مقالات

مدى صحّة عدم نشر قانون إيجارات الأماكن غير السكنية دستورياً/هيثم عزو

المحامي هيثم عزو:
تعليقاً على أمر رئيس حكومة تصريف الاعمال السيد نجيب ميقاتي بعدم نشر قانون الايجارات للأماكن غير السكنية الذي اقرّه مجلس النواب وكانت أصدرته الحكومة التي تمارس في هذا الصدد صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً لخلو سدة الرئاسة، وتسديداً لحُكم الدستور في هذا الشأن، نبدي الآتي:
أولاً- لا يكفي ان يقر مجلس النواب القانون ليصبح نافذاً، ولا حتى ان يقوم رئيس الجمهورية بإصداره خلال المهلة المحددة دستورياً (شهر للقوانين العادية وخمسة أيّام للقوانين المعجلة بعد إحالتها للحكومة سنداً للمادة ٥٦ من الدستور)، بل يقتضي حصول نشره في الجريدة الرسمية ليصبح نافذاً وملزماً؛ ومنذ تلك اللحظة لا يمكن اعادة النظر به ولا يمكن إلغاؤه او تعديله إلا بقانون جديد من السلطة التي اصدرته عملاً بمبدأ “موازاة الصِيَغ والشكليات”، لأنّه حينها يصبح حكماً مرعي الاجراء في الدولة بقوة الدستور.
ثانياً- في حال لم يُصَرْ بعدُ، إلى اصدار القانون الذي اقرَّهُ مجلس النواب، يمكن لرئيس الجمهورية (او للحكومة التي حلت محله في ممارسة صلاحياته الدستورية حال شغور سدة الرئاسة)، استعمال نص المادة 57 من الدستور والتي ترسم المخرج الوحيد لاعادة النظر بالقانون مرة اخرى من مجلس النواب رغم إقراره سابقاً، شريطة حصول ذلك ضمن مهلة اصداره، اذ تنص هذه المادة صراحةً على انَّ “لرئيس الجمهورية، بعد اطلاع مجلس الوزراء، حق طلب اعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لاصداره ولا يجوز ان يرفض طلبه؛ وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حل من اصدار القانون الى ان يوافق عليه المجلس بعد مناقشة اخرى في شأنه، واقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الاعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً؛ وفي حال انقضاء المهلة دون اصدار القانون او اعادته يعتبر القانون نافذاً حكماً ووجب نشره”.
وهذا يعني دستورياً أنّهُ في حال اصدار القانون من المرجع الدستوري المختص (رئيس الجمهورية او من السلطة التنفيذية التي حلّت محله بغيابه في ممارسة وكالةً صلاحياته)، فإنه يفقد حينها حق طلب اعادة النظر به، باعتبار ان حصول الإصدار يعني حصول الامر بتنفيذ القانون وتنازل ضمني عن حق طلب اعادة النظر به طالما انَّ اعادة النظر به مشروطة دستورياً بحصول ذلك خلال مهلة الإصدار، أي قبلَ اصداره خلال المهلة الدستورية المنوَّه عنها أعلاه.
ثالثاً- انَّ الإصدار (promulgation) هو الأمر بوضع القانون موضع التنفيذ بتوقيع رئيس الجمهورية عليه، بما يعني انه الخطوة التي تختم دستورياً مرحلة عملية التشريع التي تبدأ باقتراح القانون من النواب وتنتهي باصدار القانون من قبل رئيس الجمهورية، والذي يُدلل ويُثبِت على وجهٍ رسمي اكتمال وجودية القانون الذي أقره مجلس النواب، وبها يصبح كنص تشريعي مستوفياً شكلاً لكافة شرائطه الدستورية، وحازَ بالتالي على كافة عناصره التكوينية، بيدَ انَّ ذلكَ لا يعني انه اصبح حائزاً على قوته التنفيذية، باعتبار انَّ هذا الأمر لا يتحقق دستورياً الاَّ بنشره في الجريدة الرسمية، اذ انَّ النشر (publication) هو الاعلان عن دخول القانون حيّز التنفيذ بعد اصداره، وهذا يعني انه الخطوة الإدارية التي تلي اصدار القانون والتي تستهدف إشهاره لاعلام واطلاع الجمهور عليه بوسيلة نافية للجهالة لتسري عليهم احكامه، وبها فقط يكتسب القانون قوة النفاذ، بما يعني ذلك عدم ولادة تلك القوة له قبل نشرهِ.
ولكن في كل مرة لا يصار فيها إلى إصدار القانون ضمن المهلة المحددة دستورياً لذلك، او لا يتم خلالها إعادته الى مجلس النواب لدراسته من جديد، يصبح حينها القانون نافذاً حكماً بقوة أمر المشترع الدستوري بمجرد تصرّم تلك المهلة (وكذلك يكون الأمر في حال حصول اصدار للقانون دون ان يتم نشره)، سنداً لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 57 من الدستور والتي تنص على وجوبية نشره حينئذٍ، بما يعني ذلكَ حتماً انه لم يعد هناك من حاجة دستورية لطلب نشر القانون من رئيس الدولة او من السلطة التي حلت وكالةً محله، باعتبار انَّ النشر يصبح في هذه الاحوال أمراً وجوبياً -وليس جوازياً- على السلطة المولجة بالنشر والمسؤولة عنه، وهي قانوناً رئاسة مجلس الوزراء، كَون الجريدة الرسمية تُعتبَر من الأجهزة الإدارية التابعة لها؛ وبالتالي فإنَّ تلكَ السلطة تتحمّل التبِعة الناشئة عن الاخلال بالواجبات المترتبة عليها، في حال التخلُّف عن ذلك، سنداً لأحكام المادة ٧٠ من الدستور.
“محكمة” – الأربعاء في 2023/12/27

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!