خريطة الطريق إلى التعيينات والتشكيلات القضائية/علي الموسوي
المحامي المتدرّج علي الموسوي:
مع انطلاقة عهد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وتشكيل أوّل حكومة برئاسة القاضي الدولي السابق المحامي نوّاف سلام، لا بدّ من إجراء تشكيلات قضائية موسّعة ومنتظرة بعد مرور أكثر من سبع سنوات على التشكيلات التي نسجها أوّل وزير للعدل في عهد الرئيس السابق العماد ميشال عون، عضو المجلس الدستوري سابقًا المحامي سليم جريصاتي “بالتكافل والتضامن” مع مجلس القضاء الأعلى في عهد رئيسه القاضي السابق جان فهد في العاشر من تشرين الأوّل 2017، من دون أن ننسى تلك التشكيلات التي كتبت بحبر جامد لا يُقرأ، في العام 2020 خلال تولّي الدكتورة ماري كلود نجم وزارة العدل من دون أن تبصر النور، وذلك لما اعتورها من ثغرات، وما حيك حولها من خلافات صارت من الماضي خصوصًا مع تبدّل العهود والوجوه السياسية والقضائية.
وإذا كان من البديهي في مطلع أيّ عهد رئاسي جديد، أن يصدر مرسوم تشكيلات قضائية شاملة، إلّا أنّ هناك ظروفًا تملي ضرورة الإنكباب على إجراء هذه التشكيلات، منها تقاعد عدد كبير من القضاة العدليين منذ العام 2018، يناهز الستين قاضيًا تقريبًا، أيّ ما يوازي دورتين قضائيتين معًا، وكثرة الانتدابات والتكليف المُرْهقَيْن حيث يوجد قضاة يشغلون أكثر من موقعين، ويحسدون على هذه القدرة الكبيرة على التحمّل والإنتاجية من دون أن يداخلها تشتّت ما خصوصًا إذا كان الموقعان أو الثلاثة منفصلين كلّيًا، ووفاة قضاة، واستقالة آخرين، وتعيين قضاة أصيلين في الملاك أنهوا فترة التدرّج في معهد الدروس القضائية.
أولى الخطوات
ولا شكّ أنّ بداية التعيينات تكون عبر مجلس الوزراء لملء المراكز الرئيسية الشاغرة التي تصدر بموجب مراسيم خاصة ولا علاقة لمجلس القضاء الأعلى بها، مثل رئيس هيئة التفتيش القضائي حيث المركز شاغر منذ الأوّل من شهر تموز 2022، وترجّح كفّة القاضي أيمن عويدات لتولّي هذا المركز تتويجًا لمسيرته في القضاء، إذ إنّه يحال على التقاعد في 15 تموز 2026، مع الإشارة إلى أنّه ثاني أعلى قاض من الطائفة السنية حاليًا بعد القاضي ريما شبارو التي تتقاعد في 12 حزيران 2025، وهما من ذات الدورة القضائية في العام 1985.
ويجب تعيين نائب عام لدى محكمة التمييز أصيل إمّا بتثبيت القاضي جمال الحجّار فيه بعد “تكليفه” بهذا المنصب في آذار 2024 وهو يتقاعد في 25 نيسان 2026، أو بإعادته إلى رئاسة الغرفة السابعة لمحكمة التمييز الجزائية، وتعيين قاض آخر نائبًا عامًا، ولكنّ التثبيت هو المرجّح.
وفي حال عدم تثبيت القاضي كلود غانم في رئاسة هيئة القضايا التي كلّف بها باعتبار أنّ له الأولوية بتولّي مركز مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة، فإنّه لا غنى عن اختيار قاض آخر من الطائفة المارونية، والمرشّحون كثر وهو مركز مغر، لأنّ من يعيّن رئيسًا لهيئة القضايا يحجز مقعدًا له في عضوية مجلس القضاء الأعلى لمدّة ثلاث سنوات.
أعضاء مجلس القضاء
ثمّ يأتي تعيين خمسة قضاة في عضوية مجلس القضاء لينضمّوا إلى القضاة الحكميين الثلاثة الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز والمدعي العام التمييزي ورئيس هيئة التفتيش تمهيدًا للشروع في إعداد صيغة تنفذية فاعلة ومستعجلة للتشكيلات الموسّعة. والخمسة هم: رئيس محكمة إبتدائية، ورئيس وحدة في وزارة العدل(هيئة القضايا أو التشريع والاستشارات)، ورئيسا محكمتين إستئنافيتين، وقد يتأخّر تعيين الخامس ما لم يجر تعيين رئيسة الغرفة الثالثة لمحكمة التمييز الجزائية القاضي سهير الحركة (تتقاعد في 25 آب 2028)، إلى حين تعيين ثمانية رؤساء لغرف محكمة التمييز.
ولا شكّ أنّ الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود يسعى إلى الظفر بـ “حصّة الأسد” في هذه التعيينات، فيثبّت القاضي ناجي عيد في رئاسة الغرفة الأولى قبل أن يتقاعد في 20 نيسان 2026، والقاضي ندى دكروب في رئاسة الغرفة الثامنة وهي تتقاعد في 10 كانون الثاني 2028، والقاضي جان مارك عويس(يتقاعد في 27 تشرين الثاني 2030) في رئاسة الغرفة التاسعة، مع نقل القاضي حبيب رزق الله(يتقاعد في 9 نيسان 2029)، لرئاسة الغرفة العاشرة، والقاضي رندة حروق أو سنية السبع لرئاسة الغرفة الثانية وهما تتقاعدان في 12 أيار 2028 و20 تموز 2028 على التوالي، والقاضي منيف بركات(يتقاعد في 1 تموز 2028) أو القاضي كلنار سماحة (تتقاعد في 4 كانون الثاني 2031) لرئاسة الغرفة السادسة باعتبار أنّ الرئيسة المكلّفة حاليًا القاضي رندة الكفوري تتقاعد في 27 آذار 2025، أيّ قبل الإنتهاء من إعداد التشكيلات القضائية. ولو لم يكن هنالك نحو ثلاثة عشر قاضيًا من طائفة الروم الكاثوليك أعلى درجة من القاضي طارق البيطار المحقّق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، لحمله القاضي عبود على جناح السرعة، “كردّ جميل”، إلى رئاسة الغرفة السادسة لمحكمة التمييز، غير أنّ وصوله إلى رئاسة هذه الغرفة لن يكون في عهد عبود الذي يتقاعد بدوره في 20 حزيران 2027، أيّ قبل الكثيرين من رؤساء غرف محكمة التمييز بشقّيها المدني والجزائي.
وتنتخب محاكم التمييز برؤسائها ومستشاريها إثنين من بين الرؤساء عضوين في مجلس القضاء بعد اتضاح صورة التوزيع الطائفي للخمسة المعيّنين حيث يأتي “الإيعاز” الديموقراطي، وبذلك يكتمل عقد مجلس القضاء وعدده بالعشرة.
إختيار محسوم
ومن المحسوم أن يكون أحد رؤساء محاكم الاستئناف من الطائفة الدرزية عضوًا في مجلس القضاء باعتبار أنّه لا يحقّ لرئيس الغرفة الرابعة لمحكمة التمييز القاضي عفيف الحكيم العودة إلى عضوية مجلس القضاء المحدّدة بدورة واحدة من ثلاث سنوات، ولا يوجد غير القاضي غادة أبو كروم التي ترأس الغرفة الحادية عشرة لمحكمة الاستئناف في جبل لبنان، وعندها ستضطرّ بعد تقاعد الحكيم في 10 نيسان 2026، إلى الإستقالة من عضوية مجلس القضاء لتحلّ مكانه في رئاسة محكمة التمييز باعتبار أنّها الأعلى درجة بين زملائها من أبناء طائفتها، وهي تتقاعد في 25 كانون الأوّل 2029، وإلّا فإنّ الخيار يقع على اختيار قاض درزي من بين رؤساء محاكم البداية، ولا يوجد أيضًا سوى القاضي سيلفر أبو شقرا التي ترأس الغرفة التاسعة للمحكمة الإبتدائية ومقرّها في جديدة المتن، علمًا أنّ أبو شقرا في الدرجة 21، وبما يؤهّلها لأن تكون رئيسًا لمحكمة التمييز.
تعيينات أخرى
ومن مهام مجلس الوزراء أيضًا، تعيين:
1- نائب عام مالي بعد تقاعد القاضي الدكتور علي ابراهيم في 10 نيسان 2025.
2- مفتّشين عامين في هيئة التفتيش أو ترقية بعض الموجودين من مفتّش عادي إلى مفتّش عام، خصوصًا وأنّ درجاتهم تتيح لهم هذا الإنتقال السهل والبسيط عبر مجلس الوزراء وبمراسيم خاصة ولا علاقة لمجلس القضاء بهذا الأمر على الإطلاق، إذ يخرج عن صلاحياته تعيين قضاة في هيئة التفتيش القضائي.
3- رئيسي غرفتين في ديوان المحاسبة، الأوّل مكان القاضي المتقاعد جمال محمود على أن يتمّ اختياره من بين القضاة العدليين لعدم وجود قضاة من الطائفة السنية في ملاك ديوان المحاسبة، والثاني مكان محافظ بيروت القاضي مروان عبود.
4- رؤساء غرف في مجلس شورى الدولة، وقد يتمّ إختيار بعضهم من بين القضاة العدليين، ما لم يجر اختيارهم من بين المستشارين الموجودين في ملاك المجلس نفسه.
مواقع
وبعد ذلك، يصبح بإمكان مجلس القضاء الأعلى و”بالتعاون” مع وزير العدل، تجهيز مسودّات للتشكيلات بغية إنعاش العدليات من جديد. ومن المراكز الشاغرة في القضاء العدلي نذكر:
• رؤساء أول لمحاكم الاستئناف في المحافظات الستّ: بيروت، وجبل لبنان، والبقاع، والجنوب، والنبطية، وطرابلس.
• قاضي تحقيق عسكري أوّل، وهو مركز محسوب للطائفة الدرزية، وقد استلمه بالوكالة القاضي فادي صوّان منذ خريف العام 2018.
• قاضي تحقيق أوّل في بيروت.
• قاضي تحقيق أوّل في البقاع.
• قاضي تحقيق أوّل في النبطية.
• نائب عام استئنافي في جبل لبنان بعد تقاعد القاضي غادة عون في 1 آذار 2025.
• نائب عام استئنافي في الشمال.
• رئيسان لمحكمتي الجنايات في بيروت.
• رئيسان لمحكمتي الجنايات في جبل لبنان ويمكن تثبيت القاضيين كمال نصّار وربيع الحسامي في كلّ واحدة منهما.
• رئيسان للهيئة الاتهامية في جبل لبنان ويمكن تثبيت القاضي رائد أبو شقرا في واحدة منهما، واختيار قاض سني للثانية.
• رئيس محكمة استئناف الجنح ورئيس محكمة جنايات في الجنوب.
• خمسة قضاة رؤساء محاكم الاستئناف في بيروت، الغرف الرابعة، والخامسة، والتاسعة، والعاشرة(استئناف الجنح)، والحادية عشرة في حال تعيين عويدات رئيسًا لهيئة التفتيش.
• رئيس محكمة الاستئناف الجزائية في جديدة المتن (الغرفة الرابعة عشرة).
• رئيس الغرفة الأولى لمحكمة البداية في بعبدا.
• ثلاثة رؤساء لمحكمة الاستئناف في الشمال، الغرف الخامسة والسادسة والسابعة.
• رئيس الغرفة الأولى لمحكمة البداية في طرابلس.
• رئيس محكمة الجنايات في البقاع.
• رؤساء ثلاثة من مجالس العمل التحكيمية في بيروت.
وطبعًا، يجب ألّا يتوقّف التغيير على ملء المراكز الشاغرة، بل يجب أن يطال أكبر قدر ممكن من المراكز الموجودة في النيابات العامة، ودوائر التحقيق، والأقسام المنفردة، ومحاكم البداية والاستئناف، وصولًا إلى المستشارين في محاكم التمييز، مع وجوب رفد محاكم التمييز بذوي خبرة ومراس وبما يساعد في الاجتهاد وإصدار القرارات والأحكام الفريدة والمفيدة.
كما أنّ اعتماد مبدأ المداورة في المواقع، يكسر الحاجز الطائفي المعتمد في التوزيع القائم من دون سند قانوني، مع ضرورة عدم إبقاء قاض في مكانه سنوات وسنوات إلّا في ما ندر وخصوصًا في الشقّ الجزائي بعدما دلّت التجارب عدم صحّة هذا الخيار!
ونجاح هذه التشكيلات مرتبط بطريقة إعدادها وفق معايير الأقدمية والدرجة والكفاءة والخبرة والنشاط والحيوية، ومع ذلك فهي التشكيلة الوحيدة الصادرة في عهد القاضي عبود على الرغم من استلامه منصبه في رئاسة مجلس القضاء في أيلول 2019 بعد إقالة جان فهد قبل أن يكمل ولايته.
والجدير ذكره، أنّ بمقدور وزير العدل أن يعيد تمرير أسماء قضاة في مراكز تهمّه من خلال إصدار قرارات بانتدابهم من دون العودة إلى مجلس القضاء الأعلى. وهو سيناريو معمول به منذ أمد بعيد ويستمرّ ما دام القضاء سلطة مستقلّة في القوانين والخطابات والأقوال والتصريحات والمحاضرات، وليس بالفعل الجاد والمثمر!
“محكمة” – الثلاثاء في 2025/1/21
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك”، و”الواتساب”، و”اكس”، و”الإنستغرام”، و”التلغرام”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.