أبحاث ودراسات

قرار الشطب الإداري الذي يتخذه مجلس نقابة المحامين(الحلقة السابعة)/ناضر كسبار

ناضر كسبار(نقيب المحامين سابقًا):
تعليقات كثيرة كُتبت حول مفهوم قرار الشطب الاداري الذي يتخذه مجلس نقابة المحامين بحق محامٍ مخالف ومرتكب. وما اذا كانت الصلاحية تعود اليه ام الى المجلس التأديبي الذي يوقف مزاولة المهنة للمحامي. واكثر التعليقات تأتي ممن يدعون حرصهم على الحريات العامة وحقوق الانسان، وكأن هذه الحريات لا حدود لها حتى ولو مست بكرامة الآخرين وبكرامة النقابة التي ينتمي اليها المحامي.
فما هي طبيعة القرار والقواعد المطبقة عليه؟
على هذا السؤال اجابت محكمة الاستئناف في بيروت الناظرة في قضايا النقابات والمؤلفة من الرئيس ايمن عويدات والمستشارين حسام عطالله وكارلا معماري وعضوي مجلس النقابة الاستاذين عبدو لحود وميسم يونس، في قرارها رقم 2024/3 تاريخ 2024/1/18 فقالت:
أ_ في مسألة طبيعة القرار المستأنف والقواعد المطبّقة عليه
وحيث ان المستأنف يطعن بان القرار المستأنف هو قرار تأديبي بحقه، مدلياً بانه ليس لمجلس النقابة سلطة إلقاء تدابير وعقوبات تأديبية، بل ان إختصاص ذلك يعود للمجلس التأديبي للنقابة، فيكون مجلس النقابة قد تجاوز إختصاصه المحدد قانوناً.
وحيث ان نقابة المحامين في بيروت تدلي بان القرار المستأنف هو قرار شطب إداري تنظيمي يختص مجلس النقابة باتخاذه وليس قراراً بالشطب التأديبي الذي يصدره المجلس التأديبي للنقابة.
وحيث لهذه الجهة يقتضي الإشارة الى ان الإجتهاد الفرنسي المتعلق بقرارات مجالس نقابات المحامين في فرنسا لا يمكن تطبيقه في لبنان، كون القرارات المذكورة قد صدرت في معرض كون مجالس نقابات المحامين في فرنسا هي نفسها مجالس تأديبية للمحامين وقد صدرت القرارات المدلى بها عن مجالس النقابات بصفة مجالس تأديبية وبعد محاكمة تأديبية، الامر المختلف في لبنان حيث مجلس نقابة المحامين لا يتمتع بسلطة تأديبية، بل يعود ذلك الى هيئة خاصة هي المجلس التأديبي للنقابة.
وحيث يتبين ان القرار المستأنف قد صدر عن مجلس نقابة المحامين في بيروت متضمناً شطب قيد المستأنف المحامي من الجدول العام، بالإستناد الى انه من حق مجلس النقابة السهر على مسلك المحامين ومناقبيتهم وتصرفاتهم وان يتخذ التدابير المناسبة في مثل هذه الحال بما فيها عند اللزوم التدابير الإستثنائية التي تقتضيها الظروف التي تستدعيها.
وحيث لهذه الجهة، فان المادة 59 من قانون تنظيم مهنة المحاماة نصّت على انه يختص مجلس النقابة بإدارة شؤونها ويعود له بنوعٍ خاص:
1-البت في طلبات الإنتماء الى النقابة وطلبات التعيين في الوظائف النقابية.
.
11-السهر على مسلك المحامين.
12-إصدار تعليمات للمحامين تتعلق بممارسة مهنتهم.
.
.
وحيث يتبين انه من الواضح والصريح ان التعداد الوارد في المادة 59 الآنفة الذكر أتى على سبيل المثال، بدليل ان مطلع المادة المذكورة نص على ان إختصاص المجلس هو إدارة شؤون النقابة بشكل عام، ومن أوجه هذه الإدارة البنود المدرجة فيها كأمثلة على سبيل الذكر وليس على سبيل الحصر.
وحيث ان ما يعزِّز هذه الوجهة ورود إختصاصات أخرى لمجلس النقابة لم يرد ذكرها في التعداد الوارد في المادة 59 المشار اليها آنفاً.
وحيث إعمالاً لذلك، فإنّ بعض اختصاصات المجلس قد وردت في النظام الداخلي للنقابة دون وروده في قانون تنظيم المهنة، كمثل الشطب للإنقطاع عن ممارسة المهنة مدّة من الزمن أو عدم إتخاذ مكتب ضمن النطاق الجغرافي للنقابة.
وحيث انه ضمن هذا الإطار، فإنّ المادة 5 من قانون تنظيم مهنة المحاماة إشترطت في البند الرابع منها لمزاولة مهنة المحاماة ان يكون من ينوي مزاولة هذه المهنة متمتعاً بسيرة توحي الثقة والإحترام، وأعطت المادة 7 من القانون المذكور مجلس النقابة إختصاص التثبت من توافر شروط المادة 5 الآنفة الذكر.
وحيث عملاً بذلك وعملاً بِكَون مجلس النقابة مختصاً بإدارة شؤون المهنة والسهر على مسلك المحامين، فانه يكون للمجلس التحقق دائماً من إستمرار توافر شروط المادة 5 الآنفة الذكر طوال فترة إنتساب المحامي الى النقابة، وليس فقط عند تقديم طلب التسجيل في النقابة، وذلك بمعزل عن أي ملاحقة تأديبية، إذ ان التثبت المشار اليه نابع من واجبات مجلس النقابة بمراقبة شؤون النقابة والمنتسبين إليها والتحقق من توافر شروط الإنتساب بشكل دائم ومستمر.
وحيث ضمن هذا السياق، فانه لمجلس النقابة ان يتخذ تدبير تتعلق بقيد المحامين في جدول المحامين العاملين عند تحقق شروط ذلك، وشطب هذا القيد عند زوال احد هذه الشروط، لاسيما وانه بموجب المبدأ القائل بتوازي الاجراءات Paralellisme des formes فإن من له إجراء القيد عند تحقق الشروط، له شطبه عند زوال هذه الشروط.
وحيث كذلك فانه بموجب البند 11 من المادة 59 من قانون تنظيم المهنة يختص مجلس النقابة بالسهر على مسلك المحامين، الأمر الذي يؤكد إختصاص المجلس بالإشراف المستمر إدارياً على توفر شروط المادة 5 من قانون تنظيم المهنة لا سيما شرط التمتع بسيرة توحي الثقة والإحترام.
وحيث ضمن هذا التحليل يتبين ان المادة 15 من النظام أجازت لمجلس النقابة شطب المحامين من الجدول الثاني، أي جدول المحامين العاملين (وفق المادة 12 من النظام الداخلي للنقابة) إنفاذاً لقرار صادر عن مجلس النقابة، فيكون إختصاص المجلس المذكور في المادة 15 من النظام الآنفة الذكر مطلقاً ضمن إختصاص المجلس بإدارة شؤون النقابة وتنظيمها واستمرار تحققه من توافر شروط المادة 5 من قانون تنظيم المهنة في المنتسبين اليها، فيكون ما تضمنته المادة 15 من النظام الداخلي للنقابة منطبقاً على القانون وواجب التطبيق.
وحيث ان هذا الحق المعطى لمجلس النقابة مردّه الى ان المجلس المذكور هو السلطة الوحيدة التي أناط بها القانون إعلان صفة المحامي وتسجيله على جدول المحامين عند توافر الشروط المفروضة.
قرار محكمة إستئناف بيروت الغرفة السادسة رقم 17 تاريخ 1973/7/18- حصانة المحامي في الاجتهاد اللبناني، المحامي نبيل طوبيا، ص 82.
وحيث بالتالي يكون القرار المستأنف متخذاً بالإستناد الى سلطة مجلس نقابة المحامين الإدارية في الإشراف على شؤون النقابة ومراقبة توافر شروط الإنتساب الى النقابة بشكل مستمر ودائم، ما يستتبع إعتباره متمتعاً بالصفة الإدارية، وليس بالصفة التأديبية ونتيجة محاكمة تأديبية محددة أحكامها في المواد 96 وما يليها من قانون تنظيم المهنة، ولا أثر لعدم إيراد الصفة المذكورة في متن القرار على نفاذه.
وحيث تبعاً لما تقدم يقتضي إستبعاد كافة قواعد وأصول المحاكمة النقابية التأديبية التي يدلي بها المستأنف لعدم إنطباق هذه القواعد والأحكام على موضوع النزاع الراهن.
وحيث سنداً لما تقدم يقتضي تكريس سلطة مجلس نقابة المحامين الإدارية في الإشراف على شؤون النقابة ومراقبة توافر شروط الإنتساب الى النقابة بشكل مستمر ودائم لا سيما لجهة توافر شروط المادة 5 من قانون تنظيم مهنة المحاماة طوال فترة إنتساب المحامي الى النقابة.
وحيث تبعاً لكون القرار المستأنف متمتعاً بالصفة الإدارية، فان إجتهاد محكمة التمييز إعتبر ان قرار المجلس هو قرار اداري، ولا تأثير لاستئنافه على قوته التنفيذية بإعتبار ان مجلس النقابة لا يتمتع بالصفة القضائية، ولا يؤلف محكمة من محاكم الدرجة الأولى، وبالتالي فان قرار الشطب الإداري هو قرار معجل التنفيذ واستئنافه لا يوقف التنفيذ إلّا إذا قررت محكمة الإستئناف ذلك، وذلك خلافاً للقرارات الصادرة عن المجلس التأديبي التي لا تعتبر معجلة التنفيذ وفق إجتهاد المحكمة (قرار هذه المحكمة تاريخ 2012/6/25 رقم أساس 2003/222، المحامي م. م. ضد نقابة المحامين في بيروت، غير منشور).
بهذا المعنى:
– تمييز جزائي غرفة ثالثة، قرار رقم 2003/166 تاريخ 2003/7/2 كساندر ص: 1207
– تمييز جزائي غرفة سادسة، قرار رقم 2002/178 تاريخ 2002/7/11 كساندر ص:878
وحيث على ضوء ما تقدّم، تردّ إدلاءات المستأنف المناقضة لما تقدم، ويقتضي تكريس حق مجلس النقابة باتخاذ القرار المستأنف بالشكل الإداري وفق ما صار بيانه.
(يتبع)
“محكمة” – الأحد في 2024/3/24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!