسفه على زوال هذه الشجرة وجلساتها الحميمة، كما “يأسف لوجود شجرة في قصر عدل بيروت الجديد، يجفوها الجلاّس إلاّ قليلاً جدّاً”.
هيك محكمة تنك بدها هي سنكري!
ويسترجع كرم بعض حلاوة هذه الجلسات وما كان يدور بين روّادها ومنها “أنّ المحامي فيليب ضرغام وصل إلى قصر العدل مرتدياً شورتاً وقميصاً كحليين وكان يتهيأ للذهاب إلى البحر. فنودي على إسمه واتضح أنّ لديه جلسة في محكمة إستئناف الجنح برئاسة القاضي آصاف رعد، شقيق مدير الشرطة آنذاك ناصر رعد، ومثل أمامه فاستغرب حضوره بالشورت الكحلي وقال له:” جايي على المحكمة بتياب السنكرية؟ فأجابه:” هيك محكمة تنك بدها هيك سنكري”!.
“هلّأ حْكوم يا عيتاني”
ولا ينتهي المشوار مع كرم، فيتذكّر كيف أنّ” إميل إده(1883-1949) مثل أمام رئيس محكمة استئناف الجنح القاضي كمال عيتاني عن جهة المستأنف، يقابله بشارة الخوري(1890-1964) عن الفريق الآخر، فترافع إده بشكل مهمّ إلى درجة أنّ كمال بيك تحمّس وقال” والله معو حقّ” مبدياً رأيه قبل إصدار الحكم، وعندما ترافع الخوري قال عيتاني:” والله وهيدا كمان معو حقّ”، ثمّ التفت إلى السقف، وقال: “وهلّأ قْدور حْكوم يا عيتاني”. والطريف أنّ الرئيس بشارة الخوري تدرّج في مكتب الرئيس إميل إده.
طالعين من نفس الإسطبل
وأيضاً وأيضاً “مثل إميل لحود وجورج شيكرايدس في إحدى الدعاوي أمام رئيس المحكمة القاضي سامي الصلح(1887-1968)، وتلاسنا بحدّة، فرفع سامي بيك الجلسة ودخل إلى غرفته وطلب المحاميين المتصارعين ليصلح بينهما، فدخلا عليه متصافحين باسمين، ففوجىء وقال لهما: “ناديت عليكما لكي أصالحكما”، فقالا له:” ناسي إنو نحنا طالعين من نفس الإسطبل” في إشارة إلى أنّهما تدّرجا كلاهما، في مكتب يوسف السودا.
ضدّ الحرب
إستهوى العمل النقابي كرم كما كان عهده في الجامعة، فترشّح في العام 1972 لعضوية مجلس نقابة المحامين، ونال عدداً كبيراً من الأصوات “إلى درجة أنّ الذين يعرفون بالانتخابات النقابية قالوا هيدي مش أصوات عضوية بل أصوات نقيب، فعَدَدْتُ عشر سنوات وعملت نقيباً للمحامين في العام 1983 وبقيت حتّى العام 1987 وكانت الحرب في أوجها ولم أنقطع يوماً عن المنطقة التي سمّوها” الغربية”، وكلّ محام لا يستطيع الوصول إلى العدلية كانت تصله حقوقه كاملة، لأنّني أرفض وجود خطوط تماس بين المحامين كما أرفضها بين اللبنانيين”.
“موزاييك” من الدعاوى
عرفت المحاكم عصام كرم في غير دعوى مهمّة، منها قضيّة تفجير وزارة الدفاع التي كان متهمّاً فيها” مؤيّدون للعماد ميشال عون، وقلت خلال مرافعتي عن أميمة طرّاف المدعى عليها آنذاك بالمشاركة في التفجير، لرئيس المحكمة العسكرية،”أنتم تحاكمون هؤلاء المتهمين لو كان تغيّرت السياسة قليلاً كانوا هم يحاكمونكم”، كما تولّى الدفاع عن سمير جعجع أمام المجلس العدلي في جرائم اغتيال الرئيس رشيد عبد الحميد كرامي(1921-1987)، وداني كميل شمعون(1934-1990)، والياس الزايك، ومحاولة اغتيال الوزير والنائب ميشال المرّ، وتفجير كنيسة السيّدة في الزوق، ودافع عن اللواء علي الحاج الذي أُوقف من دون وجه حقّ، مع اللواء الركن جميل السيّد، والعميدين مصطفى حمدان وريمون عازار، في قضيّة اغتيال الرئيس رفيق الحريري(1944-2005).
يختصر كرم هذا “الموزاييك” من الدعاوى بما قاله يوماً للبطريرك الماروني السابق نصرالله صفير:”لم يتغيّر شيء، الذهنية ذاتها، فقط تغيّر الأشخاص”.
(نشر في”محكمة” – العدد 6- نيسان 2016)

*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!