خاص”محكمة”:رسالة جريصاتي إلى التفتيش القضائي واجبة الرّد شكلاً وأساساً/ضياء الدين زيباره
المحامي ضياء الدين زيباره:
وجّه وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي كتاباً إلى رئيس هيئة التفتيش القضائي حول قضيّة هانيبال القذّافي، ممّا جاء فيها “بالإشارة إلى الموضوع المنوّه عنه أعلاه ، أعرض ما يلي: بناء لإشارة النائب العام التمييزي واستناداً لكتاب صادر عن الأنتربول الدولي، أوقف فرع المعلومات رهن التحقيق المدعى عليه في قضيّة إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه، المدعو هانيبال القذافي، من التابعية الليبية، بعد تعرّضه للخطف في سوريا وسوقه إلى لبنان بالقوّة بالظروف المعروفة، وتمّت المباشرة بالتحقيقات معه من قبل المحقّق العدلي على اعتبار أنّه صدر مرسوم في العام 1981 بإحالة القضيّة إلى المجلس العدلي في حينه ، حيث تمّ استجوابه كمدعى عليه وصدرت بحقّه مذكّرة توقيف وجاهية بعد استطلاع رأي النائب العام لدى المجلس العدلي…
في ضوء المراسلات التي كانت وزارة العدل محورها وما زالت، والحملات الإعلامية، ومن باب الحرص على الأداء القضائي وتحصينه محلّياً ودولياً منعاً لكلّ تشكيك أو اتهام، أرغب اليكم الاطلاع على مسار هذا الملف بتفاصيله كافة والتأكد من خلوه من أي مخالفات أو تجاوزات للنصوص المرعية وضمانات المتقاضين والتي يعود لكم حقّ رصدها وتقديرها، كما المراحل التي وصل إليها، وتبيان الفوائد التي يجنيها لبنان من الإبقاء على هانيبال القذافي موقوفاً في سجونه لمعرفة حقيقة تغييب إمام السلام والإعتدال ورفيقيه والإفادة “.
إنتهت رسالة الوزير، فما هو الوصف القانوني لهذه الرسالة؟
في الشكل: هل لها مفهوم الشكوى كي ينظر بها التفتيش القضائي؟ أم هي كتاب يتضمّن الرغبة في توجيه العمل القضائي لجهة التدخّل في مسألة قانونية تعود لسلطة القاضي وهي مدّة التوقيف في قضيّة وطنية؟ وبالتالي ينطبق عليها وصف اساءة استعمال السلطة من قبل الوزير؟
وفي الأساس: هل يحقّ لهيئة التفتيش مراقبة القضاء عند استعمال سلطته بالتوقيف والملاحقة؟
أوّلاً : في الشكل:
للإجابة على السؤال المتقدّم ، لا بدّ من مراجعة ما ورد في كتاب الوزير من عبارات، ومن خلال الرجوع إلى القوانين المرعية لا سيّما قانون القضاء العدلي وقانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، وتسليط الضوء على كيفية وضع هيئة التفتيش يدها على مسألة ما وأسباب النظر بها.
فانطلاقاً من نصوص ومواد قانون القضاء العدلي لا سيّما الباب الرابع المتعلّق بتنظيم التفتيش القضائي، نصّت المادة 98 :”تتولّى هيئة التفتيش القضائي :
1- مراقبة حسن سير القضاء وأعمال القضاة وموظّفي الأقلام وسائر الأشخاص التابعين لها “…
ونصّت المادة 108 منه:”يقوم رئيس الهيئة فوراً بنفسه أو بواسطة من يُكلّفه من المفتّشين العامين أو المفتّشين بالتحقيق في كلّ شكوى ترد إليه مباشرةً أو عن طريق وزير العدل ويمكنه حفظ الشكاوى المقدّمة إليه مباشرة إذا وجدها غير جدّية “.
إذاً تضع هيئة التفتيش القضائي يدها على قضيّة معيّنة بناء على شكوى وليس بناء على مراسلة، ومعلوم أنّ الشكوى يجب أن تتضمّن اسم الشاكي واسم المشكو منه ويجب أن يُحدّد الفعل الذي يرى الشاكي أنّه يشكّل مخالفة مسلكية وليست قانونية، بينما نرى أنّ مراسلة الوزير لم تتضمّن أيّاً من عناصر الشكوى، فورد في أسبابها أنّها جاءت بناء على:
• المراسلات التي كانت وزارة العدل محورها وما زالت …
• الحملات الإعلامية …
ومن باب الحرص على الأداء القضائي وتحصينه محلّياً ودولياً منعاً لكلّ تشكيك أو اتهام …
فالحملات الإعلامية ليست سبباً لتحريك هيئة التفتيش القضائي، ولم تكن كذلك في ما سبق .
والحرص على الأداء القضائي لا يكون بالتدخّل في عمل القضاء لناحية مراقبة حقّ القاضي وسلطته بالتوقيف أو الترك، وبمراسلة تُعمَّم إعلامياً. أليس هذا هو التدخّل بعينه في عمل القضاء ومحاولة للتسلّط عليه وتوجيه عمله؟
ثمّ ماذا طلب الوزير في كتابه؟
طلب تبيان الفوائد التي يجنيها لبنان من الإبقاء على هانيبال القذّافي موقوفاً في سجونه !!!
هل أنّ هيئة التفتيش القضائي هي مجلس الوزراء الذي له وحده سلطة رسم سياسة الدولة لتُقَدّر ماذا يجني لبنان من توقيف القذّافي؟ ومنذ متى يُبنى قرار توقيف مدعى عليه أو متهم بمصلحة لبنان؟ هل أنّ قانون أصول المحاكمات الجزائية لا سيّما المواد التي نصّت على ظروف قرارات التوقيف، لحظ مصلحة لبنان في توقيف المتهمين أو المدعى عليهم؟
كلّ هذه الإستفسارات معطوفة على ما سبقها تجعل من الرسالة مجرّد كتاب ينطوي على إساءة في استعمال السلطة ويقتضي ردها شكلاً.
ثانياً: في الأساس:
فإنّ قاضي التحقيق العدلي في قضيّة الإمام الصدر ورفيقيه أصدر قراراً اتهامياً بتاريخ 2008/8/21 طلب خلاله إنزال عقوبة الإعدام بحقّ معمّر القذّافي وستّة من كبار معاونيه بمقتضى المادة 218/569 من قانون العقوبات اللبناني لجهة التحريض على خطف وحجز حرّية كلّ من سماحة الإمام موسى الصدر والشيخ محمّد يعقوب والصحفي السيّد عبّاس بدر الدين.
وقبلاً؛ كانت الحكومة اللبنانية قد أصدرت مرسوماً برقم 3794 تاريخ 1981/2/4 اعتبرت بموجبه إخفاء الإمام السيّد موسى الصدر وأخويه جريمة اعتداء على أمن الدولة الداخلي، وأحالت هذه القضيّة على المجلس العدلي .
وبمراجعة مواد قانون العقوبات لا سيّما مواد الفصل الثاني من الباب الأوّل (الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي) يتبيّن أنّ العقوبات الملحوظة في بعض المواد تصل إلى الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبّدة .
وفي ما يتعلّق بهانيبال القذّافي، فإنّه بعدما طلبت عائلة الإمام الصدر بداية الإستماع إليه كشاهد، وبعدما تبيّن لها أنّه كان مسؤولاً عن السجن السياسي في ليبيا في فترة حكم والده، تقدّمت بشكوى ضدّه بجرم التدخّل اللاحق في الخطف المستمرّ حتّى تاريخه.
واستناداً لنصّ المادة 220 من قانون العقوبات، فإنّ “المتدخّلين يعاقبون بالأشغال الشاقة المؤبّدة أو المؤقّتة من عشر سنوات إلى عشرين سنة إذا كان الفاعل يعاقب بالإعدام، وإذا كان عقاب الفاعل الأشغال الشاقة المؤبّدة أو الإعتقال المؤبّد، حكم على المتدخّلين بالعقوبة نفسها من سبع سنوات إلى خمس عشر سنة. ”
وعليه، فإنّ عقوبة هانيبال القذّافي في الجرم المدعى به تتراوح بين عشر سنوات وعشرين سنة، ومن البديهي عند إدانته، تطبيق المدّة القصوى تبعاً لما يمثّله الإمام الصدر على صعيد الوطن، ولكونه كان في مهمّة رسمية، وهو يرأس طائفة تشكّل جزءاً من تنظيمات الدولة .
وبالعودة إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية، فقد نصّت المادة 108 منه على:”ما خلا جنايات القتل والمخدّرات والإعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الإرهاب وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية، لا يجوز أن تتعدّى مدّة التوقيف في الجناية ستّة أشهر، يمكن تجديدها لمرّة واحدة.”
وبما أنّ مرسوم إحالة هذه القضيّة على المجلس العدلي اعتبر أنّ إخفاء الإمام السيّد موسى الصدر وأخويه جريمة اعتداء على أمن الدولة الداخلي،
وبما أنّها تتعلّق بشخصية وطنية استثنائية لها امتداد وطني وعربي وديني،
وبما أنّ الإمام ورفيقيه كانوا في مهمّة وطنية ورسمية، فيكون من حقّ القضاء، بل من واجبه الإبقاء على هانيبال القذّافي موقوفاً إلى أن يصدر حكم نهائي بحقّه .
وعليه، تكون رسالة الوزير جريصاتي إلى التفتيش واجبة الردّ شكلاً وأساساً .
يُذكر أنّه بتاريخ ٢٦ تشرين الأوّل ٢٠٠٧ صدر عن وزارة العدل بيان جاء فيه: “في مطلق الأحوال، إنّ شأن إصدار الأحكام يعود إلى القضاء ولا سلطة لوزارة العدل على القضاة في ممارستهم لوظائفهم، والأمر بهذا الشأن يعود إلى مجلس القضاء الأعلى وإلى هيئة التفتيش القضائي إذا كان ثمّة خطأ مسلكي في تصرّف القاضي، أما إذا كان الخطأ قانونياً فيكون الأمر قابلاً للطعن في الحالات التي ينصّ عليها القانون بذلك…”
“محكمة” – الأحد في 2019/1/13
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.